التفكك الأسري
السلام عليكم - أنا طالبة ثانوية عامة، وعشت من طفولتي حياة تسودها المشاكل بين أمي وأبي، وانتهت هذه المشاكل بانفصالهم، وكل منهم تزوج.. فكل منهم كان لايفكر إلا بنفسه فقط، وأنا وإخوتي 4 بنات وأمي أجنبية وأبي مصري، وهما فى تعاملهم معي منتهى القسوة لدرجة إنى فترة قضيتها مع أبي وامرأته وحدثت مشاكل وكان أبي يرضي زوجته على حسابي وساء الحال وأنا أصلا علاقتي بأبي سيئة،
فذهبت لأعيش مع أمى وأنا عمري ما حسيت إنها أمي.. بس روحتلها هروبا من أبي وامرأته وأفعالهم فوجدت من أمي الأسوأ من ذلك وتقول لي دائما انتي شبه أبيك وزادت الخلافات فعدت مرة أخرى لأبي بعد أن قال لن أسمح ان يضايقك أحد وحدث الذى حدث من قبل وإني أتنقل بينهم وكل منهم لا يريد مسؤليتي.. أنا وإخواتي خاصة من الناحية المادية والمشكلة الأكبر الذكريات التي تطاردني ولا أستطيع نسيانها وهي خناقاتهم وإهانتهم لبعض وأنا طفلة.. كان عمري 3سنين التى عندما أتذكرها أريد حل لمشكلة هذه الذكرى.
12/12/2014
رد المستشار
أرحب بك "آلاء" على موقعنا وثقتك في القائمين عليه من خلال مشاركتنا لك لمشكلتك، وهذا يشير إلى وعي منك بوجود مشكلة وإيجابية منك حيث تسعين لحلها، بداية أود أن أدعم لديك ثقتك بالله عز وجل بأن الله لا يحمل أيا منا فوق طاقته حيث قال في كتابه الكريم: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) "سورة البقرة :286"، ومن حكمة الله ورأفته بالبشر أنه أنعم علينا بالنسيان فأي موقف صادم يتعرض له الإنسان يكون ببدايته صعبا وقاسيا ويعاني الإنسان بمشاعر مؤلمة ولكن مع مرور الوقت تقل هذه المشاعر تدريجيا وينعم الله علينا بنعمة النسيان.
فإذا ما تذكرنا الأحداث السابقة أو الماضي فإننا لا نتذكر المشاعر المرتبطة بها بنفس القوة، وهذا من كرم الله علينا ومن فضله، ومهما كان ما تمرين به صعبا فإنها فترة وتنتهي، وكل تجربة نمر بها لها إيجابيتها وسلبياتها فاستفيدي من الإيجابيات وتعلمي من هذه الخبرة، بأن تدعمي ثقتك بنفسك وتركزي جهودك بمذاكرتك ونجاحك وتتحري الدقة في اختيار شريك حياتك بالمستقبل.. فخبرات الحياة هي التي تجعلنا أكثر نضجاً وأكثر تفهما لحقيقة الحياة، تدبري الآية الكريمة حين يقول الله تعالى في كتابه الكريم(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) " سورة البلد: 4" فكل إنسان على وجه هذه الأرض يبتلى.. أي يتعرض لمحن ومصاعب وتعب، كل منا يبتليه الله ليرى هل سنصبر أم سنجزع ولا نرضى بقضاء الله، إن حياتنا على الأرض لا تتوقف مع حدوث أحداث صعبة.
كما أود أن أُحيي فيك تلك الروح الطيبة التي لمستها فيكِ والمتجلية في رغبتك البالغة في إصلاح الأحوال وعدم ترك زمام المشكلة بينك وبين أخواتك وعائلتك بصفة عامة، لأنه إذا لم تكن لديك هذه الرغبة بالإصلاح ما كنت لجأتي إلينا، بادئ ذي بدء أذكرك بقول الله تعالي: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) "الإسراء: 23"
فمشكلتك كما سردتيها لها جانبين من وجهة نظري: جانب اجتماعي وجانب نفسي ولا يمكننا الفصل بينهما لأن كل منهما مرتبط بالآخر ويؤثر عليه ويتأثر به، الشق الاجتماعي: وهو خاص بالمشاكل الاجتماعية الحقيقية التي تعيشينها وهي المأوى والإنفاق حيث أنك ما زلتي بحاجةٍ إلى من يعولك حتى تتمي دراستك.
