إغلاق
 

Bookmark and Share

الاسم:   سامر 
السن:  
30
الجنس:   ??? 
الديانة: مسلم 
البلد:   ألمانيا 
عنوان المشكلة: الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان؟ 
تصنيف المشكلة: اضطرابات وجدانية: اكتئاب Major Depression 
تاريخ النشر: 11/01/2005 
 
تفاصيل المشكلة

  
لا أدري كيف أبدأ بوصف مشكلتي؟

 فقد أصبحت عاجزا حتى عن الكتابة، يائسا تائها فاقدا الأمل من كل شيء حتى من رحمة الله التي لا ييئس منها إلا القانطون.

الرجاء أنقذوني فلم أعد أفهم نفسي، ولا أكاد أعي مشكلتي. إني ضائع. فبعد أن كنت شابا مواظبا في عملي نشيطا فيه، أصبحت شيخا عجوزا في عمر الشباب.

لقد ذبلت نضارة وجهي ويئست من هذه الحياة أيما يأس، إلى درجة التفكير بالانتحار أحيانا.

من أي شيء أعاني لا أدري؟! "تيهان نفس رهيب أم جنون بانتظار التفاقم"! لقد دخل الشك في قلبي حتى حول حقيقة الإسلام بعد أن كنت مواظبا على أمور ديني. عمري تجاوز الثلاثين سنة، أعيش في بلد أوربي منذ سنوات للدراسة وكنت من قبل أعزي نفسي وأقول إن كل مشاكلي ستحل وسأعيش في راحة ونعيم في هذا البلد، وإذ بالحلم يصبح كابوسا والآمال الوردية تتبخر وتتحول إلى يأس وقنوط والهمة إلى كسل وبلادة.

وقد جئت إلى هذا البلد للحصول على شهادة عليا منه، وأنا الآن في أحسن المراكز العلمية في أوربا بل وفي العالم في مجال اختصاصي.

ولكن.. للأسف مع مشكلتي ومعنوياتي التي هي في الحضيض أصبح مركز وجل اهتمامي منحسرا في كيفية الخروج من مشكلة تعيسة لا أدري ما سببها، فأضيع الوقت الثمين هباء في اجترار آهاتي وندب سوء حظي!

ما أعرفه فقط هو أني في ضيق صدر خانق، فضاقت بي الدنيا على رحابتها، وسلطانها ركبني، والهم والغم يسحقني شيئا فشيئا.

والغريب أني أفكر في المستقبل وفي النساء كثيرا، لكن دون الاستطاعة الوصول إليهن! لقد حاولت غير مرة البحث عن بنت الحلال ولكن لم أوفق، وقد خيب ظني أكثر من مرة ممن أملت خيرا.

وهذا أنتج لدي ردة فعل حمقاء، وأتذرع مبررا وأقول لو أن الله يريد أن ييسر أمري لاختصر علي الطريق وجعلني أعثر على ما أريد لكي أستثمر وقتي فيما هو أكثر فائدة، ولكن يريد أن ينتقم مني في الدنيا والآخرة؛ لذلك سلط علي هذا الأمر لأني لا أستحق شيئا!!

إني أعيش كما قال الشاعر:
 
كالعير في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول!!

ولكن، الأخطر هو ألا تكون مشكلتي ناتجة عن هذا الأمر وحده، رغم أن الحال قد وصل بي إلى أن أعزو كل العذاب النفسي الذي أقارع إلى الفراغ الوجداني والعزلة العاطفية!

وأتساءل يا ترى ألهذه الغريزة الحيوانية كل هذا التأثير على النفس؟ أم أنا أضخم الأمور وأبالغ قليلا؟ وإن كان لها كل هذا الزخم (عند بعض الناس على الأقل، الضعفاء التعساء مثلي!) فما بوسعنا، نحن المساكين أنا وأمثالي، أن نفعل، خاصة إذا كانت (العين بصيرة واليد قصيرة)!

 ولا أكتمكم أنه لطالما حلمت بنوع معين من النساء... بامرأة من جنس معين(!) تعينني على أمور ديني ودنياي، ولكني فشلت فشلا ذريعا.

