تعبان من كل شيء
مرحباً، لا أعرف كيف أبدأ مشكلتي فأنا حياتي جداً سيئة ولم أعد أتحمل ما أمر به. أنا طالب بالسنة الثانية في كلية الطب والتي لم أخترها رغبة مني، بل أجبرني أهلي عليها، في الواقع فأنا لم أقاوم لأن الطب هي الطريقة الوحيدة للحصول على وظيفة حالياً لأن باقي الوظائف سيئة جداً.
أنا أفضل التاريخ وأحبه وكنت أتمنى لو أنني أدخل تخصصاً تاريخياً أو أن أدرس اللغات بالخارج وأتعرف على العادات والتقاليد وحضارات شعوب أخرى، وعندما أخبرت والداي ضحكا علي قائلين أن أمثال هذه التخصصات هي للفاشلين وأنهم لن يسمحوا لي بدخول أي تخصص آخر.
مشكلتي الرئيسية هي دراستي ليست صعبة ولكنني أنسى كثيراً لدرجة أنني أنسى أمور شخصية فأنسى هاتفي وأنسى أنني سألت سؤالاً ثم أعيد سؤاله. وفي أوقات الاختبار تصبح حالتي سيئة جداً فمثلاً فإن سبب طلب هذه الاستشارة هو اختبار دخلته قبل يومين ذاكرت له لأسبوع ولكنني أخذت أسوأ درجة بين الطلاب لأنني لم أستطع تذكر ما درست، الاختبار كان تافها جدا جدا لدرجة أن أغلب الطلاب أخذوا درجة كاملة. وعندما أقول أنني صاحب أسوأ درجة فهذا يعني أنني أخطأت بأكثر من 6 أخطاء أي 6% من الدرجة النهائية أي أن حلمي في الحصول على A+ في هذه المادة لم يعد ممكناً.
وحالتي النفسية الآن جداً سيئة فدرجاتي تنقص بشكل شديد ولا أستطيع حتى لو ذاكرت لأسابيع أن أحصل على درجة ممتازة حتى لو كان الاختبار سهلا جدا (موقف حدث لي: ذاكرت لأسابيع لأحد الاختبارات كنت الوحيد الذي أخطأ في الاختبار مع أن هناك العديد من الطلاب الذين لا يذاكرون أو يذاكرون لساعات فقط). أريد تغيير تخصصي ومعارضة أهلي ولكن علي أن أفكر في طريقة للوظيفة، فأنا لست طبيباً ولا أريد أن أكون طبيباً ولا أرى نفسي طبيباً. تعبت من دراستي.
مشكلتي الأخرى هي أهلي، فنحن أسرة مفككة لدي أختان وأخ،، أبي ينام بغرفة ويكرهني ويكره أمي ولكنه لا يطلقها لأن أختي صغيرة، أخي مدخن لا يحب أحداً يكرهني وأمي، أختي الكبرى لا تحبني ولا أختي الصغرى ولا أمي، ولا تتكلم مع أمي منذ ثلاثة أشهر لأنهما تخاصما. أمي تنام بغرفة وتكره أبي وأختي الكبرى ولا تحب سوا أختي الصغرى.
أختي الصغرى يحاول الجميع استغلالها وجلبها إلى جهته. كل يوم مشاكل، لا يمضي أي يوم بدون مشاكل،، وآخر مشكلة هي شيء تافه وغبي، اختلف والداي بسبب علبة عصير!!! فأمسك أبي بيد أمي بقوة فضربته على بطنه ثم ضربها فأخذت تبكي وتريد أن تذهب لبيت أهلها. أنا لم أعد مهتماً بهما لأنني ومنذ عرفت نفسي لا أتذكر والداي إلا وأمي تجمع أغراضها وأبي يأخذها لبيت أهلها منذ كان عمري 3 سنوات، مللت منهما، لا نسافر لأنهما يتخاصمان، لا نذهب للنزهة والاستمتاع بالوقت لأنهما يتخاصمان، لا نأكل على نفس الطاولة لأنهما يتخاصمان. خلال يومنا العادي يجلس كل شخص في غرفة لا يحدث الآخر وفي الصبح يذهب كلنا إلى العمل أو الجامعة أو المدرسة. تعبت من أهلي.
