التناقض
بسم الله الرحمن الرحيم؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سيدتي الكريمة المجيبة على مشكلة الأخت السائلة، أود فقط أن أناقش أمراً يختص بصاحبة المشكلة التي تشبه في كثير من فصولها أموراً متعلقة بي، وهو أن حبها لهذا الشاب من أحد أسبابه أمور سابقة التجهيز كسماع الأغاني أو ما شابه من المثيرات، فقد يكون الأمر ليس كذلك، فمثلاُ أنا أيضاً أحببت أحد أقاربي ولم أكن أتعرض لأي مثيرات (لأنني لا أسمع الأغاني ولا أحتك بالرجال أو الشباب إلا نادراً) إلا إذا كانت بعض المسلسلات تعتبر من الأمور المسببة للتفكير سابق التجهيز بالنسبة لأمور الحب والزواج!! بل كان شغلي الشاغل الدراسة وحسب!!
ربما قد يكون فقدان والدها له تأثير كبير من شعور بالحرمان وفقدان المثال الرجولي الأكبر في حياتها (حتى لو كان دوره ثانوي في حياتها كما هو حال كثير من البيوت من كون الفتاة مع أمها وهي المتدبرة لشؤونها.... لكنني أقصد وجوده ورؤيتها له)، فأنا أيضاً والدي متوفى منذ بضع سنوات وتراودني نفس حيرتها بخصوص من أحب، فأحياناً أرى أنه الأمثل والأفضل وأن عيوبه يمكن تجاوزها وتارة أخرى أحس أنها لا يمكن قبولها لأنها تضايقني أو تخيفني بل أنني أحس كأنني أعيش في وهم رغبتي في الإهتمام بي من قبل شخص يراني أهم شيء في حياته وأستحوذ على حبه، ونظرته لي بأني أفضل من رأى من الفتيات!!
أيضاً قد يكون ضعف ثقتها بنفسها (كما هو حالي حسب ما أظن) هو سبب ترددها لخوفها من خطأ في اتخاذ القرار أوعدم الثبات فأنا حسبما فهمت فهي ليست متناقضة بقدر ما هي مترددة في أمورها وأظن أنا ذلك راجع لضعف الثقة وعدم رضاها عن نفسها.... هل تفسري صحيح يا أستاذتي؟؟ أنا أحاول أنا أفهمها بقدر ما أحاول تفسير أمور بداخلي.
أشكر لك سعة صدرك وأتمنى ألا أكون تفلسفت بكلام فارغ كما هي عادتي أو لأقل هوايتي!! فما أكثر المتحدثين المتفلسفين وما أقل العاملين!! فأنا أحس للأسف أنني منهم.... نسأل الله الهداية..........
وأجدد لك شكري سيدة حنان فأنا من قراء ردودك "الكثيرة" على الموقع وأسأل الله أن يتقبل منك ومن جميع العاملين بالموقع... فإن جهودكم رائعة.........
وفقكم الله،
السلام عليكم
17/8/2006
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم بردودي "الكثيرة" فعندها سأتوقف لأبحث عن باب آخر للتطوع وأي لوم يجب أن يوجه لمن يرسل لي كل هذه الاستشارات!!
عند التعامل مع النفس لا بد لنا من الدقة ولنأخذ مثال على ذلك رأيك بأن فقدان الوالد سبب أكيد في الحيرة ونقص الثقة وأنا لم أرفض هذا تماما ولكني ذكرت بأن فقدان الوالد لا يكون له نفس التأثير بشكل تلقائي على الجميع، وهذا رأي علم النفس في مختلف الخبرات فهي تترك وتستثير فينا أمورا مختلفة كل حسب بنيته النفسية واستعداده وخبراته المباشرة والنماذج من حوله والأساليب التي استخدمها بنجاح في التعامل مع المشكلات السابقة.
تقع ردود أفعالنا نحو مختلف الأحداث تحت عنوان كبير يسمى استراتيجيات التعامل coping strategies فقد يترك فقدان الوالد أثر سلبي على البعض وقد لا يترك أدنى أثر على البعض وقد يكون له أثر إيجابي في حث دافعية البعض فلا ينبغي لنا الجزم بتأثير متغير ما قبل أن نستبعد أثر غيره من المتغيرات، فمثلا خلال التربية لا يعنينا فقط وجود الأب كمنظر فالأكثر أهمية نوعية العلاقة التي تربطنا بهذا الوالد.
يحتاج الجميع كما ذكرت في حياة الوالدين أو بعد وفاتهما لدعم ومحبة طرف من الجنس الآخر، وفي مرحلة معينة من الحياة عندما تزداد رغبة وقدرة الفرد على الاستقلال لا يصبح حب الوالدين كافيا في إثبات وإشباع رغبات الفرد فالمتوقع أن الشريك المختار سيكون مصدرا لما هو مفقود أو شكلا مختلفا من الدعم المرغوب.
ورغم تشابه الخبرات بينك وصاحبة المشكلة بمن يشغلكم تبقى أسباب هذا التعلق مختلفة من حالة لأخرى، أقصد أنك تحبين لما ذكرته لها في سطوري بأن إضافة أثر التحفيز المتسمر للأغاني لموضوع الحب والمشاعر لما لدى الإنسان من حاجة أساسية في الاستقرار يزيدها إلحاحا فأنت تحبين حسب الخريطة النفسية التي تصف من ضمن الحاجات الحاجة لأن تحب والحاجة لأن تكون محبوبا كفتان ميزان للمشاعر.
والتحفيز لموضوع الحب بالمناسبة لا يكون فقط من خلال الأغاني بل أيضا من خبرات الناس حولك من خطبة أو زواج أو حديث وخلال الأدب المقروء والمشاهد. كان على مكتبي بطاقة تقول بالإنجليزية love is in the air فالموضوع شاغل للناس.
اكتساب الثقة بالنفس والأحكام أمر يخبره الجميع ويتم بشكل تدريجي. تأتي الثقة من أحد جوانبها من خلال النضج العام فتزداد ثقتنا في حكمنا على الأمور, ويهاب معظم الناس عند الإقدام على أمر أساسي وهام في الحياة مثل اتخاذ قرار الارتباط.
ترى واحدة من النظريات أن الحب عبارة عن انحياز معرفي أي أنك تحبين من يرى عقلك أنه يمتلك سمات على مختلف أنواعها إيجابية أو جديرة بالإعجاب من وجهة نظرك فالبعض يرى في المقاومة إرهاب والبعض يرى فيها جهاد كل حسب خلفيته المعرفية، فعندما تنظرين لما يوافق أحكامك العقلية في هذا الشخص ترين أنه جدير بالحب وعندما ترين ما يخالفك فيه تشكين في قرارك وتترددين وللخروج من هذا الصراع عليك بأن تحسبي ما يعجب عقلك فيه بعيدا عن موضوع اهتمامه بك مقابل ما لا يعجبك وبعدها عليك اتخاذ قرار أيهما أكثر أهمية في الحياة من وجهة نظرك ما يوافقك فيه أم ما يخالفك.
هناك حالة معجبة بشخص ولكن يزعجها فيه أمران الأول أنه لا يترك بقشيش في الأماكن العامة معتبرا أن مقدم الخدمة قد حصل حقه من خلال قيمة الخدمات المضافة للفاتورة، كما أنه متدين ولا تتصور أنها تستطيع الالتزام بالصلاة خصوصا صلاة الفجر وهي أمور من وجهة نظرك قد تكون إيجابية ولكنها تراها سلبيات.
كلمة أخيرة قد تخرجك من حيرتك بنيتي لا ضمانات في هذه الحياة ولذا علينا الاستفادة من كل وسائل المساعدة المتاحة أمامك مثل الاستخارة واستشارة ذوي الخبرة من ذويك بالإضافة للاستنارة بصوت العقل والتمهل في اتخاذ القرارات الهامة.
أنا أحسبك من العاملين لا المتفلسفين بما أنك أرسلت سطورك تشاركينا وتناقشينا فأهلا بك دائما وبمشاركاتك.