إغلاق
 

Bookmark and Share

الاسم:   ماجد هلال 
السن:  
15-20
الجنس:   ??? 
الديانة: مسلم 
البلد:   الأردن 
عنوان المشكلة: هل أستحق الوجود؟؟ لله تعالى القول الفصل .. 
تصنيف المشكلة: اضطرابات وجدانية: اكتئاب Major Depression 
تاريخ النشر: 23/05/2005 
 
تفاصيل المشكلة

 
بعد الذي حدث --------- هل أستحق الوجود

تحية طيبة ترددت كثيرا قبل أن أرسل مشكلتي إليكم ولكن حين تبلغ مشاعر الضيق والألم حدا كبيرا لا يحتمل فإنها تدفع بكل تردد وخوف وعدم ثقة فى الآخر بعيدا ليظهر ما خفي –

أنا عديم شخصية-شخصيتي ضاعت تماما -والسبب فى ذلك تلك التربية القاسية -الجافة -التي تلقيتها -كانت خالية من الحب والحنان ومليئة بالقهر والدكتاتورية-

أنا الابن الثاني- في آسرة مكونة من تسعة أفراد-منذ صغرنا والوالدين فى خلافات دائمة لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد -خلا فات تتعدى الألفاظ الجارحة والسباب لتتحول الى مصارعة عنيفة -فى أحيان كثيرة تستخدم فيها الآلات الحادة -وعن حق والداي مؤهلان للعب أدوار الكومبارس فى أفلام الأكشن –

خبرتي فى الحياة قليلة -فى بداية مراهقتي أصبت بالوسواس القهري -Compulsive obsession , ولكنني أهتم بالطب النفسي وعلم النفس - أقرأ لفرويد وأتأمل نظرياته فى الجنس-وبالمناسبة قرأت كتاب الوسواس القهري من منظور إسلامي للدكتور وائل أبو هندي وهذا ساعدني فى التعامل مع هذا الاضطراب القاسي وحاليا تستمر معي بعض الطقوس بصورة مخففة-

المصيبة التي تسمم حياتي هي تلك الخطيئة -لا بل الجريمة الإنسانية التي ارتكبتها فى بداية مراهقتي واستمريت فيها حوالي عام كامل -ومع من؟مع طفل -----وأي طفل؟ -------إنه قريب منى للغاية -----إنه---إنه----والله لا أستطيع ذكر صلتي به -ضميري متألم للغاية -فقد تستطيع الغريزة الجنسية إلغاء مشاعر الخجل والرعب والأخلاق لتعبر عن نفسها -ولكنها لا تستطيع إلغاء مشاعر الذنب حين تكون عميقة وكثيفة وأساسية –

سادتي إني أسألكم (هل توجد وسيلة غير الوسيلة الجراحية للتخلص من الغريزة الجنسية)-فلقد سئمت تماما –

أنا أدرس فى كلية إنسانية أريد إكمال دراستي بنجاح وخدمة البشرية وهذا ما يهمني -لا أريد أي شيء آخر (لو أعيش إنسان له قيمة ------- يسعد الناس بوجوده)
هذا هو شعاري - فى الختام أرجو الرد المستعجل -آسف للطلب الجنوني الغريب ( التخلص من الغريزة الجنسية ) ولكن هذا هو السبيل الوحيد للتخلص من مشاعر

وبعد قليل أرسل صاحب نفس المشكلة مستطردا يقول :

تحية طيبة
أود أن أوضح أن تلك الجريمة الإنسانية التي ارتكبتها فى بداية مراهقتي (13عام) واستمرت لمدة عام كامل لم تكن اتصالات جنسية فعلية,أبدا, ولكنها كانت تمثيلا لاتصالات جنسية ونحن بملابسناsex plays, لم يحدث أن تجردنا عن ملابسنا إطلاق, لكن كان طابعها عنيفا فى أحيان كثيرة .
الحقيقة أنني أشعر بذنب كبير
بمرارة قاتلة
بألم شديد
بحقارة ونذالة
بعدم قيمة
بانعدام الثقة فى النفس
بتشاؤم
بفشل مستقبلي دائم
بكل ما هو سلبي وقاتم