وبسبب هذا الفشل، قررت العزوف عن الزواج والبقاء أعزبَ؛ لأنني أخشى أن يكون سبب مشكلتي هذه ليس هذا الأمر،

وأن تكون حالتي قد أصبحت طبعا مترسخا ومرضا مزمنا مستعصيا؛ وبالتالي لن أستطيع التأقلم مع حياة زوجية بعد عزوبية طال أمدها ودون أي خبرة سابقة في المعاشرة الاجتماعية والتآلف مع امرأة تحت سقف واحد؛ لأنني سأظلم والحالة هذه، تلك المرأة المسكينة التي لا ذنب لها!

وأحكم بالفشل المسبق على أي ارتباط، فبدأت أرفض فكرة الزواج تماما وأعزف عنها! نشاطي أصبح معدوما وحماستي للعمل تتراجع، وحالتي تتدهور من سيئ إلى أسوأ، وبدأ من حولي يلاحظ تعكر مزاجي رغم محاولتي إخفاء ذلك، وأتذرع بأن هذا مجرد تعب جسدي بسيط سيزول، ولكن في الحقيقة إن الأمر أخطر من ذلك بكثير.

ضعُف إيماني وبدأت أستصغر وأستهين بالكبائر وأسعى وراءها ثم ألوم ربي! اختلطت علي الأمور وأصبح ليلي نهارا طويلا من الأرق والسهر والتفكير العقيم، ونهاري فترة من الخمول والبلادة والجمود والكسل.

 قبُح منظري وساء خُلقي، وأصبحت نزقا، سريع الغضب، حساسا، سيئ الظن بالآخرين، سيئ السلوك والتصرف، بذيء اللسان أحيانا، وأصبح كلامي منفرا، مملا ثقيلا، لاذعا وجارحا.

وما يزيد الطين بلة أني ألجأ إلى العادة السيئة (السرية) والنهم بشكل غير معقول أو العزوف التام عن الأكل، كملجأ زائف ووسيلة للانتقام من نفسي حتى نحل جسمي وخارت قواي، وصرت أتحاشى الناس وأتهرب من المسؤوليات والاجتماعيات.

 وإن كنت في اجتماع فإني أتحاشى الأماكن المتقدمة أو أوساط القاعات؛ لأنني أخشى أن يبدر مني شيء قسري رغم إرادتي كالصراخ مثلا في الاجتماع!! لم يحدث لي هذا بعد ولكني أخشاه جدا وأمضي جل وقت الاجتماع في التفكير في نفسي والبقاء هادئا حتى النهاية، وكثيرا ما يراودني الإحساس بالخروج قبل نهاية الاجتماع تحاشيا لأي طارئ!!

كيلت لي الأوصاف والتهم العديدة، أقلها المعقد، المتزمت، المغرور، المفصوم، المتكبر، المتشدد...!! إني مشلول الإرادة والتفكير وأتخبط في مستنقع من العذاب ليس له قرار. خارت قواي وضحلت همتي وبدأت ملامح سوء العاقبة تلوح في أفقي! شرود الذهن وشحوب الوجه واللامبالاة علامات أصبحت من سماتي الظاهرية المميزة.

إني عاجز عن اغتنام فرصة وجودي في بلد عريق فيه كل شيء متاح وميسر لمن أراد أن يستفيد ويتطور ويبني نفسه وقد أحسد على هذه الفرصة (ولكني في الحقيقة شاك مما أنا عليه محسود).

أذهب متأخرا إلى عملي وأتغيب عن العمل أحيانا بذرائع وهمية، ويتراجع مردودي الدراسي أكثر فأكثر حتى ليراودني الشك في عدم القدرة على إنهاء المرحلة التي جئت من أجلها، وبدأ المشرف على عملي يتأفف مني ويظهر ندمه على قبوله إياي للعمل معه (ولا ألومه!) والوقت يحسب علي ويمر دون فائدة. أصبحت غير مكترث بما يجري من حولي، فقل مردود عملي بشكل واضح وخطير.

