لا أدري من أكون
كانت طفولتي غريبة فلقد شاء الله أن أولد في يوم ضرب الزلزال فيه مصر وحدثت أشياء عجيبة في قريتي الصغيرة منها أن إحدى قريباتي رأت رسول الله في رؤياها يوصيها بأن تقترح عل على أبي إسمي الذي سميت به بعد ذلك، كان والدي سعيدا جدا فلقد رزق بالولد الذي كان يتمناه ومرت الأيام كعادتها وحزن أبي وأهلي لما علموا بأني لا أملك القدرة على النطق. إنها كما علمت بعد ذلك قد تكون إحدى حالات التوحد كنت متوقد الذكاء سريع البديهة قوي الذاكرة كثير الآمال والطموح ولكني لا أقوى على الكلام وكنت أصاب في كل عام في شهر ابريل بحمى شديدة جدا استمرت معي حتى سن العاشرة تقريبا.
استطعت النطق والكلام في سن السادسة عقب التحاقي بالمدرسة وكما هي عادتي ظهر تفوقي على باقي زملائي وتفجرت لدي موهبة الشعر والتأليف القصصي وغيرها، لكن العجيب أن هذا الطفل الذي لم يكن يمتلك القدرة على النطق بعد أن تكلم أصبح فصيحا يهوى الكلام إلى حد جعله خطيبا بارعا منذ صغره يقدم في الندوات بالمساجد والمحافل على أنه الطفل المعجزة، في صغري أيضا كنت إلى حد ما انطوائي ولعل سبب ذلك أن طريقتي في التفكير لم تكن تتناسب مع أقراني وزملائي بالمدرسة.
منذ طفولتي وأنا أشعر شعورا غريبا بأنني خلقت لكي أكون شيئا عظيما لدرجة أنه كانت تنتابني دائما منذ الصغر مشاعر بأني سأكون في يوم ما حاكم عظيم أو زعيم خالد وكانت هذه أمنيتي منذ الطفولة. كبرت وكبرت معي آمالي وأحلامي ولكني تحولت من شخص انطوائي إلى شخص إجتماعي يألفه الجميع ويعرف الجميع وسعدت كثيرا بالشهرة التي حصلت عليها في القرى المجاورة لقريتي نظرا لأني كنت خطيبا بارعا ارتدت الدعوة إلى الله في المساجد.
مجموعي في الثانوية أهلني لكلية الهندسة لكن والدي كان له رأيا آخر فألحقني رغما عني بإحدى الكليات التي كانت تقبل بأقل مجموع، لم أكن أحب دراستي في بداية الأمر لكني بعد ذلك أحببتها وقررت أن أتفوق فيها وتشكل لدي حلم بعد ذلك أن أكون معيدا في هذه الكلية. تخرجت من كليتي وكان ترتيبي الاول على الدفعة وسعدت كثيرا لأني سأحقف البعض من أحلامي وسأصبح معيدا بالكلية، فرح أهلى وأصدقائي ومعارفي الكثيرين جدا وخلع الجميع علي لقب دكتور، ولكني بعد ذلك تعرضت لظلم شديد ولم أحصل على حقي ولم أعين معيدا بالكلية بل عينت موظفا بها ضمن مشروع تعيين أوائل الخريجين في الجهاز الإداري للدولة.
حالتي الآن شخص مشهور جدا في بلدي والبلاد المجاورة لها يظن معظم الناس أني معيدا بالجامعة وتتم معاملتي من الجميع على هذا الأساس ولا يعلمون أني موظف أتقاضى راتبا لا أستطيع العيش به أبيت كل ليلة في عذاب بسبب حلمي الذي ضاع مني وأموت بداخلي كل يوم أذهب فيه لعملى الذي أرى فيه زملائي الذين كانوا يرجعون إلي أيام الدراسة لأشرح لهم ما استصعب عليهم فهمه أراهم اليوم وقد حققوا آمالهم وأصبحوا يدرسون بالجامعة أما أنا فأجلس في مكتب شئون العاملين حتى أكتب لهم استمارات رواتبهم الأعلى مني بكثير.
أما أصدقاء الثانوية فمنهم من التحق بكلية الهندسة وبعضهم بكلية الطب واستقرت حياتهم بعد التخرج وحصلوا على فرص عمل جيدة أما أنا فأعيش في حيرة من أمري فأهل بلدي ومعارفي يظنون أني معيدا بالجامعة ولا يعلمون حقيقة أمري وكل آمالى وطموحاتي تنهار أمامي كل يوم.
