الوسواس القهري أتعبني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مصابة بالوسواس القهري.
في البداية كان بسيطاً ليس كما هو الآن، كنتُ في وساوس النظافة، ثم التدقيق في كل شيء والتأكد من الأشياء كالأبواب والأشياء، وهكذا ثم جاءَ إلى وضوئي وصلاتي، ثم وصلَ لوسواس متعب وشديد جداً، وهو وسواس العقيدة وتخيّلات وأفكار، لا تليق بالله سبحانه وتعالى، والآن وصل إلى شبهات، أريد التخلص منها ولكن دون فائدة للأسف.
أصبحت مقتنعة بها، وأبحث عن أجوبة لها، ومازلت لست مطمئنة، وأحاول أن أبحث عن ما يزيلها دون فائدة، وأتألم منها، وأخاف من ربي، وقرأت تفسير القرآن، والحمد لله استفدت، وأزيلت شبهات كثيرة، فأنصح كل من به شبهات أن يقرأ القرآن وتفسيره. ولكن توقفت ولم أكمل للأسف، وأيضاً سأعيد صيام رمضان كاملاً بسبب الوساوس، ولأنني ظننت بأنني خرجت من الإسلام، وسأعيده، والآن تذكرت يوماً في رمضان الماضي، فعلتُ شيئاً، ولكن لست متأكدة هل انتقض صيامي، وأيضاً سأصوم ثلاثة أيام، يوم شكيت فيه، ويومان آخران، حتى إن كان في يوم أفطرت دون علم وسأدفع كفارة لهذه الأيام لأنني أخرتها مع أنني نسيتها، وأيضاً لستُ متأكدة هل فعلاً حدث ناقض للصيام.
ولكن أقنعت نفسي أنه شك، ولست متأكدة ولكن أخاف أن أموت وأحاسب على هذه الأيام، لأنني لم أصمها، وأيضاً الآن تذكرت أنَّها أصابتني شبهة في الماضي، لا أتذكر وقتها بالضبط، وأتذكر أيضاً أنني كنت أسأل نفسي عنها، وأحاول أن أجيب، ولكن كنت أطنشها، وفي نفس الوقت أتوقع أنني صدقتها، ولكن لم أكن أعلم أن هذه الشبهة التي اتتني من نواقض الإسلام، أي أنَّ من يكذب الشيء هذا يكفر.
والآن أنا محتارة جداً، هل أصوم صيام السنين الماضية، أخاف أن لا أصومها وأحاسب عليها بعد موتي وأخاف أيضاً أن أصومها، ويبدأ الشيطان يذكرني لأشياء أخرى، وتبدأ وسوسة جديدة، وأيضاً صعبٌ جداً أن أعيد صيام كام سنة، لا أعلمها، وأنا صمتُ السنين الماضية بعد بلوغي الحمد لله كاملة وأؤدي صلواتي ولله الحمد ولكن لا أعلم هل أعيدها لأني قد أكون كفرت، وأنا لا أعلم، أيضاً الشبهات كيف أزيلها بعد دخولها قلبي، وللأسف صدقتها، وأبحث عن ما يزيلها، مع أني أتالم منها، وأنا متأكدة من عدل ربي، ومن حكمته في كل شيء، ولكن لا أعلم كيف أزيل هذه الشبهات.
هل كفرت، هل أعيد صيام السنين السابقة، مع العلم أني صمتها كاملة، وصمت القضاء.. أخبروني سريعاً ولا تعطوني رابط لاستشارات قريبة من استشارتي، أريد أجوبة على أسئلتي تريحني، وجزاكم الله خير.
أستغفرالله العظيم، وأتوب إليه.
لا إله إلا الله محمد رسول الله.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
28/8/2016
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "سوسو"؛
أعانك الله وعافاك يا بنيتي، ما تتكلمين عنه من شبهات امتداد أو جزء لا يتجزأ من الوساوس، حتى لو خُيّل إليك أنك صدقتها. تعرفين الحديث النبوي الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ». فالشيطان هنا إنما ألقى شبهة: من خلق الله؟ ورغم أن الواجب -في الحالة الطبيعية- البحث عن إجابة الشبهات وإزالتها، فإنه –وكما ترين- لم يكن الدواء النبوي للموسوسين إعطاء جواب عن: من خلق الله؟ وإنما الدواء الاستعاذة والإعراض عن التفكير دون البحث عن إجابة!!!
تبحثين: ولكن (دون فائدة) و(لست مطمئنة) مع أنك (خائفة وبحثت كثيرًا) هذا لا يعني إلا أنه وسواس، لا فائدة من علاجه بالبحث الكثير.
إذن: أنت لم تكفري، وليس عليك إعادة الصيام. وإذا كان غير الموسوس، لا يكفر بمجرد الشبهة، ولا بمجرد قول أو فعل شيء ناقض للدين إلا بعد أن نتأكد أنه لا عذر لديه، وبعد أن يناقَش ويجادَل فلا يقبل ويبقى على رأيه؛ فما بالك بموسوس له عذر قوي يقف حائلًا دون كفره؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه: (فقد يكون الفعل أو المقالة كفرًا ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا، فهو كافر، أو من فعل ذلك، فهو كافر. لكن الشخص المعيّن الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار، لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط أو لثبوت مانع). وهل تريدين مانعًا أقوى من الوسواس الذي لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبحث عن جواب له؟؟
أمر آخر: احفظي هذه القاعدة الفقهية وطبقيها على كل شيء في حياتك: اليقين لا يزول بالشك.
لست متأكدة أنك خرجت من الإسلام: إذن أنت مسلمة. لست متأكدة من حصول ما يبطل صيامك: إذن صيامك صحيح. لست متأكدة من نجاسة شيء: إذن هو طاهر. لست متأكدة من بطلان صلاتك: إذن صلاتك صحيحة.... وهكذا في كل شيء.
إياك أن تعيدي صومك مهما شعرت بالقلق، غدًا إن سألك الله يوم القيامة، أجيبي: يا أرحم الراحمين، أنا موسوسة، وعلمنا نبيك ألا نعمل بما يأمر به الوسواس، وعلمتنا ألا نعمل بالشك، وأمرتنا أن نسأل حين لا نعلم الحكم، وقمت بواجبي وسألت، ورفيف الصباغ قالت لي ألا أعيد الصوم، فحاسبها هي!
أيضًا توقفي عن البحث عن ردٍ لشبهاتك، إن سمعت في الدروس العلمية الشرعية، أو عن طريق الصدفة، ما يجيب عن تساؤلاتك، فمرحبًا، وإلا فلا تتعمدي البحث عن الحل، إذ المفروض ألا تفكري في الشبهة الوسواسية أصلًا.
أخيرًا يا بنيتي: باعتبار أن الوسواس جاءك منذ الطفولة، وما زال يزداد سوءًا، فمن الخطورة بمكان أن تتركي نفسك بغير طبيب وعلاج، وإلا ستصلين إلا مراحل لا يجد لها الشرع ولا الطب حلًا، وستنقلب حياتك إلا جحيم.
بادري فورًا بالذهاب ولا تتأخري، وفقك الله، وأراح بالك، وعافاك