أتصرف أحيانا كالمراهق الغر وتارة كالأخرق أو البليد! الناس تلفظني وتهجرني وأنا ألفظ نفسي وأحقرها وأبحث عن طريقة للانتقام منها! أعيش وحيدا بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، فلا صديق حميم ولا صاحب يواسيني، فشحوب وجهي واكفهراره واعتلال سلوكي وانحرافه كافٍ لتنفير الناس مني بسهولة،

 وما أوشك أن أتعرف على إنسان حتى يصد عني بسرعة! فألوم نفسي، وأقول إن كنت متوحشا أو منبوذا إلى هذا الحد فالأفضل أن أعتزل الناس وأتحاشاهم لأكفيهم شري، ولكي لا يطلعوا على ما أنا فيه! ناسيا أنه:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم

تارة أكون مستسلما خانعا إلى درجة استعظام الآخرين وتقديسهم واستصغار نفسي أمامهم، وتارة متمردا غاضبا كصعلوك شرير حاقد على نفسه وعلى ما حولها وعلى الدين! وقد كان ظني بالله حسنا،

 ولكن المرارة التي أعيش جعلتني أقول إن الله خيب ظني وأصبحت ألوم ربي كما ألوم إنسانا عاديا!!! وأكثر من قول "لماذا كل هذا يا ربي" فمنذ سنوات وأنا على هذه الحال ولا حتى بصيص أمل، وتركت الصلاة وهجرت القرآن تمردا!! بعدما كنت متمسكا بهما وكان ذلك ديدني،

 وأصبح الدِّين يغيظني والشك يطاردني! وأتهم طريقة تربيتي التي كانت نوعا ما (دينية) على الخلق والمبادئ والقيم، وبدأت أشك أن ذلك قد يكون السبب في معاناتي هذه، وليس الفراغ العاطفي!!

وأقول: "ماذا جلب لي الخلق والأدب غير التعاسة والمعاناة في حين أرى أن الفاجر البذيء والمنافق الكذاب أو الفاسق أكثر ثقة بنفسه مني وأكثر نجاحا وأتم صحة وأوفر حظا!"، وعندما أراقب نفسي أجد أني فاشل في كل شيء وعلى كل الصعد، الاجتماعي والعلمي (رغم الشهادات) والعاطفي والصحي النفسي والجسدي الذي بدأ يتداعى كبيت خرب،

 في حين يتمتع الفاتك اللهج بكل الطيبات!! أكاد أقتنع بأن تعاستي هذه هي قدري، قدر سيئ، أسوة بالقدر السيئ لآلاف البشر في هذا العالم، ومن منا يستطيع رد القدر، فأستسلم لذلك الشعور.

وعندما أتخيل أن المستقبل قد يكون امتدادا لهذا الحاضر التعيس بمرارته وقساوته، فإني أكرهه وأمقته كثيرا وأتمنى ألا أعيشه، فتعاسة الماضي والحاضر تكفيني وقد أخذت حظي منها، ولا أريد أن يكون المستقبل أيضا على هذه الحال! أذبل شيئا فشيئا، ولم يعد لي رغبة في الحياة، أطرح أسئلة كثيرة على نفسي، ولكن لا أجد حلولا.

 هل هذا الذي يحدث معي يا ترى أمر طبيعي؟ وهل ما زالت الحياة تستحق أن تعاش بعد أن لم يبق لها طعم ولا رائحة؟ وهل هناك من عاش محنة مماثلة وخرج منها سليما؟

إن أمراضي وعللي تتفاقم يوما بعد يوم ويسبب بعضها بعضا ويزيد بعضها في خطورة بعض، دون أن يكون للأدوية الطبية والنفسية أي أثر إيجابي. وأحاول تطبيق الإرشادات وأغير الطبيب ولكن عبثا! أجتر نفس الآهات والأنات وأموت كل يوم ألف مرة.

لقد مللت والله، وتعبت من هذه الحال، فما المخرج؟ أرى نفسي كشمعة تنطفئ تدريجيا أمام عيني ونهايتها قريبة وأنا عاجز عن فعل أي شيء! هل يكون الهروب نحو الانتحار هو المخرج فأخسر على عجل ديني الذي لم يبق منه شيء، ودنياي التي لم أتمتع منها بشيء، وآخرتي التي لم أدخر لها شيئا؟

أنا في جحيم أسود، أحمر، ولا يشعر بذلك أحد. أعيش في وهم وسراب.. أنا ميت بين الأحياء، ولا أدري ماذا أفعل؟ فلا حتى صديق يواسيني... بسبب المعاناة التي أعيش، ورؤية ما في هذا العالم من جور وظلم ورزايا، بدأت أتساءل عما إذا كان الله فعلا موجودا!! بعد أن كان هذا الأمر بالنسبة لي قناعة لا نقاش فيها. تصوروا إلى أي حد وصلت حماقتي وتمردي!!!