حياتي الخاصة هي أيضاً متعبة فأنا ثنائي التوجه الجنسي أي أنني شاذ أيضاً وأنا أحاول أن أحارب هذا الأمر ولكنني لا أقدر فقلبي يحب شخصاً، افتعلت معه المشكلات حتى يبتعد عني ولكنني عدت واعتذرت منه. أحاول إخفاء هذا الأمر عمن حولي، ولكن طريقتي في الكلام وما أعتبره أنا عادياً يراه الآخرون شذوذاً حتى أن أحد زملائي في الجامعة قال لي بأن أتوقف عن بعض الأمور التي يراها هو وغيره ولم يقل لي أسماءهم أنها شذوذ. تعبت من محاربة شذوذي.
كل ما أدعي الله أنه يتحسن حالي، تصير حالتي أسوأ من قبل ومباشرة بعد ما أدعي... أدعي أن ربي يوفقني أدخل الاختبار وبعد ما أطلع ألاقي نفسي غلطان ولا حتى حق التعب في المذاكرة. أدعي ربي أن أهلي يتصالحوا يقوموا يتخاصموا بعدها بدقيقة. أدعي الله إني أتخلص من اللي فيني، يقوم قلبي يتعلق أكثر وأكثر بهذا الموضوع. كل ما أدعي بشيء يصير عكسه. تعبت يا ربي.
الله يخليكم أنا مرة تعبان نفسياً وفكرت بالانتحار أكثر من مرة، ما أبغى تقولوا لي أروح لأخصائي نفسي لأني مستحيل أروح،
أبغى حل كذا الله يخليكم تعبت نفسياً والله.
17/10/2014
رد المستشار
أشكرك "تركي" على لجوئك لموقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية، وثقتك في القائمين عليه، أولا عرضك للمشكلة يشير إلى أن لديك استبصار وإدراك للمشكلة التي تمر بها وتسعى لحلها، وهذا نصف الطريق لحلها، فهناك عائق يمنعك من الوصول لهدفك أو تحقيق ما ترغبه أو يعترض مسيرتك نحو تحقيق أمنيتك وهي دراسة التاريخ أو اللغات بالخارج مما يسبب لك التوتر والقلق، فعليك أولا أن تغرس بذهنك قول الله تعالى: "ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور" (الشورى :43)، كذلك عليك أن ترى الجانب الإيجابي بمشكلتك وهو أنك طالب مجتهد حصلت على مجموع عالي بالثانوية العامة أهلك للالتحاق بكلية مرموقة وأنك قادر على النجاح بالرغم من العوائق النفسية التي مرت بك خلال أربع فصول دراسية بل ونجحت وانتقلت إلى السنة الثانية بكلية الطب.
وعليك أن تتعرف أكثر على نفسك من خلال أن تعرف أنك تمر بمرحلة المراهقة التي تعتبر من أصعب الفترات التي يمر بها الإنسان، في هذه الفترة هناك درجة من عدم الاتزان العاطفي التي قد تؤثر على عوامل أخرى بشخصيتك، ومن جراء ذلك يجعلك تصدر الأحكام السلبية على نفسه وعلى الآخرين وتصب غضبك على الوالدين باعتبارهم السلطة التي تسعى للتحرر منهم لتقيدهم لك،
فمن صفات الشخصية التي تتسم بقدر عالي من الصحة النفسية الانفتاح على الدنيا ومواجهة التحديات والاجتهاد والتوازن العاطفي والانبساط الاجتماعي وقدرتك على التوافق والتكيف مع نفسك ومع الآخرين وقدرتك على إشباع احتياجاتك ورغباتك في إطار الجماعة التي تعيش معهم، فأنا أدرك أنها معادلة صعبة خصوصا عندما تتعارض رغباتك مع ما يفرضه عليك المحيطين بك، إلا أنه ينقصك الثقة بالنفس وأنك قادر على النجاح بالرغم من العوائق والضغوط النفسية التي تواجهك، فمتى تحسنت ثقتك بنفسك ستتحسن ثقتك بالآخرين وتستطيع أن تصدر أحكام إيجابية وموضوعية بحقهم،
فلا تجعل دراستك للطب تعوقك في تحقيق ما تريد، فدراسة اللغات تتطلب أن تكون كفؤ باللغة الإنجليزية، فلديك الإجازة الصيفية لإشباع رغبتك بدراسة اللغات والحصول على دورات متخصصة بشهادات معتمدة، وكم من نماذج تقابلنا في حياتنا نجحوا بتحويل مسار دراستهم وتخصصاتهم العملية بعد مرحلة الليسانس أو البكالوريوس، فكم من طبيب تخصص بدراسة الطب وهي من كليات القمة وتخصص مهنيا بالتمثيل، فالنماذج عديدة إلا أن دراستك الجامعية ما هي إلا محطتك الأولى وليست الأخيرة في تحقيق مبتغاك.
ولكن عليك أن تتذكر قول الله تعالى: "... إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..." (الرعد:11)، فعليك أن تبدأ بتغيير نفسك أولا، وبداية التغيير تأتي من الوقفة مع نفسك، وأن تقرر ماذا تريد أن تفعل في حياتك الشخصية والعملية؟؟؟، ثم عليك أن تقرر ما هو طموحك في حياتك الشخصية، فهل تريد بناء أسرة جديدة تستكمل حياتك الشخصية معها؟؟؟ وماذا تريد أن تفعل من أجل صغارك؟؟؟ وهل أنت بحاجة إلى توسع دائرة علاقاتك الاجتماعية؟؟؟ فماذا ستفعل من أجل ذلك؟؟
كل التساؤلات التي وضعتها معك أحاول أن أضعك على بداية الطريق من خلال التفكير الإيجابي في تغيير حياتك الشخصية والعملية وأن تتعلم أن تتخذ القرار وتتحمل مسئوليته، فهذه مجرد مفاتيح للبداية وعليك أنت أن تكمل مشوار حياتك من خلال إجابتك على هذه التساؤلات ولا أقصد مجرد الإجابة السطحية الشفوية على هذه التساؤلات ولكن أن تجيب على هذه التساؤلات بطريقة عملية تنفيذية، وبداية التغيير تأتي من الوقفة مع نفسك، وأن تقرر ماذا تريد؟؟؟
هل تريد أن تنتهي من دراسة كلية الطب بتقدير مقبول، وتتحمل أمام الله وأهلك ونفسك مسئولية أرواح تكون معلقة أمانة برقبتك تسأل عنها يوم يقوم الحساب بحكم تخرجك من كلية الطب وممارسة المهنة عمليا؟؟؟
هل تريد أن تكون طبيبا فاشلا؟؟؟
هل تريد أن تغيير مسار حياتك الدراسية وتختار مجال أنت تحبه وتنجح فيه وتتميز وقد تستمر بالدراسات العليا وتحصل على درجة الماجستير والدكتوراه؟؟؟
هل تريد أن تنهي دراسة الطب وتعمل بأي مهنة أخرى وتكتفي بشهادة كواجهة اجتماعية ولإرضاء والديك وتخطب بيها عروسة مستواها التعليمي والاجتماعي مناسب لشهادتك؟؟؟
وكذلك عليك أن تختار الصديق قبل الطريق لأن اختيارك لأصدقائك هو الذي يساعدك على المضي قدما في حياتك بطريقة أكثر إيجابية وتدفعك للنجاح.
القرار قرارك أنت وحدك حتى تتحمل مسئوليته وتبعاته، فلكي تنضج شخصيتك فعليك أن تعتمد على التقدير الذاتي أكثر من الاعتماد على تقدير الآخرين حتى المهمين منهم في حياتك.
فعليك أن ترسم صورة واقعية لما تريد أن تكون عليه بعد عشر سنوات من الآن بغض النظر عن عمرك، وخذ وقتك في رسم هذه الصورة من كافة جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والمهنية، فالواقعية في رسم هذه الصورة تعني الاعتماد على عقلك والتحكم في عواطفك واستثمار إمكانياتك.
وبخصوص طريقة مذاكرتك فالتركيز مهارة عقلية يمكن اكتسابها بالتدريب وبالتدريج، وتحصيلك سيرتفع باتباعك لطرق الدراسة المنظمة، وقد تحتاج لبعض الوقت لتغيير عاداتك الدراسية فترفق بنفسك، وإن جاءت نتائج أول امتحان أقل من توقعاتك فلا تيأس بل ابذل المزيد من الجهد فمتعة الحياة في مجاهدة النفس والعمل.
فحين تقترب الامتحانات تزداد حدة القلق, ومعروف أن القلق في حدوده المعقولة هو عامل تحفيز لنا لكي نزيد من جهدنا, وهو إشارة خطر تجعلنا في حالة تأهب وبذل مزيد من الجهد لتفادي الفشل, ولكن حين يتجاوز القلق هذه الحدود فإنه يصبح معطلا للوظائف النفسية الهامة مثل الذاكرة والتفكير والتخطيط والنوم, وواضح أن لديك من القلق الكثير خاصة وأنت تحاول الحفاظ على مستواك، فعندما تحاول أن تسترجع أشياء كثيرة مما ذاكرته مرة واحدة, فالمخ لا يستطيع الاستجابة بهذه الطريقة إذا طلبنا منه استرجاع أشياء كثيرة دفعة واحدة, وهذا قد يحدث أيضا عند بداية قراءتنا لورقة الأسئلة في الامتحان حيث نشعر أننا لا نعرف أي إجابة لأي سؤال, ولكن بعد فترة من الوقت وبعد التركيز في كل سؤال على حدة، نجد أن الإجابات تأتي تباعا لأننا نظمنا فتح النوافذ العقلية نافذة وراء أخرى بلا تزاحم.
وهذه الظاهرة التي تشكو منها تسمى "الانغلاق" Block وهي لا تعني أن المخ قد فقد المعلومات التي خزنت فيه وإنما تعني أن هناك ما يحول دون الوصول إلى مخزن المعلومات وأن شيئا ما يجب فعله للحصول على مفتاح مخزن المعلومات وبالتالي فتحه, وهذا يستدعي التحلي بالهدوء قدر الإمكان للتخلص من القلق الزائد والمتصاعد, مع أخذ قسط من الراحة البدنية والعقلية, والتركيز على نقطة والابتعاد عن محاولة التذكر الشاملة أو الواسعة فالمخ البشري لا يقدر عليها بهذه الطريقة لأن هناك قوانين تحكم عمله ونشاطه.
ويمكنك أيضا تصفح الموضوعات مرة أخرى لتستعيد مفاتيحها من خلال العناوين الرئيسية والجانبية, أما التفاصيل فستأتي تباعا عند التركيز على نقطة واحدة في كل مرة، وإذا حدثت ظاهرة الانغلاق أثناء تأدية الامتحان فحاول أن تحتفظ بهدوئك وأن تجلس في حالة استرخاء عدة دقائق وتعيد قراءة ورقة الأسئلة مرة أخرى وتبدأ بأبسطها وتقسم السؤال إلى عدة أجزاء, عندئذ يصبح كل جزء من السؤال مفتاحا لنافذة خاصة به في المخ فتنساب المعلومات تباعا وأنت تكتب.
اجلس في مكان هادئ وتحاور مع نفسك، حاول ترتيب أفكارك… ما الذي يجعلك تسيطر على مخاوفك وتستعيد ثقتك بنفسك؟
حاول أن توقف إحساسك بالاضطهاد ليس لأنه توقف بل لأنه لا يفيدك في الوقت الحاضر بل يسهم في هدم ثقتك ويوقف قدرتك للمبادرة بالتخلص من عدم الثقة.
أقنع نفسك وردد:
• من حقي أن أحصل على ثقة عالية بنفسي وبقدراتي.
• من حقي أن أتخلص من هذا الجانب السلبي في حياتي.
• احرص على أن لا تتفوه بكلمات يمكن أن تدمر ثقتك بنفسك.. فالثقة بالنفس فكرة تولدها في دماغك وتتجاوب معها أي أنك تخلق الفكرة سلبية كانت أم إيجابية وتغيرها وتشكلها وتسيرها حسب اعتقاداتك عن نفسك… لذلك تبني عبارات وأفكار تشحنك بالثقة وحاول زرعها في دماغك.
• انظر إلى نفسك كشخص ناجح وواثق واستمع إلى حديث نفسك جيدا واحذف الكلمات المحملة بالإحباط، إن ارتفاع روحك المعنوية مسئوليتك وحدك لذلك حاول دائما إسعاد نفسك.. اعتبر الماضي بكل إحباطاته قد انتهى.. وأنت قادر على المسامحة اغفر لأهلك… لأقاربك لأصدقائك أغفر لكل من أساء إليك لأنك لست مسؤولا عن جهلهم وضعفهم الإنساني.
