مشكلة، حلها الزواج ولكن...
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم، جزاكم الله خيراً على الموقع، سأدخل بالاستشارة
أنا طالب في الجامعة، وقعت في ذنوب كثيرة رغم أني ملتزم (مطوع)، والكل يذنب، كنت أشعر بالذنب كلما أخطأت وأبكي، الآن لا، تغير الحال، أذنب بلا توبة، وأتوب فأرجع بسرعة، حياتي أصبحت بعيدة عن الله وأصبحت الدنيا سوداء جداً، استمريت بالذنوب الجنسية وغير الجنسية، حتى حلمت بالمنام أني أموت وأخير ما بين أن أكون كاملاً (والكمال لله) أو أن أستحق سوء العاقبة أو النار، واخترت النار ثم استيقظت من المنام، فهذا تهديد ووعيد من الله حتى أترك ذنوبي،
أعلم أن كل ذنوبي حلها الزواج لكني طالب وحالتي المادية متدهورة إخواني مديونين وأبي متقاعد من سنتين بدون معاش، ولا أستطيع ترك أبي وأمي لأنهم كبار بالسن وأنا أصغر العائلة فيجب أن أعيش أنا وزوجتي معهم وهذا يتطلب اختيار زوجة جيدة تقبل بهذه الظروف،
أنا طالب في كلية التمريض وبقي أمامي ثلاث سنوات أو أكثر لتخرجي، أعلم أني لا أستطيع التحمل لكن هل هناك من سبل غير الصوم لأبتعد عن الذنوب، وهل هناك من حلول لإقناع أهلي بتزويجي أو لجلب المال دون الخروج من الجامعة؟ ،
قد تكون كلماتي غير مفهومة لكني أحترق من داخلي لا أعلم كيف أصيغ كلماتي،
آسف على الإطالة
12/2/2016
رد المستشار
حين أرسل لي د. وائل أبو هندي مشكلتك كتب لي مشكلة بريئة موجعة، فهل ستصدقني حين أقول لك: أن جزء كبيرا جدا من وجعك يعود لطريقة تفكيرك أنت!؛ فالذنوب خطأ، ومعصية طبعا، ولكن تعاملنا مع الخطأ يبقى هو الأهم!!؛ فحين نسجن أنفسنا في سجن الكمال نظلم أنفسنا ظلما بينا، وحين نضيق وسعا نقهر ذواتنا قهرا موجعا، وحين نوصد علينا غرفة الإحساس بالذنب لنغرق فيه غرقا نغلق معه طريق النجاة، فلا يفلح معها التذكير بالتوبة!؛
ونظرا لأنك قريب من الله تعالى فأقول لك: آمن بالله يا ولدي!؛ فالله تعالى خلقنا بشرا ولم يجعلنا ملائكة، ولا شياطين ولا جماد؛ لأنه يريد مخلوق آخر غيرهم؛ فهو لا يريد مخلوق لا يفعل سوى طاعته وتسبيحه، ولا يريد مخلوق جاحد متكبر مغرور، ولا يريد مخلوقا بلا مسؤولية، ولا وجود، وهذا الحديث ليس تنظيريا إطلاقا، ولكنه بيت القصيدة يا ولدي.
إن لديك أزمة في علاقتك بالله؛ فالله تعالى يريد مخلوق يكون مسؤول عن نوعية وجوده، مخلوق لا يطيعه بلا اختيار، ولا يعصاه لدرجة الكبر والغرور؛ فخلقك أنت، وأرادك أنت تحديدا ليقول لك أنك "مهم"، وأنك مسؤول عن نوعية وجودك، وأنك تستطيع أن تختار، وأنه يحبك بلا شروط؛ فهو لا يحبك؛ لأنك جاهلا، أو متعلما، ولا لأنك طويل، أو قصير، ولا للون بشرتك؛ فهو يحبك؛ لأنك تستحق الحب؛ فأنت الوحيد الذي يذهب له سبحانه بحب ورغبة منه، وتستحق القبول حتى وإن أخطأت فهو لن يرضى بالمعصية، ولكنه يقبلك في كل وقت، وحين دون تردد،
وإنه إله عظيم علم أنك وأنا، وكل من هو بني آدم حتما سيضعف، وسيخطىء، وسيفشل مرات ومرات؛ فترك لنا منفسا لننجو حين نقع في أي من ذلك، فكان من صفاته العفو، والمغفرة، والتوبة، بل والتودد لعباده؛ وإنه يعلم تماما أن "الغرق" في الإحساس بالذنب "معطل" حدثنا حوله مرارا وتكرارا بلغات مختلفة؛ فأوصل لنا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهذا وعد إلهي وليس وعدا منقوصا مشكوكا فيه مثل وعود البشر، وعرفنا أنه يمد لنا يديه مرتين في اليوم كل يوم ليتوب مسيء الليل، ويتوب مسيء النهار؛ لماذا يفعل ذلك؟ ماذا يريد أن يقول لنا؟؛
يريد أن يقول لنا انفضوا ما علق بكم من ذنوب وأكملوا الطريق ولا تتعطلوا؛ فجئت أنت ورفضت أن تسامح نفسك بصدق، ورفضت خطئك فتخليت عن مسؤوليتك!؛ فالغرق الشديد في الإحساس بالذنب يحولنا لأشهر نموذجين؛ إما أن يلهث وراء توبة غير مسؤولة، فيكرر أخطائه، أو يتعطل تماما فيترك حتى التوبة ليظل عالق في الذنب ليتنصل من حقيقة المسؤولية؛ فلتصدق أن الله يرى قلبك المتألم، ويشعر بوجع معصيتك في قلبك، ويرى تقلب وجهك ورغبتك في رضاه فهو الله؛
ولا أتصور أنك ستتصور أنني أبسط لك الخطأ، والذنوب، وأدعوك للمزيد منها وتتكل على غفرانه؛ فهو الله الذي سيعرف حقيقة ما في قلبك، فقط أطلب منك أن تؤمن بالله العظيم، والإيمان ببساطة هو أن تصدقه سبحانه؛ فهو الذي يريدك ألا تتعطل في ذنوبك فتكفر بالتوبة، ولا يريدك أن تغرق في ذنبك للدرجة التي تجعلك دون أن تدري تستدفىء بإحساس الذنب حتى لا تكون مسؤولا عن اختياراتك، وهو ما أثبته الطب النفسي ودراسة النفس البشرية؛ بأن الارتياح لوضع الغرق المبالغ فيه في الإحساس بالذنب والتقصير هو في حقيقته الرغبة في الاستمرار في عدم المسؤولية في اللاوعي!.
فلتقبل خطئك ليس حبا فيه، ولكن لتتمكن بصدق من تجاوزه، ولتقبل وقوعك في المعصية لا لتزداد منها، ولكن لتتمكن من التعامل الصحي الناضج معها فتوقف تكرارها وأنت مصدق أن الله تواب، ويحبك بلا شروط، ويحب أن يراك مسؤولا حتى وإن ضعفت مرات، ومرات ما دمت تتعهد نفسك وتقترب منه بصدق وتصدق وعوده؛ أما المشكلة التي تخص رغبتك الجنسية؛ فهي فطرة فيك وفي وفي كل ذكر، وأنثى، وهي موجودة فينا لا لتعذبنا، ولكن للتعامل معها بما ترضاه ;أنفسنا ويرضاه الله، ولن يكون الحل الصوم فقط؛ ولكن تضييقك لفكرة زواجك قريبا، ووجود فتاة ترضى بالعيش معك بوالديك يعيق الأمل بداخلك؛ فحين تتوكل على الله لتطلب العفاف، وتصدق من داخلك أنك تستحق فتاة تحبك ستجدها أقرب مما تتخيل، فمن تتزوج مع أهل زوجها موجودة حتى وإن قل وجودها لكنها موجودة،
وتعليمك مهم جدا لتحسن مستقبلك؛ فقد لا تتزوح الآن، ولكنك قد تبحث عن عائلة طيبة تقبل بانتظارك فتأتنس بوجود أنثى في حياتك تزيد من عزمك في استكمال دراستك، ويمكنك العمل مع الدراسة، ويمكنك استخدام هواية لديك تدر عليك ربحا بجانب دراستك، فكر وابحث ستجد حلولا حتى وإن لم تكن سريعة لكن ستكون بداية وسيعينك الله تعالى من حيث لا تحتسب،
أما.... الأحلام فهي رسالة؛ والرسالة قد تكون من نفسك لنفسك، وقد تكون من آخر لك، وقد تكون من الله تعالى لك، فقد يكون حلمك رسالة منك أنت لك؛ فكثيرا جدا ما تتحول مخاوفنا، وقلقنا لأحلام تفزعنا ولا علاقة لها بأي شيء سوى "التعبير" عن مخاوفنا، وأخيرا لن أطلب منك الصبر الأصم الذي يفعله معظم مجتماعاتنا العربية، ولكن أصبر صبرا مخططا، صبرا ممزوجا بالفعل، وخطوات لتحقيق أهدافك المشروعة جدا مثل الزواج والعفاف،
ابدأ واستعن بالله العظيم دون أن تتخيل أن الله تعالى العظيم كالبشر سيحرمك من نعمه بسبب بعض معاصيك فهذا يخص البشر وليس الله العظيم الذي يمهل، ويتودد، ويغفر، فهو الصبور الرشيد، وستجد عجبا، دمت طيبا راضيا .
واقرأ أيضًا:
التائب من الذنب كمن لا ذنب له مشاركة
بعد الذنب التوبة، هل بعد التوبة ذنب؟
تائب ماشفش حاجة!
وسواس الذنب والمحاسبة الذاتية
فرط الخوف من الذنب يضيع فضل الاستغفار
العادة السرية والشعور بالذنب!
العادة السرية وعقدة الذنب