أجلس مع نفسي وأبكي وأدعو الله وأجلس مع الناس في المجالس العرفية لأحل لهم مشاكلهم. لا يوجد معي مال وأتعامل على أني أستاذا بالجامعة، يعطيني الجميع أكثر من قدري الدنيوي وأنا أعلم حقيقة نفسي. لا أستطيع الإقدام على خطوة الزواج حتى لا تهتز صورتي أمام الناس.
مشغول الفكر ومضطرب النفس بسبب الظلم الذي وقع علي وحرمت بسببه من حقي في التعيين، أحيانا أجد إيماني قد اهتز بداخلي على ما انا عليه الآن ولكني حزين بسبب ذلك كثيرا جدا.
أشعر بضنك شديد بداخلى وأبتسم للجميع في نفس الوقت
يقدمني الناس لأكون بينهم مصلحا اجتماعيا وقاض عرفي ويقدرني الجميع وفي الصباح أذهب لعملي الذي لا أتقاضى منه مبلغا يكفي لضرورات حياتي فمكان عملي بعيد جدا عن مكان إقامتي.
أعيش بفقري هذا وضعفي وأنا لا أزال يراودني حلمي القديم الذي يعيش معي منذ الطفولة في ان أكون حاكم او زعيم خالد.
أرجوكم أفيدوني فأنا الآن أشعر باضطراب نفسي وغضب شديد ينتابني لكني أخفيه بداخلى ومرارة صعبة أتغلب عليها بابتسامتي الهادئة.
أرى كوابيسا مفزعة وناقم على الكثير من أوضاع بلدي وأشعر بخيبة الأمل وأعيش بشخصيتين شخصية الدكتور صاحب الوجاهة والريادة وشخصية الموظف الذليل
12/10/2016
رد المستشار
صديقي؛
لا أدري كيف تعرضت للظلم في حين لم يتعرض له كل الآخرين من قريتك، على أية حال، فإنه من المستحيل أن تستمر فيما أنت فيه بدون الشعور بالغضب والاضطراب والاكتئاب، السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف لم تخبر أحدا بالظلم الذي أحاط بك ولماذا تركتهم يعتقدون أنك معيد في الجامعة؟؟؟؟؟؟
من المهم الآن أن تصلح الوضع وأن تقول الحقيقة.. قد تريد تجميلها قليلا ولكن هذا لن يفيد.
من صفات القادة العظماء أن يتحملوا المسؤولية وأن يكونوا على قدر عال من النزاهة والصدق، لقد تأقلمت جيدا مع رغبة أبيك المخالفة لرغبتك في الدراسة وهذا، يدل على مرونة وجلد على مرتبة عالية، وهذا من صفات القادة العظماء أيضا.
التعيين في الجامعة ليس هو غاية الغايات أو نهاية مطاف العلم أو النجاح حتى تعتبر أن آمالك وطموحاتك قد ماتت بلا رجعة، استخدم مرونتك في البحث عن كيفية
أخرى تحقق بها أهدافك وطموحاتك. مما لا شك فيه أنك قد خلقت لكي تكون شيئا عظيما، كلنا كذلك لأن الله قد نفخ فينا من روحه، الفارق بين الناس هو إلى أي مدى وبأي كيفية يستخدمون هذه الروح الإلهية والقوة الخلاقة بداخلهم.
ما هي طموحاتك وأحلامك الحقيقية؟ أهي فقط أن تكون مرموقا في نظر الآخرين في بلدتك الصغيرة؟ أهذا ما تلخص فيه حياتك وإمكاناتك؟
أنصحك بمراجعة موقفك مع نفسك وأن تكون قائدا عن حق وأن تتحلى بالشجاعة وتصدقهم القول، ليس هناك ما يشين في أن تكون موظفا ولكن العار كل العار هو أن ترضى وتستكين لحجم الوظيفة وتمضي بقية حياتك في لعق جراحك سرا.
يمكنك أن تكون قائدا وعظيما بدون منصب المعيد، فكر في هذا وقرر ما هو ثم ابدأ في التنفيذ فورا بأبسط الخطوات المتاحة. مثال: تريد شراء سيارة وليس لديك المال، حدد مواصفاتها ثم اذهب إلى معرض السيارات في بلد غير بلدتك وجرب الجلوس في السيارة التي اخترتها ومناقشة البائع في السعر والكماليات... ثم تبدأ في التفكير في كيفية كسب المال لشراء السيارة بعد ذلك... هذا بالطبع إن أعجبتك.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب