إغلاق
 

Bookmark and Share

يوميات مجانين: على مشارف الوسوسة ::

الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/03/2005


من بين ما لا أحسبني أستطيع نسيانه تداعيات ما سمعته اليوم من طاووس، وهو يحكي عن تلك الليلة التي تصادف يوم 15 مارس، ولم يذكرها لي إلا بعد انقضاء ما يقارب تسعة عشر عاما على حدوثها، كان طالبان من طلبة الطب أحدهما أشار إليه طاووس في  قصيدة إلى ع.ر. ، كانا في أواخر الشتاء يفترشان أرض كلية الطب في الممر الممتد أمام المشرحة، لحراسة لوحات معرضهم الأدبي، مجموعة قصائد منشورة في لوحات على جدران المشرحة، وكانت قد تعرضت للتمزيق في إحدى الليالي، وكانا مسلمين قررا أن يأكلا المرتديلا (لأنها فيها لحم خنزير)، لم يكونا يأكلانها لأنها لذيذة أو جميلة الطعم، وإنما فقط لأنها حرام، أستغفر الله، وكأنهما كانا يثأران لمجهودهما ومجهود زملائهما من المبدعين أو الهواة، ذلك المجهود الذي مزقته أيادي زملاءهم أعضاء الجامعة الإسلامية المعتبرين أشعارهم زندقة ومشاعرهم ضلالا، وبعض قصائدهم كفرا، لم يكن أحدٌ من أعضاء الجماعة الإسلامية يعرف الإسلامَ الحق ولا كيف يقبل الآخر، ولكنهم في أغلبهم كانوا مستعدين للتضحية بذواتهم في سبيل إسلامهم، كانوا مجموعة من شباب الأطباء متوسطي العلم ببعض قشور الدين.

وكانت الجماعة الأدبية شبه الرسمية بالكلية تشمل مجموعة من الشباب المسلمين العاديين في فترة اتسمت فيها أوضاع الأمة بما أشار إليه ولفوت في قصيدته: أصواتُ العربِ!، تتقاذفهم دعوات التغريب ودعوات العودة للتراث والتأصيل، وكان أحدهم يعبر عن صدمته في اكتشافه لكثرة كذبنا كأمة حين قال أنه فهم لأول مرة تفسيرا خاصا لقوله تعالى(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ...)(يوسف: من الآية2) وهو أن كون القرآن عربيا دليل على أنه من عند الله، لسبب بسيط أن العرب لم ينتجوا شيئا، مثل هذه الأفكار لا تنبتُ إلا في ظل تزييف كبير لعقول الناس، باختصار كان أعضاء الجماعة الأدبية أيضًا جهلاء، ومخدوعون.

ودارت معاركٌ ومعارك بين الفريقين، وكان آخرون من الكبار يفعلون ما يريدون لأسباب كان معظم المتحاربين لا يدري شيئا عنها، لكن فريقين من شبابنا كانا يتصارعان وكلاهما ضائع إما ضائع في الدين وإما ضائع في غيره، هجوم المتحمسين من الضائعين في الدين ضاعف من هجوم ونفور الضائعين في الافتتان بالغرب وبالمفاهيم الكاذبة التي كانوا يروجون في الغرب لها ويصدقها كثيرون ظلوا يحلمون بالهجرة وبعضهم ما يزال رغم قارعة الحادي عشر سبتمبر يحلم بجواز السفر الأمريكي، زادتهم شراسة الفكر والفعل والاتهام الجاهز بالكفر لكي من ليس معهم، زادتهم ابتعادا عن جذورهم ولو لحين، إلا أن الغالبية في ظني من جيلنا قد أفاقوا لما كان جيلنا هو الجيل الذي ذكر مواصفاته على لسان ابن عبد الله في مقال عام على مجانين، وهكذا ذكرني طاووس بما كان من تصاريف القدر في جيل ينتمي كلانا إليه.