وحين أحاول فهم مشكلتي ومعاناتي أقول لو أني لم أكن أشقى الناس لما عانيت كل هذا (قد تقولون إن الأنبياء قد عانوا وهم خير البرية، ولكن من منا لديه طاقة احتمال الأنبياء!).

وعندما أتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم عمن يسبق عليه الكتاب فيردى في جهنم أو ينجو منها، أو قوله فيمن يصبح مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، أقول لقد صدق والله، فإني أرى ذلك وأعيشه.

أعاني وحيدا وبصمت منذ سنوات دون أن يدري بي أحد وأكتم كل ما أعاني باسم الصبر والاحتساب! فقدت الأمل في كل شيء ويئست من كل شيء! اسودت الدنيا في عيني... حتى إنني أبكي أحيانا كالطفل الصغير!

قد تقولون لي عليك بالصلاة والرجوع إلى الله والقرآن والدعاء والتضرع... ولكن حتى هذا الأمر أصبح منفرا لي!! وأربطه بتحسن حالي وأقول لو كنت إنسانا سويا معافى.. ولو أن الله استجاب دعائي وكشف عني هذا الجحيم..

عندها لن تكون لي حجة في هجران الدين!! (ألا ترون أن أبواب الشيطان مفتوحة أمامي على مصراعيها؟!) أنا في صراع لا يطاق بين أضداد وتناقضات سلوكية وخلقية (افعل.. لا تفعل..) ومعاناة نفسية رهيبة تعجز كلماتي عن وصفها... أليس حراما أن يمضي عنفوان الشباب هكذا؟!

في لحظات معينة أقول إن مشكلتي هذه ليس لها إلا حل وحيد ونهائي!!! إن كانت هذه المشكلة هي النفس الحقيرة وما جبلت عليه، وإن كانت الطباع قد تأصلت منذ سنين ولا أمل يرجى في الأفق،

 أفليس الموت مرة واحدة في العمر أهون من الموت ألف مرة في اليوم الواحد!! فالطب في عقر داره لم يفعل شيئا معي، وأدوية الجنون والهبل (!!!) أو الاكتئاب والإحباط والقلق لم تفد، بل وكأنها تساهم في تدهور حالتي أكثر فأكثر!! ولست من أهل الصلاح والتقوى حتى يجاب دعائي ويرفع كربي ولا من أهل السلطان والجاه لأجد العون والمواساة ممن حولي. فما العمل يا ترى؟!

إني والله حائر، أغيثوني، أشيروا علي أرجوكم، الشيء الوحيد الإيجابي الذي استنتجته من حالتي هذه هو أنني أفهم الآن لماذا ينتحر بعض الناس، فأعذرهم(!!)

سامحوني على الإطالة وعلى بعض الهذيان؛ لأنه حتى الكلمات تهرب مني، ولم يعد باستطاعتي انتقاؤها.. ولا أدري إن كنت سأتمكن من قراءة جوابكم قبل أن... قبل أن يفوت الأوان... فلا تدرون مقدار اليأس وحجم المعاناة التي أكابد وأقاسي... ودمتم ناصحين مرشدين..

 والسلام عليكم.

8/12/2004
 

 
 
التعليق على المشكلة  


الأخ السائل العزيز، أهلا وسهلا بك، وشكرا على ثقتك بصفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن إفادتك رغم طولها، ورغم الحزن والأسى اللذين يفيضان من بين سطورك الإلكترونية، ورغم أنك جنحت كثيرا عن المسار المحوري للإفادة والذي كان يفلت منك دون أن تدري..

رغم كل ذلك فإن إفادتك تعتبر إفادة نموذجية من مكتئب مزمن! إلا أنه مثقف وحافظ للشعر، ومتقن للغته العربية، وكثيرا ما لا نجد ذلك في طلبة الدكتوراه العرب على اختلاف تخصصاتهم في أيامنا الفارغة هذه، ولهذا أشكرك، وأشكر أيضا من ربوك تلك التربية التي وصفتها بأنها "دينية"؛ لأنها على الأقل جعلت لك لسانا عربيا مبينا، أصبح يستلزم منا الرعاية أينما وجدناه.