• ابتعد كل البعد عن المقارنة أي لا تسمحي لنفسك ولو من قبيل الحديث فقط أن تقارن نفسك بالآخرين… حتى لا تكسر ثقتك بقدرتك وتذكر إنه لا يوجد إنسان عبقري في كل شيء.. فقط ركز على إبداعاتك وعلى ما تعرفه أبرزه، وحاول تطوير هواياتك الشخصية…
• وكنتيجة لذلك حاول أن تكون ما تريده أنت لا ما يريده الآخرون.. ومن المهم جدا أن تقرأ عن الأشخاص الآخرين وكيف قادتهم قوة عزائهم إلى أن يحصلوا على ما أرادوا.
كما أود أن أشير إلى أن الغريزة الجنسية طاقة موجودة في كل الناس لتؤدي وظيفة هامة وهي التكاثر وعمران الأرض، ولكي يحدث هذا أحاطها الله بأحاسيس سارة ولذيذة كي تدفع الناس لتحقيق هذه الأهداف ويتحملوا مسئوليات بناء الأسرة وتربية الأبناء، ولكن نتيجة لبعض الظروف التربوية وقد تكون الأسرية في فترة الطفولة تتجه هذه الطاقة الجنسية اتجاهات مخالفة للمألوف، وهذه الاتجاهات اعتبرت شاذة (في نظر الأديان والأعراف السليمة والعقلاء من البشر) لأنها لا تساهم في عمران الحياة فضلا عن أنها تقويض لمسار الحياة النفسية والاجتماعية والخلقية.
مما لا شك فيه أنك ضحية للتفكك الأسري الذي ورد في رسالتك، هذا التفكك الذي يجعل الإنسان لا يشعر بالأمان, ولا بالاستقرار, ويبحث عن مصدر للعطف والحنان، وقد يكون هذا المصدر مصدرًا مأمونًا كأن يقع في يد صحبة صالحة صادقة مؤمنة تأخذ بيده وتعوضه عما فقد، مع مراعاة الضوابط الشرعية، وقد يقع في براثن أناس مرضى لديهم من الانحرافات السلوكية ما يجعل هذا الشخص يقع فريسة لغوياتهم وضلالاتهم، كما حدث معك عندما خرجت لتبحث عن الحنان لم تجده إلا في أحضان المعاصي.
وهذه في الغالب تحدث ليس بدافع الجنس في المقام الأول في حد ذاته، وإنما بدافع البحث عن الحنان الذي حُرم منه الإنسان، إلا أنه نتيجة سوء طوية الطرف الآخر يتحول الإنسان تلقائيًا إلى إنسان مخالف لمنهج الله تعالى, ومنحرف سلوكيًا, وضامر أخلاقيًا.
وهناك نماذج علاجية غربية للجنسية المثلية نذكر منها نموذج العلاج الإصلاحي لـ "جوزيف نيكولسي" والذي أورده في كتابه: Reparative Therapy المنشور عام 2004 م , والذي يتلخص في:
• بداية الطريق العلاجي: مريض لديه الرغبة في التعافي, ومعالج متفهم ومتمرس ومثابر
• قبول الذات
• قوة الجنوسة, بمعنى تأثير الهوية الجنسية الهائل على السلوك
• تمكين الهوية الجنسية
• التعرف على معالم الذكورة والأنوثة
• إصلاح العلاقة مع الوالد
• العلاقة العلاجية, والتي تتلخص في الطرح, والانتقال من الاعتمادية إلى الاستقلال, وإشباع الحاجة إلى الحب الوالدي والقبول, وعلاج الطرح المضاد والمقاومة.
وسأحاول فيما يلي توضيح مراحل العلاج التي يمر بها الشخص الذي يمارس سلوكيات الجنسية المثلية:
1 – التوقف عن كل السلوكيات الجنسية المثلية (ممارسة الجنس المثلي سواء كانت ممارسة كاملة أم جزئية, الدخول على المواقع الجنسية المثلية, التخيلات المثلية). وإذا حقق الشخص هذا الهدف وتوقف عند هذه المرحلة فهو يعيش حالة تسمى "اللاجنسية", أي أنه توقف عن الجنسية المثلية ولم ينتقل بعد (أو لا يريد أن ينتقل) إلى الجنسية الغيرية .
