إغلاق
 

Bookmark and Share

المصريون والعفاريت(3) ::

الكاتب: د.خليل فاضل
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/02/2005

ترى هل هناك فرق بين تلك الجموع المحتشدة في ملعب كرة قدم أو في تظاهره لنادي بعد فوزه، يملأون الشوارع، تزدحم بهم الأزقة وتكتظ بهم الميادين، تنطلق أبواق السيارات في نشاز جماعي مهلل ومهلهل، وبين جموع تسير على غير هدى في الموالد وتجتمع في حلقات الزار، وجموع أخرى من الشباب تقف على قارعة الطريق وعلى نواصي الشوارع، ما بين جالس ومتكئ على حواف السيارات الواقفة يصرخون ويشتمون، بعضهم سكارى والآخر تحت تأثير الحشيش والبانجو، وما بين زحمة على باب السينما في حفلة الليل ومنتصفه انتظاراً للإثارة ومعايشتها، وأخيراً تلك الجموع في تهويماتها حول الأضرحة، وبيوت(الشيوخ)، كما في حالة(الشيخ وجيه، وصالح أبو خليل في الشرقية) وغيرهما.

من هم هؤلاء الذي يقطعون تلك المسافات من أمكنة بعيدة ليزوروا حضرة الولي؟! هل هم منوّمون أم أن اعتقاداً ما يسيطر عليهم كلهم، هل يمثلون بناءاً اجتماعياً محدداً وثقافة عامة تتبع هذا الشيء أو ذاك الأمر؟! هل هي مجرد تجمعات لجماعات عشوائية التقت على هدف سري في صدورها، معلن في مشيتها واتجاهها. هل تشترك تلك الجموع المؤمنة بالغيبيات الغريبة في شيء ما، هل تتمحك في (أمرٍِ) ما للوصول إلى (هدفٍ) ما؟! هل يعوزها الذكاء(الحسابي، العاطفي والاجتماعي) أم أنها تلك القابلية للإيحاء، عالية الوتيرة تسري في الجماهير الغفيرة، أم أنها (عدْوى) تسري كالإشاعة وكالأغنية، كالنكتة، والفكرة.

تؤكد على ذلك دراسات من أهمها تلك لجوستاف لي بون (Gustave Le Bon) في كتابه الأشهر:(The Crowed: A Study of the Popular Mind.)، تؤكد على أن ثمة دونية ذهنية تتملك الجموع تجعلك في مواقف ما في حالة انفعالية وجدانية هشة متقبلة لأي إيحاء يوحي به إليها ومتقبلة دون تفكير أي فكرة تمرر عليها دون القدرة على تحكم الذهن والفهم والعقل إطلاقاً وبشكل مستقل. ومن ثم كنتيجة ذلك ـ تنتابهم صفات سلبية، إعتمادية، غريبة فنجدهم يقدسون شخصاً عادياً دون مبرر، أو اعتماداً على رواية يتداولها الناس أو حكاية تدور بينهم وكأنهم نصف نيام وعلى وشك الغيبوبة. أو كأنهم ـ بالفعل في غيبوبة وهم مفتوحي الأعين فقط ومثلهم مثل من يشجع (شجيع السيما) و(الديكتاتور) و(الأراجوز)، (آكل النار وواضع السيف في بطن صندوق محبوسة فيه حسناء جميلة ترتدي المايوه المبرقش المزركش فلا يصيبها مكروه)، هم مستعدون في سباتهم العقلي ذلك دون أن يفتدوا (مولانا) أو (الحاوي) أو (الديكتاتور) أو (الشجيع) أو حتى (لاعب الثلاث ورقات) على ناصية الطريق.

