إغلاق
 

Bookmark and Share

التزنيق في المواصلات هل أصبح ظاهرة؟ ::

الكاتب: د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/05/2005

تفضيل التزنيق أو الاحتكاكيةFrotteurism هو أحد اضطرابات التفضيل الجنسي ويعاني صاحبه من رغبة عاتية في الالتصاق بأنثى في مكان كالمواصلات العامة أو غير ذلك بحيث يكونُ المثير الأساسي له هو أنها غير متوقعة أصلا لممارسة الجنس أو أن ذلك يصدمها، ولكن صاحب الاضطراب يرغمها على ذلك، وقد تتبع ذلك تخيلات مثيرة جدا له عن أنها مثلا بعد الرفض تصبح راغبة فيه، أو أنها مثلا ستصرخ من الدهشة أو غير ذلك، وعلى أي حال فإن اضطرابات التفضيل الجنسي تحتاج إلى معلومات كثيرة وشروطٍ لتشخيصها، من أهمها أن يحل ذلك الفعل محل العلاقة الجنسية الطبيعية أو أن يستحيل الفعل الجنسي بدونه، ولكن هل لذلك علاقة بما تتعرض له كثيرات من بناتنا ونسائنا يوميا في المواصلات العامة؟

أن تتعرض واحدة من بناتنا في وسيلة مواصلات لمضايقة أو تحرش سافل بشكل أو بآخر مرةً أو مرتين أمر لن يثير كثيرا من الاستغراب باعتباره قديم الحدوث في أي زحام، أما أن يصل تكرار الأمر إلى حد أن تكره البنت كونها أنثى، وإلى حد أنها لا نستطيع حصر الجاني بمعنى أن أي رجل قد يفعل، فهذا ما يشير إلى تغير نوعي في كيف يتصرف الناس وإلى أي حد ينفلتون، ويصعب فهم الحاصل خارج إطار ما يحدث منذ سنوات -ويبدو أننا نتناسى حدوثه واستمراره- في البيوت والمقاهي، حتى من قبل الإنترنت،

فالمواد الجنسية التي تبث على بعض الفضائيات منذ حوالي العقد من الزمان ومثلت بالنسبة لكثيرين من الراشدين والمراهقين على حد سواء منفذا على عالم تكتنفه الإثارة لأنه مجهول بالنسبة لهم، وأفلام الفيديو وهي البداية لم تكن قادرة على الانتشار لقاعدة عريضة من الناس، فلم يكن امتلاك جهاز الفيديو سهلا لكل الناس وكان حمل الشريط نفسه يمثل مشكلة، ولكن عندما فتح الفضاء وأصبح طبق التقاط البثالدش- معروضا وبأسعار آخذة في الهبوط، دخلت الفضائيات بيوتنا، وإذا اعتبرنا أن الكبار قاموا بتشفيرها حماية لأولادهم فهل هم أنفسهم لم يقعوا في الفخ؟

وفي خبرتنا كأطباء نفسيين ومهتمين بالصحة النفسية الاجتماعية فإن من يزنقون في المواصلات في بلادنا يندرجون ضمن فئة من ثلاث فئات:
 
*الأولى:
تضم صنفا من الذكور يفعل ذلك بسبب الكبت أو الانفلات الجنسي(في الشباب غير المتزوجين) أو الانفلات الجنسي(في المراهقين)، أي أن دوافعه التفريغ أو التجريب، وتضم مع الأسف بعض المتزوجين من أصحاب الشخصيات غير السوية، ونحن في غنى عن الحديث لإثبات توزع كثيرين من الناس في منطقتنا بين الكبت والانفلات الجنسي عافا الله الجميع، إلا أن من بين من يفعلون ذلك في سن المراهقة من يصبح مريضا بتفضيل التزنيق وذلك من خلال ما قد تنتجه تلك الخبرات المتكررةُ من تشويه لفطرتهم الجنسية السوية، فالنشاط الجنسي السوي يكونُ غير مسروق أو مغتصب على الأقل، لكن الأمر غالبا ما يكونُ عابرا بالنسبة لمعظم من يتورطون في تجريب هذا النوع من الفعل بسبب الكبت. ومعظم هؤلاء ربما تكفي نظرةُ لوم صامتة من المتحرَشِ بها بعد أن تبعد نفسها بلباقة ... كأن تطلب مثلا من أحد الرجال الواقفين أن يبادل معها المكان مثلا، ومن مريضاتي من كانت تقول بصوت خفيض أترضى بذا لأختك؟ وكثيرا ما يكفي ذلك، لأن الحقيقة أنهم غالبا ما يكونون أكثر خوفا من الضحية، وأكثر شعورا بالجرم الذي يرتكبون من المتوقع.