2 – التحول إلى السلوك الجنسي الغيري, وهو يعني تحويل مسار الغريزة من اتجاهها الشاذ (غير المثمر) إلى اتجاه طبيعي (أو أقرب إلى الطبيعي). ولا يدعي أحد أن هذا التحويل أمر سهل يحدث في وقت قصير، وانما هو بالضرورة أمر يحتاج إلى وقت وجهد ومجاهدة وصبر ومثابرة من المريض والمعالج، ولابد أن يوقن الاثنان أنه لابديل عن هذا الطريق (فليس من المقبول ولا من الممكن الاستسلام للشذوذ)، وأن يعلما أنهما بناءا على هذا التصور الإيماني يؤجران على أي جهد يبذلانه، ويتلقيان العون من الله في هذا الطريق، ويتذكران طول الوقت قول الله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" (سورة العنكبوت:69) . هذا عن الجانب الإيماني فهل هناك جوانب أخرى مهنية تدعم السير في هذا الاتجاه؟
3 – نمو الشخصية على مستويات متعددة, وهذا النمو جزء لا يتجزأ من رحلة التعافي حيث يؤدي هذا النمو إلى تجاوز أزمة الجنسية المثلية والارتقاء إلى مستويات أعلى من الحياة.
كما سأحاول رسم خريطة موجزة لنموذج علاجي يناسب البيئة العربية والإسلامية, وهذا النموذج قد يطبقه المريض بنفسه (إن استطاع) وقد يطبقه بمساعدة معالج نفسي يواكب معه مراحل التغيير.
1 - الإطار المعرفي :
ويتلخص في تكوين منظومة معرفية يقينية بأن هذا السلوك شاذ (أو هذه المشاعر والميول شاذة) من الناحية الدينية والأخلاقية والاجتماعية، وأنها ضد المسار الطبيعي للحياة النظيفة والسليمة، وأن هذا السلوك يمكن تغييره ببذل الجهد على الطريق الصحيح، ومن المفضل أن يعرف المريض والمعالج النصوص الدينية المتصلة بهذا الموضوع حيث ستشكل هذه النصوص دفعة قوية لجهودهما معا فحين يعلم المريض والطبيب أن إتيان الفعل الشاذ يعتبر في الحكم الديني كبيرة من الكبائر، وفي الأعراف الاجتماعية والأخلاقية عمل مشين فإنهما يتحفزان لمقاومته بكل الوسائل المتاحة. ويحتاج الاثنان أن يتخلصا من الأفكار السلبية التي تقول بأن الشذوذ نشاط بيولوجي طبيعي لا يدخل تحت الأحكام الأخلاقية وليس له علاج حيث أثبتت الأدلة العقلية والنقلية والتجارب الحياتية غير ذلك.
ولا يتوقف الإطار المعرفي عند تصور السلوك المثلي بل يشمل تصحيح المعتقدات والتصورات عن الجنس الآخر وذلك تمهيدا لتحويل الميول نحو هذا الجنس بشكل طبيعي
2 - العلاج السلوكي: ويتمثل في النقاط التالية :
• العلاقة العلاجية : وهي المفتاح الأساسي في العلاج خاصة وأن كثير من حالات الجنسية المثلية يكون سببها افتقاد العلاقة السوية والقوية مع الأب, وهنا يقوم المعالج بلعب دور الأب بشكل صحي وعلاجي, وهذا يدعم التركيبة النفسية لصاحب السلوك المثلي خاصة في المراحل الأولى للعلاج .
• التعرف على عوامل الإثارة: حيث يتعاون المريض والمعالج على إحصاء عوامل الإثارة الجنسية الشاذة لدى المريض حتى يمكن التعامل معها من خلال النقاط التالية. وعوامل الإثارة قد تكون التواجد منفردا مع شخص ما, أو المصافحة أو الملامسة أو العناق, أو الدخول على مواقع الإنترنت الجنسية, أو التخيلات المثلية.
• التفادي : بمعنى أن يحاول الشخص تفادى عوامل الاثارة الشاذة كلما أمكنه ذلك
• العلاج التنفيري: لقد حدثت ارتباطات شرطية بين بعض المثيرات الشاذة وبين الشعور باللذة، وهذه الارتباطات تعززت وتدعمت بالتكرار وهذا يفسر قوتها وثباتها مع الزمن. وفي رحلة العلاج نعكس هذه العملية بحيث نربط بين المثيرات الشاذة وبين أحاسيس منفرة مثل الإحساس بالألم أو الرغبة في القيء أو غيرها، وبتكرار هذه الارتباطات تفقد المثيرات الشاذة تأثيرها، وهذا يتم من خلال بعض العقاقير أو التنبيه الكهربي بواسطة معالج متخصص.
