إغلاق
 

Bookmark and Share

حجمُ مشكلة البدانة في العالم العربي مشاركة ::

الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/06/2009


حجمُ مشكلة البدانة في العالم العربي

أرسلت هدوء الليل والقمر (21 سنة، طالبه، مصر) تقول:

السمنة دي مشكلة


السلام عليكم ورحمة الله؛
ألف شكر لحضرتك يا دكتور وائل على كل المعلومات الأكثر من طيبة، أفادك الله وأطال في عمرك ووسع رزقك ورزقك جنة الخلد بإذن الله.

موضوع السمنة وزيادة الوزن أعتقد أن له أسبابا كثيرة جدا غير أننا من العالم الثالث يعني أن معظم غذائنا عبارة عن كربوهيدرات وقلة البروتين فممكن تلاقي حضرتك أن وجبة تتكون من بطاطس وخبز وأرز وكده الحمد لله والحياة ماشية، وطبعا عندنا في مصر نعتبر الشعب الوحيد في العالم يطلق لفظ عيش على الخبز ويستخدم الخبز أو العيش بدلا من الملعقة كوسيلة لالتقاط الطعام وليس كطعام خاص بذاته وطبعا كل دي سعرات حرارية لنا...

غير عادتنا الغذائية الأخرى من تناول المسليات والمقبلات والمخللات (على أساس شهيتنا في الأكل مقفولة) لكن الغريب بقى أننا على الرغم من كل أمراضنا دى بس بنحب زيادة الوزن وقليل جدا من يعرف أصلا موضوع حساب كتلة الجسم، وأيضا لو أنا على نظام غذائي وأفقد وزني كل الناس تقول يا حرام خسيتِ كده ليه كده كفاية بقى صحتك دي في كل مجتمعاتنا، وكنت فاكرة إن ده رأي الناس العادية بس الغريب إني وجدت طبيب لعلاج السمنة بيراعي كده في أنظمته أن المهم الشكل يعني ممكن يثبت على وزن زائد ده مش مهم وطبعا كلها أسبوع أو اتنين والوزن يرجع لطبيعته الأولى وفي كمان حاجة مبدأ عند كثير من دكاترة علاج السمنة (يلا نعلي ضغط المريض يا نموته يا نطفشه) في دكاترة كثير يعاملون مريض السمنة على أنه حيوان كل همه الأكل وخلاص غير المعاملة السيئة وعدم مراعاة آدميته مش كلهم طبعا.

أطلت على حضرتك كثيرا جدا وأكثر من اللازم بس أنا واحدة من ضمن كثير من البنات اللي عانوا وبيعانوا من السمنة من الطفولة الحمد لله أنا الآن بدأت مشكلتي تتحل ويا رب ثبت إرادتي وأعتقد أن السمنة دي واحدة من أهم المشاكل التي تسبب قلقا وإحباطا واكتئابا
ويا رب كل واحد زايد وزنه ينقصه ويعينه ربنا على كده
ألف شكر لك يا أستاذي العزيز لك كل التقدير والاحترام
مجنونة بمجانين

27/5/2009

تعليق الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي

أهلا وسهلا يا ست مجنونة بمجانين أو هدوء الليل والقمر... نورت مجانين.... الحقيقة أن هذه هي المشاركة الوحيدة من بين مشاركاتك التي جاءت مملوءة بالأفكار الشائعة المغلوطة في مجتمعاتنا... وأحسب أنك لو قرأت المقالات المنشورة في هذا الباب المخصص لمشكلة البدانة والنحافة لعرفت كثيرا مما يخالف ما احتوته مشاركتك هذه من مفاهيم.
 
أولا ليست مشكلة زيادة معدلات حدوث وانتشار البدانة خاصة بالعالم الثالث أبدا بالعكس المشكلة أكبر بمراحل في الدول الغنية فهي أعلى في أوربا وأمريكا ثم في دول الخليج... فمعدلات البدانة تتزايد بصورة مقلقةٍ على مستوى العالم كله دون استثناءٍ لمنطقتنا العربية وخاصةً بين الإناث، بل أن دراسةً حديثةً لمنظمة الصحة العالمية (WHO,1997) قد بينت أن عشرين بالمائة من الأوروبيين وخمسةً وثلاثين بالمائة من الأمريكيين يعانون من البدانة حيثُ كانت منسبات كتل أجسادهم فوق 25 كجم/المتر المربع، وأما المقاس المتوسط الشائع للملابسAverage Dress Size فهو في تزايدٍ مطردٍ في الكثير من بلدان العالم، ففي بريطانيا مثلاً زاد المقاس المتوسط الشائع للملابس من 12 عام 1960 إلى 16 في السنوات الأخيرة، وفي مقابل ذلك نمت صناعات ضبط الوزن بشكلٍ سرطاني في جميع أنحاء العالم أيضًا.

