إغلاق
 

Bookmark and Share

الجنس في حياة الفتاة العربية! ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 19/01/2005


باستثناء مبادرات ومضت دون قصد على صفحتي"مشاكل وحلول للشباب" ومجانين، لا نجد نصوصا معاصرة تكشف لنا غموض الجانب الجنسي في حياة العرب والفتيات خاصة، وما زلت أذكر مجموعة الاهتمام التي حاولت تناول هذه القضية ثم لم يستطع مديرها الصمود أمام الانتقادات فأغلقها لتضيع علينا فرصة نادرة لنفهم كيف تدرك الفتاة العربية ذاتها الجنسية، وكيف تفهم محيطها الذي تتحرك فيه وتتفاعل معه حول تلك المسألة، وحتى إشعار آخر فإنه ليس أمامنا سوى التخمين والقليل جدا من المصادر إلا أن تدلونا على أخرى.

الالتباس العلمي
ولكنني أيضا أحب التنويه عن غموض وتضارب النتائج التي وصلت إليها الأبحاث حول طبيعة الغريزة والرغبة وتفاصيل الناحية الجنسية عند الإنسان، ويبدو أن في الأمر جانبا من الأسرار تتعلق بكون الجنس نشاطا روحيا في جانب كبير منه، والروح هي سر الأسرار، ولكننا مأمورون بالمحاولة والكدح لنفهم ونتفاعل، ونرشد ونعالج، ونحسن في هذا الأمر كما في كل الشئون.

وخلاصة الأبحاث المعاصرة أن الجنس هو نشاط شديد التعقيد تتداخل فيه الموروثات الثقافية واعتبارات التنشئة، مع الجوانب البيولوجية بكل مقاييسها وتضاريسها، وهرموناتها وأعضائها، مع الجوانب النفسية من ضغوط الحياة بأنواعها، وإدراك الشريك ونوعية العلاقة به، علاوة على المعرفة أو الجهل بنواحي هذا النشاط، ولا يبتعد هذا كله عن الدين وتجلياته متعددة المستويات، أو الإعلام والإعلان وفنون صناعة الصور والمعاني، الأمر الذي يتعاظم تأثيره يوما بعد يوم.

ومن الخطأ الشائع أن تنصب الجهود أو تنصرف إلى إعادة إنتاج ما يطرحه الغربيون في أبحاثهم وأدبياتهم بوصفه "العلم"، والكلمة الفاصلة حول التفاصيل الذهنية والعملية في هذا المجال، ومن الخطأ أو النقص الفادح أننا قد انقطعنا تقريبا عن كل ما أبدعه الفقهاء والعلماء في زمن ازدهار الحضارة العربية الإسلامية حول الجنس فخسرنا رافدا ثريا يمكن في ضوئه أن نفهم الإنسان أكثر، فإذا أضفنا هذا إلى شيوع الكتمان وغياب التعبير عن طبيعة التفكير المعاصر عندنا تجاه الجنس فإننا ندرك حجم المشكلة التي تواجه البحث العلمي النفسي والاجتماعي، ولكن لا بد من استمرار المحاولة، ومواصلة الجهد لنعرف أكثر، ولنستجيب أفضل.

الثلاثية الحاكمة
من خلال الخبرة في الممارسة الإكلينيكية، ومن خلال ما وصلني من نصوص عبر مشاكل وحلول للشباب، وموقع مجانين أيضا يمكنني القول بأن هناك ثلاثية تحكم موضوع الجنس في حياة الفتاة العربية: الجهل، والرعب، والرغبة.

وهي صيغة مترابطة ومتداخلة، متفاعلة باستمرار لتنتج الحالة التي تعيشها الفتاة العربية على اختلاف في تفاصيلها من حالة لأخرى... تعالوا نتأمل:كيف يعلم الإنسان أو يتعلم؟! عبر أية مصادر؟! وبأية طريقة؟! وفي أية مرحلة؟!!

الأمر بالنسبة للفتاة العربية مرهون بالمصادفة أو تدابير الأقدار التي قد تتيح لتلك الفتاة أمًّا واعية أو مصدرًا موثوقًا أو صديقة ناصحة، بينما لا تتيح لأخرى نفس الفرصة فتعيش تتخبط "وتكتشف" بحسب الظروف والأحوال، لأنه بدلاً من أن تتعلم الفتاة وتعرف عن جسدها في دروس التركيب التشريحي لجسم الإنسان، أو في دروس الفقه وأحكام الطهارة والنكاح، أو في دروس الإعداد للحياة الزوجية والوالدية الصالحة، سنجد أن الفتاة تبقى محرومة من هذه المصادر، إما لأنها منعدمة أصلاً، أو لأنها متعثرة وغير متوافرة بالقدر أو الأسلوب المناسب أو لنقل المنشود.

وبالمقابل فإن ملايين المصادر غير الموثوقة أصبحت متاحة أمامها بضغطة زر من خلال شبكة الإنترنت، ومواقع الجنس عليها بمئات الملايين من كل شكل وصنف، ولكنها جميعًا لا تحمل من المعرفة بقدر ما تحمل من الإثارة لأغراض الترويج أو الإغواء أو التشجيع على الاتصال بهدف الدخول في علاقات بشركاء طبيعيين، وأحيانًا غير ذلك، والفتاة العربية ترى وتسمع وتتصل بآخرين، ولكن هذا ليس كافيا ولا مأمونا كمصدر للمعرفة السليمة، أو السلوك الراشد الذي يمكن أن ينبني عليها، بل إن شيوع هذه المصادر يصيب بعضهن "بالقرف" أو يساهم في تصاعد الرغبة وإثارة الشهوة فتنطلق الفتاة إلى ممارسة الاسترجاز "استمناء البنات"، وهي ممارسة بطبيعتها لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تروي العطش، ناهيك أنها تجلب معها المزيد من الشعور بالإثم، وبالتالي تزيد من حساسية الموضوع عند الفتاة فتبتعد عن المعرفة أكثر لأنها تصبح عندها مرتبطة بالإثارة المستنكرة، والممارسة المذمومة أعني الاسترجاز.

ولو كانت السخرية تجدي لبقينا نضحك على ملايين الفتيات الغربيات اللائي لا يعلمن شيئا "تقريبا" عن المعارف الصحيحة حول الجنس في تطوره من حيث نمو الأعضاء ووظائفها وتركيبها، أو من حيث خطوات الممارسة الجنسية الصحيحة أو الصحية الممتعة، وما يمكن أن يعتريها من علل، وكيف يمكن التعامل مع هذه العلل... إلخ.

وبالطبع فإن الشاب العربي لا يزيد في معرفته كثيرا عن الفتاة، ولكننا اليوم نتحدث عنها وتصلنا الأسئلة عن أنواع الإفرازات الأنثوية وأحكامها وما زالت البنات تسأل عن طبيعة غشاء البكارة، وعن الاسترجاز وعواقبه وتأثيراته العضوية والنفسية، ولو كان البكاء ينفع لبقيت بقية عمري أبكي على حال "خير أمة" وكثيرات من بناتها لا يعرفن بعد هل هن طاهرات أم على جنابة، وفي أي المياه التي تنزل منهن يكون الوضوء، وفي أي يجب الغسل؟!!

ولو وسعني البكاء لبكيت إشفاقًا وتعاطفًا مع كل فتاة بريئة تدخل على ليلة زفافها كأنها شاة تساق إلى ذبحها، ولو سقطت الحجب ليلتها لرأينا عرضا يجمع بامتياز بين الجهل والرغبة والألم لتتحول هذه الليلة في حياة كثيرات إلى "ذكرى لا تنسى" من عدم التوفيق أو عدم التوافق الذي تبدأ فصوله، وربما تستمر وتتصاعد!!!

وفوق ركام الجهل تستقر التعاسة عند الطرفين، ويصبح النشاط الأكثر جلبًا للمتعة والسرور والراحة النفسية والبدنية في أصله مجرد واجب وعبء ثقيل في أحسن الأحوال، أو مقدمات جفاء وخصام وربما انفصال أو طلاق عاطفي خفي أو نهائي معلن.

