لا أفهم الحياة ولا الناس ولا أحاول أن أفهم؟
لا أعرف مِن أين أبدأ، ولكن سأحاول أن أوصل لكم قدر المستطاع ما يجولُ بداخلي؛ أعاني مِن اضطرابات في شخصيتي غريبة كالاكتئاب الشديد الذي قد يدوم أياما, أو اكتئاب مفاجئ بلا أسباب ثم يتخلله فرحٌ بلا أسباب أيضًا, أكره الغرباء في الحقيقة ولا أندمج معهم لكني لا أخشاهم. بمعنى أني في اللقاء الأول لأي من الناس تفكيري الأول هو أني بإمكاني تحدي تلك الشخصية وأنا أفوقها قوة في الشخصية والتفكير.
أتذكر أني تشاجرتُ مع بعض زملائي في الصف السنة الماضية (وأنا بالمناسبة لا أحضر غالبا وبالتالي لا أعرف منهم أحد) وكانوا أكثر مِن 6 فتيات لا أعرفهنّ وكان صوتهنّ يرتفع بالشجار لأني لم أستمع لإحداهنّ وهي تغني بصوتها المزعج, وكان صوت هاتفي عاليًا، قد أفحمتهنّ بكلماتٍ قليلة فلم يجدن ما يقولن .. وكنت أجلس واضعة ساقا فوق الأخرى بثقة كبيرة فوق المنضدة من المقعد؛
ومرة أخرى تشاجرت مع بعضٍ مِن كبار العائلة وكنت بنفس الوضعية ساقا فوق الأخرى وكنت أبدو مذهلة آن ذاك كما أخبرتني أختي, وبالفعل شخصيتي أقوى مما يتصور الناسُ عني في المواقف الأولى, أنا هادِئة أكثر مِن اللازم خجولة جدا وأكره النظر في أعين الناس الجنس الآخر بخاصة .. عِندما أضطر لفعل ذلك كي لا أحرج محدثي أضغط على يدي بقوة أو أقرصها كي أتحمل عبء ذلك.
في الفترة الأخيرة تغيرت أشياء كثيرة بي حيثُ أصبحت أميلُ للعزلة أكثر وأنفر مِن أصدقائي المقربين بلا سبب, لا أُبدي مشاعر على وجهي لو كنت سعيدة أو حزينة إلا ما أريد أن أوصله لِمن حولي, حتى الآن الأمرُ طبيعي لكن ما في الأمر أن غرابة شخصيتي تجعلني لا أفهم نفسي في كثير مِن الأحيان, أنا متيمة بأمي وأبي وأختيّ، أعشقهم، حبٌ مرضي بالأحرى؛ بالذات أختي الكبرى التي تكبرني بعام, أشعر أنها الوحيدة القادرة على أن تجعلني أواكِبُ الأجواء المحيطة وأبدي المشاعر التي تبديها نوعًا ما إن كنت بين الغرباء.
كان لدي امتحان اليوم وقبلهُ بأيام كنتُ متوترة لدرجة كبيرة فأنا أعشقُ علم الأحياء وعشقي لهُ جعلني أشعرُ أنه يكمل بعضا مني, وكنتُ أخشى فقدان هذا العلم بيد الدرجات التحصيلية التي ترغمني على دراسة مالا طاقة لي به؛ وقد كانت أختي تحدثني. لا أتذكر حقًا ماذا قالت ولكنها لم تقل شيئًا يثير الغضب فقط استفزتني في شيء عادي، فما أن خرجت مِن الغرفة حتى شرعتُ في الغضب والثورة حولت كتم غيظي لكني لم أقدر كما لو كانت غدتي الكظرية لم تستطع كبح جِماح الأدرينالين. رميتُ الكرسيّ بقوة ومزقت الأوراق ورميتُ بكل ما هو فوق المكتب على الأرض مِن ثمّ نمتُ على الأرض مدة، كانا والداي خارج البيت آن ذاك وحينما عادا حاول أبي الضغط عليّ كي أقول ما كان بي لكن حقا لم يكن هناك سبب يذكر.
