شبح الماضي
مرحبا، اسمي رهف، لا أدري من أين أبدا مشكلتي والأفضل أن أتكلم بالعامية، ما بعرف من وين أبدأ، عشت طفولة طبيعية. أمي جابت بنتين ثم ولد ومن ثم كمان بنتين.
عشنى حياة جميلة ومررت بفترة مراهقة صعبة أرهقت أهلي معي لكنها كانت طبيعية
الوسواس القهري أو الخلل النفسي كمان أظن ابتدأت معي منذ وفاة أخي الوحيد، من ساعتها كل حياتنا تغيرت صرنا محل للشفقة وصار والدي يمتلك أربع بنات وبدأ المرض ينهشه من الحزن ومن تعدد الأمراض عنده كنت أحب والدي حب عظيم. كنت أحترق من الداخل لما أشوفه يكبر ومشيته صارت تصعب وأشوفه يمشي بالشارع ما يلاقي شاب جمبه يمسكه ولاننا كنا ببلد خليجي فكان دايما النساء مفصولات عن الرجال.
نحاول نسنده بس صعب, كان دايما خايف علينا, كان عنده نقص. أحيانا يحاول يمزح معانا وينادينا بأسماء أولاد. يصير ينادي بصوت عالي, ويحكيلنا عشان الجيران يفكر عندي شباب!! كنت أزعل وأتأثر ولكني أكتم في نفسي والحياة تمشي طبيعي.
كنت أحب والدي حب عظيم وأحترق عليه وعلى مشيته العرجاء اللي ما بيلاقي أحد يمسكه فيها مابعرف أوصف شعوري بالزبط.
كنت أنا وأخواتي نتمنى أخ كتير تمنينا أخ كبير شاب يدخل علينا.
نشيل هم لما نتجوز مين راح يزورنا بالعيد ومين يسأل علينا.
كنا دايما متوقعين موت والدي القريب بأي لحظة بسبب تعدد أمراضه.
كان عندي وسواس أن والدي يموت بأي لحظة, وفعلا والدي توفي بعد أخوي بأربع سنوات وكنت وقتها تم عقد قراني على شاب رائع أخلاقيا ودينيا الحمدلله وماشاء الله
لما مات بابا, حسيت بصدمة, لكن حسيت براحة, سكت وسواسي. ما زعلت عليه بالطريقة اللي توقعتها كان شعوري غريب.
بدأت أشوف أمي وحيدة بدون رجال. بدأنا أنا وأخواتي نكون وحيدات بدون سند الناس بدأت تنهش فينا وبالورث وتعرضنا لمشاكل عديدة جدا.
صار كل شيء صعبا علينا لأن البلد اللي كنا عايشين فيها ما بنقدر نسوق ولا نتحرك بدون رجل. تمت خطبتي ولم أجد أحدا يدخل علي لا عندي أب ولا أخ والحمدلله إارادة ربنا والناس استوطوا حيطي وكانوا أخوالي يحملوني جميلة أني أطلب منهم يدخلوا علي عالى الأقل أمام الناس. وبعرسي نفس الشيء, بكل الأحوال هاي أحداث طبيعية وبتصير مع أي أحد ولهلأ الوضع طبيعي.
المشكلة بدأت معي من بعد زواجي, كنت أنتظر الحمل بفارغ الصبر، ولأن عيلة زوحي أغلبهم ذكور فكنت أتخيل أني سأنجب ذكرا يحميني ويكون جمبي، كنت راح أنجن عشان أعرف جنس الجنين، وكانت الطامة عندي لما عرفت أني أحمل فتاة.
أصبت بحالة عصبية لم أستطع السيطرة على نفسي أبدا، انهرت عصبيا ولم أذكر أني بكيت هكذا قبل ذلك.
أنا لا أكره البنات أنا أصلا بنت, لكن اللي صار معي من هذاك اليوم وأنا عايشة بدوامة الماضي، أصبحت لا أرى حولي غير الأولاد الذكور.
الماضي يلاحقني وأتخيل دائما أني راح يحدث معي نفس ما حدث معي أنا وعائلتيٍ.
عندي فوبيا إني رح أجيب بنات فقط ويكن بدون سند وحماية.
صرت أنظر لزوجي الحنون وأتخيله كأنه والدي.
أصبح عقلي يهيئ لي كل صفات والدي, وأصبحت أشعر أن زوجي يمرض كما مرض والدي.
أصبح مخي يهيئ لي أنني أرى في عينيه كسرة الحزن العجيبة الصامتة المختبئة التي كنت أراها في عيني والدي الخضراوين.
عندي مرض عندي وسواس لا ينتهي عندي كوابيس لا تنتهي، عندي خوف عظيم على بنتي.
عندي مرض اسمه يكون عندي ولد، عندي مرض بحس إن الزمن بيعيد نفسه بحس إن زوجي الحنون زوجي اللي حبيته حب عظبم نفس حبي لوالدي واللي حبيته حب الزوج والأخ والابن والصديق.
بحس إنه راح يمرض زي والدي، راح يمشي مشية والدي الحبيب العرجاء ويبحث عن سند يمسك به، والله العظيم إنني أعرف أن ابتلاءات الدنيا أكبر بكتير، والله العظيم أنا بعرف إني بنعمة عظيمة والله والله
والله إنني أخاف من عقاب ربي لي على حزني بسبب حملي في هذه الطفلة المسكينة.
