ظاهرة الصدى هذا ما جناه أبي !
ضعف شخصيتي يقودني للجنون
أنا فتاة في العشرين في عمري. طوال فترة دراستي سواء في المدرسة أو الجامعة لم أستطع تكوين أي صداقات إلا مع أمي وأخي الأكبر لأنه أنا بطبعي انطوائية ولا أجيد التصرف ولا الحديث مع الآخرين ليس لدي ذكاء اجتماعي أو حسن تصرف ولا أعرف أن أتحدث أو أحكي المواقف فالجميع لا يحبني لأنني غريبة الأطوار.
تعرضت للتنمر في سنوات الدراسة ومن شدة ضعفي لم أتمكن من الدفاع عن نفسي فلما يتطاول علي الآخرون بالكلام والتصرفات كنت أصمت ولا أدافع عن نفسي. كان يشتكي المدرسون من أسلوب كتابتي وطريقة لبسي الغريبين.
لا أتحدث إلا فيما ندر وحتى عندما يسألني أحد في أغلب الأحيان لا أرد عليه.
في فترة طفولتي تعرضت للضرب الشديد والمبرح من قبل والدي وفي فترة المراهقة لم يعد يضربني لكنه أصبح يتجاهلني ولا يرد علي وبالمقابل يعامل إخوتي الصبيان أفضل معاملة ويفرق بيننا ويثق بهم كثيرا وأنا مهما حاولت أن أتقرب إليه وأجلس معه يطردني وتقابل محاولتي بالتهميش والتجاهل.
لا أحب الخروج من المنزل وإذا أجبرني أهلي على الخروج أشعر بالخوف الشديد وأقوم بالتصرفات الغبية التي تحرج أهلي مثل مرة ذهبت فيها مع أخي لنشاهد فيلما وكان هذا تحت إجبار أمي لي حيث كنت لم أخرج لعدة أشهر قبلها وكان هناك رجل يحدق بي فأخذت بالبكاء والصراخ حتى تجمع حولنا الناس واضطر أخي أن يعيدني إلى المنزل.
أستمتع بوحدتي جدا فهي تحميني من أذى الناس وابتعادي عن الناس يشكل لي متعة كثيرة فأقرأ الكتب أو أتصفح النت وأشعر بالارتياح بعيدا عن ضجيج البشر. أشعر أنني لا أستطيع فهم الآخرين أو مشاعرهم وأشعر أنهم دائما ما يكمنون لي الأذى. أشعر أن كل أحد يعلم أخطائي ويريد فضحي وأحيانا أتجنب التفكير لكي لا يعلم أحد ما أفكر به.
أؤمن كثيرا بالسحر و تخاطر الأفكار حيث أنني تعرضت لموقف استطاع فيه شخص قراءة أفكاري وإحراجي أمام الناس فأصبح لي حالة شك دائم أن أفكاري تتعرض للمراقبة من قبل الناس وأعلم أنك لن تصدقني لكنني بالفعل هناك أناس يستطيعون معرفة ما أفكر به فلست أملك حتى حق خصوصية التفكير.
ويحدث كثيرا أنني أكون وحيدة وأشعر بشعور قوي بوجود شخص ما رغم أنني لا أراه وقد أتحدث معه فأضحك أو أبكي بدون حديث لأن هذا الشخص يتخاطر معي عن طريق الأفكار.
وبالرغم من ذلك إلا أنني طالبة جامعية في كلية الآداب في سنتي الثانية ومستواي الدراسي جيد جدا أستمتع كثيرا في القراءة عن مجال دراستي في الأدب وكما أتمتع بقراءة المواضيع المتعلقة بالنظريات تكون اللغة واللغويات بشكل عام حيث أن القراءة في مواضيع اهتمامي تمتعني أكثر من الخروج.
وبالرغم من ذلك إلا أنني حصلت على درجات سيئة في مادتين لنفس الدكتور إلا أن هذا نتيجة الظلم ولم أشتك على ذلك الدكتور ولم أحرك ساكنا بسبب خوفي بالرغم بذلي الجهد الشديد كان يعطيني درجات سيئة ولا أعلم ربما يكرهني لأنني هادئة وضعيفة وغريبة الأطوار.