إفادتك نموذجية لأنها توضح لنا في أكثر من موضع ما أطلق عليه أخي الدكتور عمروأبو خليل  هنا على مجانين اسم التفكير النكدي، وهو أحد أساليب تفكير الأشخاص المعرضين للإصابة باضطراب الاكتئاب،

 كما توضح لنا إفادتك عددًا من المفاهيم المغلوطة الشائعة في مجتمعاتنا، والتي اتفقنا في اجتماعات مستشارينا  الدورية على أننا نحتاج إلى تجميعها، وإعداد برامج علاج معرفي مناسبة لثقافتنا تصلح لتعديل تلك المفاهيم، وأنت أهديتنا أكثر من مفهوم في إفادتك.

وأول المفاهيم المغلوطة يتعلق بالغريزة الجنسية، فأنت تتساءل في مرارة غير خافية: (يا ترى ألهذه الغريزة الحيوانية كل هذا التأثير على النفس أم أنا أضخم الأمور وأبالغ قليلا؟) فلماذا تصف الغريزة بأنها غريزة حيوانية؟ وكأن الجنس في رأيك يمثل الجانب الحيواني في الإنسان؟ فمن قال ذلك؟ وهل لديك أي نص من الكتاب أو السنة يصف الجنس بهذا الوصف؟

قد يكون الجنس الذي تراه يمارس في البلد الذي تعيش فيه في الغرب بالفعل مجرد إشباع للغريزة مثلما الأمر في الحيوانات، ولكن الجنس بين زوجين مسلمين مدركين للإسلام الصحيح ليس كذلك أبدًا، بل هو ممارسة تسمو بالنفس وتسرها سرورًا عظيما ما دامت في حلال، وهذا هو الشق الأول من المفهوم المغلوط.

وأما الشق الثاني فهو عن مدى الأثر السلبي للحرمان الجنسي على الإنسان، فليس الأمر مثلما يعتقد كثيرون أنه يؤدي إلى الاكتئاب أو غيره من الأمراض النفسية (فمن الشائع مثلا أن المرأة تكتئب بسبب أن علاقتها مع زوجها لا تشبعها، والحقيقة أن هذا غير صحيح) وليس ما أقصده هنا هو أن الإشباع غير مهم، وإنما أقصد أن غريزة الجنس ليست كغريزة الأكل أو الشرب أو غير ذلك من الغرائز التي نموت إذا لم نشبعها،

 فنحن لا نموت إذا لم نمارس الجنس طوال حياتنا وكذلك لا يشترط أن نكتئب، فمن المعروف علميا أن السلوك الجنسي في الإنسان يبدو أكثر تأثرًا بالخلفية المعرفية للإنسان في مقابل تأثره بالهرمونات وكيماويات الدماغ مقارنة بما نراه في الحيوان الذي تأخذ الهرمونات فيه اليد العليا في توجيه السلوك الجنسي.

إذن فما يجب أن يفعله المساكين من أمثالك كما وصفت نفسك للتعامل مع حاجات أجسادهم ونفوسهم الجنسية، هو الزواج، وهذا يقودنا إلى المفهوم المغلوط الثاني الذي توضحه إفادتك، وهو: إن فشلك في اختيار الزوجة (الذي لم توضح لنا أسبابه)، قادك ذلك إلى توقع الفشل في كل مرة، ثم أوصلك إلى العزوف عن الموضوع،

 بينما أنت لم تحاول أن تفهم أسباب الفشل، ولا وضحت لنا ما هو الجنس المعين الذي تتصف به المرأة التي تريدها، ثم انفلتَّ من شدة يأسك إلى إلقاء اللوم على المولى عز وجل! ونسيت قول الله عز وجل: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ...} (النساء: 79)،

 وعدم قدرتك على اتخاذ قرار الارتباط؛ لأنك لم تجد ذات الجنس المعين حين ترده إلى أن الله لا يريد أن يضع من تريدها في طريقك هو مفهوم مغلوط بكل تأكيد، ونفس الكلام ينطبق على الفشل عندما لا نحسن العمل! بينما نستطيع أن نقول إنك لم تكن موفقا من الله حين تحسن العمل قدر استطاعتك ثم تفشل.