الشق النفسي: وهنا لابد أن نرى هذا الشق على أنه خاص بك وبوالدك وبوالدتك ومشاعرك تجاههما، فعليك أن ترصدي مشاعرك تجاههما هل يغلب عليها الحنق والغضب، الكراهية، الرغبة في الانتقام؟ الحب الذي طالما افتقدتيه؟ أم لا تشعري تجاههما بأي شيء سوى أنهم سيوفرون لك المأوى فقط؟
ذكرت أن والدك يعاملك بقسوة ويرضي زوجته على حسابك هل هذا يؤثر فيك نفسياً لأنك تحتاجين لحبه أم أنك تريدين أن يتقبلك فقط لتعيشي معه (أي أنك مازلتي تبحثين عن المأوى)؟ هل فكرت لماذا يعاملك بقسوة؟ فهل لأنك تذكرينه بمرحلة من حياته ظن أنه دفنها لكن دبت الحياة في جزء منها سيكدر صفو حياته الآن بعد طوى هذه الصفحة من حياته بالنسيان؟ أم أنك تكرهينه وبشكل أو بآخر تصل إليه مشاعرك السلبية دون قصدٍ منك فيكرهك هو الآخر ويرفضك لأنك ترفضينه؟ هل ضايقته فعلاً أو ضايقت زوجته مثلاً؟ أو تغارين من إخوتك الصغار؟
أحاول معك أن أقترح عليك بعض الأمور التي قد تكون عونا لك في تضيق تلك الهوة والمسافة الموجودة بينك وبين والديك وهي:
أولا: حاولي أن تجدي أرضية مشتركة للحديث بينك وبين والديكي وأخوتك، فمن المستحيل أن تكون درجة الاختلاف بينكما 100% فبالتأكيد هناك أرض مشتركة تجمعكما ولكنك لم تستكشفيها بعدُ، وعليه فإيجاد هذه الأرض ربما يساهم في إضفاء ولو قليل من الليونة على شكل التعامل بينكما، أي موضوع يكون جذاب لهم ويشدهم الحديث فيه.
ثانيا: تعرّفي على اهتماماتهم وحاولي أن تشاركيهم فيها، فإذا كان أخواتك أو والدك يحب كرة القدم على سبيل المثال حاولي أن تبادليه الأحاديث في هذا الشأن -قدر استطاعتك ومعرفتك بالطبع- وإذا كان مهتما بالسياسة فشاركيهم نشرة الأخبار، وتبادلي معهم النقاشات فيما عرض في النشرة...إلخ، لأن ذلك ربما يزيل عن ذهنه نظرته تجاهك بأنك تلك البنت التافهة التي لا تهتم بأكثر من قصّات الشعر والموضة -ليس هذا بالطبع إقرارا بواقع قائم وإنما إقرار بخيال قائم في ذهن الأب أو أخواتك.
ثالثا: يجب عليك أن تحاولي إخفاء نقاط الاختلاف بينكما والتي ربما يكون لها دور في إشعال فتيل غضبهم أيا كانت، فتتخلين عن السيء منها -إذا كان هناك سيئ- وتخفينه بعيدا عن ناظريهم حتى تتغير شكل العلاقة بينكما وتنشأ علاقة أخرى تكون قائمة على النقاش والإقناع.
رابعا: فلتجربي أن تهاديهم بهدية ما ولتكن مناسبتها مثلا عيد ميلادهم أو ترقيتهم في العمل، فالهدايا ترقّق القلوب ويكون لها بالغ الأثر في النفس مهما كانت النفس قاسية.
خامسا: لو استطعتي أن تلتمسي له العذر -رغم صعوبة ذلك عليك- لو كنتي تشعرين بالغضب تجاهه ابدئي بنفسك وحاولي أن تسامحيه ولتبدئي ذلك حتى ولو بدون مشاعر حقيقية اقتربي منه، حاولي إرضاءه بشتى الطرق بدءا بالكلمة الطيبة ثم بالفعل مثل أنك تحمد الله أنك عدت إليه وأنك كنت تنتظر اللحظة التي تقترب منه وأشعريه بأنك فتاة مسئولة سيؤثر ذلك فيه ...احترمي زوجته.
سادسا: عليكي أن تأقلمي نفسك أن لكل بيت نظام وأنت الآن شخص دخيل عليهم فبدون قصد قد تهدم هذا النظام لذلك لا تتسرعي في الأفعال والتصرفات بل استعملي ذكاءك وراقبي أكثر حتى تتعرفي على نظام هذا البيت وطبعاً لا أقصد ترتيب البيت لكن الأساليب التي اعتادتها تلك الأسرة كلمة مين اللي بتمشي؟ الحاجات اللي متفقين أنها وحشة ومش بنعملها...اجتماعيين واللا منغلقين.....إلخ.
سادسا: استعملي ذكاءك واعرفي مفاتيح والديك فلكل شخصية مفتاح ومدخل إذا لم تخطئيه اجتزت كثيراً من الصعاب.
وفي النهاية وإذا باءت كل محاولاتك بالفشل فلتعلمي أن الأب والأم لهما حصانة خاصة من الله عز وجل، ولا يمكن المساس بهذه الحصانة مهما كانت الظروف، وبالتالي أتعشم في هذه الحالة في عقلك الناضج -هكذا لمست من رسالتك- أن تستمري في حسن معاملتهم رغم الإساءة، أما المشاعر فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها... المهم أن تعامليهم كما أمرنا الخالق وديننا الحنيف.. هدّأ الله سرّك وهدى والديك إلى الصواب... وعليك أن تتابعني بأخبارك أولاً بأول حتى نستطيع أن نرصد أسباب الخلاف بينكما ونجتازها قبل تفاقمها.
وأوجه كلامي الآن إلى الآباء والأمهات فأقول لهم قد تظنون أن أبناءكم –دون كل الأبناء – ليسوا بشرا بل ملائكة لن يخطئوا مهما كانت المغريات في طريقهم، وتذكروا دائما قوله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" صدق رسول الله، ماذا ستقول أيها الأب أو الأم لله تعالى حين يسألك عن رعيتك؟
يمكنك الاطلاع على الروابط التالية:
"الحل...ابحث عن ذاتك"
كيف تنمي ثقتك بنفسك ؟
ابني حائر بين والديه: لكنه رجل قبل الأوان!
أسرنا البائسة..هل من نهاية لعذابات الأحبة...مشاركة