عندي خوف عظيم عليها، مابدي إياها تمر باللي مريت فيه مابدي، عندي حزن على زوجي. تعلقت بزوجي نفس تعلقي بوالدي وصرت خايفة عليه ومابدي يحس بإحساس والدي أبدا
عندي وساوس دائمة، وشبح موت الأحباء يلاحقني دائما، أنا مابقدر أنبسط بحياتي، مابقدر أستمتع كل لحظة حلوة بتخيل أن بالمستقبل راح أتذكرها وأحزن.
أنا إنسانة سلبية جدا وأشعر بأن طاقتي السلبية هي من ستجذب لي الأحداث السيئة بعد إرادة ربنا سبحانه وتعالى, والله أنا مؤمنة بقضاء الله والعطاء وأنا خائفة من غضب ربي علي.
أصبحت أشعر أنني إذا أنجبت ولد كل شيء راح يصير كويس مع إني بعرف أن ربنا بيأخد وبيعطي,
بعرف أني لسه بأول حياتي
بعرف أن لسه هذا أول بيبي
ما بعرف شو صا رلي, انجنيت. أنا دائمة البكاء, دائمة الخوف والتفكير والوساوس لا تفارقني. والله ثم والله أنا مخزية من نفسي ومخزية أوقف قدام ربي أدعيه بالولد لأن ربي أعطاني كتير وأشعر بأنني إنسانة طماعة مريضة أريد كل شيء.
لا أريد أن يتكرر الماضي، لا أريد أن أعيش الماضي، لا أريد أن يتجدد حزني على والدي.
أصبحت أنظر لمن لديه أولاد شباب صالحين كأنه يملك الدنيا وما فيها.
أنظر إلى ملابس الأولاد كأنني محرومة أستغفر الله
أنا أعاني من نفسي الطماعة
أعاني من نفسي الغير صبورة الغير قنوعة
أنا مشكلتي في نفسي ولا شيء آخر
18/3/2016
رد المستشار
صديقتي
مشكلتك ومصدر عذابك هو تأليه وتقديس الذكر. لا أنكر أن مجتمعك وظروفك الحياتية قد علمتك هذا ولكنه شئ غير حقيقي وغير صحي. لو لم يكن هناك ذكر وأنثى لما كان هناك بشر أصلا. بدون الأنثى لن يكون هناك ذكر وبدون الذكر لن تكون هناك أنثى. بعضنا من بعض ونكمل بعضنا البعض.
هناك أمثلة كثيرة في التاريخ عن نساء عظيمات لا تنقصهن القوة أو الثقة بالنفس. هن من جميع الأديان وجميع الثقافات والبيئات الاجتماعية. منهن من كن محاربات تخضن المعارك الدموية بالسيف والرمح والسهام. لقد كان من الممكن أن تساعدي والدك في لحظات عجزه وضعفه أنت وأخواتك ولا أدري لماذا أخذتن موقف العجز والضعف لدرجة عدم المساعدة.
لماذا تفترضين أن زوجك سوف يمرض أو أنه سوف يلاقي نفس مصير والدك (وطبعا لن يجد المساعدة من الإناث... لماذا؟؟) ولماذا تفترضين حدوث كل ما هو سيء؟؟
أن تكون لدينا مخاوف هو شيء طبيعي ولكن أن نفترض أن المخاوف حقيقة مستقبلية حتمية فلا شك أن هذا يضعنا في حالة غير صحية على الإطلاق إن كانت هذه المخاوف سوف تتحقق لا محالة، فيجب الاستعداد لها بدلا من البقاء في حالة الشلل المذعور. إذا مرض زوجك أو مات فسوف تضطرين إلى القيام بمهام الحياة لك ولابنتك (أو لأبنائك عموما.. قد يرزقك الله بأكثر). الاستعداد الآن سوف يطمئنك وسوف يخفف الحمل عن زوجك أيضا في الوقت الحالي. إن كنت تتخيلينه ضعيفا ومريضا مثل والدك فعليك مساعدته الآن تعويضا عما لم تفعليه مع والدك وحفاظا على علاقتكما وعلى صحتكما بقدر المستطاع.
كل نفس ذائقة الموت كما قال لنا القرآن وكما يقول لنا التاريخ البشري. موتنا وموت الأقارب والأحباب شيء لابد وأن يحدث إن عاجلا أو آجلا وهو طبيعي كطلوع الشمس. بعد مائة وخمسين عاما فقط لن يكون هناك وجود لسبعة ونصف مليار من البشر الموجودين الآن على كوكب الأرض.
النفس غير الصبورة غير القنوعة تعيش في وهم أنه ينقصها شيء. لقد نفخ الخالق فينا من روحه وخلقنا على شاكلته. ما الذي ينقصنا؟ لا شيء على الإطلاق. إنه الوهم أو الخوف (وهم آخر) هو ما يجعلنا نعتقد أنه لا حول لنا ولا قوة. مثلما توهمت أنت وأخواتك أنه ليس لكن حول ولا قوة في مساعدة أبيكم المريض وأنه الذكر هو الوحيد القادر على هذا أو مقبول منه هذا.
تخيلك أن كل لحظة جميلة الآن سوف تحزنين عليها في المستقبل يسلب الاستمتاع بها حاليا. يمكن تشبيه هذا بالبكاء أثناء مشاهدة فيلم كوميدي لأن الفيلم سوف ينتهي في خلال ساعتين.
أنصحك بمراجعة معالجة نفسية غير تقليدية تشجعك على استكشاف قوتك الذاتية
أنصحك أيضا بالبدء في بعض الهوايات والقراءات والرياضة
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب