ابني والكذب
لاحظت في الفترة الأخيرة أن ابني(9 سنوات) يلجأ إلى الكذب بدون أي مبرر، يعني يلجأ للكذب في مواضيع ليس منها ضرر عليه، كأن يختلق قصة عن تميزه في المدرسة، أو أن يشتري شيئًا من مصروفه ويزعم أنه كسبه في لعبة من اللعب أو مثل ذلك من الأمور
وابني هذا هو الثاني في الترتيب بعد أخته.. أرجو الإفادة عن كيفية توجيهه والتعامل معه بهذا الخصوص، ولكم كل الشكر.
20/7/2017
رد المستشار
الأخ العزيز "أبو عمر"، أهلاً وسهلاً بك على صفحتنا "استشارات مجانين"، وأشكرك على ثقتك، كما أحييك على انتباهك واهتمامك بأولادك، ذلك الواجب الذي قلّ من الآباء من يهتمون بأدائه، وأحييك كذلك على إفادتك التي ستتيح لنا شرح أسباب وأنواع الكذب في الأطفال في سن ابنك رعاه الله وبارك لك فيه.
من المهم عندما نناقش لجوء طفل دون سن التكليف للكذب أن نتساءل أولاً عن دوافع الطفل التي جعلته يكذب؟ وكذلك عن كيفية التعامل مع ذلك الكذب من المحيطين؟ وماذا إذا تكرر الكذب؟ فدافع الكذب قد يكون خوفًا من العواقب الناتجة عن الصدق.. عندما يخاف الطفل أن يحدث شيء لا يحبه إذا قال الصدق، وقد يكون الدافع عدم شعور الطفل بالأمان أو لكونه يعاني ضغوطًا نفسية معينة أو معاملة خشنة داخل الأسرة، أو المدرسة أو غير ذلك مما يسبب له ضغوطًا، وبعض الأطفال يكذب ببساطة؛ لأنه لا يعرف معنى الكذب (وهذا كله مستبعد في حالة ابنك، مثلما أستطيع استبعاد كل ما سبق من دوافع معهودة)، إذاً ما هو الدافع للكذب في حالة ابنك؟.
الحقيقة يا أخي الفاضل أن دافع الكذب في حالة ابنك كما نستطيع استنتاجه من خلال إفادتك يبدو من أقل دوافع الكذب إثارة للقلق خاصة في مثل سنه هذه؛ لأنه لا بد للطفل من وقت يعيش فيه بالخيال بعيداً عن الواقع، وكثيراً ما يكذب الطفل لهذا السبب حتى إن أحد أهم أنواع اللعب في الأطفال يقوم على اختلاق التصديق make- belief play، ولدى الطفل عادة خيال واسع خصب يفيده في ذلك.
وما أستشعره هو أن الكذب الذي أتاه ابنك إنما يندرج تحت هذا النوع من الكذب، فهو كما تقول في إفادتك: "يكذب في مواضيع ليس منها ضرر عليه كأن يختلق قصة عن تميزه في المدرسة أو أن يشتري شيئاً من مصروفه ويزعم أنه كسبه في لعبة من اللعب أو مثل ذلك من الأمور"، إذاً فالطفل يختلق قصة تعبر عن أمنية لديه ويحكيها ويصدقها، وهنا لا بد لنا من وقفة لكي نحسن التعامل مع الموقف فيستفيد منه الطفل ويتعلم.
فمثلاً ماذا يا ترى يكون التصرف إذا عرفنا أنه يكذب باختلاق "قصة عن تميزه في المدرسة، أو أن يشترى شيئاً من مصروفه ويزعم أنه كسبه في لعبة من اللعب أو مثل ذلك من الأمور"؟ ما هي المعاني النفسية التي يستشعرها الطفل وهو يحكي مثل هذا النوع من القصص الكاذبة؟ ألا ترى معي أنه رغبة في أن يكون متميزاً يشار إليه بالبنان ويحظى برضا الآخرين خاصة أنت ووالدته أكرمها الله؟
قد يكون هذا الكذب شكلاً إذاً من أشكال اللعب مخلوطاً بالخيال وأحلام اليقظة، واللعب في مثل هذه السن ضروري، ولكننا لا نستطيع فصله عن الكذب والخيال، ولا أود أن أقول لك إن الطفلة التي تمسك بالعروس الصغيرة وتشعر بأنها ابنتها الصغيرة فتقبلها وتهدهدها وأحياناً تعطيها حماماً دافئاً هذه الطفلة مكذوب عليها، ألا ترى أن شيئاً من الكذب والخيال مقبول في لعب الأطفال؟.
ما رأيك إن قلت لك إن عليك أولاً أن تحاول مساعدته على إبراز ما هو متميز فيه بالفعل، وتنمية ما يمكن أن يتميز فيه، وما رأيك بدلاً من أن تكتفي بإعلان غضبك من لجوئه للكذب، ذكّره بأحاديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم مثل قوله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا} رواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب وصحيح مسلم والترمذي.
وثانياً ما رأيك أن تفرد ساعة تجلس معه فيها لتعلمه كيف يستطيع أن يكون متميزاً في مادة ما بشرط أن يكون محبًّا لها أو أن تستعين بمن يستطيع مساعدته في ذلك؟ أحسب أن لجوء الولد هنا لمثل هذا النوع البريء من الكذب فرصة أنصحك باستغلالها لتفهم احتياجات الولد النفسية ومحاولة تنميتها.
فماذا لو وجدت أن الأمر تكرر مع الأعوام أو زاد بشكل أو بآخر لا قدر الله، فإن عليك هنا أولاً أن تقرأ الرابط التالي: وأن حكي له مثلاً بعضًا مما تجد في الرابط التالي البنت الشقية والكذب القهري، ثم إن تراجع ما قمت به من محاولات علاجية سلوكية، وربما استعنت بأحد المعالجين المعرفيين السلوكيين أو أحد الأطباء النفسيين، ولكن هذا في ظني أنا شخصيًّا أمر مستبعد، فلا تقلق، وتوكل على الله تعالى منفذًا ما نصحناك به، وتابعنا بالتطورات الطيبة إن شاء الله، ولا تنسنا من الدعاء.
ويمكنك الاطلاع علي الموضوعات التالية:
الكذب Lying
الكذب القهري فالندم الفوري
الكذب القهري لا يكون انتقائيا
أولا الكذب وثانيا الكذب وليس...مشاركة
البنت الشقية والكذب القهري
أكذبُ ويكذبون، والصدق مُنجي!
احذر الكذب والتزوير
علاج الكذب في الطفولة