إغلاق
 

Bookmark and Share

الطبيب النفسي سيدخلك في الدوامة! فاحذرْ منه!! ×× ::

الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/08/2003

 

وَهذا أيضا واحد من المفاهيم التي يُـرَوِّجُ لها الكثيرون من الناس في مجتمعاتنا والمقصود بالدوامة غير واضح دائمًـا في ذهن من يرددون هذه المقولة، فهذه عبارة تقالُ غالبا على لسان ناصح أمين لمريضٍ أرغمته معاناتهُ النفسية على الإفصاح عن رغبته في زيارة الطبيب النفسي فبدأ يستشيرُ أهله أو أصدقاءهُ وربما سألهم مثلا لمن من الأطباء النفسيين يتجه؟ فينصحُـهُ الناصحون بألا يفعل لما يعنيه وينطوي عليه ذلك من تبعاتٍ لزيارة الطبيب النفسي والتردد عليه فهم أي الناصحون يخافون عليه من دوامة الطب النفسي!!!

وحسب ظني فإن هذا المفهوم المخالف للحقيقة إنما هو مستنبطٌ من أفكار أخرى تجمَّـعْتْ في أذهان الناس بعضها مستمد من الأفلام السينمائية الأجنبية القديمة وبعضها من حكايات الناس عن المريض الذي لا يشفى!! ويظل مترددا مستديما على الطبيب معتمدا عليه وبعضها من الأفلام العربية الجميلة التافهة التي تسلينا وتعيقُ عقولنا عن معرفة الواقع للأسفْ!

وأذكر هنا ما سمعته من أستاذي الأستاذ الدكتور أحمد عكاشه وهو يحكي لنا عن أهمية فحص المريض النفسي فحصا باطنيا عضويا مهما كانت الأعراض متطابقة مع أعراض الاضطرابات النفسية المعروفة للطبيب النفسي نظرًا لأن ذلك لا ينفي وجود اضطراب عضوي ربما كان هو السبب الأصلي وراء الأعراض النفسية فيقول أنه في الكثير من الحالات التي يكتشف فيها مرضا عضويا في مريضه فيرسله إلى أحد زملائه من أساتذة الطب الباطني العام أو فروعه الخاصة يفاجئه أن زميله الأستاذ يقول للمريض وما الذي جعلك تذهب للطبيب النفساني "احمدْ ربنا" أنه لم يدخلك في الدوامة! و في أحيان أخرى "ألا تخاف أن يتسبب في ضياع عقلك؟؟"

أما أنا كطبيبٍ نفسيٍّ فطالما حاولتُ البحثَ عن هذه الدوامة التي يفترض المفهوم أنني أديرها وأدخلُ مرْضاي فيها فلم أجدْها في الحقيقة وإنما وَجَـدْتُ في حديثٍ لأستاذي الأستاذ الدكتور منير حسين فوزي إشارة لما أظنُّـهُ الدافعَ وراء هذا الادِّعاء على الطب النفسي ذلك أن موضوع الطب النفسي كموضوع علم النفس إنما هو موضوع يتصل بالنفس البشرية وهذه المواضيع بطبيعتها تثيرُ لدى الناس مشاعرَ متضادة من الرغبة في معرفتها والخوف من معرفتها في ذات الوقت ومن الحب لأنها تعطى الإنسان راحة بتفسيرها لأسبابِ مشاعره وسلوكه ومن الكرْهِ في نفس الوقتِ لأنها تواجِـهُـهُ بما لا يحب أن يعرف عن نفسه وهذا الكلام كما ينطبق على الخاص وهو الإنسان المفرد أو الأسرة ينطبق على العام وهو المجتمع كله، فلدى الإنسان دائما ما يحب أن يخفيه حتى عن نفسه والعلاج النفسي الناجح هو الذي يستطيع الطبيب النفسي فيه أن يبصر مريضه بكل ما يمكن من الجوانب المخبَّـئَـةِ من تكوينه النفسي، بحيث يستطيع التعاملَ معها بوعْيّ وإدراكٍ كاملين ويتوافق في نهاية المطاف مع حياته وينطبق نفس الكلام بالطبع على الأسرة كلها.

وهنا حسب ظني منشأُ الدوامة التي يدَّعون فهم يقصدون أن الطبيب النفسي سيدخل أمورًا يرونها لا علاقة لها بأعراض المريض ويتدخل بأسئلته فيما يعتبرونه أسرارًا تخص المريض أو الأسرة ولست أدري إلى أيِّ مدًى سيستمُـرُ تحفُّظُ مجتمعِـنا هذا الذي يصل إلى حد إخفاء معلومات على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للطبيب النفسي كتاريخ المرض النفسي في العائلة مثلا أو في المريض نفسه وهذا التاريخ المرضي له بالطبع انعكاسات في منتهى الأهمية على أشياء كمدة العلاج الدوائي وغيرها الكثير لكن الناس عندنا يخفون ما أمكنهم الإخفاء! وإن كان إلحاح الطبيب وإصراره على معرفة ما يخفونه كثيرًا ما يدفع واحدًا مستنيرًا من أهل المريض أن يسر في أذنه "بالسر الخطير"!

الدوامة إذن هي وهم لا أساس له من الصحة لأن الطبيب النفسي إنما يهتم بكل ما يفيد في تشخيص أو علاج حالة مريضه أو حتى تكوين أو إعطاء فكرة عن رأيه أو توقعه لمآلها المرضي. فإذا أردنا أن نستشهد بما نسمعه من الكثيرين من مرضانا الذين لا يصلون الطبيب النفسي إلا بعد جولة طويلة بين الأطباء في التخصصات المختلفة مع أن اضطرابهم يكون نفسيا لكن أعراضهم تأخذ شكلا عضويا؛ ولأضرب مثلا بمريض نوبات الهلع فما يحكيه هذا المريض لطبيبه النفسي من تكليفه عبء عشرات التحاليل والفحوص بالأشعة ورسومات القلب العادية وبالمجهود والموجات فوق الصوتية وأحيانا قسطرة القلب إلى آخره....

وقد تجول وتحول من طبيب إلى آخر ومعظمهم يطلب الفحوص الجديدة ولا تعجبه فحوصُ من قبله! ثم يكتب بعض المهدئات ويتناولها المريض ولكنه لا يتحسن إلا قليلا ويظل متنقلا من طبيب إلى طبيب إلى أن يهدِيَ الله أحدَهم ويخبِرُ المريض على استحياءٍ بأنَّ حالته نفسية وتحسن استشارة الطبيب النفسي؛ بالرغم من كل ما سبق لم يتهم أحد أطباء الباطنة مثلا بأنهم يدخلون المريض في الدوامة.



الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/08/2003