إغلاق
 

Bookmark and Share

هل هناكَ تعريفٌ طبيٌّ موضوعيٌّ للبدانة ؟ ::

الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 28/10/2004

نستطيعُ أن نقولَ أن هناكَ عديد من التعريفات للبدانة طرحت في الحقل الطبيِّ على مر السنوات لكنَّ واحدًا منها لا يصل إلى مستوى التعريف الموضوعي الذي لا يظهرُ ما يضحده، فلو أن هنالك نقطةٌ محددةٌ وثابتةٌ يبدأُ عندها تأثيرٌ واضحٌ للبدانة على المرضية Morbidity، أو معدل الوفيات Mortality لكانَ من السهل وضعُ تعريفٍ موضوعيٍّ للبدانة إلا أن الأمرَ أبعد ما يكونُ عن ذلك، كما أن المعيار الذي يعتمد عليه التشخيص أيضًا ليسَ محددًا!، فهل المعيارُ هو زيادةُ تراكم الدهون في الجسد عن حدٍّ يتفقُ عليه(لكنهُ في الأساس حدٌّ اعتباطي Arbitrary يضعهُ المُحَكَّمُون في الأمر، ويمكنُ لأصحاب أي ثقافة أن يضعوا معايير أخرى)، أم المعيارُ هوَ زيادةُ وزن الجسد عن حد معين مرغوبٍ فيه بالنسبة للطول بغض النظر عن سبب هذه الزيادة ؟ ثمَّ ما هيَ الحدود الفاصلةُ بينَ الوزن الزائد بالميزان، والبدانة كما تراها العين؟، لعلَّ من المفاجئ لكثيرين أن معظم الأسئلة التي تطرح في هذا المقال ليست لها إجابات طبية موضوعية محايدة، مع أننا كنا نظنُّ غير ذلك!، ونحن في انتظار اقتراحاتكم وآرائكم بشأن محاولة الإجابة على سؤال: ما هي البدانة؟

مثلا في واحدٍ من التعريفات التي وضعت في الستينات من القرن الماضي عرفت البدانةُ بأنها:"حالة الجسد التي يحدثُ فيها تراكمٌ مفرطٌ للدهون بالمعنيين النسبي والمجرد"، أي أن نسبةَ مشاركة الدهون في وزن الجسد تكونُ أعلى من المعدل الطبيعي، وكذلك يكونُ وزنُ الجسد كله أعلى من الطبيعي، وفي بداية السبعينات من القرن الماضي أيضًا عرفت البدانةُ من خلال مفهوم الوزن النسبي بأنها: "زيادةُ وزن الجسد عن الحد المرغوب فيه بالنسبة للطول"، وفي منتصف السبعينات عرِّفت بأنها الوجود المفرط للنسيج الشحمي Adipose Tissue، وأما النقطةُ الفاصلة بينَ الوجود الطبيعي والوجود المفرط للنسيج الشحمي فيمكنُ تحديدها إما إحصائيا كزيادةٍ عن الحد المقبول اجتماعيا أو تحددُ طبيا كزيادةٍِ عن ما يتوافقُ مع الصحة الجسدية والعقلية الجيدة، وفي نهاية السبعينات عرفت بأنها زيادةُ الوزن عن أكثرَ من 10% فوق الطبيعي بسبب تراكم الدهون في الجسد بشكل عام، وفي الثمانينات من القرن العشرين أصبحت الزيادةُ المطلوبةُ 20% أو أكثرَ من 20% من الوزن المثالي للجسم بالنسبة للطول، حسب جداول الوزن والطول، والمشكلةُ التي تواجهُ مثل هذا النوع من التعاريف هيَ ببساطة ما هو الطبيعي أو ما هوَ المثالي؟ فإن لم يكن حدًا اعتباطيا نتفقُ عليه فليسَ هناكَ طبيعي أو مثالي! فمن الواضح أن هذا الشكل من أشكال التعاريف لا يمكنُ اعتبارهُ موضوعيا! وحتى يومنا هذا نستطيعُ أن نقولَ أنهُ ليسَ هناكَ تعريفٌ موضوعيٌّ للبدانة.

* ونصلُ إلى السؤال الآخرَ في هذه المتاهة: ما هيَ النقطةُ الفاصلة بينَ الوزن الزائد Overweight والبدانة؟
فالوزن الزائد معناهُ أن يكونَ وزنُ الجسد زائدًا عن حدٍّ معينٍ(يُحدَّدُ اعتباطيا!)، صحيحٌ أنهُ عندما يكونُ الوزنُ زائدًا بحد كبير يكونُ الشخصُ عادةً بدينًا أيضًا، لكن الأغلب في الحالات التي تكونُ زيادةُ الوزن فيها قريبةً من المعدلات المتفق عليها ألا يكونَ الشخص بدينًا، ومعنى ذلك هوَ أن: ليسَ كل صاحب وزن زائدٍ بدينًا، وأما السؤال الصعبُ فهوَ هل كل بدينٍ هوَ صاحبُ وزنٍ زائد؟ في الغالب نعم لكن ليسَ دائمًا! فمن الممكن أن يعتبرُ شخصٌ طبيعي الوزن على الميزان حسب الجداول والمعايير الوضعية لكن هذا الشخص يعيشُ حياةً خاملةً جدًّا بمثابة الشخص البدين، ولعل أمثال هذا الشخص يمثلون مشكلةً صحيةً عامةً أهمَّ من المشاكل التي يشكلها أصحابُ الوزن الزائد خاصةً في السنوات الأخيرة التي تطورت فيها الوسائل التكنولوجية بشكل يجعلُ الخمول هو الصفةُ السائدة، أي أن هناكَ بدانةٌ بالرغم من عدم وجود زيادةٍ في الوزن، باعتبار أن المشاكل الصحية التي تعزى للكسل والخمول بسبب البدانة موجودةٌ في عصرنا هذا بدون وزنٍ زائد.

* ما هيَ الطرقُ الموضوعية لتحديد البدانة؟:
كانت من أول طرق تحديد البدانة طريقةٌ تعتمدُّ على قياس الجزء الخالي من الدهن ضمن كتلة الجسد، أي الأنسجة الصلبة والماء باستثناء النسيج الشحمي، وتسمى كتلة الجسد اللحمية Lean Body Mass، وتعتمدُّ طريقةُ القياس تلك على فكرةِ أن النسيج الشحمي نسيجٌ لا مائي Anhydrous، فكتلةُ الجسد اللحمية إذن هيَ ذلك الجزءُ من وزن الجسد اللازم لاحتواء ماء الجسد، فإذا تمكنا من تحديد كمية الماء الكلي في الجسد أمكنَ معرفة محتوى الجسد من النسيج الشحمي، وتلت تلك الطريقة طريقةُ جداول الوزن بالنسبة للطول وأكثرُ معادلاتها قبولاً وسهولةً هيَ المعادلة التالية:
- في الرجال: وزنُ الجسد المثالي بالكيلوجرام= الطول بالسنتيمتر - 105.
- وفي النساء: وزنُ الجسد المثالي بالكيلوجرام= الطول بالسنتيمتر - 100

ومن مقارنة وزن جسم الشخص بوزنه المثالي المستمد من جدول الوزن مقابل الطول يمكنُ تقسيم البدانة إلى أربعة درجات حسب النسبة المئوية للزيادة عن الوزن المثالي:
- الوزن الزائد: حين تكونُ نسبةُ الزيادة 10%.
- البدانة الخفيفة: حين تكونُ نسبةُ الزيادة ما بين 10% و25%.
- البدانةُ المتوسطة: حين تكونُ نسبةُ الزيادة ما بين 25% و40%.
- البدانةُ الخطيرة أو الشديدة: حين تكونُ نسبةُ الزيادة أكثرَ من 40%.
وهناكَ طريقةٌ أخرى تعتمد على قياس ثَنْيَةِ (أو طَيَّةِ)الجلد Skin Fold Measurement اعتمادًا على أن أكثرَ أماكن تجمع الدهون في الجسد هو النسيج تحت الجلديSubcutaneous Tissue،باستخدام مسماكٍCaliper مناسب، عند ثمانية أماكن في الجسد كتحت الذقن ومنطقة الوسط Waist على يمين السرة ومنطقة البطن ما بينَ السرة والارتفاق العانيSymphysis Pubis أوعلى الجانب الداخلي للركبة وعلى الجانب الخارجي للذراع..إلخ.

أما أدقُّ المعادلات فهيَ معادلة منسب كتلة الجسد Body Mass Index والذي يحسب بقسمة الوزن بالكيلوجرام على مربع طول الشخص بالمتر، وحسب مُنسب كتلة الجسد فإن الأشخاص يصنفونَ كما يلي، وبناءً على نتائج دراسات علاقة منسب كتلة الجسد بمعدلات الوفيات في الدول الغربية وقد أشرنا من قبل إلى التشكيك في صحة العلاقة بمعدلات الوفيات:
- أصحاب الوزن المثالي أو الطبيعي: حين يكونُ منسب كتلة الجسد ما بين 19 و24.
- ذوي الوزن الزائد Overweight: حين يكونُ منسب كتلة الجسد ما بين25 و29 ، وتعادل ما بين 15% و30% فوق الوزن المثالي.
- أصحاب الجسد البدين: حين يكونُ منسب كتلة الجسد مساويًا أو زائدًا عن30.

ورغم دقة معادلة منسب كتلة الجسد تلك إلا أنها لا تعكسُ الاختلاف الموجود بينَ الجنسين فعند منسب كتلة جسم معينٍ يحتوي جسم الرجل كميةً أقلَّ من الدهون مقارنةً بجسم المرأة من نفس منسب كتلة الجسد وهوَ ما يعني إغفال الفروق بينَ الجنسين إذا اعتمدنا على منسب كتلة الجسد فقط في تحديد انتشار البدانة، وقد بينت الدراسات التي تم فيها قياس كمية دهن الجسد بصورة مباشرة أن النسيج الدهني يشكل حوالي 40% من جسد المرأة في مقابل 28% من جسد الرجل كما أن الدهن يشكلُ نسبةً أكبر من وزن جسد المرأة مقارنةً بالرجل عبر مراحل العمر المختلفة، وتكونُ الزيادةُ في تراكم دهون الجسد مع العمر أكثرُ في النساء من الرجال.

وقد بينت الدراساتُ الحديثةُ أن الخطورةَ على الصحة العامة والقابلية للإصابة بأمراض الشرايين التاجية (الذبحة) وكذلك بالبول السكري، ترتبطُ بأماكن توزع الدهون في الجسد أكثر مما ترتبطُ بكمية هذه الدهون، فمن المعروف أن توزعَ الدهون يختلفُ في الرجال عنهُ في النساء فبينما تختزن النساءُ الدهونَ في منطقة الفخذين والأرداف يختزنُ الرجالُ الدهونَ في منطقة البطن كما أن الرجال يختزنون نسبةً أعلى من الدهون بين أحشائهم مقارنةً بالنساء حيثُ يمثلُ الدهن الحشوي Visceral Fat في الرجال 21% من وزن الجسد مقابل 8% فقط في النساء وربما كانَ ذلك بسبب اختلاف حجم الخلية الدهنية في الرجال والنساء فالخليةُ الدهنيةُ الحشوية أكبر حجمًا في الرجال والخلية الدهنية تحتُ الجلدية(خاصةً في منطقة الفخذين والأرداف)أكبر في النساء، ولهذا أصبحَ قياس كمية الدهن المتراكمة في منطقة البطن هو الأهم إذا أردنا تقدير مدى الخطورة التي يمثلها تراكم الدهون على صحة الشخص، ويتم ذلك من خلال قياس محيط الخصر فإذا زاد عن 102سنتم في الرجال أو 88 سنتم في النساء فإنه قد يمثلُ خطورةً على الصحة.



الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 28/10/2004