لم أكتشف نفسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدءا أود الإشادة بجهدكم المشترك في إعلاء كلمة العلم، ومد يد الإرشاد للجميع.
وهأنذا أطلب منكم الإرشاد في نازلتي.
معلومات متفرقة:
أنا شاب من أسرة محدودة الدخل. لوالدين لم يكملا تعليمهم العام. الجو العام لبيتنا دافئ مترع بالحب. أنهيت الدراسة العامة العام المنصرم. غاب عني التوجيه والنصح الراشد المتعاهد طيلة ما انقضى من أيامي... مستواي التحصيلي الدراسي لم يكن عاليا في المجمل. لا أمارس الهوايات كثيرا.
إني أعلم أني في المرحلة الهامة من مراحل عمري، وإني مقبل على دراسة جامعية، فهل هناك ما تنصحوني به قبل البدء فيها، فأنا لا أريد أن أتخبط كما تخبطت في التعليم العام وضاع مني ما ضاع... نادم على ما فاتني من علوم خلال سنين المدرسة، وأتمنى لو أني كنت بما أنا عليه من وعي الآن آنذاك. لا أريد أن أندم إذا صرت إلى الكبر بتفريطي في هذه المرحلة.
مرة سُئلت: صف نفسك؟
فقلت: أنا شخص يحاول قصد سُبل المعالي. ولكن دائما لا أراني أطابق هذا الوصف الذي خلقت، فكيف السبيل يا سادة؟ أرجو أن أصبح كاتبا خلاقا قوي العبارة في المستقبل، ولا أراني أحذو حذو التحقيق على أرض الواقع. أنا أعلم أن الكاتب نتاج ما يعتمل في عقله، فكيف لي أن أصقل الثقافة، وأجمل كتابتي؟
أنا بذرة لم تتعهد بالنصح والإرشاد
وكانت غالب محطات حياتي "على الحاصل".
8/6/2019
رد المستشار
السلام عليكم وأهلا وسهلا بك يا "سراب" على موقع مجانين للصحة النفسية.
بالنسبة لما ضاع منك يُمكن بسهولة تعويضه، لأن أغلب الناس بعد ثلاث أو خمس سنوات من الثانوية العامة يتخاصمون مع الحرف ويكفّون عن تطوير معارفهم ويعيشون في روتين حياتيّ. لذا لم يمرّ عليك الوقت للتأسف، وأنّ النّضج الذي تمنيّتُه لا يمكنُه أصلا أن يتكوّن دون تجارب مؤلمة وندم وحسرة، بل تلك الندامة والحسرة هي الوجه الآخر للنّضج! ونضجك إن أحسنت استغلاله واستخدامه ستكون تلك السنوات ضريبة صغيرة له.
ما أخاف عليك أن تكون "كماليا" في تفكيرك تضع معايير صعبة التحقق، وجملتك هذه التي تصف فيها نفسك (أنا شخص يحاول قصد سُبل المعالي) وبعدها (ولا أراني أحذو حذو التحقيق على أرض الواقع) توحي بهذه الهوّة بين قدراتك وعملك ودأبك وبين صورتك عن نفسك، وهذه الهوّة فيها ما فيها من تأنيب للضمير وضعف عزيمة لا تعلم أسبابه، فيكفي الإنسان "غير الكماليّ" بعد أن يعرف ما ينبغي فعله يمضي مجتهدا ولو بخطوات صغيرة لكنها حثيثة.. الكماليّ له مسار آخر فيبدو أن تصوراته عن إنجازته "المفترضة والمستقبلية" كثيرة جدا وعظيمة وأعماله ضعيفة أو منعدمة أو منقطعة.
أما عن الكتابة والبراعة فيها، ليست الكتابة فقط ما اعتمل في عقلك، فالأفكار أيضا تنضجع وتختمر بكثرة القراءة والمطالعة، وأيضا بكثرة الكتابة، فالكتابة تعين الذهن على التفكير، والتفكير يُعين الكتابة على التسطير، علاقة متبادلة الأثر. لذا اكتب واكتب حتى إن لم يعجبك ما تكتب، واستعن ببعض الكتب المنهجية في تعلم الكتابة، وترتيب ما تكتب، والتركيز على نقطة محددة في مواضيعك حتى لا تكون كتاباتك مشتتة عبارة عن أفكار ترتطم وتقفز في جمجمتك لا رابط بينها إلاّ توقيت حضورها!
ضع برامج تحترم وقتك وقدرتك وهمّتك، الضروري (ما تدرسه في كليتك) ثم ما يرتبط به، شبه الضروري، ثم بعد ذلك هواياتك.. كل له وقته، إن تزاحم الكل قدّم ضرورياتك دون تأنيب للضمير، وإن وجدت سعَة قم بهواياتك دون تضييع لواجباتك... وهكذا، حاول خلق هذا التوازن بصرامة وستشعر برضى الإنجاز وسعادة التحكّم.
بالنسبة للتوجيه المدرسي فلا أظن أنني أعرفك بما فيه الكفاية حتى أرشدك، وحتى إن عرفتُك سيكون ذلك صعبا فكيف إن لم أعرفك، هذه معركة شخصية، وقد تختار مسارا ثم تغيّره بعد ذلك بقليل ولا بأس في ذلك ما دُمت عرفتَ أنّه لا يناسبك.. ما دُمت لست من النوع الذي لا يرتاح في تخصص مهما كان، وتنقلاته إنما هي ملل وهرب وضياع.
واعلم أنّه ليس بالتوجيه والإرشاد ستتغلب على نفسك وظروفك، فالإنسان ليس مجرد آلة تبرمج بتلك الإرشادات وندفعها لتقوم بعملها، ستكون لك دوافع تناقض تلك الإرشادات، نزوع بشرية (كالكسل والخوف والتردد) تُضعف أثر تلك الإرشادات.. فلا تتحسّر، فالإرشادات ما أسهلها، إلا أنّك تفترض أنّه "لو" كانت إرشادات لكنت أشدّ بأسا وأشد تطبيقا.. وهذا ربما من فكرتك الكمالية عن الواقع وعن نفسك.
وإن كنتُ ناصحا لك نصيحة عامة مفيدة في كل السياقات، ستكون "اقرأ" وأكثر، واكتشف بطون الكُتب، وإيّاك والتقوقع على نمط واحد من التفكير أو الأشخاص فذاك موت مع وقف التنفيذ، واحذر من المسلمات الخاطئة في الخطاب الدينيّ، لا أعلم كيف هو تديّنك (على المستوى الفكري أو السلوكي) لكني أفترض أنّ كل مسلم يقول عن نفسه أنّه متديّن إلا وجرّ معه ولا بد بعضا أو كلاّ من آفات التديّن وآفات الخطاب الديني وتصورات الوعاظ والشيوخ.. فلا يكاد أحد يخلو من ذلك فمنهم منغمس ومنهم من يطفو فوقها، تبدو بعض منها بريئة للغاية لكنّ في العُمق هي سمّ، ولا مجال للتفصيل هنا.
أتركك مع بعض الاستشارات لعلك تجد فيها ضالتك:
الكماليةُ ( فرطُ الإتقان ) وعدمُ الاكتمال
الكمالية والشعور باكتمال الفعل
الكمالية والإتقان بين السواء والمرض
الطريق من الكمالية إلى الاكتئاب
نور والكمالية والوسوسة في المذاكرة