طوق النجاة
أشعر باليأس من الحياة وكأنني أخوض معركة أعرف جيداً أنها خاسرة، لا يثير اهتمامي شيء تقريباً، أشعر بالبرود وانعدام الحماس تجاه ما يدور حولي، أميل للعزلة، أذهب كل يوم إلى عملي بلا روح، أشعر بعبء ثقيل لمجرد التعامل مع الآخرين، أنأى بنفسي عن الدخول في الصراعات اليومية في التعامل بين الناس وعن خبثهم وحبهم لتحقيق أكبر المكاسب الذاتية ولو على حساب الآخرين، ولذلك نادراً ما أنخرط في نقاشات طويلة مع أحد بجانب أنني أفتقر إلى مهارات التواصل اللازمة والحنكة والدهاء في التعامل مع الآخرين،
أحياناً أشعر أنني لا أريد شيئاً من الحياة، فقط دعوني أحيا وحيداً في سلام، الغريب أنني أؤدي عملي بصورة مرضية ومحبوب بين الناس، قديماً كنت أعاني من أزمات نفسية عديدة انتهت بزواجي واستقراري النسبي في عملي ولكن.. كثيراً ما أجد نفسي أشتاق لأيام وأحاسيس المعاناة وأتصفح الذكريات والرسومات الفنية التي تجسد المشاعر والأحاسيس المظلمه التي كنت أعيش فيها لسنوات طويلة، والغريب أنني أشعر بإشباع نفسي غريب من فعل ذلك، وكأنني أدمنت الآلام الداخلية وكأن النجاحات التي حققتها في حياتي مجرد مسكنات تجعلني أستمر في الحياة ولكنها لم تقدر على إزالة آثار الفشل والوحدة والمعاناة بداخلي، أنظر للمستقبل بتشاؤم وقلق كبير وغالباً ما تتحقق ظنوني وتضيق علي الحياة أكثر فأكثر، باختصار أعيش الحياة مجبراً بلا أدنى متع أو هدف بعيد المدى أسعى لتحقيقه وكثيراً ما أتساءل عن جدوى الحياة برمتها .
ميولي الجنسية مزدوجة بشدة، أشعر بالمتعة في العلاقة الزوجية العادية، وفي نفس الوقت أشعر بالانجذاب للرجال الذين تظهر عليهم علامات الرجولة مثل عضلات الذراعين وشعر الصدر الكثيف –باستثناء ملامح الوجه التي أنفر منها كليةً -وأجد نفسي أنظر بشغف وجوع واحتياج ونهم ورغبة لهذه الأشياء، كانت لي علاقة قديمة غير مكتملة مع أحد الأشخاص أيام الدراسة ولكنها انتهت ولم أكررها، ولكنها في نفس الوقت كسرت الحاجز النفسي بيني وبين الممارسات المثلية، كثيراً ما أشعر بالرغبة في ممارسة الجنس المثلي ولا يمنعني شيء غير عدم قدرتي على تحمل العاقبة الدينية لهذا الفعل، ولكن أستعيض عن هذة العلاقات بتبادل الأدوار مع إحدى السيدات ذات الشخصية المسيطرة، حيث أقوم أنا بدور الأنثى– عاطفياً وجسدياً- وتقوم هي بدور الرجل، وأقوم بإشباع المشاعر الأنثوية وحب الخضوع بداخلي، وفي كل الأحوال ميولي الجنسية ليست هي المشكلة نظراً لقدرتي على التعايش معها.
عانيت منذ الصغر من العزلة وعدم القدرة على إثبات الذات نظرا لافتقاري لمهارات التواصل ووزني الزائد وانفصال والدي حتى وصولي لسن العاشرة تقريباً، وهو ما جعلني تحت مرمى الخوف الزائد علىّ من والدتي، وتعرضت في الطفولة للتحرش من إحدى الفتيات أدى لتحول ميولي الجنسية فيما بعد للماسوشية، أقوم بهذا السرد لتوضيح أنني أعرف جيداً السبب لما أنا فيه الآن، سابقاً كنت مهتم بمعرفة الأسباب ولكن حالياً لم تعد تهمني بقدر اهتمامي بما أوصلتني إليه تلك الأسباب.
أعيش حالياً في دولة تختلف في العادات والتقاليد والثقافة عن بلدي الأم ويصعب عليّ التواصل مع أهلها، وبالتالي لا مجال لدي لمراجعة طبيب نفسي بالإضافة إلى عدم امتلاكي للوقت الكافي لفعل ذلك، كما أن طبيعة عملي تتعارض مع الآثار الجانبية لعقاقير العلاج النفسي –عن تجربة سابقة-، ولا أرسل هذه الرسالة بحثاً عن حل سحري أعلم باستحالة وجوده لمشاكلي، ولكنها حلقة في سلسلة بحث عن جواب سؤال لا أجد له حلاً: لماذا أنا هكذا، ما هو الشيء الذي لا أفهمه عن الحياة، أين هو طوق النجاة مما أنا فيه؟
4/1/2017
رد المستشار
شكراً على رسالتك وتمنياتي لك بالسعادة.
سأبدأ من نهاية الاستشارة وأجيب على الأسئلة كما يطرحها الكثير في جلسات العلاج النفسي.
السؤال الأول هو: لماذا أنا هكذا؟
الإجابة هي أنك تريد هكذا. لا ينتقل الإنسان بعد سن البلوغ من مكان إلى آخر إلا بإرادته.
وسيتبع ذلك السؤال من المعالج النفسي وهو: هل تظن أنك انتقلت نفسيا من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى مرحلة جديدة؟
وهل تفكر جديا بالانتقال إلى مرحلة نفسية جديدة؟.
السؤال الثاني: ما هو الشيء الذي لا أفهمه عن الحياة؟
الجواب: الحياة تتغير يوما بعد يوم والإنسان يتغير اليوم بعد الآخر وقبل أن يفهم الحياة عليه أن يفهم نفسه.
كل إنسان يستوعب ويفهم الحياة بصورة تختلف عن الآخرين ولكن عليه أن يفهم نفسه قبل ذلك.
السؤال الثالث: أين هو طوق النجاة مما أنا فيه؟
الجواب: طوق النجاة في يدك. ولكن عليك أن تضخيمه ليصبح صالحاً للعمل.
يتميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية بقدرته الهائلة على جذب الدمار لنفسه وتدمير ذاته وربما هناك هورمون ما للدمار لأو جينات لأو كروموسوم٫ ولكن يمكن القول أيضا أن كل إنسان لديه القابلية على التخلص من كروموسوم الدمار. أنت الوحيد الذي يقوى على تدمير الازدواجية التي تعيش فيها بدون البحث عن تفسير لا صحة له حول مرحلة الطفولة وتحرش أحد الفتيات بك لتفسير ميولك المازوشية وتنتهي الفقرة بعدم اهتمامك بهذه الأسباب بعد اكتشافها. الصراحة هي أنك تستمع بالمازوشية والمثلية ولكي تتخلص من الازدواجية والتنافر المعرفي في حياتك الشخصية فعليك أن تبدأ مسيرتك وتنتقل إلى مرحلة أخرى في الحياة.
من يقرأ الفقرة الأولى سيقول لك هناك مرض نفسي أو عقلي وهو اضطراب الاكتئاب الجسيم.
من يقرأ الفقرة الثانية سيقول لك ليس هناك مرض نفسي أو عقلي ولكن اختلال العافية النفسية والعقلية.
والنصيحة بعدها هو أن تنتقل إلى مرحلة جديدة في الحياة بمفردك أو بمساعدة معالج نفسي.
وفقك الله.