الرعب الثقيل
ويكون مفهوما في ظل الجهل المحافظ النبيل!!! الذي نرفل فيه ونتداوله ونعيش عليه أن يسود رعب ثقيل يبدأ من لحظة أن تبدأ الفتاة في اكتشاف أنوثتها، وتبعات هذه الأنوثة نفسيا وثقافيا واجتماعيا، وتتكفل الأم غالبا بتنمية هذا الرعب بوصفه الصمام الأمثل للأمان المنشود، والكابح الأقوى الذي يحول دون انحراف الفتاة أو سقوطها في الخطأ أو الخطيئة التي هي في حالتنا هنا: ممارسة أي نشاط جنسي خارج إطار الزواج الذي أصبح يتأخر ويتأخر فيطول الرعب على قدر الجهل، وتؤخر التلبية الطبيعية المشروعة للرغبة بالزواج.

والبنت مرعوبة من أعضائها، ومنذ لحظة بلوغها، ومرعوبة من أحلامها الجنسية، ومن مشاعرها العاطفية الرومانسية تجاه الرجال ومرعوبة من انشغالها بالتفكير في هذا الأمر، ومرعوبة من فضولها للتعرف على هذا العالم، ومرعوبة من رغبتها التي تجري في عروقها، ومرعوبة من العادة السرية حين تسمع عنها أو تمارسها، وفي مناخ الرعب المتحالف مع الجهل تنمو مشاعر الإحساس بالذنب، وتلح التساؤلات وتتكرر: هل أنا طبيعية؟! هل أنا آثمة؟!

وهي تتعامل مع الرعب الثقيل بالتشدد في الملبس أو المسلك، وبالقسوة مع الذات أو الأخريات، وبمحاولة النفي المستمر لكونها مهتمة بهذا الأمر، وهي حين تنهار دفاعاتها البائسة هذه تشعر بالألم والحزن الشديد، لأنها تضبط نفسها متلبسة بالاهتمام بالجنس والاحتياج لعلاقة جنسية، ويتفاقم الأمر أكثر حين تتأخر في الحصول على حقها الطبيعي بالممارسة المشروعة للنشاط الجنسي الكامل، وما أروع ما صورته ابنتنا صاحبة الرسالة التاريخية "إلا في البيت جريئة ومرحة ورائعة"، وما أكملته مشكورة في: "إلا في البيت: العالم الداخلي للفتاة العربية.. متابعة"، وأنتهز الفرصة لأعاتبها على الانقطاع عنا، وهي التي تصف لنا كيف تتعامل مع رعبها من رغبتها بالرجال حين تخلع نظارتها الطبية فلا تراهم إلا كتلاً بشرية، أو أشباحًا تتحرك أمام عيونها نصف المغمضة!!!

ولا تحضرني الآن أمثلة أخرى تتداخل معانيها في ذهني، والقاسم المشترك بينها جميعا ذلك الرعب الثقيل من كل ما هو جنسي، وهو إعادة إنتاج للرسائل الكثيرة التي تصل الفتاة منذ نشأتها، وعبر حركتها في بيتها ومجتمعها، ويساهم التوجيه الديني المغلوط في تنمية هذا الرعب أكثر وأكثر.

وينبغي ألا أغادر هذه النقطة قبل أن أشير إلى نوع من البنات يتعاملن مع هذا الرعب بالإغراق في التمرد على هذا الواقع "المتخلف"، وبدلاً من الاحتماء أو الهرب من "العدو" فإن بعض البنات تبحث عنه لتواجهه بشجاعة وتحدٍّ وجرأة فيها من اندفاعة الحمق أكثر مما فيها من عمق التجاوز أو المعالجة للوضع المختل الراهن في جهله ورعبه، وجموده وركوده.

الانفلات هو الوجه الآخر للعملة، وهو مجرد رد فعل يتغذى على نفس الجهل أو يتغذى على مفاهيم مستوردة ومعايير وافدة هربا من الواقع البائس، والنتيجة أنه يستجير من الرمضاء بالنار، ويهرب من الرعب إلى الانفلات، ويحصد الألم ولو بعد حين.

وللمهتمين بالقراءة أكثر حول هذه النوعية من الفتيات فإن السيرة الذاتية الجريئة لبعض النماذج العربية الشجاعة، وأذكر منهن "أروى صالح" رحمها الله، وهي مصرية كتبت لتعري هذا النموذج من التحرر المكذوب، ولترصد تجربة جيل كامل ظن أنه سينهض بتحطيم كل المحرمات والمقدسات، والعادات والموروثات، وخرجت الفتيات لذلك في مغامرة صادقة لتحقيق هذا فإذا بهن ضحية لبعض رفاق المغامرة من الرجال الذين استغلوا هذه النزعة الثورية أسوأ استغلال، ولتكتشف أروى وغيرها بعد فوات الأوان، ربما أنها لم تكن تحطم إلا نفسها حين باعها رفاق الدرب الثوري ببضعة دراهم معدودة، بعد أن ذاقوها وأصبحوا فيها من الزاهدين.

وتظل الرغبة

خلق الله الأنثى والذكر ووضع في كيان كل منهما الرغبة في الآخر، والشوق إلى لقائه، ولو لم يفعل هذا سبحانه ما تناكح الناس أو تناسلوا، وما تزوج البشر أو أنجبوا. والرغبة هنا في دمائنا وعقولنا وكل خلية في أجسادنا، هكذا أراد الله، فأين المفر؟!

ولقد حاولت المسيحية والبوذية وغير ذلك من المذاهب التي ترى السمو الروحي مستحيلاً بغير الاستعلاء على الرغبات، وأخطرها رغبة الجسد بالجنس... وانطرحت فكرة الرهبنة، وفي الإسلام حاولت بعض الاتجاهات الصوفية نفس الشيء، وعاد الجميع بخفي حنين، لأن الفطرة انتصرت، ولكنه أيضا أسيء استغلالها -أي الفطرة- من طرف سماسرة الأعراض، وأباطرة الرقيق الأبيض فنشأت أوسع تجارة لابتزاز الرغبة واللعب على أوتارها ليدفع الزبائن ويستهلكوا الجنس سلعا بشرية أو مادية.

والفتاة العربية مشدوهة وسط هذا السوق ترى وتسمع وتستهلك هي الأخرى، وإن منعتها بقية حياء أو خوف من ربها أو من كلام الناس أن تمارس أغلب ما تراه فالأغلب أنها تشتري وتتابع وتهتم، ولو من باب الفضول أو ملء الفراغ أو محاولة المعرفة، ولا تنتبه أنها في عملية البيع والشراء والاستهلاك إنما تنضغط أكثر، وتثير شهوتها أكثر وأكثر في سياق مجتمعي لا يسمح لها بمثل ما يسمح لرجل من علاقات أو مغامرات، والنتيجة أنها تقترب أو تقع بالفعل في وضع الفريسة الجاهزة أو لنقل الساعية للاصطياد، وهي حين تستجيب لنداء رغبتها التي أصلها فطري، واشتعالها الزائد مصنوع، فهي تدفع وحدها غالبا ثمن تناقضات والتباسات المحيط العائلي والاجتماعي الذي تتحرك فيه، وقد تختار الفتاة أن تهرب إلى الفضاء الافتراضي فضولاً واستكشافا، ومغامرة تواصل تحسبها آمنة، وترجوها سعيدة أو على الأقل مناسبة بالنظر إلى السياق المحيط بها، ولكنها تجد هناك ما تهرب منه هنا: أسواق الرغبة، وألوان الإثارة، وتناقضات المحيط...

ولا مفر من أن تدرك الفتاة العربية رغبتها بشكل أوضح وأعمق وأكثر احتراما لها وتجاوبا معها، ولو قادها ذلك إلى الثورة على كثير من الأوضاع الظالمة والتقاليد الجائرة المتخلفة، ومن حسن حظها أن دين الأغلبية في المنطقة العربية، وروح ثقافتها، إنما هو الإسلام بكل ما يحمله من انفتاح ومرونة واستيعاب في تعامله مع مسألة الرغبة كونها قادمة من نفس مصدر الدين ذاته، فكلاهما من الله: الرغبة الفطرية، وأحكام الشرع وأوضاعه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اقرأ أيضًا:

سيكولوجية الفتاة العربية / الفتاة العربية.. ماذا تقرأ؟ ماذا تسمع؟ ماذا تشاهد؟ (1) / الفتاة العربية.. ماذا تقرأ؟ ماذا تسمع؟ ماذا تشاهد؟ (2) / الجنس في حياتنا



الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 19/01/2005