كتبنا  شيئا عن جيلنا الذي قسَّمت عليه السنوات الغلاظ في تاريخ أمتنا ما قسمت، ولكن ماذا عن الجيل الحالي؟؟؟ ماذا عن أولادنا وبناتنا، ماذا فعل لهم ولهن من احتك بمعطيات العصر المحطمة لكافة قيود الإنسان أو هي في طريقها، ذلك العصر الذي وجد الصغار نفوسهم فيه، وكانوا كالكبار غير معدين؟ الحقيقة أن الصورة مؤسفة وما تدمع له عيون المرء وهو يسمع كلمات الشباب اليوم، أليم الذكر وكثير المرُّ على لساني ولكن أقول:
"للمرة الرابعة تهربُ من بيت أبيها وتسافر بنت في السادسة عشرة من عمرها كيف حدث هذا، ببساطة عرفتها صديقاتها على الإنترنت وغرف الدردشة، وأصبحت متعددةَ العلاقات عاطفية وجنسية نتية وأرضية، وأبوها رجل بسيط وأمها أبسط، وتقول لي عن المعالج بالقرآن (وهو ناوي يرشح نفسه للبرلمان) الذي كان يتحرش بها جنسيا، وهو زوج اثنتين، .............. ودون إغراق في التفاصيل المبكية المضحكة، هناك آخر من سنها: تحبه وتمارس الجنس السطحي معه، وهي تعرف أنه يحبُّ صديقتها ولا يمارس الجنس مع من يحب، ولكنهما يمارسان الجنس معا لأنهما أصحاب يا دكتور.............. في النهاية أسرت لي بأنها لديها مشكلة جنسية هي الرغبة التي تجعلها لا تثور لكرامتها كأنثى وأنها تضطر للهرب من حصص الدروس الخصوصية وقتما استطاعت لتقابله في شقة أخته المسافرة" ولا حول ولا قوة إلا بالله،  في السادسة عشرة من عمرها وتقول لي أنا بنت يا دكتور محافظة على نفسي، وأصلا من الوراء كله.......... وكفى... ولا حول ولا قوة إلا بالله......، قلت لها يا ابنتي وعلاقتك بربنا، وعرفت أنها لا تفكرُ كثيرا في هذا الأمر، بل هو لا يشغلها، هي مشغولة بما تحس وتعيش مباشرة، لها صديقات منقبات يكرهنها كره العمى، ويعتبرنها كافرة ساقطة، لأنها تلبس ثيابا مثيرة للغرائز، وهي رمت الموضوع كله من دماغها"..................... أمها تصلي أحيانا وتقطع أحيانا، وأبوها غير متواجدٍ في أوقات الصلاة أصلا في البيت، ...إلخ.
   
ما الذي أعدَّ فعلا لهذه النماذج التي أخشى أنها في تزايد في الجيل الحالي، وهل ينتبه المتدينون الجدد إلى ما يجب أن يتغير إليه أسلوبهم في قبول الآخر؟، خاصة عندما يكونُ الآخر غضا غريرا؟؟ أليس في رد فعلهم المفرط القسوة تجاه من يبدون شيئا من الانحراف أو حتى مجرد المخالفة ما يدفع بهم إلى انحراف أكبر؟ ثم لماذا لا يستفيدون من خبرة من سبق والتي تبين بوضوح أن إطلاق أحكام نهائية قاسية على الأشخاص في بداية شبابهم لمجرد مخالفة سلوكهم لسلوك المتدينين قد يضرُّ أكثر مما ينفع؟، أحسب أن الأمر ما يزال بحاجة إلى مناقشة، وأعدكم بالمتابعة.         

اقرأ أيضاً على صفحتنا مدونات مجانين:
يوميات مجانين: الهزيمة فعلاً هزيمة العقول / يوميات مجانين: الاستماع لسورة طـه / كل عام هجري جديد وأنتم بخير مع مجانين / من العيد إلى يوم العراق البعيد  / الفأر ... والفقر ... وأنا.... ومجانين  / مجانين في منتدى دافوس الاقتصادي  / سلسلة الصحة النفسية للجميع مبروك مجانين. /
يوميات مجانين: معتكفا بالموبيل.



الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/03/2005