دعوني أضرب لكم مثالا:
تخيلوني واقفا بالقرب من مركز قطعة أرض دائرية مبللة بالبنزين, ويحيط بهذه الأرض جدول عرضه أمتار كثيرة وعمقه يصل لنصف ساقي, هذا الجدول مفروش بالأشواك والمسامير الحادة والزجاج وشفرات الحلاقة, ومغمور بالكولونيا, وبعد هذا الجدول أرض آمنة مليئة بالأشجار والأزهار والخضرة, وتحلق فوقها الأطيار.

وأنا واقف اندلعت النيران أخذت تتقدم نحوي بسرعة, سأركض وأركض حتى أصل لحافة الجدول
وسيتعين على عبوره-----------------لكن هل أستطيع؟
والآن لنفسر المثال:
النيران ------------- هي الاستثارات الجنسية المتولدة على الدوام
الأرض الآمنة --------- هي التوافق الجنسي وما يضفيه من هدوء
الجدول------------ مشاعر الذنب القاسية

أريد أن أغفر لنفسي, لكن غصبا عنى لا أستطيع, وعدم مقدرتي على مسامحة نفسي يعنى حبس قدرتي على التصرف والعمل, وهذا صحيح, فمنذ دخولي الجامعة ومستواي الدراسي تدهور كثيرا وأتوقع له أن يستقر فى القاع.تقول الكاتبة (هانا أريدت):(بدون أن تغفر لنفسك وتتحرر من عواقب أفعالك فستظل قدرتك على التصرف حبيسة ,ولن تنال الشفاء أبدا) لذلك فلا بد من معاقبة نفسي عقابا ينتزع مشاعر الذنب ويطلق قدراتي المعتقلة,
هذا العقاب هو(التخلص من الغريزة الجنسية وإبادتها) أرجو مساعدتي فى هذا الأمر.

ملحوظة:
أعظم خدمة يقدمها لنا البيت :الأسرة, الأم والأب,هو نضج شخصياتنا وتوازنها وللآسف أنا لم أحظ بهذا الأمر.
ملحوظة:
أرجو أن تردوا على الرسالتين, فلقد تعبت فى إرسالهما, وآسف للإطالة

29/4/2005

 
 
التعليق على المشكلة  

 أهلا بك يا ماجد وأهلا بمشكلتك التي تؤرّقك إلى درجة أنك تريد التطهّر منها ولو بإيذاء نفسك .. هذا الشعور بالذنب الناتج عن أن نفسك "اللوّامة" يقظة جدا, وهي نفس رائعة أقسم بها الله عز وجل "لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوّامة ", هل تدري لماذا هي رائعة؟

لأنها تضع صاحبها على الطريق الصحيح , فتخيّل لو أنه لم تكن لدى الانسان هذه النفس, أو لديه ولكنها ذبلت وأخذت تحتضر لكثرة تجاهله صرخاتها, أي إنسانية وأي خير سيبقى في نفس هذا الإنسان وهو لا يحس بالخطأ الذي يفعله ؟؟

إذاً أنت في نعمة كبيرة من الله عز وجل تستحق الشكر والثناء ..
ولكن النفس اللوّامة لها وظيفة معينة, وهي مرحلة تفضي إلى ما بعدها, أي إلى المنزلة الأعلى للنفس وهي الراضية المرضية, وهي لا تفضي إليها إلا إذا تعاملنا معها بطريقة صحيحة, وأحسبك يا أخي قد أخطأت التعامل معها فاستجبت لنداءاتها بطريقة خاطئة, لا أقصد أنك أخطأت حين شعرت بذنبك, ولكنك أخطأت حين سمحت للشيطان أن يتسلل فيفسد عملها ويجعلها تأخذك إلى مواقف من شخصك وذاتك لا تحمد عقباها ..

