ثقتي بنفسي تكاد تكون معدومة.
السلام عليكم ورحمة الله. قبل طَرح مُشكلتي أريد أن أشكر كل القائمين على هذا الموقع الجميل وعلى رأسهم الدكتور وائل أبو هندي. أنا أعاني من عدة مشاكل نفسية من بينها وساوس مُلحّة، وأنا شخصية حساسة بعض الشيء، لكنني سأحدثكم عن مشكلة أتعبتني وقهرتني كثيراً ولم أجد لها حلاً أو تفسيراً.
بدأت مُعاناتي في مرحلة الطفولة وبالتحديد في حصة الموسيقى بالمدرسة الابتدائية، قُمت آنذاك بإنشادي لأنشودة على مسمع الحاضرين من زُملائي فنالت إعجابهم وإعجاب مُدرٍّستي، أنا في الواقع أملك صوتاً جميلاً وحضور جيد، لكن لا أعلم إلى يومنا هذا ماذا أصابني حينها، بعد أن فرغت من الغناء هجم عليّ أصدقائي وعبروا لي عن مدى إعجابهم وانبهارهم بصوتي، ومنذ تلك اللحظة أصبحت أخاف جداً من الغناء أمام الناس، ولم يقتصر الأمر على الغناء فقط، فمُجرَّد أن أكون محطّ أنظار الناس أصبح يخيفني، أليس من المفروض أن يصير عكس ذلك، أي أن تزداد ثقتي بنفسي؟ لا أفهم.
كان مشواري الدراسي مليئاً بالرعب، فكلما كنت محط الأنظار في امتحان شفوي أو غيره كانت تظهر عليّ علامات الارتباك من رعشة شديدة لم أكن أستطيع السيطرة عليها وتغير في الصوت وصعوبة في التنفس واختلال في التوازن وفقدان التركيز مما جعل البعض يسخرون مني وآخرون يشفقون عليّ وكان ذلك يؤلمني كثيراً. كان بعض الأساتذة يتهمونني بالجبن والضعف مما زاد الأمر تعقيداً. أحيانا كانت تصيبني نوبات هلع فأتغيب عن المدرسة. لطالما حاولت أن أشرح مشكلتي لوالدي ووالدتي لكن دون نتيجة. كنت أنجح أحيانا في التغلب على هذا الخوف لكن أفشل مرات عدة.
في الجامعة حققت نتائج ممتازة جداً، لكن كنت أتجنب أن أكون محط الأنظار، في المرات القليلة التي كنت أستجمع قواي وأقوم بإبداء رأي أو مناقشة شيء ما دائماً كانت مُداخلاتي مُختصرة ووجيزة، هذا الأمر عذبني كثيراً وسيطر على حياتي وتحكم في قراراتي. لقد كنت الأولى على صفي ولكنني لم أكن أشعر بأنني حقاً متميزة، وأنني استحق ذلك التميز. لا أعلم كيف أفسر لكم ما شعرت به، كنت بارعة في التظاهر بالثقة، وكنت أجيد إخفاء شعوري بالنقص، لكن في السنة الأخيرة من الماجستير وتحديداً قبل شروعي في إنجاز رسالة الماجستير كانت قلة ثقتي بنفسي تظهر للعيان شيئاً فشيئاً، وتغيرت نظرة بعض الزملاء لي. كنت دائما في حالة هروب (هروب من المواجهة) هذا ما أتذكره.
بالإضافة إلى صوتي الجميل، فقد وهبني الله سبحانه وتعالى شخصية مرحة وعدة مواهب أخرى الحمد لله، لكن بمجرد صعودي إلى منصة مثلاً لأواجه حشداً كبيراً من الحاضرين فإن ثقتي بنفسي تختفي وأصبح عاجزة وأفقد السيطرة تماماً.
أنا أعمل كمدرسة أطفال في الوقت الحالي. أنا الحمد لله أفضل من السابق فقد تعلمت أن أواجه مخاوفي، لكنني أريد أن أتخلص من هذه المشكلة بالكامل لا سيّما وأنني على وشك إكمال مذكرة الماجستير وكثيراً ما أفكر في اليوم الذي سأقف فيه أمام الحاضرين لأناقش رسالتي. أنا لا أعلم لماذا لا أثق بقدراتي! أشعر بالحزن عندما أفكر في الفرص التي أضعتها بسبب هذا العجز، وأخاف أن أضيع رسالتي العلمية التي لطالما حلمت بإكمالها على أحسن وجه. ماذا أفعل كي أعالج تقديري لذاتي؟ فأنا رغم كل النجاحات التي حققتها أحتقر نفسي ودائماً ما أجدني أترقب حدوث كارثة في المستقبل وأن تفشل كل مخططاتي. أريد أن أرى نفسي كما يراني الجميع حولي. أنا واثقة أنكم ستفيدونني بجملة من الإرشادات والنصائح لكي أتغلب على هذه المشكلة.
لمحة صغيرة عن حياتي وشخصيتي:
* نشأت في أسرة متواضعة، أنا الأخت الكبيرة، علاقة أبي بأمي مشحونة بالتوتر والعنف اللفظي من طرف والدي (كانت ولازالت كذلك)، يقلل والدي دائماً من قيمة أمي ويرى نفسه أفضل منها ثقافياً، والدي أنهى ثانوية عامة ووالدتي تركت مقاعد الدراسة وهي في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية، علاقتي بوالدي للأسف سطحية وباردة.
* عانيت مذ صغري من الوزن الزائد، وفي الوقت الحالي لازلت في صراع مع هذه المشكلة.
* أنتبه للتفاصيل كثيراً، ألاحظ أدق التفاصيل، لا أرضى عن أدائي بسهولة، أنقدُ نفسي وتصرفاتي باستمرار، وأسعى دائماً إلى إنجاز الأمور على أكمل وجه (في الدراسة أو العمل أو في علاقاتي بصفة عامة).
* حاولت أن أعالج مشكلة الثقة بالنفس عن طريق قراءة كتب التنمية البشرية ومشاهدة فيديوهات لأشخاص مؤثرين، وأن أتحدى نفسي بأن أضع نفسي في مواقف غير مريحة وتتطلب المواجهة ونحو ذلك، وتحسنت بالفعل لا أنكر ذلك لكن أكثر ما يخيفني أن تعود لي تلك الأعراض التي ذكرتها سابقاً من رعشة شديدة وارتباك وتسارع في دقات القلب.
أنا أخجل كثيراً من تلك الأعراض التي تكررت كثيراً في العديد من المواقف في حياتي وأريد أن أتخلص منها نهائياً.
ماذا أفعل ؟
16/6/2020
رد المستشار
صديقتي
يبدو أنك لسبب ما استكثرت النجاح على نفسك. فاجأتك إشادة زملائك بك وفرحتهم بتميزك وإعجابهم بأدائك، ربما جعلك هذا تخافين من ألا تكوني على نفس المستوى من الأداء أو مطابقة توقعات الآخرين (في الحقيقة ما تتخيلين أنه توقعات الآخرين). خوفك من عدم المقدرة على التأكد من التميز (بسبب حوارك الداخلي السلبي غالباً) جعلك تتجنّبين المواجهات وتتجنّبين أن تكوني في موضع الاختبار العلني، هذا كله يعني أن تركيزك أصبح على خوفك من رأي الآخرين بدلا من أن يكون تركيزك على الاستمتاع بالتدرب وتحقيق الأداء المتميز المطابق لمجهودك.
عند تخيل مناقشة رسالة الماجستير، لا شك أنك تتخيلين أنك سوف تصابين بالرعب والرعشة وخفقان القلب وأن الحضور سوف يلاحظون هذا وأن محاولتك لتهدئة نفسك سوف تبوء بالفشل وأن أداءك سوف يكون مزرياً، عندما تفكرين في كل هذا وفي خلفيته خوفك من رأي الآخرين فيك المبني على رأيك السلبي (الجزافي، اللامنطقي، الغير مبرر) في نفسك، فلا شك أن ضربات قلبك سوف تتسارع لمجرد تخيل الموقف. من المهم أن تعي أن هذا الخيال يمكن تشكيله بطريقة أخرى، تخيلي أنك واقفة على المنصة وأنك في حالة ارتياح وتمكن من معلوماتك، وأن تركيزك كله على توصيل المعلومات بطريقة بسيطة ومباشرة، وأن الحضور ينظرون إليك نظرات الإعجاب والتشجيع، وأنهم يصفقون لك ويهنئونك في نهاية مناقشتك، هذه الصورة الخيالية الإيجابية للمستقبل يجب أن تعيديها في ذهنك مراراً وتكراراً إلى أن تصدقيها وتشعري بالراحة من فكرة تقديم بحثك أو محاضرتك، عند التركيز على توصيل المعلومة سوف يختفي أي شعور آخر.
المسألة ليست مستحيلة وقد استخدمت هذه الطريقة في التغلب على الخوف والتوتر الذي يصاحب محاضرة جمع كبير من الناس، في الحقيقة كنت أتوتر عندما أُسأل سؤالاً في الفصل الدراسي كثيراً ما كان للتأكد من المعلومة فقط، ولكن عندما كان تركيزي منصباً على معلومات أنا متحمس لها وأريد توصيلها للآخرين، فوجئت بنفسي أحاضر ثلاثمائة من الحضور لمدة أربعة ساعات متواصلة وبدون أدوات أو كمبيوتر أو سبورة أو رسومات أو أي شيء على الإطلاق، عندها اكتشفت أن سر الشجاعة والثبات في المحاضرة هو التركيز بالكامل على توصيل المعلومة. يمكنك أيضاً إضافة الفكاهة لتدريباتك في الخيال بأن تتخيلي أنك تقفين أمام الحضور وتحاضرينهم وهم في ملابسهم الداخلية أو عرايا بالكامل أو ربما يرتدون ملابس مضحكة، أي شيء يجعلك تستخفين بالمواجهة.
يمكنك أيضاً أن تتدربي على الموقف في الحقيقة بعد التدرب في الخيال عن طريق أن تعطي محاضرة صغيرة لمجموعة صغيرة من الأصدقاء أو الأقارب الذين يحترمونك وتعلمين أنهم سوف يكونوا جادين في إعطائك الرأي الصريح والصادق في أدائك.
يجب أن تعلمي أن قليلاً من التوتر في البداية هو شيء صحي ومفيد لأنه يكون بسبب ازدياد هرمون الأدرينالين في جسمك ليحفزك على المواجهة ولكي يبقيك منتبهة وسريعة التصرف السليم. قليل من التوتر يبقيك منتبهة، وكثير منه يشل حركتك بالخوف ويعطل مواهبك.
من المهم أيضاً أن تبدئي في الشك في كلامك السلبي لنفسك مثلما تشكين وتقللين من وقع أي فكرة إيجابية أو أي تشجيع منك أو من الآخرين... تقديرك الذاتي سلبي بسبب كلامك وحكمك السلبي. لا تنقصك الثقة بنفسك، ولكن ينقصك توجيه الثقة في اتجاه إيجابي يبدأ بسؤال "لم لا؟".
لقد نفخ الله تعالى من روحه فينا، وبالتالي فنحن نستحق النجاح فيما نضع المجهود السليم فيه. بالمناسبة: بما أنك جزء صغير من روح الله، ما الذي ينقصك لكي تنظري إلى نفسك نظرة إيجابية وتقدري نفسك وذاتك بما يتناسب مع خلقك؟
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.