أرى الطريق ولا أستطيع السير فيه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم على ما تقدمونه من خدمة لنا نحن التائهين بارشادكم وتوجيكم..
أنا فتاة سأبلغ السنة القادمة الثلاثين من عمري، أدرس دراسات عليا وعلى وشك انهائها أكتب إليكم مشكلتي وأنا أبكي لأنني أشعر بأن حياتي تنفلت مني بسبب ما أفعل دون أن أعلم لماذا أعمله وكيف أتوقف..
مررت في السنة الماضية في مثل هذا الوقت لمدة 5 أشهر بحالة لا أعلم إذا كانت تصنف كاكتئاب سأذكر ما أشعر به، فراغ داخلي، تشتت في التركيز، انطفاء الشغف في الحياة، أفكار متكررة لأشياء سخيفة، ساعات نوم مقلوبة، شهية مضطربة، دموع تنهمر باستمرار، عدم الرغبة بمغادرة السرير.
في أثناء شعوري بهذه الحالة بدأت مشكلتي الحقيقية وهي أنني تعرفت على شاب في إحدى برامج التواصل الاجتماعي بدأ حديثنا عاديًا جدًا ثم تحول للحديث عن الجنس بشكل عام كنوع من حرية الحوار ثم بدأ بالغزل وكنت آخذ كلامه على محمل اللعب والمزح لأنه لا يعجبني ولا تعجبي أفكاره ولا شخصيته ،عبارة عن طفل كبير، فليس برجل أريد الارتباط به أبدا إنما كان مجرد تسلية وبعد عن الحالة التي كنت فيها لكن هذا البعد تحول لمشكلة أخرى فقد تحول مع الوقت من الغزل إلى ممارسة جنسية كتابية، و أول ما حدث ذلك أصبت بصدمة نفسية من نفسي وكيف فعلت هذا الأمر لأنه طوال حياتي لم أكلم رجلا أبدا ولم استرسل مع أحدهم أبدًا لم تكن لي أي علاقات سواء كانت بريئة أو غير بريئة!!.
بعدها تركت الشاب وبينت أن ما حدث بيننا كان خاطئًا وهو أبدى ندمه وتأسفه وأنه كان السبب فيما حدث لكنني أوضحت بأن السبب مننا جميعًا والذنب يقع علينا جميعا فلست ضحية أنا هنا وإنما مشاركة في كل ما حدث.
للأسف أنني عدت إليه بعدها وأثناء الحوار معه كشف ان ما حدث لم يكن المرة الأولى له وإنما المرة الثالثة ولم يشأ أن يخبرني خشية أن أكرهه ،تركته بعدها وكنت على هذا المنوال أترك وأعود وفي كل عودة إليه كنت أتمادى أكثر واقصد بالتمادي أي بالتصوير وخلافه.
لماذا أعود؟
في البداية أنا لا أعود شوقا له هو لا فهو لا يعجبني كما ذكرت، ولا شوقا لممارسة العلاقة لأنني أراها شيئًا غبيًا فهي خيال في خيال لكنني استمريت معه فيها من أجل غزله لي قبلها وبعدها ولا أنكر من استمتاعي بها مرة أو مرتين باختصار هي عودة لإرضاء نرجسيتي الأنثوية أريد سماع كلمات غزل ومدح من رجل حتى لو كان من رجل أراه طفلا، وحتى لو كنت اعلم بأني جميلة أريد أن أرضي ذاتي وأنوثتي فعودتي غالبا تكون في حالة ضعف شديدة وحاجة لسماع كلماته، أنا لا أبرر فأسبابي ضعيفة وسخيفة وأشك في أنها نوع من الاضطراب فإن لم يكن فأفيدوني..
لكن بعد ذلك كنت أعود رغبة في صحبة عادية ليس من اجل الغزل فلم يعد يشبعني كثيرًا كالسابق، بينت له أنني لا أريد بعد الآن جنسا لكنه أصبح يأـي بمقاطع جنسية ويعلق عليها والعجيب كنت أجاريه!!!
ثم بدأ مع الوقت ورفضي للعلاقة بتقليل احترامي قليلا، عندها تركته وعزمت على أنها النهاية لكن للأسف بعد 20 يوما كنت في حالة من الملل وعدت له وكان كما كان،
في الحقيقة أنا لا يهمني أبدا هو ولم أصدم بكل ما يفعل لأنني أعلم أن كل هذا سيحدث من أن فتحت له الطريق ومارست معه فهو ليس بغريب ولا مستنكر أعلم أن الرجل يريد الجنس السهل أعلم هذا وأعلم أنه سوف يظهر الوجه الآخر في حال عدم استجابتي له كما كان في السابق.
الذي لا أفهمه هي نفسي!! لماذا تعلم ولا تفعل؟
لماذا حينما أشعر بالممل أعود إليه؟
لماذا أنا باقية ولم أقطع العلاقة نهائيًا؟ خاصة أنه لا يعجبني وفي آخر الأمر أصبح لا يحترمني؟
لماذا شعوري متبلد إزاء عدم احترامه؟ هل توقع حدوث الشيء أو الإيمان بحدوث الشيء يجعلنا متبلدين حينما يحدث؟
هل لأنني لا أراه رجلا فلا يهمني ما يقول فأنا أعرف من أنا؟
لماذا استطعت طوال 28 سنة التعايش مع حالة الجوع الأنثوي أقصد الرغبة في سماع مدح وغزل من رجل وفقدت السيطرة الآن؟ وكيف أعيد قدرتي على التعايش؟
كيف السبيل لقطع علاقتي معه أقصد كيف أجعل نفسي لا تشتاق لكلامه ولا ترغب بمجرد الصحبة معه؟
كيف أقاوم رغبة العودة له في حالة الملل؟
جزاكم الله خير الجزاء
3/12/2017
رد المستشار
الابنة السائلة:
انتظرت قبل أن أجيب عليك حتى أشاهد فيلما مهما لم أشاهده وقت عرضه في دور السينما، رغم اهتمامي بموضوعه!!
"ميج راين" و"توم هانكس" قاما بدورين يستحقان المشاهدة والإشادة في "you have got a mail "، وفيه الكثير مما يفسر لك لماذا تستمرين في هذا التواصل في "العالم الرمزي" كما يسمونه.
تعالي نستعرض القصة من أولها...
أنت إنسان له احتياجات نفسية واجتماعية لا تجد الإشباع عبر نمط وظروف الحياة التي تعيشينها وتعيشها الشعوب، والفتاة العربية – غالبا!!
تعرفين الاحتياجات العاطفية والحسية والجنسية، ولكن أيضا الاحتياج للشغف بشيء، والاحتياج للاهتمام، والتواصل، والتقدير، والاستكشاف، واحتياجات أخرى كثيرة.
لا تهتم حياة العرب كثيرا بمسألة إشباع احتياجات البشر بمقدار ما تهتم بما نتصوره الأخلاق الحميدة، والمثل العليا، والتعاليم الدينية، والتقاليد المحافظة!!
المدهش أنك إذا بحثت وراء هذا وذاك ستجدين أن كثيرا من التصورات التي يتداولها الناس بوصفها الثوابت التي لا تستقيم الحياة إلا بها، ستجدين هراءا كثيرا لا أصل له في هذا الدين المظلوم بين جهل أبنائه، وكراهية أعدائه، بل وستجدين أدلة مؤكدة على أنه محض تسلط من القابضين على الأمور، ومن دار في فلكهم من الكهان والمهرجين ممن يعرفون بكلام ساقط يتلى على أسماع جمهور مخدر، أو مقهور يسوقونه سوقا إلى حتفه مغمض العيون، مكمم الأفواه، بل وبعضه يسبح بحمد جلاديه، وسارقيه، والمتسلطين عليه باسم الدين، أو المصلحة الوطنية.. إلخ.
لا أنوي الاسترسال في هذه الخطبة السياسية، ولكن أردت أن أذكرك بالواقع البائس الذي نعيشه، وبإهدار الوعي والمواهب الذي يحيط بنا!!
وسط سطورك تظهر عقلية متوازنة ناقدة متأملة، وضمير يقظ يتساءل، وممارسات تتلمس طريقها، وتبحث عن الأفضل والأنسب والأصوب، فما هو الموقف المتوقع من كل هذا الثراء؟! أقصد موقف الأصدقاء والمعارف والأقارب، أوالموقف المجتمعي والنخبوي مما تقومين به – سأترك تقديره لك ثقة في قدراتك!!
أقول في مواجهة الفشل الذريع الذي وصلت إليه حياتنا النفسية والاجتماعية، والفشل الذريع الذي وصلت إليه أقطارنا أنظمة ومجتمعات، وفي غمرة الانفتاح الهائل الذي تتيحه لنا وسائل الاتصال يتشعب التيه الذي نتحرك فيه!!
الإنسانية فيك تبحث عن الحياة، وليس مجرد البقاء الذي يتواطأ المحيط من حولك على الكذب بمديحه وتمجيده علانية بينما هو يلعنه ويخرقه ويخالفه من وراء ستار، وفي كل فرصة تتاح!!
مفتاح المسألة إذن هو الاحتياجات الإنسانية وتلبيتها بمقدار ما تستطيعين إشباع احتياجاتك في العالم الواقعي، وبطرق فعالة، ومرضية لك، أو تستكشفين طرقا أخرى جديدة ربما أنسب لك – في العالم الرمزي – سيكون ذلك هو المدخل إلى الاستغناء عن هذه العلاقة، وهذا المنوال الذي يضايقك وجوده وتكراره!!
أما مع بقاء الوضع على ما هو عليه فلا تندهشي إذا تكرر نفس المنوال مرات ومرات!!
لا أدري عن ظروفك من ناحية تغذية عقلك بالمعارف، وإحاطة نفسك بشبكة علاقات داعمة، والاهتمام بجسدك رياضة، وتحريكا.
ولا أدري عما يمتع روحك، ويمكن أن تستثمري فيه وقتك وطاقتك!!
ولا أريد إسقاط الصور التي أعرفها عن حياة الفتاة العربية، أو أن أخاطبك بناءا عليها!!
هل أضاءت كلماتي لك شيئا حول سؤالك:
لماذا أعمل ما أعمله؟ وكيف أتوقف؟!
يبدو الأمر مفهوما جدا، ومتوقعا كما حاولت أن أشرح، وأحاول تقليب النظر فيه معك لعله يتضح، وربما تجدين المخرج الأنسب منه، أو على الأقل تفهمين نفسك، وأنت تمارسينه، وفهم النفس فريضة غائبة في دنيا التائهين!!
أغلب الظن أن ما مررت به أو مر بك من أعراض هو نوبة اكتئاب تبدو متوسطة الشدة، ويبدو أو تواصلك مع هذا الشاب، وما جرى بينكما كان نوعا من التعلق بالحياة ونبضها، ولو بأسلوب لا يرضيك، ويتعارض مع قيمك، لكنه يبدو بلا بدائل حاضرة في ظروفك، أو في تصوراتك!!
أنوثتك هي جزء منك، وهي ليست ضعفا ولا سخافة، ولكنها جزء له احتياجات تبحث عن إشباع في ظروف صعبة، وتقديرك لها، وحوارك معها يفيدك أكثر من الاتهام والتسفيه!!
الشعور بالضجر وارد جدا وبخاصة في المجتمعات المثيرة للضجر منزوعة العلاقات الإنسانية العادية الطبيعية، والحياة الإنسانية الجماعية، وغياب الإشباع هنا يدفعك إلى تكرار التواصل بحثا عن الونس كما البحث عن إشباع الأنوثة.
يعني الاحتياجات ليست اضطرابا، ولكن طرق إشباعها هي سلوكيات قابلة للتطوير والتغيير والاستبدال.
هل الأمور حاليا أوضح، وأسهل بالتالي في فهمهما ومعالجتها؟!
صاحبك يبدو مرتبكا، وغير واعي بما يجري، ولا يفهم نفسه، ولكنه يواصل التجريب – مثلك تماما.
هو أيضا لديه احتياجات لا يشبعها النظام الاجتماعي، والظروف المحيطة، وبالتالي هو منغمس في محاولات ومغامرات لا بديل لها في تصوراته، وهو أيضا يقاوم بهذا الذي ترينه لعبا وعبثا، يقاوم الخواء واللامعنى والعدمية التي توصلنا إليها الحياة العربية المعاصرة، وأرجو ألا يفهم كلامي بوصفه مديحا للعبث لكنه تفهمٌ له بوصفه آلية بقاء ومقاومة لا يجد البعض سواها في انتظار الفرج!!
يمكنك الآن الاستمرار في العلاقة – كما هي – مع فهمك لنفسك فيها، وفهمك لأبعادها.
كما يمكنك تطويرها في الاتجاه الذي تريدنه بالاتفاق مع صاحبنا "التجريبي"، ربما لحين توليدك لبدائل أخرى تستطيعين معها وقف العلاقة تماتما – إذا أردت، وطريق هذا هو البحث عن طرق إشباع أخرى للاحتياجات، وليس اللوم، والندم، والكآبة، وإساءة الفهم والتأويل!!
وقد تذهبين مباشرة إلى محاولة جديدة لوقف العلاقة بعد أن اتضحت أمامك خريطتها.
تحياتي لك، وتابعينا بأخبارك.