وبقاء جذوة الندم متّقدة دائماً في قلبك نعمة أخرى من الله عز وجل, لماذا ؟ لأن الانسان سريع النسيان, ينسى ما بدر منه فيقع فيه من جديد, ولكن ألم الندم يجعله متذكراً دائماً لذنبه فيكون هذا الندم حاجزاً بينه وبين الذنوب .. فالندم بحد ذاته نعمة كبرى ..

وندمك هذا على ما كان منك في المراهقة أمر رائع لأنه يضعك على بداية الطريق الصحيح لخدمة وصناعة الحياة, ولكن على أن يكون ندما إيجابيا بحيث يدفعك لتعويض ما كان منك, لا بأن تسمح لمشاعر الندم بأن تسوقك وراء حلول غير منطقية ولا طبيعية, أو يجعلك هذا الندم أسيره فتشل قواك عن التعويض الحسن لمن أسأت لهم ..الخطأ يا ماجد طبيعة في ابن آدم ولكن الوازع الإيماني في قلبه هو الذي يجعله من خير الخطاءين: التوابون.

عنونت استشارتك بسؤال: بعد الذي حدث .. هل أستحق الوجود ؟؟
الوحيد الذي يملك الصلاحية للإجابة عن هذا السؤال هو: صاحب الوجود, أي الله عز وجل, وقد أجابك عن هذا السؤال فعلاً, كيف؟

ألا زلت حتى الآن موجودا
ً: أرسلت سؤالا وانتظرت الرد وها أنت تقرؤه, إذاً أنت موجود, وبما أنه أعطاك فرصة لتبقى موجوداً إذاً أنت تستحق الوجود .. ولو أنك لا تستحق الوجود لأهلكك كما أهلك الأمم السابقة التي لا تستحق الوجود ..
إذاً : بلى .. بعد الذي حدث: أنت تستحق الوجود .

قبل أن ترسل بالقسم الثاني من رسالتك توقّعت أن تكون مشكلتك هي التحرش الجنسي بالمحارم وربما قد وصلت إلى زنا المحارم, وجاءت متابعتك لتؤكد توقعي, والحمد لله أنك لم تصل إلى حالة الممارسة الكاملة وبقي الأمر عند حد التحرش فقط .. رغم ما له من آثار سيئة على نفسية الأطفال .

لدي بعض النقاط التي أحب مناقشتها معك :

1-ليس الجراحة واستئصال الأعضاء التناسلية هو الحل, ولو كان حلا لوافق عليه رسول الله حين أراد مجموعة من الصحابة فعله تعبيرا عن نفس رغبتك في الزهد وخدمة الحياة ... هذا أولا, وهو ثانيا ليس حلا بدليل أن قد كان هناك ولا يزال هناك وسيكون هناك الكثيرين ممن لم يفعلوه ومع ذلك استطاعوا أن يخدموا الحياة و, من أمثالهم الإمام ابن تيمية, والنووي, وغيرهم كثير .. رغم أنهم ماتوا قبل أن يتزوجوا !!

وكذلك لا يعد إخماد الغرائز والدوافع حلا للخلاص من سطوتها, فالله عز وجل لم يخلقنا ويزودنا بهذه الغرائز والدوافع ليطلب منا أن نستأصلها , معركتنا الحقيقية في هذه الحياة تكمن في توجيه هذه الغرائز والدوافع لتصبح طاقة نحقق بها الهدف الأساسي من وجودنا على الأرض وهو إعمار هذه الأرض, وليس أن نحارب على جبهة استئصال هذه الدوافع والتخلص منها, إذ كيف سنعمّر هذه الأرض إذاً ؟ كيف لمن ماتت همّته أن يسعى ويضيف؟

عندما نفهم ما هو دور هذه الغرائز تتلاشى لدينا الرغبة في "الانتقام منها " واستئصالها, قد نقع خلال مسيرتنا على طريق الحياة ببعض الأخطاء, ولكن هذه الأخطاء ليست مبررا كافيا لنبتعد عن الطريق ونتخذ طريقا آخر ..