ولذلك فالمجتمع البشري الحديثُ أصبح مصابا بوسواس الوزن بشكل واضح، ولعل جولةً واحدةً في أي مدينةٍ من المدن العربية تظهر انتشار مراكز التنحيف والتريُّض بغرض الرشاقة أو الحفاظ على الوزن، فحلمُ الوصول إلى جسدٍ كالذي في الصورة أصبح حلمًا يسيطرُ على عقول السواد الأعظم من الناس خاصةً من صغار السن، كل ذلك إضافةً إلى الرسائل الإعلامية اليومية التي تكادُ تربط النحافةَ بكل نجاحٍ في أي وجهٍ من وجوه الحياة بما في ذلك الصحة الجيدة في نفس الوقت الذي تربط فيه بين البدانة وبين مضامين سلبية عديدةٍ كالقبح والسذاجة والشره والكسل والخمول والمرض.

تذكري يا هدوء أننا عالم ثالث ليس لفقر في المال وإنما لفقر في العقل والحكمة والإرادة.... والمسألة كذلك لا تتعلق بكون الغذاء الأساسي مكونا من الكربوهيدرات أو الدهون بقدر ما تتعلق بعادات الأكل السيئة وغياب التريض والأكل اتباعا للشهية بدلا من الجوع.

الحمد لله آلاف المرات إن قليلين من أهلنا يعرفون حكاية حساب منسب كتلة الجسد.... ليس هذا مهما لغير المبتلين بالبدانة يا ابنتي... كذلك من المهم أن تعرفي أن جداول الوزن والطول وهي الأكثر شهرة ليست إلا أكذوبة ارتدت ثوب العلم لسنوات طويلة كما بينا من قبل في مقالنا عن أكذوبة الوزن المثالي!

من الواضح جدا أن لديك مفهوما كامنا يتعلق بأن البدانة في حد ذاتها مرض وهذا خطأ فادح كما يبين لك مقالنا: هل البدانة مرض؟، وكذلك تستطيعين تتبع المسار الذي تحولت عبره البدانة من علامة على الصحة والقوة إلى علامة على المرض والضعف في مقالنا عن مسار البدانة من الصحة إلى المرض، وكذلك مسار البدانة من الجمال إلى القبح وكل هذا حدث في القرن العشرين لأن مصالح بعض القوى اقتدت ذلك وأحسنت الكذب حتى أصبح الكذب جزءا من ما يدرس في كليات الطب!

لا أرى أنك أطلت يا هدوء يا ابنتي... على العكس كنت أتمنى تفاصيل أكثر عن مشكلتك مع جسدك، تقولين أنك واحدة من ضمن كثير من البنات اللائي عانين وتعانين من السمنة منذ الطفولة، والحقيقة أن هذه الجملة تعني الكثير يا ابنتي لأنني أعرف جيدا ما يترتب على هذا من تبعات... تبدأ منذ المدرسة الابتدائية إن لم يكن من قبل المدرسة أي منذ أيام الروضة... حقيقة نحن مجتمعات على قدر كبير من الإجرام في حق أمثالك من المبتلين بالحجم الوفير ولا تعليق لدي على ذلك لأن الإعلام والأطباء والصحفيين والمدرسين والمدربين الرياضيين في شتى النوادي كل هؤلاء مصادر معلومات كاذبة ومفاهيم مغلوطة تربط البدانة بالمرض وبالقبح وبالكسل وغير ذلك مما لم ينزل الله به من سلطان وكل يتبع وينشر تلك المفاهيم دون أدنى محاولة لإعمال العقل أو معرفة وتبين الحقيقة.

مسألة علاقة طبيب التنحيف بمرضاه هي بالتأكيد إشكالية مهمة وهناك دراسات توضح العلاقة بين شخصية هذا الطبيب ونجاحه مع مرضاه وهناك صفات معينة ربما تكون أهم من النظام الغذائي الذي يطبقه مع المرضى... وهناك طبعا من يسقط يأسه من مصداقية مهنته على مرضاه فتكون النتيجة ما شعرت به من امتهان وقسوة في التعامل... إلا أنني لما كنت لا أنصح أحدا بالتعامل مع أطباء التنحيف فإنني لم أهتم كثيرا بدراسة هذه المسألة.

المراجع الأجنبية:

1) WHO (World Health Organization 1997): Obesity: Preventing and Managing the Global Epidemic. Report of a WHO Consultation on Obesity. Geneva, 3-5 June 1997.



الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/06/2009