شفاء القلب
أنا فتاة تقدم لخطبتي شاب وأنا في سن العشرين أحببته بشدة وتركني؛ لاختلاف طباعنا كما قال وكان قد أظهر من التعلق الكثير والحب ما جعلني أظن أنه شريك حياتي الأبدي وحزنت لانتهاء قصتنا جدًا وشعرت طوال الوقت بالنقص والحزن.
حتى بدأت قصة جديدة وأنا بعمر الـ 23 عامًا تقدم لخطبتي أيضًا وأشعرني أيضًا أنه متيم بي وأحببته بشدة وأحببت جدًا اهتمامه ومعاملته شديدة اللطف والرقة وظننته صادقًا وانتهت علاقتنا بعد أربعة شهور لأنه لم يكن صادقًا بالمرة. المهم بعيدًا عن جميع التفاصيل هو جرحني بشدة وصدمني أنا الآن وبعد مضي شهر ونصف ما زلت متألمة ومجروحة.
لا أفهم هل من السهل أن تقول أحب وتترك مَنْ تحب؟ هل من السهل تجاوز مَنْ تحب؟ جرح من تحب؟ أنا قلبي لم يُشفَ وأتذكر التفاصيل وكأنها حدثت بالأمس. محطمة وأفقد الشغف في الحياة. أحاول التهرب من الحياة ولا أستطيع. أحاول العودة إلى الله وأشعر بحاجز أقترب وأبتعد. والحقيقة أنني في كلا الموضوعين كانت هناك لحظة صدق مع الله ولجوء إليه أن يعلقني به لا بغيره.
وتتغير مجاري الأمور ويتركني الأول بعد أن أظهر الحب ويتركني الثاني بعد أن أظهر العشق وبموت فيك الذي كان يقولها طوال الوقت. أنا أعرف أنني أحتاج أن أسلم أمري إلى الله. لكن لا أعرف كيف أداوي قلبي كيف أنسى الجرح؟ كيف أتغلب على اشتياقي الحب والشعور بالوحدة والفقد؟ كيف أستطيع الحصول على شغف بالحياة؟ أنا أفقد الشغف.
أنا فتاة أحب الحب. ولأنني ربيت في بيئة ملتزمة لم ألجأ يومًا للعلاقات وكانت إما مشاعر بسيطة من جهتي أخفيها وإما تجارب الارتباط التي كانت تحت مسمع ومرأى أهلي. وكنت في هاتين التجربتين لا أستطيع منع نفسي من أن أحب سرعان ما تكونت مشاعري وسرعان ما شعرت أن هذا الشخص توءم الروح الذي سأكمل معه حياتي. وما يلبث أن تتبدل الصورة استمر الموضوع الأول أربعة شهور وكان أغلبه عن طريق الشات والهاتف و3 مقابلات إحداهم مقابلة الأهل. واستمر الموضوع الثاني أربعة شهور أغلبه على الشات وكانت هناك 6 مقابلات 2 منهم مقابلات الأهل. الأول تركني لاختلاف الطباع ولم أعجب والدته.
والثاني تركني لأن والده لم يكن مقتنعًا أن يخطب فتاة تربت خارج البلد. الأول لم يكن رجلا والثاني لم يكن رجلا.
وأنا بين هذا وذاك. قلب قد كسر مرتين، لا يعلم أيمكنه أن يثق مرة أخرى؟ قلب يحب الحب، ويتمنى أن يرزق به. قلب لا يعلم أين الخطأ ليتجنبه في الأيام القادمة. هل الحب موجود حقًا؟ هل الخطأ في الإيمان بالحب أم الإيمان والثقة بالمحبين؟
هل خطأ أن أتمنى شريك حياة أعتمد عليه وأضع رأسي على كتفه وأحكي له عن يومي وأشاركه أحلامي. هل هناك رجال لطفاء يبحثون عن شراكة حقيقية صادقة. لم الحياة معقدة؟ لم لا تكون بسيطة؟
كيف أعيد الشغف لحياتي؟
كيف أكون أقوى أمام حاجتي للحب وحاجتي لشريك حياتي؟
13/9/2015
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أختي العزيزة رقيقة القلب، رسالتك مليئة بالتساؤلات، تساؤلات تعبر عن عمق معاناتك وألمك, حيرتك ما بين قلب يتمنى الحب والدفء وواقع جرح ذلك القلب الرقيق, تساؤلات عقل يحاول البحث عن إجابات تريح ذلك القلب.