وفي خلفية ذلك كله نجد عدم فهمك لما تعانيه من همود وفقدان للحافز والدافع مبررا جاهزا تقدمه لنفسك حين تتوقع أن يكونَ ما تعانيه قد أصبح صفة أو سمة راسخة فيك، وهنا أقول لك إن هناك ما نسميه الاكتئاب المزمن Chronic Depression، وهناك ما نسميه الاكتئاب المضاعف Double Depression،

 وهو الذي يعقب فترة طويلة من عسر المزاج، وهذه هي الحالات التي يطول فيها الاكتئاب لفترات طويلة مثلما هو واضح في حالتك،

 ويمكنك أن تجد ما يفيدك ويوضح لك إذا قرأت ما تحت العناوين التالية على
استشارات مجانين
علاج الاكتئاب المعرفي : فتح الكلام :
الاكتئاب المتلصصُ في الغربة
غضب الله أم اكتئاب ؟
احباط واكتئاب مستمر ...... فما الحل ؟

ثم تظهر بعض علامات الاندفاعية Impulsivity في إفادتك في فقرة هي من أكثر الفقرات إحداثا للقلق عليك داخلي، وهي قولك: (وما يزيد الطين بلة أني ألجأ إلى العادة السيئة (السرية) والنهم بشكل غير معقول أو العزوف التام عن الأكل، كملجأ زائف ووسيلة للانتقام من نفسي حتى نحل جسمي وخارت قواي وصرت أتحاشى الناس وأتهرب من المسئوليات والاجتماعيات)، فأنت تلجأ إلى الجنس بصورة اندفاعية فتمارس العادة السرية لتخفف عن نفسك بعض مشاعر الاكتئاب ونفس الكلام ينطبق على الأكل بنهم مثلما تجد في الردود السابقة على هذه الصفحة تحت عنوان:
اضطراب نوبات الدقر (الأكل الشره)
اضطراب نوبات الدقر متابعة
تأرجح الوزن ونوبات الدقر (الأكل الشره)

وهذه العلامات على الاندفاعية تقلقني في مريض الاكتئاب بصورة خاصة عندما تواتيه أفكار أو تخيلات الانتحار، وأنصحك أن تقرأ الرابطين التاليين من على مقالات متنوعة لتعرف كل شيء عنه:
الانتحار بين المرض والاختيار : الجزء الأول
الانتحار بين المرض والاختيار : الجزء الثاني

وأما الجزء التالي من إفادتك فيشير إلى بعض أعراض القلق والوسوسة: (وإن كنت في اجتماع فإني أتحاشى الأماكن المتقدمة أو أوساط القاعات؛ لأنني أخشى أن يبدر مني شيء قسري رغم إرادتي كالصراخ مثلا في الاجتماع!! لم يحدث لي هذا بعد، ولكني أخشاه جدا وأمضي جلّ وقت الاجتماع في التفكير في نفسي والبقاء هادئا حتى النهاية، وكثيرا ما يراودني الإحساس بالخروج قبل نهاية الاجتماع تحاشيا لأي طارئ!!).

وأصل بعد ذلك إلى ما ذكرته دون أي تفاصيل مع أن التفاصيل هنا كانت مهمة جدا، وهو قولك إنك لم تجد فائدة في أدوية الاكتئاب، وهنا أنبهك إلى أن من المهم عدم الحكم على عقار ما بأنه لم يفدك إلا بعد أن تستمر عليه لفترة يحددها لك طبيبك النفسي؛ لأن العلاج المنقوص قد يضر أكثر مما يفيد كما تجد في الرابط التالي:
الاكتئاب المتبقي أم العلاج المنقوص ؟ 
كذلك فإن المكافحة الشخصية للاكتئاب.. كثيرًا ما تخدع!

وأنا شخصيا أرى حالتك الآن تستدعي العلاج بالصدمات الكهربية، وإن الرأي الأول والأخير سيكون لطبيبك المعالج، ولتصحيح مفاهيمك فيما يتعلق بالعلاج بالصدمات الكهربية فيمكنك فيه الرجوع إلى الرابط التالي على صفحة الطب النفسي شبهات وردود العلاج بالصدمات الكهربية إنما يدمر المخ

ولعل أهم نقطة بقيت في إفادتك وعبرت عنها بشكل جيد هي الكيفية التي أثر بها اكتئابك على تدينك، فأنت بالتدريج رحت تشعر بنقص إيمانياتك، وبينت كيف أن الاكتئاب يسلب الإيمان، ويحمل المريض على اليأس من رحمة الله؛ لذلك لا يجوز أن تستسلم له يرحمك الله، ولعلنا ناقشنا هذه النقطة من قبل في إجابة: "أبو حامد الغزالي" يعاني الاكتئاب

ولا أجد في النهاية ما أختم به ردي عليك خيرا من قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53)، وقوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل:62). 
 

 
   
المستشار: أ.د. وائل أبو هندي