إغلاق
 

Bookmark and Share

اضطرابُ العقعقة Pica  من أين جاءَ الاسم؟ ::

الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 26/06/2006

اضطراب العقعقة هو اضطرابٌ نفسيٌّ تختلُّ فيه اختيارات الطعام حيثُ يختارُ المريضُ الطينَ أو القشَّ، على سبيل المثال لا الحصر، ليأكلهُ بل ويفضلهُ على كل الأطعمة المتاحة له، واسمٌ العقعقة نحتناه أنا وأخي الدكتور أحمد عبد الله تصحيحا لترجمة منظمة الصحة العالمية لكلمة Pica القطا نسبة إلى طائر القطا(منظمة الصحة العالمية،1999)، وليس هذا صحيحا لأن الترجمة الصحيحة والتي تصف الطائر الآكل لأي شيء ولو قذرا أو منتنا هو العَقْعَق وهو نوع من الغربان يحق للمحرم قتله وهو على إحرامه، وحكاية هذا الاسم بالتفصيل هي ما سأبدأ بها مقالاتي في العقعقة.

من أين جاءَ اسمُ العقعقة؟
لكلمة العقعقةِ قصةٌ شخصيةٌ معي فعندما كنتُ طالبًا في السنة الخامسة من سنوات الطب كانت كلمة بيكا Pica توضعُ ككلمةٍ تقالُ ضمنَ علامات الحمل، ولم أكن أفرقها يومئذٍ عن الوحام، وعندما درستُ الطب النفسي بعد تخرجي لم تكن البيكا بالموضوع المهم أصلاً في معظم الأحيان لأنها وضعت في تصنيف الأمراض النفسية حديثًا جدا، وعندما صدرت الترجمةُ العربيةُ لتصنيف منظمة الصحة العالمية العاشر للأمراض النفسية، وجدتُ أن البيكا قد ترجمت إلى القطا، وعندما سألتُ أحد أساتذتي ما هيَ القطا قال لي "هوَ اسمُ طائر يأكلُ أي شيء"، وسعدتُ جدا في بداية الأمر بوجود كلمةٍ عربيةٍ تصلحُ لترجمة البيكا لأنني كنتُ أحسها شيئًا غير الوحام، إلا أنني عندما شرعتُ في كتابة هذا الكتاب بدأتُ التفكير بشكلٍ مختلف فأردتُ أن أقرأَ عن القطا ظنا مني بأنني سأجدُ كلامًا عربيا قديمًا في الموضوعِ.

وكنتُ أريدُ أن أعرفَ رأيَ العرب والمسلمين في الأمور المتعلقة بالقطا أو البيكا على أساس أن القطا طائرٌ سيئ السمعة يأكلَ كلَّ شيءٍ حتى الجيف، لكن الذي حدثَ أنني فوجئتُ بأن القطا طائرٌ محترمٌ في تراثنا العربي! كما تؤكدُ ذلك صفحاتٌ كثيرةٌ على الإنترنت فهوَ: ضرب من الحمام، يمتاز ببصر حاو، لذا فإنه يستطيع تحديد موقع الماء من مسيرة عشرة أيّام، ومن صوته تستدل القوافل على وجود الماء في موضع ما. ويضرب به المثل على الإرشاد والدلالة على الطريق، فيقال: "هو أهدى من القطا، أو هو أصدق من القطا" والقطا طائرٌ حذرٌ ذكيٌّ فهو عندما يهبط بأرض وبها ماء ويجد بها ما يريد من الأكل مثل القمح أو الأعشاب البرية, فإنه يجلس بها ويستوطنها ويتكاثر بها(دليل البواردي،2003)

وفي البداية بحثتُ عن أنواع القطا فلربما يكونُ أحد أنواعها هو الذي يصحُّ فيه ذلك الوصف إلا أنني قرأت عن الأنواع الأربعة عشر للقطا فلم أجد ما يشيرُ إلى غير أكله للحبوب، بل إنهُ طائرٌ يخشونَ انقراضهُ الذي صار وشيكًا بسبب الصيد (دليل البواردي، 2002)و(جريدة تشرين ،2002) وعند هذا الحد بدأتُ أحسُّ بأن خطأ ما لابد قد وقعَ فلا يمكنُ أن يكونَ القطا طيرًا سيئَ السمعة مثلما كنتُ أظنُّ.