وإذا دققنا في سلوك المجموعات التي تزور المقابر والأضرحة والموالد لوجدنا... نفس الشيء تقريباً، فالجماعة غير المنتظمة، غير المنظمة، انفعالية للغاية، مندفعة، عنيفة أحياناً، متقلبة المشاعر، متضاربة، متناقضة الهوى والهوية، مترددة، متحيرة، تظهر انفعالات خشنة، قاسية فظة، لا تبدو عليها أية مشاعر حساسة أو رقيقة، قابليتها للإيحاء عالية جداً، مهملة عمداً، لا تراعي الآخر، في أعضائها الذين لا يعرفون بعضهم أنانية جوفاء شديدة التأثر للانقضاض على الشيخ طلب الشفاء وطلب الرحمة!! تحكم بسرعة، لا تفكر بتأن وقدراتها على الفهم ناقصة، محدودة وأحياناً مغيبة تماماً، من السهل هَزَّهَا وحملها على تغيير رأيها، هنا يمكن السيطرة وبسط النفوذ عليها، تفتقد الوعي بالذات، وتفتقر إلى احترام الذات(يعمل أي شيء لإرضاء الشيخ)، أو الرضا بالتعب والإهانة من أجل الوصول إلى حضرته والتطلع إلى وجهه، تحمل آلام السفر، الزحام، عدم النوم، الأكل في أوان ضخمة ومتسعة مع أناس يشبهون الإنسان الآلي (الروبوت) وكأنهم (القطيع)، لا إحساس بالمسئولية، رغبة شديدة وتوق جارف لأي قوة أو مظهر أو شكل يحملهم بعيداً إلى عالم مختلف، إلى الجنة الموعودة والبهاء النوراني الرائع، ودون توقع يذوبون ويتوهون في حالة انسياق فظيعة للقوة اللامسئولة الغبية الجاهلة المسيطرة على العقول بالإيحاء وبالهالة والإشاعة التي أحاط بها (الشيخ) أو (الولي) نفسه.

ومن ثم فإن تلك الجموع في تهويماتها وفي سلوكياتها لا تعدو كونها طفلاً جامحاً عاصفاً عنيداً وصعب المراس، أو كانسان همجي بدائي غير متمدن، جلف فطري ساذج يتعامل بضراوة ووحشية مع الدنيا التي ظلمته ومن ثم فهو على استعداد (لكي يفقد أغلاله) من أجل نظرة من عيون الشيخ أو إلى طلعته البهية. وطبقاً لنظريات فرويد في سيكولوجية الجماعة وتحليل الأنا (Group Psychology and the Analysis of the ego).

نجد أن الجماعة تظهر في تلك المواقف وكأنها إحياء لقبيلة بدائية من البدو الرحل التي تطل فجأة من خلال الزحام والتجمهر حول طبق فتة عدس أو طلوعاً على السلم لأخذ (نفحة إيمان ـ مفترضه ـ من سيدنا الشيخ)، هنا نجد الناس مطوعين منوّمين تحت تأثير الجماعة واقعها الرث وتوقعاتها الوردية، نجد هنا أن الفرد كجزء من الجماعة يكتسب اعتبارات عديدة أهمها تلك الفكرة العاطفية، رقة الشعور والوجدان داخل تلك القوة الكؤود التي لا تظهر (والتي يعتقد أنه ذاهب ليستمدها من زيادة مولانا)، قوة تجعله يكبت غرائزه وأهواءه ولا يكون له هدف سوى التبرك بحضرة الشيخ أياً كان اسمه أو مكانه أو شكله أو اعتباره، والذي يلعب بدوره دوراً محفزاً متشدداً للاتجاه نحو الشيخ والانخراط في الجماعة دون تفكير ودون كلل، وهنا يبدو الأمر دون أدنى مبالغة وكأنه (اغتصاب جماعي للناس من قبل حضرة الدرويش) اغتصاب لعقولهم، تفكيرهم، مزاجهم، حياتهم، أحوالهم وأحياناً كثيرة أجسادهم، وقتهم، وخصوصياتهم الغالية.

هنا تلعب قوة الإيحاء دوراً كبيراً في العملية الذهنية للناس في تجمعهم (جمع آت من كل كفر وحارة وعمارة من مختلف أنحاء مصر شمالها وجنوبها)، تؤثر فيهم كلمة منطوقة، خبر يهمس به أحدهم في الليل فتجد جمعاً عند انبلاح الفجر يتوجه إلى وسائل النقل المختلفة لكي يكون في ذلك الوقت وذاك المكان.

يقول تقرير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (إعداد فابيولا بدوي ـ جريدة الحياة ـ 29/ 6/ 2003) أن المصريين ينفقون عشرة مليارات جنيه مصري سنوياً على قراءة الغيب وفك السحر والعلاج من الجان، وهو مبلغ يفوق دخل مصر من قناة السويس، كما أشارت الدراسة نفسها إلى أن (274) خرافة تسيطر على سلوك أهل الريف والحضر وأن حوالي (300 ألف) شخص يدّعون لأنفسهم القدرة على علاج الأمراض عن طريق تحضير الأرواح، وأن (300 ألف) آخرين يعالجون الأمراض والمسّ من الجن بالقرآن والإنجيل، وأن هناك حوالي مليون مصري على الأقل يعتقدون أنهم ممسوسون من تحت الأرض، وأن نصف نساء مصر يعتقدون اعتقاداً جازماً بتأثير السحر أو (العَمَلْ) على جوانب الحياة المختلفة خاصة الاجتماعي منها.

ثم يؤكد التقرير على أن ذلك المبلغ الضخم المصروف على الخرافة والشعوذة هو أكبر من ميزانية التعليم المصرية ورغم أن الإشارة واضحة ألاّ أن التعليم دون وعي وثقافة لا يعني سوى أن هناك (دجالاً) لكل(240 مواطناً) يعينه على كشف الغيب، يرى البعض أن هذا المسار أو رد الفعل ما هو إلا نتيجة لظروف الحياة الضاغطة غير أننا نراه محصلة لعملية التدهور النفسي السياسي القيمي، ووقوع المجتمع بكافة فئاته بين رحي التناقض المجتمعي والأخلاقي الشديد فكل شيء تقريباً أصبح الشيء ونقيضه فاجتمعت الأضداد وخلقت أشكالاً من السلوكيات غرائبية مشوهة ومخيفة، فالفقر المدقع والثراء المفرط، العري الفظيع والتغطية الشاملة، حتى داخل الإنسان الواحد قد تجد كل علاقات الورع والتقوى، مع بعض سلوكيات تناقض ذلك تماماً كالتلصص والنصب والسرقة وإدمان تصفح المواقع الإباحية.

إذن فلقد اخترقت منظومة الدجل والاحتيال كافة المستويات السياسية والدينية والاجتماعية، ولم يعد الأمر موروثاً شعبياً يدور حول تعليق الخرزة الزرقاء مثلاً، لكنه صار مرضاً اجتماعياً يعتمد على من يفتح لهؤلاء الدجالين أبواب ونوافذ (القنوات الفضائية) ليطلوا طلّة غريبة الشأن، بتفسيرات أحلام تداعب أحلام الناس وأهواءهم، هذا بجانب الصحف والمجلات التي باتت تعتمد في توزيعها على توزيع الخرافة ومشتقاتها تحت أسماء وهمية وحقيقية شتى.

من الطريف أن رجل أعمال خليجي، التقت به(منال الشريف من جريدة الوطن السعودية)، كأن الرجل على وشك شراء(خادم جني) بمبلغ خرافي، حيث أخبره المشعوذ أنه سيشكل الخادم على هيئة خنفساء، ليتمكن من حمله وأخذه معه في الطائرة (وكأن ثمن ذلك الخنفس الأسود المسكين بضعة آلاف من الدولارات)...!!! وكما أشرنا سابقاً فإن موضوع الناس والعفاريت وما شابهها لا يكاد أن يخرج عن ثلاثة إطارات (الصرع، الجنون، الهستيريا وحالة التنويم الفردي والجماعي). وسنتطرق لكل منها بالتفصيل في موقع آخر.

المثير للدهشة والذعر أن الأمر متفشي في أوساط لها وزنها القانوني والسياسي فنجد ـ مثلاً ـ أن محكمة الجيزة الابتدائية للأحوال الشخصية قد حكمت بالطلاق لزوجة ادعت أن زوجها متزوج من "جنيه"، "عفريتة" دأبت على إزعاجها هي وأولادها خاصة بعد أن حملت الجنية وخلفت من الزوج؟ وعلى الرغم من عدم قدرة حصول زوجات معدمات مظلومات على حكم الطلاق، كذلك أصبحت زيارة أضرحة الأولياء واجباً مقدساً لكبار القوم من الوزراء السياسيين بل ورؤساء الجامعات، وأن أحد وزراء الداخلية السابقين كان يستعين بشخص "أهطل" لكي يساعده في اتخاذ قرارات مصيرية، وأن مسئولين كبار يحضرون روح زعيم سياسي لاستشارته (د. خالد منتصر ـ 10-7-2004 ـ النت ـ الخرافة تحكم مصر، مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي www.sc.rezgar) في هذا المضمار تؤكد د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع أن (38%) من المثقفين والمشاهير في الفن والرياضة والسياسة من زبائن السحرة والدجالين.

كما تثبت دراسة أخرى أن "طناح" (والذي فحص كاتب هذه السطور شابين منها ووجد بهما إحدى حالات الاضطرابات العقلية (فصام العقل ـ Schizophirenia) ظلاّ ردحاً من الدهر يعاملان (هما وغيرهما) على أنهما ممسوسان، عولجاً طبياً نفسياً وخفت أعراضهما. "طناح" بها أغلى دجال في مصر (الشيخ إبراهيم) والذي حسب (قول الصحفي نبيل شرف الدين) تبلغ استشارته ألف دولار أمريكي، لا يستقبل سوى النجوم اللامعة وأثرياء الخليج، وتحط طائرات هليوكوبتر على سطح منزله أحياناً ومن قرية "طناح" إلى قرية "حسميك" حيث قضت شرطة مطروح الوقت وبذلت الجهد للبحث عن سرّ تعطل العربات عند مشارف القرية، وتؤكد على أن الحوادث والأعطال ما هي إلاّ نتيجة طبيعية لأشباح البدو الذين احترقوا في حريق ضخم منذ أكثر من مائة عام (نفس المصدر السابق).

في ظلّ كل هذا لا يمكن تجاهل تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الذي أكد على أن تسعة ملايين شاب وفتاة تجاوزا سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجوا، هذا غير (75 ألف) وثيقة طلاق خلال عام واحد. من هذا تفتقد ذهن (مقاول) احترف أعمال الدجل والشعوذة في الأقصر عن إغواء خمس أخوات وهتك عرضهن وإجبارهن على ممارسة الأعمال المنافية للآداب والتوقيع على إيصالات أمانة بمبالغ كبيرة، كل هذا بزعم تخليصهن من الجان وفك عقدتهن ليتزوجن، وفي حالات أخرى مرصودة في عدة أماكن يقوم الدجال بمعاشرة الضحية بعد تخديرها فحدث الحمل بعد التأكد من أن العيب يكون في زوجها ومن ثمّ تنتشر بركات الشيخ وتحمل كل الزوجات العاقرات من الشيخ الذي يصبح بعد قليل أسطورة المكان والزمان. (مروة مرعي ـ الأهرام العربي ـ العدد 392 ـ 25 سبتمبر 2004).

هل يمكن الاصطلاح على ما سبق بـــــ: (مرض الجموع الاجتماعيMass Sociogenic Illness) الذي هو عبارة عن نوع من الهستيريا الجماعية، أي شعور نفسي يعم على جموع من الناس غالباً ما تكون متجاورة من حالاته الشهيرة الإغماء الجماعي لبنات المنصورة والذي حدث قبل حوالي عشر سنوات، هنا تختلط الشائعة، بالإيحاء، بفيروس في الهواء، بعملية ذهنية تنال من التفكير والسلوك وتنتشر بسرعة وسط الناس وغالباً وتكون الأعراض عبارة عن إحساس بأن (الرأس يخف وزنها، تفقد القدرة على التركيز، إحساس قوي بالرغبة في السقوط والارتماء على الأرض) (ربما هروباً من واقع مؤلم وقاس) أو الادعاء أن سبب الحمل السفاح هو معاشرة جني؟!

وهو ما حدث عندما (برأ الشيخ منصور الرفاعي عبيد ـ وكيل وزارة الأوقاف المصرية سابقاً ـ في واقعة غريبة الجن من تهمة الاغتصاب لبعض الطالبات في المرحلة الثانوية مما أدي إلى حملهن لبعض الطالبات في المرحلة الثانوية مما أدي إلي حملهن سفاحاً! كان عدد من أولياء الأمور لست طالبات في المرحلة الثانوية الفنية في إحدى قري محافظة الدقهلية في مصر قد لجأوا إلي الشيخ الرفاعي طالبين مشورته وكيفية التصرف إزاء الكارثة التي حلت بهم حين فوجئوا بظهور أعراض الحمل علي بناتهم والأكثر من ذلك أن الطالبات اعترفن بأن الفاعل هو" الجن" مدعين أن الجن قام باغتصاب رغماً عنهن.

طلب الشيخ الرفاعي من صحفي مجلة "المرآة اليوم" مرافقته وحضور جلسة محاكمة الجن والتي عقدت في عقر دار الطالبات المدعيات. سردت المدعيات وقائع ما حدث لهن، فكان اتفاقهن علي أنهن كن يشعرون وكأن شخصاً ما يعاشرهن معاشرة الأزواج في بيوت أهليهن أثناء نومهن ليلاً فإذا استيقظت الواحدة منهن لم تجد أحداً بجوارها. وهكذا كان المشهد يتكرر بالسيناريو نفسه تقريباً لدى كل واحدة وكأنه "جن" واحد يقوم بهذه الجريمة مع كل المدعيات كلهن. وبعد جلسة استغرقت أكثر من ثلاث ساعات أصدر الشيخ الرفاعي حكمه ببراءة الجن من تلك التهم المنسوبة إليه وإمهال المدعيات ثلاثة أيام حتي يعترفن بالحقيقة وألا فقد "سبق السيف العذل" أي تنفيذ حكم الإعدام فيهن من قبل آبائهن". كشف الشيخ الرفاعي في حيثيات حكمه النقاب عن استحالة قيام الجن "بمعاشرة الإنسية" ( وهذا عكس فتوى بن باز المعتمدة على فتوى بن تميمية)، وكذب الادعاء بأي قول غير هذا لاختلاف طبيعة خلق الجن عن طبيعة خلق الإنس، وأكد الشيخ الرفاعي لـمصطفى جعفر كذب ادعاء الطالبات وأن الحقيقة ستكشف بعد الأيام الثلاثة التي أمهلها لهن، وطلب من أولياء أمورهن خلال هذه المهلة ممارسة كافة وسائل الترهيب مع البنات وفي الوقت نفسه بث الطمأنينة في قلوبهن بعدم إيذائهن إن هن اعترفن بما حدث لهن!

اعترفت الفتيات قبل انتهاء المهلة بساعات قليلة أنهن وقعن في الخطيئة مع شباب أوهموهن بالحب والزواج لكنهم تخلوا عنهن وفروا هاربين من تحمل المسؤولية، فما كان من البنات اللائي تربطهن علاقة زمالة و"صداقة" إلا أن أختر عن فكرة "الجن" حتى لا يقعن تحت طائلة العقاب والقتل. غير أن اثنتين من أولئك البنات رفضتا الاعتراف فما كان من الشيخ الرفاعي إلا أن انفرد بكل واحدة منهما على حدة لمعرفة الحقيقة فكان اعترافهما أكثر صدمة من السابقات، حيث قالت الأولى إن أخاها اعتاد أن يعاشرها منذ كانا صغيرين حتى تم كشف سرهما، أما الثانية فكارثتها لا تقل عن الأولى حيث اعترفت بأن عمها الأصغر "شقيق والدها" هو الجاني، حيث أنهم يقيمون في بيت العائلة، والفرق بينهما تسع سنوات، وكان يمارس معها الفاحشة منذ كانت في التاسعة من عمرها، ولم تكن تدري معنى ما يفعله معها حتى كبرت وحينما نهرته كان هددها بإفشاء السر وأن والدها لو عرف سيقتلها! في نهاية المحاكمة طلب الشيخ الرفاعي من أولياء الأمور التصرف بحكمة وعقل حيث طلب استدعاء الشباب الذين ارتكبوا الجريمة مع أولياء أمورهم لعلاج الأمر قبل أن تشيع الفضيحة، أما فيما يتعلق بالاثنتين الأخيرتين فطلب الشيخ الرفاعي أن يكتب الأبناء في حالة الميلاد باسم "أبو البنت" ذاتها بمعنى أن يكون المولود ابناً للبنت في الواقع وشقيقاً لها في الورق الرسمي وهكذا انتهت أغرب محاكمة للجن بتبرئته مما نسب إليه.
(مجلة ـ المرآة اليوم ) ، العدد (196) ـ 14 ديسمبر 2004 ـ مصطفي الجعفري)

للأسف أن تلك الأمور تجد من يعضدها مثل مفتي السعودية الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز الذي أصدر فتوى دينية شرعية عن الزواج من الجان استناداً إلى فتوى ابن تيمية التي تقول(إن صرع الجن للإنس قد يكون عن شهوة وعشق! كما يتفق للإنس مع الإنس، وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما ولد؟) ومن المثير للضحك وصف الشيخ عبد الخالق العطار في موقع (لقط المرجان في علاج العين والسحر والجان) المنشور على الانترنت (الواحد من الجن جسم دقيق رقيق لطيف، يدخل بإذن الله جسم الإنسان وتقترن به، والنكاح بين هذا النوع من الجن وبين الإنس يتم بطريق الإثارة والتهيج من الجن إلى الإنس، في موضع الإثارة العظمى بفرج الإنس ذكراً أو أنثى ولا ينجم عنه حمل؟!) إن طريقة الوصف تلك تقود الجهلة والمتعلمين إلى التصديق والانسياق خلف هذه الخرافات رغبة في أن يكون ذلك المكتوم الذي لا يقال خاصة ما ينم عن رغبة جنسية محمومة تشعل نيران التوتر والقلق والاكتئاب وتثير الشجن وتدعوا إلى الارتماء في حب وعنف ودون إحساس بالذنب الارتماء في حضن وحجر الدجال أياً كان وكأننا نغلف الصراع النفسي الداخلي والخارجي، الصراع الاجتماعي والتوتر العائلي والمادي بورقة سلوفان، بدق الطبول والدفوف، نعلي أصواتنا بترانيم وتمتمات غير مفهومة.

ويبدو أنه لا حلّ لكل ذلك سوى على الرصاص على الخرافة ومبتدعيها تتبادر إلى أذهاننا حكاية من اليمن والإمام أحمد أحمد باجناه الذي ادعى علاقة مع الجن ووصل الخوف من ذلك (الإمام) وجنه إلى العلماء وكبار رجال الدولة والقادة العسكريين والمثقفين، استخدام الإمام حيلة الرصاص الفشنك الذي يصدر صوتاً دون إصابة فيطلق أعوانه عليه الرصاص مرات ومرات في سيرك تمثيلي يبهرون به الناس وينشرون به الإشاعة. (الإمام لا يمكن إصابته لأنه محمي من الجن). وعندما قام ضباط يمنيون بإطلاق الرصاص عليه في الحديدة. مات. وماتت معه الإشاعة والحكاية والرواية. نعم ماتت للأبد.

اقرأ أيضاً على صفحتنا مقالات متنوعة :
سر الخلافات الزوجية المتكررة  / المصريون ....والتربص الاجتماعي  / المجتمع المصري وظاهرة رجل الأسرة الطيب / نفسية المصريين (المنتحرون.. لماذا؟) ـ (1) / عفة اللسان ونظافته، ضرورة حضارية / المصريون والعفاريت(1) / المصريون وبانوراما النفس والجسد(2)  / المصريون وبانوراما النفس والجسد  / المصريون والتعليم /
السيكودراما الحديثة في القاهرة



الكاتب: د.خليل فاضل
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/02/2005