حيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
حاولت مؤخرًا اللجوء لطبيب نفسي؛ لأتناقش معه في مشاعري المختلطة، لكنه هاجمني، ولم يمنحني الفرصة للكلام فيما يؤلمني فعلا، وقال لي أنه ليس لي أن أحاسب الله، وليس من المفترض أن أراجع أفكاري حول الارتباط؛ لأنني على حق وأفعل الصواب (سأفصل لكم في السطور القادمة). على أي حال فقد شخص حالتي بأنها اكتئاب مصاحب بأفكار وسواسية، وأعطاني أدوية ما أن أخذتها حتى تملك مني النوم لأكثر من يوم، مما زاد إحساسي بالإحباط فتوقفت عن تعاطيها. مشكلتي تنقسم إلى شقين:
الشق الأول: تساؤلات وسواسية أقضت مضجعي، وأسالت دموعي ليالٍ طوال وهي تكون متزامنة مع فترات الاكتئاب، وتطغى عليه حتى يخيل لمن يسمعني أنني أكفر بالله، وغاضبة منه ولست مكتئبة. هذه التساؤلات تدور حول حسن الظن بالله، وحتى أكون محددة فقد امتنعت تمامًا عن الدخول في علاقات عاطفية طمعًا في أن يمن الله عليّ بزوج عفيف يقر عيني وسط عالم امتلأ بالفواحش، وطبقًا لاعتقادي هذا حين دق قلبي لأول مرة بعنف وقوة في سن 28 امتلأ قلبي حمدًا وشكرًا لله، معتقدة أن قلبي دق لمن سيكون زوجي. وبرغم شدة انجذابي إليه إلا إنني استمررت في الاستعفاف، وتمسكت بحقي أن يعاملني باحترام، وأن يحاول أن يبني صداقة محترمة حتى ننتقل إلى مرحلة الارتباط خاصة أن وسط العمل يسمح بدرجة كبيرة من التجاوز؛ لوجود أجانب بكثرة، إلا إن الرياح أتت بما لم تشتهِ السفن فمع التعامل اليوم معه في إطار العمل.
وأثناء محاولاته للتقرب مني اكتشفت أنه شخصية سيكوباتية ليس متدينًا ولا ملتزمًا، وصار يغازل فتيات أخريات ليرى غيرتي حيث فسر تصرفاتي أني playing hard to get، وتفنن في إيلامي وتعذيبي وأنا أتظاهر بالقوة واللامبالاة في حين أن قلبي تفتت ألما وصرت كالمجنونة أكرر تساؤلات باكية محورها (كيف يفعل بي الله هذا?) الحمد لله استجاب الله لتوسلاتي ودعائي، وتم نقله لإدارة أخرى لعدة أسباب أهمها تأخره الوظيفي، وانتشار أخبار عن علاقته بفتاة في إدارتنا والتي عذبها هي الأخرى وأبكاها أمامنا أكثر من مرة.
هذه التجربة والصراع اليومي أحدث فيّ تغيير كبير، وجعلني أكثر صبرًا وقدرة على الثبات الانفعالي أمام الناس حتى وإنت كنت أموت من داخلي. إلا إني صرت أعاني من فقدان التركيز بدرجة تعرض حياتي للخطر أحيانًا وعدم القدرة على الاندماج في أعمال تستلزم التفكر كقراءة القرءان مثلا إلا إنني كنت تحت ضغط كبير.
الحمد لله ارتحت كثيرًا حين شخّص الطبيب هذه الأفكار بأنها وسواس قهري حيث تخلصت من إحساسي بالذنب، وتأنيب الضمير؛ لاعتراضي على قضاء الله ومحاسبتي له ومعاتبته على خيانة ظني به كما توحي لي أفكاري. صرت أتجاهلها وأتجاهل أي أفكار أخرى من نوعيتها مما جعل حياتي أسهل والحمد لله.