فبدأتُ البحثَ في أصل الكلمة الإنجليزية فوجدتُ أن البيكا اسمٌ محورٌ لطائرٍ اسمه Magpie، وعندما بحثتُ عن صفات هذا ال Magpie وجدتُ أنهُ طائرٌ سيئُ السمعة يهدمُ أعشاش الطيور ويأكلُ بيضها وفراخها ويأكلُ الطير الجريحَ والمريض ويأكلُ الحشرات ويعتبرونه من الطيور القَـمَّامَةِ التي تقتاتُ بالقمامة، كما أنهُ طائرٌ كبيرٌ يصل طول جسمه إلى نصف متر، وهو طويل الذنب وجسدهُ أسود إلا بطنهُ وبعضُ بقعٍ على جناحيه (Infoplease.com ,2002)، وهكذا فتحتُ قاموسَ المورد(منير البعلبكي ،2001)، لأرى كيفَ يترجمُ كلمةَ Magpie فوجدتهُ يترجمها بالعقعق، وعندما بحثتُ عن العقعق في لسان العرب لابن منظور (ابن منظور،630-711 هجرية).

وجدتُ ما يلي: "عقعق الطائر بصوته جاء وذهب والعقعق طائر معروف من ذلك وصوته العقعقة قال ابن بري وروى ثعلب عن إسحق الموصلي أن العقعق يقال له الشججى وفي حديث النخعي يقتل المحرم العقعق قال ابن الأثير هو طائر معروف ذو لونين أبيض وأسود طويل الذنب قال وإنما أجاز قتله لأنه نوع من الغربان"، وأما مختارُ الصحاح(محمود خاطر) فلم أجد فيه إلا العقعقُ طائرٌ معروفٌ وصوتهُ العقعقة ولم يضفْ القاموس المحيط (مجد الدين الفيروز بادي، 1938) شيئًا عن ما يأكلهُ العقعق.

وعندَ هذا الحد عرفتُ أن لديَّ ما يكفي لأن أقولَ أن ترجمةَ البيكا بالقطا هيَ خطأٌ يجبُ أن يصحَحَ، وأن لديَّ من الشجاعةِ ما يجعلني أقترحُ أنا وزميلي الدكتور أحمد عبد الله بدايةً كلمةَ العقعقَ وهو اسم الطائر ثم استبدلناها بكلمة العقعقة لتصفَ اضطرابَ أكلِ ما لا يؤكل عادةً واتفاقًا في مجتمعٍ ما في وقتٍ ما، وكلمةُ العقعقةِ تعطي لدى السامع العربي شعورًا يتماشى مع هذا الاضطراب نظرًا لإيقاعها التكراريِّ بينما تعطي كلمةُ القطا إحساسًا بالتيه أكثرَ من التكرار، وهذا رأينا المتواضع.

معدلات الانتشار والمضاعفات المحتملة للعقعقة
ما تزالُ دراساتُ معدل انتشار العَقْعَقة قليلةً على مستوى العالم(Rose et al.,2000) كما تختلفُ التقديرات ونتائج الدراسات اختلافاتٍ كبيرةً فيما بينها حسب التعريف الذي يستخدم للعقعقة وحسب الثقافة التي تنتمي إليها المجموعة المدروسة وكذلك حسب المستوى الاجتماعي لهذه المجموعة (APA,1994)، إلا أن الخطوط العريضة التي يمكنُ استنتاجها من الدراسات القليلة المتاحة تشيرُ إلى أن سلوك العَقْعَقة أكثرُ انتشارًا في المستويات الاجتماعية الأدنى وفي المناطق الأقل تحضُّرًا (بالمفهوم الغربي للتحضر)، وأن ما بينَ 10% و20% من الأطفال يسلكونَ سلوك العَقْعَقة في وقتٍ ما أثناءَ طفولتهم وفي النساء الحوامل يختلفُ المعدل بينَ0% و68% حسب المجموعة المدروسة(Parry-Jones & Parry-Jones , 1994).

وفي دراسةٍ أجريت على الأمريكيات من أصل إفريقي (Edwards et al.,1994) كان معدل أكل الطين Geophagia 0% بينما كان معدل أكل الثلج Pagophagia 8,1%، وفي دراسةٍ أجريت في السعودية (Al-Kanhal& Bani,1995) على 321من السيدات السعوديات الحوامل وجدت العَقْعَـقة (المتمثلة في أكل الطين أو أكل الثلج) في نسبة8.8% من العينة، والدراساتُ المتاحةُ أو التي استطعتُ الوصول إليها من خلال بحثي في موضوع العقعقة قليلةٌ على مستوى العالم كما بينتُ من قبل، وأما المضاعفاتُ المحتملة للعقعقة فيمكنُ أن تندرجَ تحتَ أي من النقاط الخمسة التالية (Lacey ,1990):

1- التسمم: بسبب محتوى المادة المأكولة من العناصر السامة كالرصاص مثلا في دهان الحوائط، أو بسبب ما يحدثه أحد محتويات المادة المأكولة من نقصٍ في مادةٍ هامة للجسم كنقص الحديد أو الكالسيوم أو أي من الفيتامينات .

2- الانسداد المعوي: وهو مشهورُ الحدوث في حالات أكل الشعر حيث يُكَوِّن الشعرُ كتلةً أو حصاةً معويةً Trichobezoar تتسببُ في انسداد الأمعاء، وهذا العرضُ يحدثُ أحيانًا في حالات اضطراب هوس نتف الشعر Trichotillomania والمندرجة تحت اضطرابات العادات والنزوات أو اضطرابات التحكم في الاندفاعة التي تقع أيضًا ضمن نطاق الوسواس القهري، فبعض مرضى هوس نتف الشعر يأكلون الشعر بعد نتفه، وإن كانت دراسةٌ حديثةٌ (Mekisic & Farmer,1994) قد بينت أن حالات الانسداد المعوي بسبب الحصوات المعوية المكونة من الشعر عادةً ما تحدثُ في امرأةٍ دونَ الثلاثين من العمر وفي معظمهن لا يثبتُ وجودُ اضطراباتٍ نفسيةٍ أخرى عدا العَقْعَقة، كما يمكنُ أن تنتجَ الحصوات عن تكتل الطفيليات وكذلك الروث أو الطين، وقد ينتجُ عن الانسداد حدوث ثقبٍ معويٍّ والتهابٌ في الصِّفاقِ (الغشاء البريتوني).

3- العدوى بالطفيليات الموجودة في الطين أو الروث: وقد بينت دراسةٌ(Robinson et al.,1990) أجريت في جاميكا وجود الطفيليات في أكثر من 70% من الأطفال المصابينَ بالعَقْعَقة، وكذلك إصابةُ الأسنان أو اللثة.

4- النقص الغذائي: ويمكنُ لذلك أن يحدثَ في الحالات التي يستغني المريض فيها بالمادة التي يأكلها كالطين مثلاً عن الطعام الطبيعي.

5- فرط تناول السعرات الحرارية: ويحدثُ عامةً في الحالات التي تتعلقُ العَقْعَـقة فيها بتناول مادةٍ تحتوي على النشاء أو السكريات وهو ما قد تنتج عنه زيادة في الوزن..

المراجع العلمية:
1. منظمة الصحة العالمية (1999): المكتب الإقليمي لشرق المتوسط المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للأمراض ICD/10 تصنيف الاضطرابات النفسية والسلوكية ،النسخة العربية ، الأوصاف السريرية ( الإكلينيكية) والدلائل الإرشادية التشخيصية.
2. دليل البواردي (2002) :
http://ahunter.topcities.com/sandg.htm
3. جريدة تشرين (2002) :
http://www.teshreen.com/daily/2002/apr/we10/lo001.htm
4. Infoplease.com (2002) : Encyclopedia , Magpie http://www.infoplease.com/ce6/sci/ A0831187.html.
5. منير البعلبكي (2001) : المورد ؛ دار العلم للملايين ؛ بيروت لبنان.
6. ابن منظور(630-711 هـ) لسان العرب ، عبد الله علي الكبير، محمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي ج5 ، دار المعارف بالقاهرة،ص3766.
7. مجد الدين الفيروزَباذي (1938) : القاموس المحيط ؛ الطبعة الرابعة ؛ القاهرة ، المكتبة التجارية الكبرى ؛ دار المأمون .
8. Rose, E.A., Porcerelli, J.H., Neale, A. V., (2000) : Pica: Common but Commonly Missed. J Am Board Fam Pract 13(5):353-358.
9. APA (American Psychiatric Association ,1994). Diagnostic & Statistical Manual of Mental Disorders (4th ed.). Washington, DC.
10. Parry-Jones , B and Parry-Jones ,W.LI (1994) : Implications of Historical Evidence for the Classification of Eating Disorders, A Dimension Overlooked in DSM-III-R and ICD-10. : British Journal of Psychiatry , 165 , Page 287-292.
11. Edwards CH, Johnson AA, Knight EM, et al.(1994) : Pica in an urban environment. J Nutr 1994;124(6 Suppl):954S-62S.
12. Al-Kanhal MA, Bani IA. (1995) : Food habits during pregnancy among Saudi women. Int J Vitam Nutr Res 1995;65:206-10.
13. Lacey EP(1990):Broadening the perspective of pica: literature review. Public Health Rep;105:29-35
14. Mekisic A, Farmer E. (1994) : Trichobezoars. Aust N Z J Surg 1994;64:281-3.
15. Robinson BA, Tolan W, Golding-Beecher O. (1990) : Childhood pica. Some aspects of the clinical profile in Manchester, Jamaica. West Indian Med J 1990;39:20-6.

اقرأ أيضا
أكل التراب عقعقة Pica / ماذا نفعل مع الطعام في الأوقات الحرجة ؟ / أكل الثلج : عقعقةٌ ، ربما
 



الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 26/06/2006