إنني كنت أعيد كتابة المشروع أو البحث أربع مرات أو أكثر وثم يرفض البحث أو المشروع دون أسباب تذكر. إن حصولي على هذه الدرجة في المادتين التي يدرسها جعلني أطلب المساعدة هنا لأنني أتمنى أن أكون قوية وأواجه المشاكل التي أمر بها؛ أكره نفسي وأكره شخصيتي الضعيفة أشعر أنني أمتلك قدرات جيدة ولكنني مقيدة في إطار هذه الشخصية المهزوزة.
أحيانا يبدو العالم بالنسبة لي غير واقعي، أو يحدث أن أتذكر أشياء فأتساءل إن كانت من الواقع ومحض الخيال، حيث يحدث مثلا أن أكون قد تخيلت شيء وبعد فترة أنسى إذا كان الشيء خيال أو واقع حيث أنني أغرق نفسي في أحلام اليقظة وألجأ إليها لطرد شعوري بالعجز وفقدان الأمل. تراودني أفكار لا أستطيع السيطرة عليها مثل إحساسي بأنني أتعرض للملاحقة وأن أفكاري مكشوفة أمام الآخرين.
من شبه المستحيل أن تقتنع أمي بأهمية زيارتي للطبيب النفسي
فالمجتمع الذي أعيش به يطلي المريض النفسي بوصمة الجنون وقد تأخذني إلى شيخ لكنها لن تأخذني أبدا إلى طبيب فما العمل؟؟؟.
25/5/2018
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة / "نورة" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
أهلا ومرحبا بك على شبكتنا، وأعتذر بشدة للتأخر في الرد على رسالتك لكثرة المشاغل والارتباطات
ابنتي الكريمة: لقد عرضت أعراضك بصورة جيدة وطيبة وممتازة، لكن مهما اجتهدت في أن أفيدك في التشخيص أرى أن موقف الطبيب الذي سيقوم بفحصك – اذا تمكنت من اقناع والدتك بهذا الأمر- سيكون هو الأفضل، والأجدر أن يُفيدك بالتأكيد؛ لأن من رأى ليس كمن سمع، وسيتمكن الطبيب من خلال جلساته ومحاوراته معك ان يكوّن فكرة أكثر عُمقًا لأن يصل إلى التشخيص الصحيح.
هذا لا يعني أبدًا أنني سوف أبخل عليك بالمشورة في ما ذكرته في رسالتك، وبتفحصي لأعراضك –أيتها الابنة الفاضلة الكريمة– أقول لك: أنت بخير، وذلك لسببٍ أساسي، وهو أنك مستبصرة لأعراضك، وهذا في حد ذاته مهم جدًّا؛ لأن الأمراض النفسية أو العقلية الشديدة لا يستبصر أصحابها بها، فمثلاً حين ذكرتَ أنك تؤمنين بالسحر، وتخاطر الأفكار، وتشعرين أن الآخرين يراقبونك، ويحاولون ايذاءك، أو يتطلعون لقراءة أفكارك، كل هذه الأفكار لا أقلل أبدًا من شأنها، لكن ما دمت مستبصرة بها فلابد أن نضع لها العلاجات، ونساعدك – بإذن الله تعالى – على أن تغيّري نفسك في هذا الخصوص
ابنتي الكريمة: كل الأعراض التي ذكرتها –وربما جُلها أو معظمها– تتمركز في أن لديك مشكلة في العلاقات مع الآخرين، ذلك لأنك تتحركين من خلال الظن والشك وسوء التأويل، وهذه علتك الأساسية، فأنت يا بنتي تعانين من اضطراب الشخصية حيث أرى أن شخصيتك ربما تكون شخصية زوانية (بارونية)، بمعنى أن شخصيتك شخصية شكوكية، ولم يصل بك المرض لدرجة الفصام أو الذهان، وأعتقد – بدرجة كبيرة – أن الشكوك وسوء الظن بالآخرين جعلك تحجمين عن التفاعل الاجتماعي، وهذا أدى إلى صورة تشبه الرهاب الاجتماعي.
ويتميز أصحاب الشخصية الزورانية (البارونية) بما يلي:
- الشعور بأن الآخرين يكيدون لهم المكائد، أو يهتمون بمراقبة تصرفاتهم أو قراءة أفكارهم
- التمركز حول الذات، والاستمتاع بالعزلة والهروب من الآخرين
- يفتقدون إلى المرونة وسرعة التوافق الاجتماعي، فلا يتواصلون مع الناس إلا قليلاً، ولا يتكيفون مع جو الدراسة، ولا يكوّنون صداقات مع زملائهم لقلة ثقتهم بالآخرين.
- يعوضون عدم توافقهم مع الآخرين باللجوء إلى أحلام اليقظة والخيال، وأحياناً إلى العادة السرية.
- لا يستطيعون التمييز بين المزح والجد، وقد يجدون صعوبة في أن يفهموا للشخص الذي أمامهم ما يحاولون قوله، وتكون اجاباتهم على أكثر الحوارات قصيرة وسريعة مثل "نعم" أو "لا" فقط، وقد يصابون بالتوتر، والقلق الشديدين عندما يحاولون الكلام أمام مجموعة من الناس، لكن قدراتهم العقلية سليمة تماماً، ولا وجود للهلوسة أو الخيالات.
والشخصية الزورانية –يا بنتي– تحدث بسبب وجود علة في تطور الشخصية، حيث يقع فيها الإنسان فريسه لظنونه وشكوكه في الآخرين، وهو ما قد يؤدي به للعزلة، وفقد المهارات الاجتماعية، وقلة الثقة بالذات، وربما الشعور بالدونية.
ابنتي الكريمة : أرى أنك سوف تستفيدين باستجابة ممتازة جدًّا للعلاجات الدوائية، وعقار (رزبريادون) يعتبر دواءً ممتازًا وأساسيًا جدًّا لهذه التوجهات الشكوكية، وأنت تحتاجين له بجرعة صغيرة، ابدئي بواحد ملجم ليلاً لمدة شهر، ثم بعد ذلك اجعليها اثنين ملجم ليلاً، واستمري عليها لمدة ستة أشهر –مثلاً- ثم اخفضيها إلى واحد ملجم ليلاً لمدة ستة أشهر أخرى
هذه الجرعة صغيرة جدًّا وبسيطة جدًّا لهذا الدواء، ووجد أنها مفيدة جدًّا في حالة وجود توجه ظناني باروني يقوم على سوء التأويل في التعامل مع الآخرين.
أيضًا ليس هناك ما يمنع أن تتناولي دواءً آخر مضاداً للرهبة –خاصة الاجتماعية منها – ومحسناً للمزاج، ويتحكم في الوساوس أيضًا، ومن هذه الأدوية عقار فلوكسيتين (بروزاك) 20 ملجم، فهذا العقار يستعمل أصلاً لعلاج الاكتئاب والقلق والوساوس، ولكن وُجد أخيراً أنه يُساعد أيضاً في علاج الانطوائية، ويزيد في مقدرة الشخص على الإقدام والدافعية والتفكير الإيجابي، وعليه أرجو أن تتناوليه بمعدل كبسولةٍ واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، وهذه الأدوية ممتازة وفعالة، وأنت تحتاجين لها بجرعة صغيرة.
أيتها الفاضلة الكريمة، أعتقد أنك حين تتابعين مع الطبيب النفساني سوف تستفيدين كثيرًا، ويمكنك أن تأخذي بما ذكرته لك من وجهة نظر، كنوع من الإضافة الإيجابية التي تجعلك أكثر إلمامًا واستبصارًا بحالتك، فالمتابعة مع الطبيب المختص، وكذلك تناول الأدوية البسيطة، والإصرار على تطوير المهارات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، والذي يتمثل في تصحيح طريقة مخاطبة الآخرين كأن تنظري للشخص الذي تحادثيه في وجهه، وتصري على ذلك، وأن تحاولي جاهدة التواصل مع الأهل والأصدقاء، أو زيارة المرضى بالمستشفيات، ومشاركة الناس أتراحهم وأفراحهم.....، وهكذا، كل هذه السلوكيات البسيطة – مع الحرص على التكرار والمواظبة – سوف تفيدك كثيرا.
أيضا ممارسة الرياضة الجماعية، والمشاركة في حلقات التلاوة ستقلّل من شعورك بالانطوائية، وسترفع كفاءتك الاجتماعية، فأرجو الحرص على ذلك إن أمكن .
بارك الله فيك، وأشكرك كثيرًا على تواصلك وثقتك في شبكتنا.
واقرئي أيضًا:
اضطراب الشخصية الزوراني (البارانوي)
الشك في نوايا الآخرين: التفكير الزوراني
ويتبع >>>>>>: ظاهرة الصدى هذا ما جناه أبي ! م