• تقليل الحساسية: بالنسبة للمثيرات التي لا يمكن عمليا تفاديها نقوم بعملية تقليل الحساسية لها وذلك من خلال تعريض الشخص لها في ظروف مختلفة مصحوبة بتمارين استرخاء بحيث لا تستدعي الإشباع الشاذ، وكمثال على ذلك نطلب من المريض استحضار المشاعر الشاذة التي تنتابه وعندما تصل إلى ذروتها نجري له تمرين استرخاء، وبتكرار ذلك تفقد هذه المشاعر ضغطها النفسي.
3 - العلاج التطهيري :
وهو قريب من العلاج السلوكي ويتبع قوانينه ولكنه يزيد عليه في ارتباطه بجانب معرفي روحي، وهو قائم على قاعدة "أن الحسنات يذهبن السيئات" وعلى فكرة "دع حسناتك تسابق سيئاتك"، وباختصار نطلب من المريض حين يتورط في أي من الأفعال الشاذة أن يقوم بفعل خير مكافئ للفعل الشاذ كأن يصوم يوما أو عدة أيام، أو يتصدق بمبلغ، أو يؤدي بعض النوافل بشكل منتظم...... الخ، وكلما عاود الفعل الشاذ زاد في الأعمال التطهيرية، ويستحب في هذه الأفعال التطهيرية أن تتطلب جهدا ومشقة في تنفيذها حتى تؤدي وظيفة العلاج التنفيري وفي ذات الوقت يشعر الشخص بقيمتها وثوابها ولذتها بعد تأديتها والإحساس بالتطهر والنظافة وهذا يعطيها بعدا إيجابيا مدعما يتجاوز فكرة العلاج التنفيري منفردا .
4 - تغيير المسار:
وهذه الخطوة يجب أن يتفهمها المريض جيدا حيث يعلم بأن الغريزة الجنسية طاقة هامة في حياته ولكن حدث أن هذه الطاقة في ظروف تربوية معينة حفرت لها مسارا شاذا وتدفقت من خلاله ولهذا لا يشعر الشخص بأي رغبة جنسية إلا من خلال هذا المسار الذي اعتاده لسنوات طويلة وتدعم من خلال تكرار مشاعر اللذة مرتبطة بهذا المسار. ولكي يتعدل اتجاه الطاقة الجنسية فإن ذلك يستلزم إغلاق هذا المسار الشاذ حتى لا تتسرب منه الطاقة الجنسية وبعد فترة من إغلاق هذا المسار تتجمع الطاقة الجنسية وتبحث لها عن منصرف، وهنا يهيأ لها مسارا طبيعيا تخرج من خلاله، وسوف تحدث صعوبات وتعثرات في هذا الأمر ولكن الإصرار على إغلاق المسار الشاذ وفتح المسار الجديد سوف ينتهي بتحول هذا المسار خاصة إذا وجد تعزيزا مناسبا في اتجاهه الجديد (خطبة أو زواج).
وربما لا يجد الشخص رغبة جنسية نحو الجنس الآخر في المراحل المبكرة للعلاج لذلك يمكن أن يكتفي بالرغبة العاطفية، وهذه الرغبة العاطفية كنا نجدها كثيرا عند المرضى بالشذوذ وربما قد جعلها الله حبل النجاة للمبتلين بهذا المرض يتعلقون به حين ينوون الخلاص، وكثير منهم أيضا تكون لديه الرغبة في العيش في جو أسري مع زوجة وأبناء على الرغم من افتقادهم للرغبة الجنسية نحو النساء. ومن متابعة مثل هذه الحالات وجد أنهم حين تزوجوا كانوا ينجحون كأزواج رغم مخاوفهم الهائلة من الفشل حيث يحدث بعد الزواج إغلاق قهري للمنافذ الشاذة للغريزة (بسبب الخوف من الفضيحة أو اهتزاز الصورة أمام الزوجة) في نفس الوقت الذي تتاح فيه فرص الإشباع الطبيعية. وفي بعض الأحوال يحدث ما يسمى بالجنسية المزدوجة (Bisexual) حيث تكون لدى الشخص القدرة على الإشباع المثلي والغيري للغريزة .