مرة أخرى وقبل أن أحكي ما حدث سأقول أني أبالغ بالتعلق بالأشياء المادية كهذا السرير في هذا الموضع، ككتبي في تلك المكان, كان الجو حارًا وليس بغرفتي مكيف للهواء ورفضت أن أتحول لغرفة أخوتيّ وآثرتُ حرارة الجو والغرفة التي تشبه الساونا على أن أترك غرفتي لأنهم كانوا يريدون لي أن أترك غرفتي وليس فقط بصورة مؤقتة، قد تشاجرتُ مع أبي تلك المرة بطريقة لم أفعلها من قبل، دافعتُ عن غرفتي كأنها شخصًا حقيقيًا يعنيني بقوة، وما أن خلوتُ بحالي حتى دخلتُ الدولاب وجلست به مدة ربما خمسا وعشرين دقيقة في تيهٍ لا أشعر لماذا أفعلُ ذلك, وبعدها خرجتُ مِنهُ وبدوتُ أفضل مع نفسي أضحك لحالي ومِن ثم بكيت ومن ثم الضحك المبالغ فيه وهكذا.
دائمًا ما أحب أن أجلس بالزوايا وتداهمني فكرة الجلوس في علبة.. كأن أنطوي عن العالم بصورة أو بأخرى وعلبتي هي غرفتي؛ قبل أن أتعلق بتلك الغرفة بل وقبل أن نأخذ الدور العلوي في بيتنا كنتُ أنزل مكان غرفتي القديمة في الظلام وأجلس مكان سريري وأبكي على فقدان هذا الرفيق والآن عِندما تحرك أمي عفش غرفتي من اليمين إلى اليسار مثلا أو مِن تلك الزاوية لأخرى أشرعُ في اكتئابٍ حاد وبكاء في خلوة مستمر ونوم ساعات متواصلة قد تتعدى الـ 18 ساعة, وعدم ممارسة أي واجبات على الإطلاق، بل وأني عندما انتقلنا للدور العلوي حيثُ غرفتي مرضت فترة كبيرة وعانيت من الضغط المنخفض جدًا وضربات قلب متزايدة وعانيتُ حالة من التشنج مرةً واحدة, وتم تشخيص ذاك بعدها أني فقط أعاني مِن انزلاق في الصمام الميترالي.
لدي الكثير مِن الاهتمامات والهِوايات حيثُ كنتُ أفضل مَن يرسم في الصفوف الأولى في الصغر لكني كرهت الرسم بعدما مزقت أمي لوحةً لي كعِقاب بعدما عنفتُ أختي الصغرى التي كانت في عمر السنة آنذاك وكنت أنا في الصف السادس الابتدائي، وقد بكيت بشدة آنذاك فشعرت أمي أنها أخطأت حيال ذلك فطلبت مني إعادة رسمها فحاولت ولم أستطع. ومِن يومِها وأنا كرهت الرسم ولم يعد يستهويني وتوقفت قدراتي تدريجيًا به وشبه تركت رغم قدرتي وامتلاكي الموهبة.
كنتُ ذكيةً جدًا في الرياضيات عِندما كنتُ في الابتدائي وحتى الصف الخامس مِنه ذكية جدًا، ذكية بشكل ملحوظ، كحل امتحان كامل في أقل من العشر دقائق مثلا، وكان لدي قدرة على أن أحل دون الشعور بمن حولي كان أغرق فيما يستهويني فقط... ولكن كان لدي معلمة كانت تعنفني وتضربني بقسوة وتطلب مني ألا أستخدم يدي في العد لأن هذا شيء يفعله الصغار وذلك عندما كنت أحلُ على السبورة أمام زملائي - الذين كنت لا أندمج معهم إلا صديقة واحدة - وكنتُ أتوتر ولا أستطيع ولا أتذكر ما حفظت مِن جدول الضرب.
كرهت الرياضة وتسبب لي كل ما رأيت المعلمة دقات قلبي أنوكةً عاجزة أمام تلك المرأة التي كنت أرها شبحًا، وتعرضت منها بضربٍ مهين, وتعرضت من كثير مِن الأساتذة غيرها أيضًا ولكن بعدما صار الأمر اعتياديًا فلم أكره سوى الرياضيات وحتى الآن إن واجهتها في امتحان أعجز عن الحل أو حِساب أقل الأرقام بالأخص عِندما أكون أمام الناس فأصبحت فوبيا بالنسبة لي، وأكره أن أضطر لحساب مبلغ ما في ظرفٍ ما كالسوبر ماركت مثلا؛ لم أك أحكي لأهلي على ما أتعرض مِن إهانة في مدرستي خوفا مِن أن أكن أنا المخطأة حيث كنت أشعر أنهم سيكونون في صف أساتذتي والآن عندما أحكي لأمي تنصدم مِن تلك الخفايا المريعة.
حتى الآن لا أستطع أن أحصد درجاتٍ عالية رغم عشقي للعلوم بشكلٍ عام, وأشعر بحالة مِن البلاهة تجاه أي مؤثر خارجي، كأن لا يترجم مخي الأمر لينفذ بسرعة, فأنا عِندما أذهب لكي أصنع كوب شاي مثلا .. أمسك الملعقة وأتوه ثوانٍ، ثم أضع بها السكر ثم أقربها مِن الكوب وأفكر مرة أخرى في تيه وتردد، هل هذا يا آان ما كنتِ ستفعلينه أم ماذا؟!
أشعر أني في يومي العادي أواكِبُ شخصية مختلفة كل يوم مِن شدة غرابة مِزاجي الذي يعكر صفوه أشياء لا تجعلك تحزن أو لا تجعلك تبكي في خفية, فأنا حساسةٌ جدا جدا، وأحرص في انتقاء الكلمات للناس كي لا يعتادوا علي والكلمة العادية قد تؤذيني.
لا أشعر بالفرح مِن الأشياء التي يشعر بها الناس ونظرتي سوداوية تجاه مفاهيم السعادة في الحياة، ودائمًا ما تسيطر عليّ فكرة الموت وأن فكرة البحث عن السعادة لا داعي منها فأننا سنموت عاجلًا أم آجلًا لا محالة وهذا ربما السبب الجوهري مما أعاني مِن اكتئاب؛ فقد تريني أختي صورة لِمكان جميل وتبدو متحمسة لزيارته، وأتسائل ما الحلو في الذهاب لهناك؟؟
فمثلا ما السبب الذي يجعل الناس فرحين لمجرد خروجهم مِن المنزل؟ يتنزهون أو يتسوقون أو حتى يسافِرون، ما الجميل في ذلك؟!
أنا رغم ذلك طموحة في العلم وأن أكون شيئًا؛ لكن الفكرة دائمًا ما تتبدد لعدم مقدرتي على ممارسة الشيء عادةً تحت القوانين, فأنا لديّ قوانيني المستقلة, وعالمي المستقل، وأفكاري وشرودي, ففي ذهني عالمٌ لا يراه أحدً سِواي, فأنا أعجز عن التركيز المستمر عجز قدرة الإنسان على الطيران!
دائمًا أن الجميع ضدي ويضهدني بلا أسباب, ولا أشعر أني أتمنى أن أصلح هذا الأمر وأحاول أن أحب الناس وتكوين العِلاقات، فمثلا أنا لا أرى في أي شابٍ غريب عني أي دافع كي أعجب به, والفتيات لا أرى من المقابلة الأولى أن تلك تصلح لأن تكون صديقة لي حيث أني لا أفكر في هذا أبدا، أنا أتحاشى الغرباء وحسب حيث لا أريدهم في حياتي لأني لا أريدهم فقط؛
لا أستطيع التعبير عن أحاسيسي وشعوراتي بشكل عام -إلا بالكتابة-؛ ولكني رغم انطوائيتي عن الناس أعجب أن هذا الأمر يجعل الناس يلتفتون حولي إن سنحت الفرصة بذلك ولا أتقبل إلا القليل مِنهم إذ وجدت فيهم شيئا يشبهني لكني لا يتحدى ذلك حد الكلام العادي لا صداقة ولا تبادل أرقام بعض وما إلى ذلك, وقالت لي زميلة مرة أني مميزة في كل شيء. لم أفهم قصدها فأخبرتها كيف؟
أجابت: مظهرك وتفكيرك وطريقة الكلام وملابسك بالذات؛ أرتدي ملابس عادية ولكني أبالغ بتنسيق الألوان فقط, وقد قال أستاذ الكيمياء لأبي -لم يقل أمامي- أني ذكية جدًا وكما (مش ممكن، بنتك ذكية جدًا!) أنا لم أبد ذكاء أبدًا في الكيمياء في الحقيقة ولا أتحدث خارج إطار الدرس فكيف لهُ قول ذلك.
لا أرى نفسي ذكية. أراني عادية ولا أرى سبب يجعل الناس تلتفت حول طريقة حديثي أو ينصتون عِندما أبدي برأيي وما إلى ذلك، رغم أني أتحدث بعناء أمام الناس وتزيد حرارة جسدي كثيرًا وإن نظرت لأعين أحد لتلعثمت فأتحاشى النظر. أتمنى أن أتحرر مِن الاكتئاب الذي يصيبني ويجعلني دائمًا في أسوأ الظروف وفي آخر الصفوف في كل شيء وأن أتحرر مِن هروبي مِن الحياة بالنوم ما أستيقظ إلا لأداء الصلاة المفروضة التي مبرمجة على القيام بها أو قضاء الحاجة وأحيانًا لا آكل.
قد علمتُ مِن أمي أني في صغري كانت تضع أي طرحة على وجهي ولا أقاوم كالصغار ولا أفعل أي انتباه لهذا المؤثر أصلًا، وأتذكر أني كنتُ أمشي على أطراف أصابعي فترة طويلة وكانت تجبرني أمي كل ما رأتني أن أسير بطريقة عادية حتى أصبحت أفعل.
بحثت كثيرًا عن سبب تعاستي واكتئابي الغير مبرر وتقلبات المزاج والانطوائية المحببة لي وكره الغرباء غير المبرر وعدم الاستجابة للمؤثر الخارجي والحساسية المفرطة وكفرط التعلق بالأشياء والشرود والتيه؛ وقد خمنتُ أنها طيف من التوحد لكني لا أجد نفسي هكذا، لأن مريض التوحد هكذا شعوره دائمًا أما أنا فلست دائمًا في تلك الحالة إنما غالبًا يأتي الاكتئاب على هيئة نوبات, وأن مرضى التوحد كتوحد متلازمة أسبرجر (لم أعاني مِن تأخر في النطق بل نطقت أسرع من المتوقع) يتمنون التحرر مِن هذا ويتمنون أن يفهمون الغرباء، أما أنا فليس مشكلتي مع الغرباء هو عدم فهمهم بل نفوري الغير مبرر مِنهم وعدم قدرتي على تحمل أحاديثهم وأحيانًا بعض من الازدراء أيضًا.
مشكلتي الكبرى أني لا أرى السعادة إلا في أهلي فقط ولا أعلم ماذا سوف يحدث إن حكم القدر التفريق بيننا. أخشى حينها أن أتعرض لأشياء لا طاقة لي بها, وأنا أتمنى أن أرى السعادة شيئا يستحق السعي له وأن لا أرى العالم خلف تلك الحواجز العالية, حتى أني قد حذفت حِسابي على الفيسبوك نفورًا مِن أي شيء يتجمع فيه الناس رغم أنهُ كان الوسيلة الوحيدة لمقابلة العالم بلا قيدٍ أو خجل.
أتمنى أن أعلم هل ما أنا فيه طبيعي؟ هل أعاني مِن شيء يصنع هذا الحاجز بيني وبين الحياة وزهدي البالغ بها وأنا في عمر صغيرة جدًا فماذا إن بلغت الخمسين أو الستين. أخشى المستقبل كما يخشى الطفل ساحة المعركة’ وتسيطر علي -حديثًا- فكرة أن كل ما يحدث ربما وهم أنا غارقة به, رغم كثرة الحقائق الملموسة والمحسوسة.
يأتي السؤال هنا ببساطة، كيف أعيش؟ وهل أعاني مِن شيء؟
كيف أتقبل فِكرة الحياة ومواجهتها؟ كيف أشعر أن السعادة أمر يستحق السعي له؟ فسعادتي تتلخص في جلوسي في تعاسة أو في غرفة مظلمة بها ضوء خافت أتأمل اللا شيء أو أسرح في حلم يقظة عميق، وليس لهُ مِن الواقِع أي سبيلا!
آسفة جدا للإطالة.
17/6/2016
وفي اليوم التالي أرسلت تقول:
استطراد على موضوعي السابق
آمل أن لا يقرأ أحد مشكلتي لا تلك ولا التي تسبقها.
أعتقد أني عندما كتبت مشكلتي بالأمس كانت ناقصة (ولا أدري أين ذهبت مشكلتي فلا أجدها مطلقًا على الموقع)، وآمل أن لا أنسى شيء تلك المرة.
قد عانيت من مدة من الوساوس التي بدأت مِن 3 سنوات تقريبًا، لكنها الآن بدأت تختفي ويظهر ما حكيته في مشكلتي السابقة, الوساوس تتمثل لي في أني أسمعُ صوتًا في رأسي يدعي عليّ مثلًا، أو على أهلي بالموت أو بالشر, وفي الفترة الأخيرة بالمساس بالكلمات في الذات العليا - الله- فأصلي وأبكي لهُ لأني حقًا لا أتحكم في ذلك مطلقًا ولقد عانيتُ مِنه مدة طويلة (استعذت بالله مِن الشيطان وبالتقرب لله أكثر لم يجدي) وبمجرد تذكر الأمر والمعاناة أسمع تلك الوساوس مجددًا.
كنت دائمًا أرى كوابيس تتمثل في اعتداءات من أشخاص غرباء لا أعرفهم مطلقًا أو أشباح، لكن غالبًا لا أفزع رغم قباحة تلك الكوابيس!
في الحقيقة أنا في الطبيعي أفتقر لإحساس الخوف الفطري وأحيانا أخرى أكون جبانة لأقصى حد مِن أشياء لا أخاف مِنها ولا أخشاها! وكما ذكرت مسبقًا إحساس السعادة أيضًا وضحكاتي مع أي أحد دائمًا ما تكُ مجرد مجاملات لا أكثر.
غير أني أحبُ الروتين، الروتين الذي أخلقهُ أنا دون إجبار من أحد, وأني أحيانًا أظل أكثر مِن ساعتين أحاول فعل نفس الشيء بنفس الطريقة بلا ملل معتقدة أنهُ سوف أحصل على نتيجة، ولا أكتشف ما أفعل إلا بعد مرور الوقت. أنا حقً لا أشعرُ بالوقت وأضيع ساعات وساعات في فِعل فِعلٍ مكرر كشيءٍ على جهاز الكمبيوتر أو مذاكرة أو الشرود الذي يجبرني على السفر في عالمي بلا شعور كيف مر الوقت بلا أي شعور به!!
كثيرًا ما أتوهم أن أحدًا ما يراقبني, فأسد كل فتحات الباب عند جلوسي بمفردي وكل الشبابيك والثغرات وأتأكد مِن ذلك ولا أنسى فِعل ذلك فإنه جزء مِن روتيني قبل الاسترخاء أو المذاكرة أو أي فعل، وغالبًا ما أضيع وقتي في أشياء ساذجة كتصور متى سأموت أو البكاء على فكرة فقدان أهلي, أو رسم عالم آخر ومواقف لن تحدث أبدا, على الرغم مِن أني أكره الأماكن المكتظة بالناس وأكره الغرباء إلا أني أحيانًا أبدو وكأني طبيعة تمامًا واعتيادي على الناس يتطلب مِن ستة أشهر لسنواتٍ عديدة.
أشعر بإن عقلي يكبر كل من حولي، فأنا حاولت اختراع دواء للسرطان دون أن أتجاوز الحادية عشر وكنت شغوفة بهذا العلم ويعتقد أستاذ الأحياء أني رهيبة وممتازة ولا أعتقد إلا أني عادية ولا أدري ما سبب مبالغته فأنا مذاكرتي -رغم أني أجلس على الكتاب طيلة اليوم- لا تتعدى ساعة واحدة بتركيز، ولا أدري أين وقتي وأين أنا مِنهُ في الحقيقة.
لا أهلوس كثيرًا، لكني أذكر أني كنتُ أجبر نفسي مرة على النوم وأغمضتُ عيني وكان عقلي مستيقظا جدا، وشعرتُ وكأن أحدا ممسكا بأطراف السرير يهزه وأذكر أن السرير اهتز فعليًا! حتى أني أعتقد أن إحدى أختيّ تسللت للغرفة لمضايقتي وعِندما جئت أعنفها بالقول لم أجد أحدًا! ففزعتُ كليًا تلك المرة.
أما الهلوسات العادية فلا تتعدى سماع أصوات عاجية كصوت السلم وكأن أحدا يصعد عليه ولا أحد أو الشعور وكأن خلفي شخص وأنا وحدي بالغرفة ومرة سمعت شيئا وأنا أذاكر وحدي يسقط ورق، صوت ضئيل جدا وكأن هناك حشرة ارتطمت بالورق فخيلت لي حركتها وكان الورق ساكنًا ولم أجد أي حشرات طائرة بالغرفة، لكني رغم ذلك لا أعتبر ذلك هلوسة فأنا لا أخشى ذلك غالبًا. وإن شعرت أن أحدا معي بالغرفة -أشعر بذلك كثيرًا- أطلب مِنهُ الظهور حتى أقنع نفسي بأنهُ لا أحد وأني أملك خيالا واسعًا وحسب.
أما عن السبب الرئيس الذي دفعني لكتابة هذا الآن، حيثُ أني في الصباح قرأت حكاية خرافية عن أنسي وجنية فعشتُ جو الحِكاية وظللت أسمع صوت يحدثني برأسي وخيل لي أنهُ جني وأخبرته -في مخيلتي- أني سأنام وإن كان حقا فليأتِ لي بالمنام! لكن لم يحدث شيء وتعجبتُ كليًا مِن فرط قناعتي بالأمر عندما استيقظت.
أنا أشعرُ أني كتلة من الغرابة ولا أريد إلا تفسيرًا منطقيًا لما يحدث لي وحسب! هل هذا طبيعي؟!
(بالمناسبة لم أتعرض لفقدان أحباء الحمد لله، لكني رغم ذلك عندما فقدت أعزاء لقلبي كجدتي مثلا أو أي موقف محزن حدث لأحد لا أبكي ولا أبدي مشاعر مطلقًا، حتى أنا أتعحبُ لذلك, ولم أصبح حساسة جدا من كلمات الناس حتى أهلي -لكني لا أبكي أمام أحد- إلا مِن أقل من عدة أشهر حتى أنا نفسي أتعجب مِن فرط حساسيتي التي لم أعتد أن أكون هكذا مِن قبل).
بدأت أشعر أن أصدقائي لا يحبونني عندما أحدثهم، رغم أن سلوكهم هو السلوك ولا أدري من أين أتى هذا الإحساس ولذلك أصبحت أملك بعض النفور غير المبرر مِنهم أحيانًا. سلوكياتي الغريبة هي القراءة والبحث في أي شيء بالأخص العلوم المحببة لي وأفضل فعل ذلك على الدراسة وأنا مولعة بالبحث والقراءة عن المعلومات.
طولي 160 وزني 50. لم أفكر في الانتحار إلا مرة واحدة حينما اشتدت بي حالة مِن الاكتئاب غير المبررة (لم أفكر أن أنتحر ولكن فقط تهاونت في الفكرة وأن أصحابها لهم العذر رغم عدم قناعتي المطلقة بذلك) ولكن عقلي وديني وكل شيء يمنعاني. لا أستطيع ممارسة دراستي لا أملك القدرة النهائية على التركيز رغم قدرتي على الفهم والاستيعاب، أتمنى حلا!
2016/6/18
رد المستشار
أختي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
تمنياتي لك بدوام الصحة والسعادة والخير. قرأت باهتمام وتمعن رسالتك الطويلة، وأحسست كثيرا مدى المعاناة والحيرة الموجودة في طيات الكلمات ظاهرة تارة ومبطنة تارة أخرى. لا أخفيك سرا أن زيارتك لطبيبك النفسي أمر محسوم لا فصال فيه عندي، ولأن قلت غير ذلك فسأكون قد خالفت ميثاق شرفي العلمي والمهني، كما أن هذه الزيارة ستكون سببا رئيسيا في تغيير مسار حياتك ونقطة فاصلة لما قبلها وبداية لما بعدها إن شاء الله.
أما عن انطباعي المبدئي بناء على كلماتك فهو خليط من الأعراض المزاجية أو ما يعرف بالاضطرابات الوجدانية إلى جانب الأعراض الذهانية. لنبدأ بالأعراض الوجدانية لديكم وهي شبيهة بما يعرف علميا بالاضطراب الثناقطبي وهو نوبات متكررة زمنيا تتراوح الأعراض أثناء النوبات بين الاكتئاب (كالحزن والبكاء الشديدين والميل للعزلة واضطرابات النوم والشهية وعدم الرغبة في الكلام والزهد إلى آخره)، وأحيانا تأتي الأعراض على النقيض (الكثير من الفرحة والإحساس بالنشوة والثقة الزائدة مع الرغبة أو الإحساس بالقدرة على تحقيق إنجازات كبيرة في أوقات قصيرة وغالبا ما تكون واقعية ويكون ذلك مصحوبا برغبة ملحة في الكلام والنشاط الحركي وعدم الرغبة في الراحة والنوم).
أما الأعراض الذهانية فهي مزيج من كل أو بعض الأعراض كالهلاوس السمعية أو البصرية أو التحسس من الآخرين والإحساس المفرط بالاضطهاد أو المراقبة أو الامتلاك الشخصي لقدرات فوق العادية دون الآخرين وغالبا لن تكون هناك دلائل أو إجماع لدى الآخرين على ذلك، أضف إلى ذلك بعض التصرفات أو الأفعال الغريبة وغير المبررة من الشخص ذاته.
أميل دون الجزم بأن ما تشكين منه هو مزيج من الأعراض الوجدانية والذهانية، وهذا الأمر بالتأكيد قابل للعلاج والتحسن بإذن الله إذا قررت زيارة ومتابعة طبيبك النفسي والمواظبة على العلاج والجلسات النفسية، وأنا لدي ثقة كبيرة في الله ثم في نضوجك العقلي وسعيك الحثيث نحو الحياه الصحية السليمة، وأتوقع منك تغيرا جديدا وحاسما وللأفضل بكل تأكيد إذا بدأت مع طبيبك رحلة العلاج والتعافي بإذن الله تعالى.
واقرأ أيضًا:
أعراض ذهانية وجدانية مختلطة؟؟ Schizoaffective??
اضطرابات وجدانية ذهانية Affective Psychotic
اضطرابات وجدانية: هوس واكتئاب Bipolar I
اضطرابات وجدانية: هوس خفيف واكتئاب؟ Bipolar II
اضطرابات وجدانية مختلطة Bipolar, Mixed