لن تستوعبي الإجابة على تساؤلاتك إلا بعد أن تستوعبي ما تمرين به وتعلمين هل يوجد خطأ وما هو ذلك الخطأ، ولكن لن تتجاوزي ألمك وجرحك إلا بعد أن تواجهي قلبك بما مررت به وأن تستوعبي كل ما مررت به وتشعرين بمرراته مهما كانت، أعلم أن ذلك قاسيا ولكنه السبيل الوحيد لشفائك، تماما كالجراح الذي يتوجب عليه فتح الجرح وتنظيفه تماما ليشفي وعلى المريض تحمل ذلك الألم، وإن لم يفعل ذلك سيلتئم الجرح ظاهريا ويبقى الجرح الملوث بالعمق يؤلم ويظل يؤلم كلما ضغطت عليه.
فعليك مواجهة قلبك بما حدث ورؤيته تماما وتحمل ذلك الألم مهما كان تماما كأنك تضغطين على جرح حتى تطهريه وبعدها سوف تشعرين براحة، نعم تتذكرين ما حدث ولكن بدون كسرة قلب ولا دمعة روح، لن تستوعبي ما حدث إلا بعد أن تري الصورة كاملة، أنت ترين فقط جانبك أنت ولا ترين الجانب الآخر من جهة الرجل الأول والثاني، ولو رأيت الصورة كاملة سوف تتألمين أكثر ولكن سوف تشفين سريعا، تنضجين أكثر عاطفيا وتكونين أكثر دقة بكل دقة قلب. ولذا سأحاول الإجابة على تساؤلاتك لأنها الطريق الوحيد لذلك.
يؤسفني أن أقول أن الخطأ بك, ويؤسفني أكثر أن أقول أن ذلك القلب الرقيق الحنون الصادق هو سبب ذلك الخطأ, ولكنه خطأ بصورة غير مباشرة. فنحن عزيزتي نحن بشر، لسنا ملائكة بالجنان نعيش بل على الأرض نحاول أن نتعايش، نعيش واقعا يحمل الكثير من المتناقضات، تساءلت أنت "لا أفهم هل من السهل أن تقول أحب وتترك من تحب؟ هل من السهل تجاوز من تحب؟ جرح من تحب؟ الإجابة بكل بساطة "نعم".... فما نتربى نحن عليه من خلال الأفلام والروايات والأغاني الرومانسية عن الحب جميعها خيال في خيال، بالواقع الذي نعيشه الحب الحقيقي غير ذلك تماما، فكرتك أنت عن الحب إنه قدس الأقداس، من يتفوه بكلمة "أحبك" لابد أن يكون صادقا، ومن يحب لا يكره، ومن يعشق لا يجرح، تتوقعين أن بداخل الرجل أمامك مثل ما هو داخلك فالحب واحد.
انتبهي لكلماتي جيدا، أولا نحن بزمن ليس به أسهل من كلمة الحب, لم يعد قدس الأقداس. الخطيب يكرر لخطيبته أحبك تبعا لمراسم الارتباط والخطوبة، أصبح من السهل أن يكرر كلمة أحبك وأنت روحي ممكن لشهور وبالنهاية يتركها لأسباب عديدة جميعها البحث عن مصلحته والأفضل.