5 - المصاحبة:
وبما أن مشوار التغيير يحتاج لوقت وجهد وصبر، لذلك يجب أن يكون هناك معالج متفهم صبور يعرف طبيعة الاضطراب بواقعية ولديه قناعة لا تهتز بإمكانية التغيير ولديه خبرات سابقة بالتعامل مع الضعف البشري، ولديه معرفة كافية بقوانين النفس وقوانين الحياة وأحكام الشريعة وسنن الله في الكون.
هذا المعالج بهذه المواصفات يقوم بعملية مصاحبة للمريض (المبتلى بالمشاعر أو الميول أو الممارسات الشاذة) تتميز بالحب والتعاطف والصبر والأمل واحتساب الوقت والجهد عند الله.
هذه المصاحبة تدعم مع الوقت ذات المريض (فيما يسمى بالأنا المساعد أو تدعيم الأنا)، وتعطي نموذجا للمريض تتشكل حوله شخصيته الجديدة في جو آمن. وبناءا على هذه المتطلبات يستحسن أن يكون المعالج من نفس جنس المريض وذلك يسمح بحل إشكاليات كثيرة في العلاقة بنفس الجنس شريطة أن يكون المعالج متمرسا وقادرا على ضبط إيقاع العلاقة دون أن يتورط هو شخصيا في تداعيات الطرح والطرح المضاد. والمعالج (المصاحب) ليس شرطا أن يكون طبيبا بل يمكن أن يكون أخصائيا نفسيا أو اجتماعيا أو عالم دين أو قريب أو صديق تتوافر فيه كل الشروط السابق ذكرها.
6 - السيطرة على السلوك:
نحن جميعا في حياتنا لدينا رغبات لا نستطيع إشباعها بسبب معتقداتنا أو ظروفنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها ولهذا نصبر عليها ونضبطها لحين تأتي الفرصة المناسبة لإشباعها، وقد لا تأتي فنواصل الصبر عليها أو إيجاد إشباع بديل. والشخص ذو الميول الشاذة عليه أن يتعلم ذلك الدرس وأن يتدرب على ضبط مشاعره وميوله الشاذة وأن يبحث عن الإشباع البديل (كباقي البشر، فكلنا مبتلون بمشاعر وميول لا يمكن إشباعها)
وهذا من علامات نضج الشخصية. وفي المراحل المبكرة من العلاج ربما نحتاج إلى السيطرة الخارجية (بواسطة المعالج أو بالتعاون مع أحد أفراد الأسرة أو أحد الأصدقاء إذا كانوا يعلمون بالمشكلة) وذلك حتى تتكون السيطرة الداخلية، والهدف من ذلك هو منع الإشباع الشاذ حتى لا يحدث تدعيم لهذا المثار. وأثناء برنامج التدريب على السيطرة نطلب من المريض أن يكتب في ورقة المواقف التي واجهته وكيف تصرف حيالها ويقوم بعد ذلك بمناقشة ذلك مع المعالج، وهذا ينمي في المريض ملكة مراقبة سلوكه ومحاولة التحكم فيه. وفي كل مرة ينجح فيها الشخص في التحكم يكافئ نفسه أو يكافئه المعالج حتى يتعزز سلوك التحكم والسيطرة الداخلية.
7 - مجموعات المساندة :
وهي تتلخص في وجود المريض ضمن مجموعات علاجية مخصصة لمثل هذه الحالات تحت إشراف معالج متمرس, ومن خلال المجموعة يتعلم المريض كيف يتحكم في ميوله, وكيف ينمي علاقاته وشخصيته بشكل جديد .
8 - عبور الهوة نحو الجنس الآخر:
وذلك من خلال تصحيح التصورات والتوقعات عن الجنس الآخر, وبداية التحرك تجاه هذا الجنس في الحياة اليومية بشكل مناسب.
وأخيرا أتمنى لك التوفيق وتخطي هذه العثرة في حياتك، وتابعنا بأخبارك .
واقرأ على موقعنا:
الجنس في حياتنا
مفهوم الإسلام للجنس
كيف أذاكر ؟؟؟
جدول للمذاكرة والنوم وربنا يوفق
دورة التحفيز : كيف نذاكر ؟
الذاكرة والتركيز بداية ملف
كيف أذاكر موادا كثيرة في وقت قصير ؟
ضعف الذاكرة وقوة الإلقاء
كيفية سهولة الحفظ
النسيان! من ماذا النسيان؟
عدم التركيز وعدم التوضيح
النسيان والذاكرة والتركيز
شرود الذهن