الشق الثاني: بطل القصة السابقة (أتخذه مثالا لحالة متكررة في صور مختلفة) انتقدني قائلا: كلما حاولت الاقتراب منها تصدني وأعتقد أن هذا ناتج عن عدم خبرتها بالشئون العاطفية، وقد صدق، فأنا فعلا كنت أتخذ خطوة للخلف كلما حاول أن يقترب مني ودوافعي كانت:
- أردت الالتزام بحدود الله.
- لم أكن أعرفه جيدًا وأردت أن نكون أصدقاء أولا حتى أتأكد من مشاعري نحوه وأتأكد أن مشاعره نحوي صادقة.
- أسلوبه في التقرب مني كان مغازلات flirtations في طريقة نظرته الولهانة وقربه الجسدي الزائد عن الحد فكنت أبتعد وكان يغضب من ذلك.
بالرغم من أن هذه الأسباب تبدو منطقية إلا إنها سبب في حرمان عاطفي كبير وصرت أتمنى لو كنت "ضعيفة" أو لست واعية طوال الوقت بما يحل فعله وما لا يحل، صرت أتمنى لو أخطأت مرة وجاريته في محاولاته للتقرب مني أو تصرفت بدلع يجعل الباب مواربًا كما تفعل البنات في محيطي.
أنا لست مثالية ولكن الكل يتهمني بذلك وأولهم أمي، ولست قديسة ولكنني أعطي انطباعا منفرًا بذلك. أقولها صريحة "رغبتي في الاستعفاف سببا في وحدتي وألمي" وحماقتي حين اعتقدت أن هناك رجالا "أعفاء" سبب لشقائي. لكن ليس لي حيلة في نفسي وإن عاد بي الزمن سأعاود الكرة. ها أنا أصد شخصًا آخر يعطيني أكثر مما أريد من الحنان والتقدير؛ لعلمي أنه لن يأخذ خطوة جدية نحو الارتباط ولأنني فجأة أدركت أنه يأخذ صداقتنا لطريق عاطفي مسدود. أرفض الماء وأنا أرض جدباء، أتكبر وأنا فقيرة محتاجة وأتصرف بأنفة كأميرة حمقاء زال ملكها لكنها مازالت تختال في أسمال بالية أو كما يقول "الجخ" "أميرة قلبها شحات".
محاولات بعض الرجال الغير شريفة للتقرب مني تؤلمني ولا أعرف لما أستفز فيهم الرغبة في التحدي للتقرب مني? لم لا يذهبون لمن لا تمانع الدخول في مغامرة عاطفية ويتركونني لهمي?
يتكرر على مسامعي أني ملاك وأنا والله أبعد ما أكون عن ذلك وهذه النقطة تجعل البعض يشعر أني كثيرة عليه، فريقان من الرجال أحدهم متسيب والآخر لا يستطيع التقرب.
لا أعلم إن كنت أشكو نفسي أم أشكو الظروف ولكنني مللت من كل شيء ويئست من الرجال ولم تعد في طاقة أصلا للارتباط أو للمحاولة. وأشعر أني أضعت عمري أعيش كما "الشاويش عطية" كتلة من الجمود والتنشنة والكلاكيع. لا أعرف إذا ما كان الذي أنا عليه عفة وفضيلة أم تأخر وتبرير لحالة من اضطراب الشخصية? عدت من حفلة حنة منذ قليل وكلي ألم ناتج عن مقارنة طريقة نشأتي بما رأيته حولي، بنات أصغر مني بعشر سنين على الأقل قادرات على الدخول في علاقات وإشباع احتياجات شريكهم وإسعاده، أما أنا!!!
عرضت عليكم حيرتي وتخبطي وأعتذر عن عدم ترتيب أفكاري فأنا أصارع الوقت لأرسلها خلال فترة تلقيكم للاستشارات.
أشكركم ودمتم بخير.
30/07/2015
رد المستشار
حضرة الأخت "سيفين" حفظك الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أسعد الله أوقاتك. فلقد أسعدتِ بعضاً من وقتنا برسالتك الرائعة. لاحظت من خلال أسلوبك الأدبي بأنك فتاة ذكية ومتعلمة. فكان لرسالتك صدىً كبيرٌ في جعبة الملفات التي تحكي العديد من القصص المختلفة والمليئة غالباً بالكثير من الأحزان والأشجان.
نتمنى منك بأن تقبلي بأن نناديك الصديقة سيفين. فلكم شممتُ من بين سطورك رائحة الأَنَفة والعفة. نعم إنها بضاعة مزجاة قلما نجدها في عصرنا الحاضر. لربما لأنه قلَّ مَن يشتري. ولذلك تتخبط الكثيرات من أمثالك في بحر الضياع، حيث أن الشيطان اللعين يدعونا وبإلحاح للتخلي عن القيم ومجاراة ما يطلبه المستمعون والباحثون عن الشهوة واللذة وإرضاء الغريزة.
نعم، قلّ العرض وقلّ الطلب، ولكن الجواهر النادرة أمثالكِ يقفن في سوق العرض والطلب بحيرة تشبه حيرتكِ بحثاً عن الجواب...
لم أحتر أبداً في انتقاء الرد. فكما لاحظت ونلاحظ جميعاً بأن المثل والقيم باتت آخذة بالانحسار أمام هجمة الفلتان وسهولة التواصل الاجتماعي وانكفاء المراقبة من الخارج وضعف الرقيب الداخلي المتمثل بالوجدان والضمير والدين.
لقد قال الباري عزّ وجلّ في محكم آياته: "وقليلٌ من عبادي الشكور". وقال أيضاً سبحانه وتعالى: "ولا تجد أكثرهم شاكرين". وقال أيضاً عزّ وجلّ: "وأكثرهم للحق كارهون".
فنستخلص من هنا أن الله سبحانه مدح الأقلية وذمّ الأكثرية. ألا يرضينا بأن نكون من القلائل الذين مدحهم الله سبحانه؟ أم أن النفس الأمارة بالسوء تدفعنا لأن ندخل مع الداخلين عندما تُسألُ جهنم هل امتلأت فتجيب هل من مزيد؟
نعم يا صديقتي، لو حسبنا أننا خلقنا لزمن من الحياة طولها ثمانين عاماً فقط لكان جوابي لكِ بأن لا تضيعي الفرصة. واغرفي من بحر الحُبُور ما تشائين قبل أن يولي الصبا.
أما إذا اعتقدنا بكلامه سبحانه: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة". "ولسوف يعطيك ربك فترضى". "وبشّر الصابرين"... فعندها لا بد أن نقول لكِ: بوركت وبورك أهلك من شجرة طيبة أنجبت فروعاً طيبين. فنحن بصبرنا موعودون بحور عين، وليس بشباب منهزمين أمام الغرائز. فالسيدة الطاهرة مريم عليها السلام ذكرت في القرآن الكريم بعفافها، وكذلك نبي الله يوسف، صار في أحسن القصص وذلك لعدم تجاوبه مع نساء مصر في القديم البعيد.
لم يخلّد التاريخ أسماءهن، بل تخلّد اسمه نظراً لتمسكه بالصراط المستقيم.
والآن يا "سيفين" لكِ أن تختاري أن تكوني تلميذة لمريم عليها السلام وللنبي يوسف عليه السلام أم تلميذة لامرأة نوح وامرأة لوط عليهما السلام.
فألف تحية لكِ قبل أن تتخذي القرار الخاطئ، وفي صمودك الحالي. وإياكِ أن تنهزمي. وافخري كلما نظرت إلى نفسك بالمرآة في كل صباح.
والسلام.
ويتبع >>>>>>: ليتني ضعيفة أو بلا وعي ! م