إذاً ما العمل لنستطيع إبقاء الغرائز في مسارها ؟ وكيف نشذّبها ونهذّبها ونتحكم بها دون أن نسمح لها بأن تسيّرنا وراءها ؟

هذا يحتاج إلى برنامج من شقين: فكري +عملي

فكري : أن نعدّل ونصحح مساراتنا الفكرية بشكل دائم + أن نشحن همّتنا للعمل والعبادة ويكون هذا بسماع درس أسبوعي أو مرتين في الأسبوع, وربما أكثر- تختلف الحاجة لهذا الدرس حسب اختلاف طبائع الناس – لتتعمّق هذه الأفكار, سواء كان هذا الدرس دينيا أو فكريا أو نفسيا, أو حتى قراءة كتاب, أو متابعة حوار مفيد في منتدى محترم .. أو غيرها .. هذه الأمور تثبّت الإنسان وتمنحه القدرة على الاستمرار لأنها تشحن همّته وتقوّيها .

عملي : أن نقوم بالأشياء التي تعيننا على ضبط الشهوات وتحجيمها ومنعها من أن تتعملق, ومن هذه البرامج وصية رسول الله للشباب بشأن ضبط الغريزة الجنسية والتي تعد من أقوى الغرائز وخصوصا في ظل كثرة المثيرات في وقتنا : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء – حماية - ..
من البرامج العملية أيضاً برنامج: غض البصر عن المحرمات, وهذا بحد ذاته برنامج حماية ممتاز يحفظ الإنسان ويخلّصه من تأثير المثيرات, فالوقاية هي خير علاج ..
وأيضاً: عدم الاستسلام للفراغ لينال منا الشيطان من خلاله, فالإنسان المشغول بل الذي تكون مشاغله أكثر من أوقاته لا يجد وقتا ليفعل الأساسيات فينسى أن يأكل مثلا, فكيف سيجد وقتا للتفكير في الحرام ؟؟

ومن الأمور التي نملأ بها فراغنا: استثمار وتنمية المواهب التي رزقنا الله عز وجل إياها, وأنت كما أرى تملك مقدرة لغوية في التعبير والصياغة والخيال , فما رأيك أن تنمّي هذه الموهبة الأدبية التي لديك وتستغلها في إنتاج يفيدك ويفيد غيرك ؟؟

أيضاً : إيجاد الصحبة والأصدقاء الصالحين الجادين , أين تجدهم ؟ لو بحثت جيداً فيما حولك ستجدهم : في المسجد مثلاً, في الكلية, بين الأقرباء .. حاول وفي النهاية سيمنّ الله تعالى عليك بصديق صالح . .

2-" ابن القهر والدكتاتورية " ... هذا للأسف الشديد حال شريحة كبيرة من أبنائنا وبناتنا في شرق الأرض وغربها, وتزداد الأمور سوءاً مع البنات لأنهن يبقين أسيرات لاعتبارات كثيرة, فاحمد ربك أنك ذكر لأنه لديك الفرصة بشكل أكبر مما للبنات للخروج مما أنت فيه بحكم طبيعة مجتمعاتنا التي تبيح وتنتظر من الذكر ما لا تبيح وما لا تنتظر من الأنثى .. ولكن في كلا الحالتين يحتاج كلا الطرفان إلى بذل الجهود للتحرر والخلاص من سلطة الدكتاتورية, والقهر والخوف والانطلاق لبناء الشخصية والذات والمستقبل رغم ليس فقط غياب دور الوالدين في ذلك بل انعكاس دور الوالدين في ذلك ..

وهذه أمثلة عن مشاكل مماثلة لمشكلتك مع أسرتك :
نفسي في أم غيرها : أخي بكل احترام وأنا بالجزمة
الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة !
للصبر حدود : أفيقي يا أمنا العربية !
من أم أسطورة إلى امرأة غريبة : الأم العربية
المحرومة : أمية أمتنا النفسية !
المحرومة والأم البديلة : أمية أمتنا النفسية متابعة
بدلا من البرد والخجل : أفش شعري ونصرخ معا

