هل أستحق أن أكونَ أباَ مربياَ..!؟
عمري 38 عاماً أب لطفلين أربع سنوات وسنتين، مشكلتي أن مزاجي غالب أيامي ليس على ما يرام، من ينظر إلى وجهي يقول عني أني مهموم وهذا رأي زوجتي، أغتاظ عندما لا تصير الأمور على قواعدي مثلاً عند صعود أبنائي للسيارة أرفض أن يبقى أحد خارج مقعده بلا حزام.. بداية أوجه الطلب برفق وأكرره أكثر من مرة, وعند عدم الاستجابة من طفلي البالغ أربع سنوات يبدأ الغضب في الظهور, وربما أحمله بقسوة وأرميه على مقعده وأربط له أحزمته بانفعال..!
مثال آخر عند الخروج من المنزل أطلب من طفلي أن يلبس حذاءه, كما تعلم أكثر من مرة وفي حال عدم الاستجابة أبدأ في الانفعال وهكذا..! أكره الأصوات التي يقوم بها الأطفال أثناء الأكل من تجشؤ وفوضى وتناثر الطعام على الأرض, أريد طفلي يأكل في مكانه, أغضب بشدة من العبث بالنعمة، أغضب بشدة من الصراخ العالي لطفلي الكبير التي يملأ بها أرجاء المنزل فتتملكني رغبة عارمة في ضربه على فمه ليسكت..! ولكني لا أفعل.. فقط أصيح عليه وأقول له اسكت..
لدي إحساس عميق بأني غير قادر على تحمل الفوضى الطفولية, رغم حبي للأطفال, وعلمي ببراءتهم, ولكن داخلي منزعج جداً جداً وأعشق الهدوووووووء لدرجة أني أتمنى السفر إلى مكان لا أسمع فيه إزعاجاً إطلاقاً, صدقني لن أمل حتى لو لم أحدث مخلوقا، نعم إلى هذا الحد..!
زوجتي عاطفية وحساسة جداً, ومع كل نوبة غضب وانفعال لي تصبح هي الصدى فأرى في عينيها الدموع، وأسمع منها التأنيب، وهذا الكلام منذ أن تزوجنا من خمس سنوات, حيث لم تتحمل انشغالي بمسؤوليات والدتي وإخواني من أبي المتوفى "رحمه الله"، وكانت تتوقع حياة رومانسية حالمة.. وإذا بها أمام رجل مثقل بالمسؤوليات ومشغول ومنفعل, وبالنسبة لرأيي الخاص بها فهي عنيدة في بعض الأمور التي أرغب بأن تنفذها، وهذا يجعلني لا أحبها حباً خالصاً فهي إلى هذه اللحظة ليست متطابقة مع صورتي الذهنية للزوجة المحبوبة, و"صدقاً" هي متفانية مع الأطفال، صفة العناد أبغضها ولا أحب المخلوقة التي تحاول أن تغيرني، وعلى كل حال الحياة الزوجية مستمرة مع كثير من الخلافات شبه يومياً ، تنتابني فكرة: وهي تمني عدم الزواج من الأصل, فأنا معقد وتسيطر علي القواعد, والأطر بشكل كبير, والزوجة والأولاد كثيراً ما يخرجون عن القواعد التي أراها غير قابلة للنقاش..
فأنا في توتر دائم وتحديداً فيما يتعلق بالأطفال، فأنا أتسبب في شقاء أولادي وزوجتي، ولكن هذا التمني يصطدم بشعوري بالمسؤولية تجاههم، أفكر كثيراً بالاكتفاء وعدم زيادة عدد الأبناء, وتسيطر علي هذه الفكرة, علماً أن زوجتي لو علمت بما يدور في خاطري فستصاب بصدمة كبيرة، أحياناً أفكر لو أني أتزوج بامرأة ليس لديها أبناء ولا تريد الإنجاب فتحقق لي السكن والهدوء الذي أنشده, وأوفر لها الزوج الذي تسكن إليه..
هذه الأفكار تدور في رأسي منذ إنجاب ابننا الثاني بعد أخيه بسنة ونصف, في وقت لم نتوقعه ولم نخطط له، أشير إلى أمر وهو أن أبي كان يعاملنا "بتشدد" وكان يضرب ويشتم ونحن في سن مبكرة في الخامسة والسادسة, ولا زلت أتذكر أني تبولت على نفسي مرات عديدة من شدة الخوف أثناء الضرب, أما الوسائل فكانت متعددة مرات باليد وأخرى بأسلاك الراديو, وكانت هناك رؤية وقواعد يجب أن نسير عليها والتنازل مرفوض..
بدأت التحديات والمتاعب تزيد مع مراهقتنا لأن المساحة المتاحة للتحرك هي ما يراه الأب, حتى المظهر الخارجي عليه قيود مثل إطلاق اللحية وعدم السماح بالاقتراب منها، باختصار كانت مراهقتنا مليئة بالملل والشعور بضيق المساحة وكنت أعاني من تأنيب للضمير فظاهري شاب طيب وكنت في الداخل مدمنا للعادة السرية واكتشف ذلك أبي وكانت صاعقة علي فتوترت العلاقة، وذات مرة صرح أبي وقال أنا أكرهك وهدد بإخراجنا من المنزل إذا لم نسر على ما يريد..
ترى كيف أن داخلي مشوها والآن أنا أب وأشعر أني أقوم بنفس التشدد في المبادئ والقسوة التي يؤنبني ضميري بعدها لحد "البكاء" وتوتر زوجتي المتواصل بسبب ما تراه من قسوتي وغضبي، أحياناً أقول لنفسي لن أقسو ولن أرفع صوتي على أحد هذا اليوم, وأقبل أبنائي وزوجتي وأحتضنهم وأتماسك طيلة اليوم حتى تأتي مرحلة ما قبل النوم بكل متاعبها مع طفلين, فلا أستطيع مساعدة زوجتي وإن ساعدتها فتجدونني سريع الانفعال علما أن أطفالي نومهم متعب, ولهم طقوس لا أتحملها لأني أكون في غاية التعب وأريد النوم بحكم أن دوامي بعد الفجر..
أعلم أني ربما أصبتكم بالإحباط مثلي تماماً ولكني أحتاج للمساعدة حتى لا يغرق المركب, والإجابة بشيء من الإطناب من مختصين تربويون وأسريين ووضع خطة أسير عليها، وبالتوفيق...
16/6/2016
رد المستشار
أخي الكريم "هاشمي"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. تمنياتي لك ولاسرتك بخالص السعادة والهناء.. أعلم وأقدر -بعد قراءتي لرسالتك- مدى ما تعانيه من ألم نفسي وتوتر وعصبية مستمرة.... حالتكم النفسية السابقة والحالية تتلخص في ما يعرف بالشخصية الوسواسية أو القسرية Anankastic Personality ، وهي بالطبع مختلفة عن اضطراب الوسواس القهري...
تتميز الشخصية الوسواسية بالميل الى "المثالية" والسعي الدائم نحو صورة الكمال والتمام بصورة مستمرة ومجهدة للنفس وللاخرين، إذ أنَّ هذه االشخصية نادراً ما تشعر بالسرور أو الرضا عند تحقيق أي نجاحات إذ أنها دوماً ما تنظر إلى الجانب الفارغ من الكوب كأن تنظر إلى ما لم يتم إنجازه، حتى وإن كان صغيراً أو مهماً على أنَّه فشل أساسي وذريعة تفسد حلاوة النجاح، وقيمته رغم الجهد المبذول.... أضف إلى هذا الولع والاهتمام المبالغ فيه بالقواعد والقوانين واللوائح وحتى الشكليات على سبيل الجوهر والمضمون والمشاعر الإنسانية....
ربما وفي أحيانٍ كثيرة تكون الشخصية الوسواسية شخصية ناجحة، وهذا ليس بالأمر المستبعد، فتلك الشخصية تصلح إلى حد ما في الوظائف الإدارية والرقابية التي تستلزم قدراً من المتابعة، ورغم ذلك فقد تؤدي هذه الشخصية إلى مزيد من العزلة لصاحبها، والإحساس الشخصي بنفور الناس عنه/عنها لصعوبة إرضائها....
شيء آخر "لاحظته لديكم" وهو التأثير الواضح للتنشئة من الوالد، خاصة أثناء الطفولة والمراهقة.، طريقة التربية القائمة على الترصد والعقاب المفرط تولد عند الشخص المتلقي للعقوبة فكرة لا شعورية إنَّ هذا هو الطريق الأوحد للتهذيب والتربية، وإنه "كطفل" لم يكن سيئاً وإنما هذا النوع من التربية هو الأفضل والأوحد....
العلاج لاضطرابات الشخصية عموماً وللشخصية الوسواسية، ليس علاجاً طبياً فقط، وإنما هو علاج سلوكي ونفسي وجدلي بالأساس، أنصحك بمتابعة أحد الأطباء النفسيين لعلاج الأعراض المصاحبة، من قلق أو أرق أو اكتئاب، وترتيب بعض الجلسات مع أحد المعالجين النفسيين المختصين "باضطرابات الشخصية"، وأنا على ثقة في الله أولاً ثم فيكم في تقدم حالتكم النفسية للأفضل، لما لمسته منكم من سعي حثيث للنهوض بنفسكم وأسرتكم نحو حياه صحية وسعيدة....
تمنياتي أن أكون وفقت في مساعدتكم....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
واقرأ أيضًا:
الوسواس القهري والشخصية القسرية
طيف الوسواس OCDSD شخصية قسرية وسواسية
ويتبع >>>>>>: هل أستحق أن أكونَ أباَ مربياَ م. مستشار
التعليق: الحقيقة أشكرك يا دكتور محمد عبد الغني على الرد الجميل، وقد قرأته أكثر من عشر مرات في محاولة مني للاستبصار بحالتي،
وقمت بمراجعة أخصائي نفسي ووصف لي دوائين أحدهما سيبراليكس والآخر دواء لتنظيم ضربات القلب يبدأ بأحرف إنديكا لين ربما،
المهم أني لاحظت تغير ملموس في برودة الأعصاب وعدم الانفعال مباشرة، وراجعت الطبيب بعد أسبوع فأشار علي بالاستمرار ومراجعته بعد شهر،
لاحظت أمرا وهو أني لما تركت الأدوية يومين تقريبا عاد الانفعال السريع فرجعت بسرعة وتعهدت على نفسي بأني لن أقطع الأدوية إلا باْذن الطبيب،
الحقيقة الأخرى أن ذهني مزدحم ببعض الأمور المطلوب إنجازها وهي متراكمة كما أني لا أمارس الرياضة حاليا وسأعود إليها قريبا جدا وأسأل الله التوفيق وأن يعافيني من هذا القلق ،،