ضياع وفشل
أنا شاب عمري ثلاثين سنة عندي مشاكل نفسية كتير مريت بأزمات كتير في حياتي من صغري مشاكل بين الأب والأم وضرب شديد للأم وإهمال وعدم اهتمام وعدم الشعور بالانتماء وفقدان الثقة بالنفس وصحبة السوء وممارسات جنسية مع الأصحاب تحولت لميول جنسية مثليه لكنها بسيطة واتوقفت عنها كل ده في فترة الطفولة واستمر في المراهقة حسيت بالشعور للحب حبيت كتير واتسابت واتصدمت كتير حصل لي انطواء وانعزال وخوف من المواقف الاجتماعية كنت بختلق الأعذار علشان أبعد عن الناس.
خلصت دراستي مش عارف اشتغل سافرت دولة عربية بعد خلصت معرفتش اشتغل تلات شهور ورجعت بصدمة وفشل ومن بعد ما جيت لغاية دلوقتي سبع أو تمن سنين مش عارف اشتغل حياتي متدمرة عايز أتجوز، نفسي أشتغل كل ما أروح شغل بتحصل لي حالة غريبة ببقى مش عارف أتكلم ولا أتعامل حاجات طبيعية بعملها بره الشغل عادى بتعامل مع الناس عادي.
بدأت أقرأ وأدرس دراسات عليا وأتعامل مع الناس إلى حد ما بقيت كويس لكن مشكلة الشغل غالبا بهرب من الشغل من قبل ما أروح ولو روحت بتحصل لي حالة صدمة وخوف وأحيانا بكاء وزي ما يكون حمل كبير عليا ومش برتاح غير لو سبت الشغل محدش عارف اللي أنا فيه وأنا تعبان مش عارف أعمل إيه لجأت لناس كتير ومحدش عرف يساعدني وفي مرات بتحصل لي حالات بكاء هستيري وهلوسه وفي مشايخ قرأوا عليّ وقالوا سحر وجن وأنا كنت بتكلم أنا مش قادر أفهم اللى انا فية ولا عارف أعمل إيه ولا عندي قدرة مالية أتابع مع دكتور نفسي حياتي متدمرة وواقفة.
بحب إنسانة ونفسي أتجوزها عارفة عيوبي وضعفي ومستحملاني أحيانا ببقى نفسي أبوس على رجلها وأعيط واتذل قدامها علشان متسبنيش وعملت كدة معاها فعلا ده مش عارف ليه وأحيانا بشتمها وأهينها وأحيانا ببقى عايز أمارس معاها الجنس ببقى زي الحيوان معاها وهي بتعيط وتمنعني وبعدين برجع أشتمها وأسيبها ولما تبعد أرجع أتذل ليها علشان ترجع لي وقفت جنبي.
أنا دلوقتي كويس التزمت دينيا وبقيت كويس وبدأت انتظم في دراستي لكن فضلت مشكلة الشغل
أرجوكم أفيدوني؟؟؟
27/12/2017
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله أخي "كرم"، وأهلا بك على موقع مجانين.
في الحقيقة، دائما ما تترك حالات الضياع والفشل في نفسي ترددا لإرشاد أصحابها، لأنني أؤمن بالتعقيد المحيط بهذه الحالات وتعدد المؤثرات فيها، فأخاف أن أتقمّص دور الواعظ السطحيّ الذي لا يُحسن إلا استدعاء محفوظاته وإلقائها على كواهل العقول ظانا أنها الحل السحري لكل حالة ووضع نفسي واجتماعي!
لكن مع ذلك يبقى دائما مدخل وخطوة أولى حتى في أكثر الأوضاع تبعثرا وصعوبة، ويبقى التغيير رغم صعوبته ممكنا جدا، إن عرفنا من أين نبدأ وكيف نبدأ.