وهناك تجارب ناجحة استطاعت أن تتخلص مما كانت فيه :
لأنني بنت: أنا أصنع الحياة، متابعة6 في مشاركة4
دبلوماسية العائلة والندم حيث لا ينفع الندم
ابنتنا ترسم معالم استراتيجية التعامل مع الوالدين
السير على حد السيف واستراتيجية ترقيق القلوب


وما أريده منك الآن هو أن تتمكن من تحويل قهرك إلى رغبة عارمة في إنجاح بيتك القادم بإذن الله وتحويله عشاً هادئاً لطيفاً يغمره الحب والود, أريدك أن تنتمي إلى تلك الشريحة التي لا تحوّل العنف الذي مورس ضدها في الطفولة إلى عنف تمارسه ضد من سيقع تحت أيديها من أطفال وزوجات, أريدك أن تكون من أولئك الذين ينجحون في تخطي ذلك وبهذا يَسعدون ويُسعدون ويكونون بحق ذوو قيمة يسعد من حولهم بوجودهم .. رغم قلتهم كما تثبت الدراسات.

وإن اخترت هذا الطريق وأعتقد انك قد اخترته فعلاً حين لجأت تطلب المساعدة " لتكون إنسانا له قيمة يسعد الناس بوجوده ", فلا تيأس حين تفشل في أولى محاولاتك, ولا تفاجأ حين ترى نفسك تكرر نفس أسلوب والديك, فخبرات طفولتك وما تعرّضت له من معاملة في بيت أهلك, ستطل برأسها بين الثانية والأخرى لتفسد عليك هناءة حياتك الجديدة, فتجد نفسك مدفوعاً للتعامل بمثل الطريقة التي عوملت بها, وهنا لا تيأس من إصلاح نفسك, كل ما في الأمر أنك تحتاج إلى العديد من المحاولات واستمرار التقييم والتصويب لسلوكياتك ومحاكماتك للأمور, ولا تنس أن الله معك ولن يضيع عملك أبداً, إذاً أمامك مشروع ضخم في تقويم نفسيتك ويحتاج كل ذرة من طاقاتك فلا تبددها في الاستمرار في اجترار الآلام ..

3-أنت لا زلت تلقي باللوم على أسرتك ووالديك في اضطراب شخصيتك, ولكنني سأقول لك أمرين:
1- ألا تعتقد أنك أصبحت كبيراً بما فيه الكفاية لتتحمّل وحدك مسؤولية حياتك ؟ وسأخبرك سراً من أسرار الحياة : طالما بقيت تلقي باللوم على الآخرين فيما وصلت إليه حياتك – سواء كانت لهم اليد في ذلك أم لا –فستبقى بينك وبين النجاح طريق طويلة ..ولا أعتقد أنك تريد هذا, أول طريق النجاح هو : أن نتحمّل وبقوة وشجاعة مسؤولية ما نحن فيه, فنغيّر ونقوّم لنجعل المستقبل كما نريد, لأننا إن لم نفعل ذلك فلن يكون المستقبل أكثر من امتداد للماضي بكل آلامه ومآسيه.

2- لم تكن تربية والديك لك متوازنة, قل لي بالله عليك : وهل الحياة التي عاشاها كزوجين كانت متوازنة ؟ أحص جوانب عدم التوازن في حياتهما ثم اجب بنفسك على هذا السؤال : كيف لزوجين وأبوين هذه حياتهما وهذه نشأتهما أن يستطيعا إنشاء أطفال متوازنين ؟
أنا أقول هذا الكلام فقط لأحملك أن تغير موقعك فترى الأمور من موقع آخر, وأنا أعتقد أن وصولك إلى التعليم العالي بحد ذاته إنجاز يُشكر والداك عليه ..
أنا لا أبرر أخطاءهما, ولكني أريدك أن تنظر للأمور بواقعية وبقليل من الرحمة, وأنت أدرى الناس بمرارة الظلم, فحاول أن تلتمس العذر لوالديك فيما فعلا, وذلك لتحرر قلبك من أثقال الكراهية والمشاعر السلبية تجاههما، وعندها ستستطيع التعامل معهما بنفسية محبة ودودة رحيمة حانية, وهذا سينعكس أول ما ينعكس عليك أنت , وعلى تقديرك لذاتك, وعلى نظرتك ورؤيتك للحياة, ولا تنس أن الراحمين يرحمهم الله .

4-أنت الأقدر على تحديد فيما إذا كانت إصابتك بالوسواس القهري تحتاج إلى مراجعة طبيب نفسي – وإن كنت شخصياً أرى أن تراجعه – فإذا ما كانت وساوسك تعيق حياتك الطبيعية وتسبب لك الإزعاج, فهذا يعني أنك بحاجة ماسّة لمراجعة طبيب نفسي, وإن كنت فيما دون ذلك فالأفضل أن تراجعه قبل أن تستفحل الحالة وتزداد سوءاً وتنقلب حياتك وحياة من حولك إلى جحيم, وقراءتك في مجالات علم النفس أمر رائع, وقراءتك لكتاب الدكتور وائل أروع, لأن معرفة المرض نصف طريق العلاج والشفاء منه بإذن الله .. وبالمناسبة فإن ما أنت فيه من تضخم للضمير, للشخصية الوسواسية دور فيه, فهي شخصية تميل للكمال وتهتم بالتفاصيل الدقيقة جدا, ولا تنام الليل إن أساءت أو أساء إليها الآخرون .. على كل حال هذا ما أعرفه عن الشخصية الوسواسية, وأنا لست متخصصة في علم النفس أو في الطب النفسي, وسيفيدك أكثر أن تقرأ في مجال نطاق الوسواس القهري

5-تقول : " فقد تستطيع الغريزة الجنسية إلغاء مشاعر الخجل والرعب والأخلاق لتعبر عن نفسها -ولكنها لا تستطيع إلغاء مشاعر الذنب حين تكون عميقة وكثيفة وأساسية "وما هذا إلا تدرّج للنفس البشرية في مراحلها المتعددة, فعندما طغت الشهوة كانت نفساً أمارة بالسوء فأخذت تذلل كل الحواجز لتحقيق ما تصبو إليه شهوتها, وبعد أن حققتها وهدأت سطوتها بدأ صوت الضمير الذي اغتيل لبرهة يعلو ويعلو, وهذا من رحمة ربنا بنا .. تخيّل البشر بدون ضمير ؟!؟! كيف سيكون حالهم وهو يتمادون في غيّهم وظلمهم لأنفسهم ولمن حولهم ؟

6-سؤالك الأساسي هو أنك تريد أن تعاقب نفسك لتستطيع التخلص من مشاعر الذنب التي تلازمك, ولتشعر بطهارة نفسك وسموّها من جديد, بل لقد حددت بالفعل نوع العقوبة وهي: إبادة المشاعر والرغبات الجنسية التي أودعها الله عز وجل فيك .. هذا من وجهة نظرك, ولكني سأسألك سؤالا: لماذا تريد أن تطهّر نفسك ؟ أليس الهدف النهائي هو أن تحس بأن الله راضٍ عنك ؟ فما رأيك لو قلت لك بأن الله عز جل قد حدّد لنا المسارات التي يرضى عنا بها إذا سرنا خلالها حين نريد أن نطهّر أنفسنا ؟ ورفض سبحانه وتعالى أي ابتكارات أو إضافات جديدة منا مهما كنا نشعر أننا بحاجة لها !
لماذا ؟
لأن تطهير نفوسنا بعد الذنب وجه من أوجه العبادة له سبحانه, ولا أحد في هذه الدنيا له حق تحديد كيفية عبادة الله إلا هو فقط ..جلّ وعلا ..
فكيف يريد الله عز وجل لنا أن نطهّر نفوسنا ؟
أولا : التوبة, وثانياً : الإكثار من الأعمال الصالحة فجعل " الحسنات يذهبن السيئات " " وأتبع السيئة الحسنة تمحها ", والله تعالى الخبير بنا يعلم أنه لو لم تتوجه طاقة الندم التي تتفجر داخلنا بعد ارتكابنا للذنوب, لو لم تتوجه هذه الطاقة توجهاً إيجابياً بنّاءاً فستتحول إلى طاقة تدمير هائلة تدمّر أول ما تدمر صاحبها وتقضي على طاقاته ..
وهذا تماماً ما يحدث معك, فقد تحوّل شعورك بالذنب إلى طاقة هائلة أثّرت على تقديرك لشخصيتك وأعاقت بناءك لها وأثّرت على تحصيلك العلمي الذي أخذ يتدهور منذ دخولك الجامعة ..وستدمّر الكثير أيضاً مما ينتظرك من نجاح في المستقبل وعلى كافّة الأصعدة إن لم تقم بتدارك الأمر وتوجيه هذه الطاقة إلى مسارها الصحيح ..
أما أن يكون الحل في التخلص مما زوّدك الله به فهذا ما لا يرضاه دين ولا عقل سليم ..

و مهما كان عظم وفداحة الذنب الذي ارتكبته فإنه لا يقاس بعظم عفو الله ومغفرته , بل إن الله تعالى يغضب حين يرى أننا لا نتوب لأننا نرى أن الذنب فادح وغير قابل للمغفرة, وهناك الكثير من الأحاديث القدسية والآيات التي تثبت هذا المعنى ,لن أذكرها لك ولكن أحيلك إلى درس لتسمعها منه وهو درس التوبة /للأستاذ عمرو خالد .

7-تقول أنك تريد أن تغفر لنفسك ولكنك لا تستطيع, وهنا أرى أنك تحتاج أن تتقبل نفسك رغم ذنوبها وأخطائها, أن تتعرّف على أنك بشر أي : معرّض للخطأ, ولست ملاكاً : غير قابل للخطأ أصلاً, تحتاج أن تشعر بمدى حاجتك لله عز وجل ليحميك من أخطاء وشرور نفسك وليسدد خطواتك ويصوّبها, تحتاج أن تعرف كم أنت مدين لرحمته ومغفرته, باختصار : تحتاج أن تستوعب ضعفك البشري, ومدى عظمة خالقك عزّ وجل ومدى رحمته .. ويساعدك على ذلك أن تعرف كيف أن الله تعالى يتقبلنا ويحبنا رغم أخطائنا لكنه ينتظر توبتنا ورجوعنا إليه, وهذا ستجده في هذا الدرس حب الله للعبد ..

في النهاية أرجو من الله عز وجل أن يعينك على ما أنت مقدم عليه من بناء مستقبلك, وأن يعينك على التخلص من هذه النظرة السلبية لذاتك, وتذكر أنك المخلوق الأفضل الذي خلقه الله عز جل في هذه الدنيا فكرّمه بالعقل ورقّاه حين نفخ فيه من روحه , فلا تسمح للشيطان أن يفقدك الإحساس بالقيمة التي وهبك الله عز وجل .
وفي انتظار أخبارك الطيبة.

ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخ العزيز أهلا وسهلا بك، أضيف لك هنا أنني أشكرك على هاتين الإفادتين اللتين أرسلتهما وقامت الأستاذة لمى عبد الله بالرد عليك ردا ما أكملت وأنا أقرؤه فقرة دون أن أقول : الله بارك الله فيك يا لمى، فما أنبهها وهي تبين كيف يفسد الشيطان عمل النفس اللوامة بدفعها في طريق اليأس من مغفرة الله، بل حتى علاقة ما أنت فيه الآن من تضخيم لمشاعر الذنب لم تغفل عنه الأستاذة لمى وهي تقصد مقالنا من سمات الموسوسين فرط الشعور بالمسؤولية والذنب وأحسب أنها قدمت لك علاجا معرفيا ممتازا، ولكن عليك أن تكمل العلاج النفسي من كل طقوسك القهرية ولعل ذلك يساعدك أيضًا في التخلص من أفكارك الاكتئابية التي تشيع في إفادتك وأذكرك بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، سعدت بك وسعدت بالأستاذة لمى عبد الله وتعلمت منها، وأهلا بك دائما فتابعنا بالتطورات الطيبة إن شاء الله.

 
   
المستشار: أ.لمى عبد الله