الحيرة والخوف من المستقبل والوسواس
وسواس انتقال النجاسة, حكم الشرع في مثل حالتي
السلام عليكم ورحمة الله؛ أنا فتاة عمري 26 عاما أصبت بالوسواس منذ أن كنت في الصف الثامن تقريبا وككل الموسوسين بعد أن أصبحت ملتزمة, في البداية كنت شخصا عاديا ولكن بعد الالتزام أصبت بالوسواس بسبب جهلي في الدين وقابلية شخصيتي للوسوسة, فأنا أحب الإتقان والتدقيق في كل شيء, خلال هذه السنوات كنت أتخلص من نوع من وسواس ويأتي بعده نوع آخر إلى أن أعلم بالحكم الشرعي بذلك ولكن هذه المرة, بسبب بحثي في الانترنت عن أحكام لما أنا فيه أصبحت الأمور تتعقد بالنسبة لي ولا أدري هل لي حكم خاص,هل أنا محقة أم أنا مخطئة لا أعلم,
أنا أعيش في أسرة فقيرة نوعا ما وبيت بسيط, أهلي لا يعرفون شيئا عن انتقال النجاسة, وعندهم النجاسة فقط هي ما يكون نجسا نجاسة حكمية**, وبعد أن قرأت عن أنواع النجاسة وعن انتقالها, أصبحت حياتي معقدة, فقد راقبت أمي وهي تغسل الثياب, فهي تضع النجس مع الطاهر,وتضع يدها على الغسالة وداخل الغسالة وتلمس كل شيء بيدها دون غسل من مقبس الكهرباء وملابسها ومقابض الأبواب ومفاتيح الغاز وصنابير المياه,وتلك المياه تتساقط على الأرض وأمي تدوس عليها وتمشي في كل الغرف, وكذلك أهلي يستخدمون الحمام ويكون رطبا,وأنا متأكدة أن أرضيته نجسة,ويدوسون بنفس الحذاء الذي تم الدخول فيه إلى الحمام,يدوسون الغرف والمطبخ وكل شيء والسجاد,
وأحيانا يستخدمون الحمام ولا يغسلون أيديهم ويوجد كثير من الأشياء في البيت أنا متاكدة أنها نجسة ولكن نجاسة حكمية وليست عينية, وأنا أصبحت أعيش في مشقة, فلا أستعمل أي شيء إلا أن يكون جافا وأنا أكون جافة ولا ألبس من الملابس التي تغسلها أمي, وإن أحد منهم لمسني بيده وهي رطبة أو مبتلة أغير ملابسي أو أغسل الموضع التي تم لمسه, وأصبح لدي فرشاة شعر خاصة وإن سقطت بقعة ماء ثم ارتدت على جسدي أذهب وأغيرها,
المهم أن حياتي أصبحت جحيما ولا أستطيع أن أمشي حافية إلا أن تكون قدماي جافتين لكي لا تنتقل النجاسة, وسألت كثير من الشيوخ وبحثت على الانترنت ولم أستفد وتمنيت لو كان الرسول فلربما كان سيفتيني في أمري, حتى إن تزوجت لا أعرف كيف سأستقبل أهلي فهم يلبسون ملابسهم المتنجسة نجاسة حكمية ولربما يكون يوما ثوبهم مبلول ويجلسون عندي ويتنجس بذلك البيت, وأيضا لا أعلم إن كان على أن أقول لهم أن ملابسهم نجسة وأنه لا تصح صلاتهم, ولقد ذكرت لأختي بعض ما علمت من أقوال الفقهاء فأصبحت هي توسوس قليلا مثلي, فماذا أفعل؟
في البيت عادات لا أستطيع تغييرها, ولا أستطيع أن أعيش وحدي, وهذه العادات هي سبب وسوستي, فماذا أفعل وهل يوجد حكم في مثل حالتي, علما بأنني متأكدة من أن كل البيت متنجس نجاسة حكمية؟ وهل صلاة أهلي باطلة لأنهم يصلون بتلك الملابس ويمشون بعد الوضوء بدون حذاء أنا في حيرة من أمري, ماذا أفعل؟؟
11/01/2015
رد المستشار
** المفروض فقهًا أن تكون الكلمة هنا (عينية) وليست (حكمية) وأظنها أخطأت دون أن تنتبه أ. رفيف
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "مريم"؛
بغض النظر عن أنك موسوسة كما هو ظاهر بوضوح في استشارتك السابقة، إلا أنني لا أوافق على عد من أخطأ معرفة الحكم موسوسًا عندما يتصرف بتشدد. الموسوس يتصرف حسب فكرة عنده بغير دليل مقبول لا عقلًا ولا شرعًا؛ أما المخطئ فعنده دليله المقبول عقلًا، وهو مقبول شرعًا إن كان جاهلًا معذورًا، وهو الحكم الذي وصل إليه فطبقه، والفرق بينه وبين الموسوس يظهر عند معرفة الحكم، فالموسوس لا يستطيع ترك ما هو عليه إلا بصعوبة، ويشعر بالقلق ريثما يقتنع ويعتاد الحكم الصحيح، أما المخطئ، فيغير من فوره فرحًا بالتخفيف دون أي خوف أو قلق...
لا شك أن الوضع في بيتكم صعب، وما أكثره هذه الأيام، إذ يندر أن تجدي بيتًا لا يوجد فيه من يتهاون في النجاسات، لكن الطامة تكون عندما يوجد ملتزم واحد في بيت متهاونين، أي كحالتك.
تأخرت في إجابتي، لأني أبحث وأسأل غيري، علّي أجد من أفتى بالعفو عن هذا مطلقًا، أي قال: من كان في مثل حالتك، يعفى عن كل النجاسات الموجودة حوله باعتبار النجاسة عمّت وليست من صنعه... وما زلت أبحث وأسأل، لأن الإسلام عادة يعطي رخصًا في مثل هذه الأحوال، لكن لا يمكن لأحد أن يفتي دون أن يبحث بحثًا فقهيًا دقيقًا، حسب المنهج العلمي المقبول... والبحث يحتاج إلى وقت وإلى تفرغ، مما يجعل الحصول على إجابة سريعة من الصعوبة بمكان، على كل إذا وجدتُ فتوى تفيدك سأضيفها إلى الإجابة فيما بعد، أما الآن فدعينا نتعامل مع جزئيات المسائل، ونخرج من الحرج الذي فيها:
أخطر عبارة قلتها في استشارتك: (راقبت أمي وهي تغسل الثياب)، لا شيء يضر بالموسوس أكثر من المراقبة، ولا شيء يفيده أكثر من إغماض العينين، والتجاهل، وتعمية حقيقة الأمر على نفسه!! تذكرين في الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بَالَ فَنَضَح فَرْجَه)) [رواه أبو داود والنسائي والحديث صحيح]، هنا نَضْحُ الفرج من أجل دفع الوسوسة، يعني إذا أحس الإنسان رطوبة قال: هذا من الماء الذي نضحته وليس شيئًا خرج مني. إذن هنا نقوم بالتعمية: قمنا بشيء يجعلنا لا نعرف هل نزل شيء أم لا؟ فإذا شككنا قلنا: الأصل أن الوضوء باقٍ، فلم نتيقن خروج ما ينقضه؛ والأصل في الأشياء الطهارة، فالثياب طاهرة ما لم نتحقق إصابة النجاسة لها...
ولو فكرنا عقلًا، أليس احتمال نزول شيء ونحن لا ندري واردًا؟ بلى، ومن الممكن أن يصلي الإنسان في إحدى المرات، وحقيقة الأمر أن الوضوء انتقض والثياب تنجست، ولكن باعتباره لم يعلم فالله لا يطالبه أن يفتش ويعلم، نصلي حسب علمنا وهذا مقبول منا!!! ((يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)) [النساء:28].
سنفعل الشيء نفسه الآن، باعتبارك راقبت من قبل -أصلحك الله-، فسنصلح الوضع، قومي بتطهير ما تيسر لك من أرضية البيت دون أن تغضبي أهلك، أو تشعرينهم بالتشنج، أهم شيء تضعينه بين عينيك أن تعملي بهدوء بحيث لا يشعر أهلك أنك توجهين إليهم أصابع الاتهام (إنكم نجسون، تنجسون، صلاتكم باطلة، إلخ...)، يمكنك أن تطهري مقابض الأبواب بهدوء أيضًا، تصبين قليلًا من الماء، يعني ضعي في قعر كفك شيئًا من الماء ومرريه على المقبض، هذا يكفي.
المهم بعد أن تتيقني أنك طهرت، ألا تنظري إلى الشيء الذي قمت بتطهيره بعد ذلك، بل إن توقعت أن هناك من سيقوم بالتنجيس، أبعدي عن المكان كله. بعد هذا تقولين: أنا متأكدة أني طهّرت المقبض، ولم أشاهد من نجسه، فربما تنجس وربما لا، ويقين تطهيري لا يزول بشكي بتنجيس غيري، وتتعاملين معه على أنه طاهر...
هذا ما أفعله شخصيًا مع أولاد إخوتي عندما يحضرون إلينا... أنظف أرضية الحمامات وأطهرها، ثم لا أحاول النظر إليهم وهم يدخلون ويخرجون، أبتعد كليًا عن الحمامات...، بعد هذا يخرجون، وقد بللوا ثيابهم وأقدامهم، ومنهم من توضأ -ما شاء الله- ويمشون على السجاد، ويمسكون بالأثاث، إلخ... كل هذا طاهر، وأصلي بكل راحة، ويقفون أمامي في الصلاة، ويمسكون بي ويدهم مبتلة!!! كل هذا وأنا مرتاحة جدًا، ويخرجون من بيتنا وما زلت أتعامل مع الحمام على أنه طاهر مثلما كان قبل مجيئهم...
وهناك أشياء كثيرة أفعلها على هذا النحو، وأريح نفسي.
كذلك: لو أن أحد أفراد أسرتك لمسك بيده المبتلة، أنت تعرفين أنه لا ينتبه للطهارة، لكن هل أنت متيقنة 100% أن يده كانت متنجسة عندما لمسك؟ في 99% من الحالات لا يكون هناك يقين، وفي هذه ال 99 حالة ليس عليك تطهير ثيابك بعد لمسهم لك. وأما الماء الذي يسقط على أرض نجاستها حكمية، ثم يرتد عليك أو على أي شيء، فهو طاهر، لأنه بسقوطه على الأرض طهرها، فإذا انفصل عنها أخذ حكمها فهو طاهر مثلها.
أمر آخر يفيدك: قلدي المالكية في طهارة الماء، إذ لا ينجس الماء عندهم، -قليلًا كان أم كثيرًا- إلا بتغير أحد أوصافه (لونه، طعمه، ريحه)؛ على عكس غيرهم الذين يرون أن الماء القليل يتنجس بملاقاة النجاسة، وأنه لابد من بلوغ الماء مقدارًا معينًا حتى يعُدّ كثيرًا لا ينجس بملاقاة النجاسة. لنفرض أن أرض الحمام كانت مبتله، ورأيت نقاطًا من البول أصابت الأرضية، هذه النقاط لم تغيّر الرائحة ولا اللون، الماء على الأرض يبقى طاهرًا، ولا يُنَجِّس أقدام أهل البيت، وبالتالي لا ينجس السجاد وسائر الأرض...
ولا تفكري من الآن في حياتك معهم بعد الزواج، فلكل شيء حلّ، وما يدريك أن الثوب الذي يلبسونه بالذات عندما يأتون إليك نجس؟ ربما غسلوه بطريقة مختلفة، وليس عليك أن تسأليهم كيف غسلوا.
ولعلهم يكونون قد تعلموا أحكام الطهارة حينها، فترتاحين من كل هذا... علميهم بطريقة هادئة جدًا وغير مباشرة، وابدئي بالأهم فالأهم...، مثلًا عندما تكونين جالسة معهم تتجاذبون أطراف الحديث، قولي لهم -كأنك تعرفين الأمر لأول مرة-: (سمعت أن النجاسات أنواع متعددة، ليست كما كنا نظن، كنت لا أنتبه إلى ما يصيب أرضية الحمام...)، أو قولي لهم: هناك صديقة لي تفعل كذا وكذا (عن شيء يفعلونه)، ولا تعرف أن هذا يضر بصلاتها.
بعد هذا اتركيهم، ولا تكثري عليهم، وأغمضي عينيك...، إغماض العينين سرّ السعادة في الحياة!
أسعدك الله ويسر أمورك وعافاك وهدأ بالك
ويتبع >>>>>>>>: الحيرة والخوف من المستقبل والوسواس م1