وأعتقد أن أفضل البدايات هي إزاحة المعيقات وكابحات الحركة، لأنّه لا ينفع مع وجود كابح ومعيق أن نبذُل طاقة مهدورة لتجاوزه، فإن كنتَ مكبّلا بقيد لن ينفعك التخبط والعصبية وشد عضلاتك، ستبذل الكثير وتلهث وتجد نفسك في الأخير مكبلا في مكانك! لذا من المنطقيّ نزع العصا من العجلة قبل الضغط على المحرّك.
قبل ذلك أحب أن أشير إلى أجوائك الأسرية وما مرّ عليك فيها، لا شك أن الأثر النفسي كبير جدا ومؤلم ومعيق لارتقاء الإنسان ليصبح شخصا متوازنا قويا في مواجهة معركته الشخصية مع الحياة وبناء أسرته، مع ذلك الحياة تمنح محطات تغيير وتقلبات مفيدة، والنفسية عندها قدرة عجيبة للتجدّد والانطلاق، شرط أن نتخلّص من الحيرة الوجودية ولعب دور الضحية، والسعي الدائم والحثيث لاسترجاع أو أخذ الحقوق من الأسرة، بدل التخلّص من تلك الاعتمادية والبحث عن مصادر جديدة للثقة والتقدير والإحساس بالقيمة، وإلا بقينا سجناء للأبد في حالة طفولية نجلس فيها ونبكي دون حراك معتقدين أنّ مجرد البكاء ليغيّر العالم أو يغير سلوكيات المحيطين بنا!
والحمد لله أن قضية الميول المثلي لم تتفاقم وكانت مجرد فترة ومرّت، وعشت قصص حبّ اتجاه البنات، فحتى إن كانت صادمة ومحبطة فهي مؤشر جيد على التحرر من الميول الشاذ، وستكون محطات لفهم نفسك أكثر وأكثر ولا تراها مجرّد آلام وضياع ومصدر لاحتقار نفسك.
نعود لأول المظاهر في إفادتك، هو ذلك الخوف وذلك العجز والحالة النفسية التي تعتريك مع العالم الخارجي، وقلق الأداء في المقابلات وما له علاقة بالشغل، جملتك التالية توحي باضطراب القلق الاجتماعي social anxiety disorder (حصلي انطواء وانعزال وخوف من المواقف الاجتماعية كنت بختلق الأعذار علشان أبعد عن الناس)
وأيضا (كل ما أروح شُغل بتحصل لي حالة غريبة ببقى مش عارف أتكلم ولا اتعامل)
لكن وصفك هذا (حاجات طبيعية بعملها بره الشغل عادي بتعامل مع الناس عادي بدأت أقرأ وأدرس دراسات عليا وأتعامل مع الناس إلى حد ما بقيت كويس لكن مشكلة الشغل غالبا بهرب من الشغل من قبل ما أروحه) يوضح أنك تتعامل مع الناس بشكل عادي وتدرس وتختلط في المعهد أو الجامعة بشكل طبيعي نسبيا، والحالة لا تُعاودك إلا إذا كان الوضع متعلقا بالشغل والوظيفة.
وهذه بعض الروابط المتعلقة بالرهاب الاجتماعي وقلق الأداء الذي تعاني منه:
رهاب اجتماعي : قلق الأداء
قلق الأداء في بداية الممارسة المهنية
تلعثم أم هذرمة؟ مهارات الأداء!
قلق اجتماعي وفي الخلفية قلق متعمم
اضطراب قلق اجتماعي: رهاب اجتماعي نماذجي
فنحن بين احتمالين، إما أنّك مصاب برهاب اجتماعي فقط، تجاوزته بعد عدة تجارب جيدة وتدريب (وأتعامل مع الناس إلى حد ما بقيت كويس) وبقيَ عندك الرهاب في جانب التوظيف والإدارات والشركات وجوّها الجدّي وأحكامها القاسية عكس الجامعات ونظرتها "الأبوية" للطلبة، فما تقول هنا (بتحصل لي حالة صدمة وخوف وأحيانا بكاء وزي ما يكون حمل كبير عليا ومش برتاح غير لو سبت الشغل) هي أعراضٌ جسدية في قمّتها معروفة عند أصحاب الرهاب الاجتماعي.
أما الاحتمال الثاني: وهو أن الرهاب الاجتماعي جزء من قلق متعمّم general anxiety وهذا ما أميل إليه نظرا لما تقول هنا (وفى مرات بتحصل لي حالات بكاء هستيري وهلوسه) فالهلوسة عرض تفارقي Dissociative وهما من علامات نوبات الهلع Panic attacks وهي عبارة عن قلق ذو حدّة كبيرة يؤثر على الملكات الذهنية (سبب وجود الهلاوس) وتُشعر الإنسان بضيق شديد وضربات قلب متسارعة وانخفاض في الضغط وغيرها من الأعراض قد تجتمع كلها أو بعضها، لتشكّل الأعراض الجسدية
الظاهرة لنوبات الهلع.
نوبات الهلع: عرضٌ أم تشخيص!؟!
أعراض ما قبل الهلع في رهاب اجتماعي
الخوف الاجتماعي : ضرورة المعاناة للعلاجبالنسبة لتلك الأعراض هي مجرّد علامات خادعة ولا تعني شيئا من جهة الواقع، لكن تحملها وتسييرها صعب، ويُفقد الإنسان توازنه في المواقف، وبالفرار والتراجع لا تزيد إلا قوة، ويكون التشافي منها بالتعرض مع ضبط الأفكار السلبية وتجاهل الأعراض، وهذا من المواقف الأقل قلقا إلى أكثرها قلقا وإرعابا.
تجربتك مع السّفر للدولة العربية والإحباط والصدمة بعدها، مسألة طبيعية، نظرا لأنك سافرت وفي ذهنك صورة عن النجاح المطلق ما إن تغير وسطك مدينتك أو بلدك، واكتشفت أن معيقات الفشل نابعة من داخل نفسك، ثم بقيت التجربة ذكرى سيئة ودليلا على أنّك فاشل حقا سافرت لتُعانق النجاح المنتظر فلم يخلّف ذلك إلا فشلا آخرا! وبعدها زادت قناعتك وخوفك وتوتر من العمل والوظائف، فبقيت مدة سنوات دون عمل محطم دون إنجاز، وأحسنت لما عُدت للدراسة بدل تضييع الوقت.
نأتي للخطوات العملية الآن، قلت أنك لا تستطيع أن تُتابع طبيبا نفسيا لعجزك الماديّ، لكن ألا ترى معي أنّ هذه الحلقة المفرغة ينبغي أن تُكسر في أقرب وقت؟! فعلاجك عند الطبيب النفسي أو المختص، والطريق للمختص لا يفتحه إلا المال، والمال لا يوفّره إلا الوظيفة، وهي بالذات المشكلة التي تريد أن تجد حلّها عند المختصّ! هذه هي الحلقة اللعينة التي تلتهم أصحابَها... ما إن يستسلموا لها ويفضلون الأمان والراحة على مشقة كسرها ولَيّ مسارِها.
لذلك، ستبدأ أولا بعمل عمل متدنّ عن قدراتك الأكاديمية والجسدية، مهما كان ضئيل الأجرة، حتى تدخله بنظرة واثقة استعلائية، لأن الخوف من التقييم والفشل هو الذي يسبب لك الشلل، فإذا ولجت عملا لا يستدعي تركيزا كبيرا منك ولا تخوفا في الأداء ستكون مرتاحا، وإن كان مما ألفت عمله من قبل كالتدريس (دائم أو ساعات إضافية) أو المعلوميات وما شابه، سيكون أفضل لك.
بعدها توفّر من الأجرة نصفها أو ثلثيها للعلاج عند الطبيب النفسي، ولا يضرّك أن تبقى في تلك الوظيفة مهما بدت لك حقيرة ولا تليق بحامل ماجستير مثلك ولا سنك، طبعا مع تفادي أرباب عمل قاسيين جدا أو ظالمين لأن هذا لن يساعدك، لكن في الوقت نفسه لا تبالغ في مطالبتهم بفهمك وتفهم مشاعرك ورقتك وضعفك!! فالناس مشغولة بنفسها ولا تشعر بغيرها.
بمعنى أنّ التجلد والصبر والتغاضي عن تصرفات العمال مهم جدا، ولا تربطها بسبب شخصي، فغالبا نُسقط أحاسيسنا المرتبكة والمهتزة على تصرفات ونظرات الناس فنزيد في تغذية ضعف الثقة والدونية عندنا دون أن نشعر.
إن فعلتَ هذا ستشعُر بقيمة الإنجاز وإمكانية الخروج من دوامة الألم والعجز، ومع العلاج والتعافي بحول الله ستصير أقدر على مواجهة المخاوف والتقدم للوظائف، ولا تخرج من وظيفة إلى أخرى إلا وأنت متأكد من انتقالك للثانية حتى لا تقطع العلاج (الدوائي والمعرفي السلوكي).
بقيَت نقطة مهمة، وهي علاقاتك العاطفية، تقول عن الفتاة التي تحبّها (ونفسي أتجوزها، عارفة عيوبي وضعفي ومستحملاني أحيانا ببقى نفسي أبوس على رجلها وأعيط واتذل قدامها علشان متسبنيش وعملت كدة معاها فعلا)
ألم تلاحظ أنّك قلت أنها "عارفة عيوبك وضعفك ومستحملاك" فقط.. ولم تذكر أنّها تُحبك أيضا؟؟
وتتوسّل إليها حتى لا تتخلى عنك، وهي تقف بجانبك، ولما تريد أن "تمارس معها الجنس بشكل حيوانيّ" تمتنع وتبكي، أفهم من هذا إنّه لم يحصل بينكما شيء، هذا شيء جيد، لكنه يستوقفني قليلا، ولا أريد أن أجازف بتفسير للتمنع والبكاء، لأن الاحتمالات كثيرة والتفاصيل قليلة، إلا أنّي أراه من النوع الرؤوف الذي يتحرّج من ردّك وأنت بتلك الحالة من الضعف والاستنجاد، ولا يعني أنّها مستعدّة بالزواج بك على وجه الحقيقة!
خصوصا أنّها رأت تقلباتك وسمعت منك السب والشتم ثم تتْرُكك ثم أنت من يعود إليها راجيا محتاجا (ركز هنا جيدا، أنت من يعود وليس هي).
لذلك أرى أنها علاقة غير صحية وترتكز على حاجتك المرضيّة للأمان والتقدير والاهتمام، بل إن جلستَ مع نفسك لتفرز المعطيات وتستنتج إن كان ذلك حبا لها أو حاجة قد تجد صعوبة في ذلك!
في حالة كانت مجرد حاجة ونجدة تُلقيها على تلك الفتاة، ليس مستبعدا أنّك قد تتغير اتجاهها بعد أن تتقوى وتستغني بنفسك وقدراتك عن تأييدها وتراها بشكل أكثر "موضوعية" وتنتبه لعيوبها، وقد تنفر منها كصيرورة لنفورك من نفسك القديمة التي كشفتَها لها!!
اجلس مع نفسك وكن صريحا معها، ومع الفتاة، فهل وعدتها بالزواج بطريقة بعيدة "عن أرجوك لا تتركيني وإلا سأنتحر" فقبلت وتحملت مسؤولية القرار؟ أم أنّه حلم تبنيه لوحدك؟! مع ذلك لا أنصحك أن تُقدم على خطوة الزواج قبل التعافي ودراسة وضعك وعلاقتك بها.
وأتمنى لك الشفاء العاجل، وتابعنا بأخبار.
ويتبع >>>>: ضياع وفشل قلق أداء متصل م.