ثانيا عليك أن تعلمي جيدا أن ما مررت أنت به "ليس حبا" نعم ليس حبا ولكنه حب لحالة الحب ذاتها، حب لوجود "قلب بجانبك" لوجود "رجل" يمدك بذلك الشعور الرومانسي الجميل الذي طالما حلمت به، لاحظي أنني لم أقل "الرجل" ولكن "رجلر والفرق كبير لأنك أحببت الحالة وليس الشخص، لو كانت محبتك للشخص ما كنت استطعت الشعور بالحب لشخص آخر بنفس القوة، وبنفس التفاصيل، لو لاحظت أنت كلماتك ستجدين أنك لم تذكري صفة واحدة لأي رجل منهما، مثلا عقليته, شخصيته، فكره، روحه، حنانه أمانته كرمه، وتلك الصفات الرجولية التي تجذب المرأة للرجل.
لتتأكدي من كلامي فكري مع نفسك وقارني بين الرجل الأول والثاني ولن تجدي أي وجه تشابه بينهما، مختلفان، ومع ذلك أنت شعرت بالحب للاثنين، ولكنه ليس حبا، هو حب لحالة الحب، حالة أنت تتمنينها بكل لحظة، قلبك كالأرض الخصبة المنتظرة لأي بذرة بكلمة حب ليحتضنها ويرعاها، قلب من لهفته على الحب أغفل دور العقل.
العقل بالحب؟؟ نعم.... الحب الحقيقي للعقل دور به، فلو كانت مشاعر الحب من القلب فإن الحفاظ على تلك المشاعر يكون من العقل، الحب الحقيقي يبدأ بتمهل، بإعجاب بصفات الطرف الآخر، الحب الحقيقي هو كالوليد الذي يتكون برحم القلب رويدا رويدا حتى يتكون وليدا يرعاه الطرفان.
سؤالك "قلبي أيمكنه أن يثق مرة أخرى؟ قلب لا يعلم أين الخطأ ليتجنبه في الأيام القادمة؟.... نعم يمكن لقلبك أن يثق ويحب وينعم بالحب، ولكن لا تتعجليه، اتركي قلبك يسعد بالحياة، اتركيه يلاقي الحب صدفة، بلحظة أن يتقدم لك رجل تكون أول مشاعرك له "الارتياح – الإعجاب- الانجذاب" تلك المراحل الطبيعية للحب. لا تكرري خطأ وتتعجلي قلبك وبمجرد أن تسمعي كلمة أحبك ترفعي قلبك يحلق بالسماء فتلك ساعتها سماء حب ليست له على الأرض أقدام.
تعاملي عيشي وقتك بكل ما فيه، امنحي لعقلك بعض الحرية من أسر القلب ولهفته، دعي عقلك يستوعب كل كلمة الآن، ودعيه شريك قلبك فيما هو آت، امنحي قلبك فرصة الشعور "بولادة" الحب على مهل، ذلك هو الحب الحقيقي، الذي يستمر، واعلمي جيدا أن من يقول لك أحبك سريعا قد يجرحك سريعا، ولكن من يحبك بعد إعجابه بروحك، عقلك، قلبك، بعد فترة من التعامل الصريح هو من سيمنحك الحب الحقيقي.
لو تقدم لك شاب آخر به صفات الدين والخلق اقبلي به، ولكن لا تعيشي قصة الحب بل اتركيها تتكون على مهل بقلبك وقلبه، وراعي أن حالة الحب التي تعيشينها سريعا هي من ضمن أسباب النهاية لأن أكثر ما يكرهه الرجل هو أن تصيبه المرأة بتخمة الحب والمشاعر، فلو أردت الحفاظ على حبك، فلتحبي من قلبك وتتعاملي وتراعي ذلك الحب بعقلك.
عليك الآن الجلوس لوحدك، تخيل كل ما مررت به جميعه بكل تفاصيله المؤلمة، تستوعيبنها مهما كانت مؤلمة، استمعي لصرخات قلبك جيدا، كرريها حتى يصل ألمك لآخره، كطبيب يستأصل ما بداخل جرح يحتاج لتطهير والألم هو أقوى مطهر لجروح القلب والروح، وبعدها سينتهي تماما، يموت الجرح وينتهي ألمه، وتبدئين حياة جديدة بقلب أكثر نضجا، يعلم الفرق بين أن تحبي شخصا لصفاته ولأنه توأم روحك وبين أن تعيشي حلم حالة حب مع كل رجل يمنحك كلمة الحب.