لكن كثيرات ساكتات، وليس السكوت علامة الرضا هنا بل علامة الأنوثة المقهورة في مجتمعاتنا ومما حكته لي إحدى مريضاتي تفسيرا لرد فعلها بالصمت والنزول من الحافلة في أول فرصة لتتقيأ!، وتلغي مشوارها قالت أي عاقلة مكاني كانت ستسكت، فاستنكرتُ ذلك، فقالت: لو أنك رجل بين الرجال في الحافلة، ماذا سيكونُ رد فعلك؟ -علما بأنه سينكرُ بصوتٍ عالٍ ويقسم بأغلظ الأيمان أني كاذبة وهو لم يقصد أبدا إلى آخر ذلك-، ألن تنظرَ لي؟ وربما تفكر أنني فقط أحاول لفت الأنظار؟ بصراحة العقل هو ألا أتكلم، وأحاول الهرب، وقد فعلت، وارتديت الحجاب بعدها، بالمناسبة كنت أعالجها من مشكلة القرف من الجنس وكانت على وشك الزواج.

*والثانية:
هم المرضى بتفضيل التزنيق، ولا يشترطُ أن يعاني أحدهم من كبت جنسي فقد يكونُ متزوجا ورب أسرةٍ ولكن تلك النزوة ترغمه على ممارستها، ويفشل في كبح جماع وسوسته بهذا النوع من السلوك الجنسي المنفلت الحرام، وقد يجدُ الرغبة في ذلك أعتى من مجرد التفكير في مقاومتها لكنه رغم ذلك يتحمل المسئولية القانونية عن أفعاله، وهذا في الغرب، فهم يضعونه في السجن حتى ينجح في إتمام العلاج النفسي السلوكي وأما عندنا فليست لدي معلومات فقهية ولا قانونية عن التعامل القضائي مع ذكر يثبت تحرشه هكذا بأنثى، ولا يفوتني أن أشير هنا إلى أهمية الضبط الاجتماعي في منع مثل هذه الحوادث ولعل تآكل الضبط الاجتماعي مسئولا عن ما وصلنا إليه.

*والثالثة:
نضع فيها من يفعلون ذلك الفعل لأنهم مرضى باضطراب عقلي أعمق وأشمل كبعض مرضى الفصام، ومرضى السبه(عته الشيخوخة)، حيث يكونُ مثل هذا الفعل ناتجا عن خلل أشمل في ضوابط السلوك ومنها تقييمه، أي أن المسئولية هنا غير موجودة لأنهم فاقدون للتمييز والأهلية.

السؤال هو هل كنا -جيل الكبار- معدين أصلا للتعامل مع مثل هذا الوضع؟ أقول لكم أن أصحاب الدرجات والمناصب والثقافة الرفيعة في المجتمع لم يكونوا معدين لشيء من ذلك فما بالكم بعامة الناس؟ لا شيء يحفظ الإنسان في زماننا هذا إلا الوازع الديني إن كان والحمد لله أن الوازع الديني يربى داخل الإنسان بعيدا عن الحكومات والمؤسسات التابعة لها، والحمد لله أيضًا أنه لا يفرق بين مثقف وغير مثقف ولا بين صاحب درجة أو منصب وإنسان على باب الله.

إذن لا يحتاج الرجل عندنا أن يكون مريضا بتفضيل التزنيق ليزنق في الإناث؟ فلديه ما يكفيه وما يصطلي به من حرمان جنسي إما لأنه أعزب أو متزوج بأنثى تربت على احتقار الجنس أو العجز عن التعبير عن استمتاعها بالجنس مع زوجها الحلال، والعجز عن فعل ما تحب مع زوجها، وعندهم أيضًا ما يكفيهم من انفلات جنسي متعلم من الأفلام الجنسية وهي بضاعة رائجة في الفضائيات وفي الإنترنت وأفدح في نوادي الفيديو، عندنا رجال محرومون وبنات مظلومات وعندنا جو عام يلفه الفساد والسيولة والانفلات.

عن جريدة الدستور عدد الأربعاء 18/5/2005

اقرأ أيضاً على صفحتنا تقارير وأخبار:

يوميات مجانين: حسن خاتمة / يوميات مجانين: على مشارف الوسوسة  /  يوميات مجانين: معتكفا بالموبيل.يوميات مجانين: الهزيمة فعلاً هزيمة العقول  / يوميات مجانين: الاستماع لسورة طـه / كل عام هجري جديد وأنتم بخير مع مجانين / من العيد إلى يوم العراق البعيد  / الفأر ... والفقر ... وأنا.... ومجانين / مجانين في منتدى دافوس الاقتصادي  /
سلسلة الصحة النفسية للجميع مبروك مجانين.



الكاتب: د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/05/2005