معاناة طويلة مع الوسواس القهري تبحث لها عن علاج؟
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
أولاً أشكر كل الفريق العامل بهذا الموقع مجانين نقطة كوم، خاصة الدكتور وائل أبو هندي الذي أحيي فيه نزعته الإسلامية، وأتمنى من الله تبارك وتعالى أن يبارك أعمالكم وأن يجعلها في ميزان حسناتكم يوم القيامة.
حاولت الاتصال بكم مرارًا ولم يحالفني الحظ، وكان من المفترض أن تصلكم استشارتي هذه في السادس من رمضان ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. قمت بالإيصال عوضًا عن ذلك بالبريد الإلكتروني الخاص بالدكتور وائل أبو هندي في15 من أكتوبر طالبًا من سيادته عنوانًا لأحد الأطباء النفسيين وإلى الآن لم يصلني الرد.
المشكلة:
لقد ترددت كثيرًا وأنا أحاول الكتابة لكم، حتى أنني كنت أقوم بذلك مرارًا غير أن محاولاتي تلك لم تكن لتلبث حتى تعصف بها رياح الدقة والتنظيم والإيغال في التفاصيل (وأنا أعلم يقينًا أنه عرض من أعراض الوسواس القهري), بالإضافة إلى شيء من الحياة الرتيبة التي لا ترقى إلى أن تولد دافعًا نحو الفعل. كما أن حالات الثقة التي كنت أمر بها بين الفينة والأخرى كانت من الأسباب التي أخرت الخطى. أضف إلى ذلك ضعف الجانب الاقتصادي.
الحقيقة إن ضعف الاتصال بين المريض النفسي والطبيب النفسي يرجع إلى عدة أسباب (أشرتم إليها في مقالاتكم الرائعة)، أما بالنسبة لي فزيادة إلى ذلك رؤيتي أن حالتي لم تكن لتحتاج استشارة من هذا النوع، رغم أني كنت على يقين من أنني أعاني من خلل ما؟، لكن كما هو معروف فالسرية التي تُميز مريض الوسواس القهري، والخوف من أحكام الآخرين، وضعف الثقة بالنفس، ومجموعة الوساوس التي هو أصلاً يعاني منها، و...........إلخ، كل ذلك كان كافيًا ليجعلني أتأخر في معرفة طبيعة الخلل الذي يسرق مني سعادتي، ولا يعتبر ذلك إلا مبررًا لنفسي أولاً ثم لأي طبيب نفسي عساه يلومني عن تأخري في طلب العلاج؟.
المهم أن هذا الوسواس الآن له دخل في أشياء كثيرة بحياتي، ولا أبالغ إذا قلت إن لي قصة مع جل الأعراض التي من الممكن أن تصيب مريض الوسواس القهري، غير أنها بتأثير متفاوت، وسأكتفي بذكر بعض الأعراض التي لطالما أرهقني البحث لها عن أسباب. والأعراض هي:
* الخوف من المرض: (أو توهم المرض ربما): فكلما قرأت عن مرض معين أبدأ التركيز في نفسي لإيجاد تلك الأعراض مع شيء من الخوف. مثلما حدث معي من قبل مع مرض الربو، ثم بعد ذلك مرض القلب. فهل هذا داخل ضمن الوسواس القهري من النوع المرضي؟ خاصة أن المخاوف تتغير بتغير الأفكار والأعراض. أما حاليًا فتتركز مخاوفي في الأمراض النفسية والعصبية، حتى أنني أحيانًا لا أجرُأ حتى على متابعة قراءة بعض الاستشارات من على موقعكم مجانين نقطة كوم لمجرد قراءة العنوان، كما تحدثني نفسي أحيانًا بإمكانية إصابتي باضطراب الفصام لتداخل الأعراض بينه وبين الوسواس القهري أولاً ولإمكانية ظهور بعض الأعراض الشبه ذهانية في بعض الحالات النادرة وتحت ظروف معينة عندي.
ثانيًا بالإضافة إلى الخوف المرضي نفسه الذي قد يدفعني ربما إلى بعض التهويلات والتضخيمات ثالثًا؟ أما فيما يخص الاستبصار الذي يعتبر الركن الأساسي للتفريق بين الاضطرابين السابقين فيمكن أن أقول أنني أتمتع بالاستبصار "زيادة عن اللزوم" إن صح التعبير؟ كما أنني منطقي جدًّا وصارم مع نفسي، لذلك فقد أشك في عرض بسيط وأتخذ منه دليلاً للإصابة بمرضٍ ما. فالوساوس مثلاً التي تنتابني في الظروف الاجتماعية أحيانًا قد أعتبرها ذهانية رغم علمي بعدم يقينيتها، لكن ماذا أفعل؟. أما في حالة ظهور بعض الأعراض الذهانية عند مريض الوسواس القهري فهل يؤثر ذلك على الجرعة العلاجية؟ أم يؤدي إلى تغيير التشخيص؟.
* التركيز وعدم النسيان للوسواس المتعلق بالخوف من خروج المني (أكرمكم الله) خاصة عند ركوب الحافلات!!؟؟.
الجهل + التربية اللامبالاتية التي تلقيتها+ الصحبة الفاسدة في مرحلة المراهقة + الفساد الأخلاقي الاجتماعي(عري وما شابه)+الرغبة الجنسية غير المضبوطة بالتربية= استمناء، بعدِين إدمان لهذا الأخير في ظل عدم التوجيه والرقابة.
بالخروج من مرحلة المراهقة وبزيادة الوعي والنضج: محاولة الكف عن العادة. بعدِين مقاومة وفكرة تسلطية نحو الفعل، في مقابل عدم الاستجابة من طرفي.
النتيجة: خوف من خروج المني، وللعلم فقد حدث معي ذلك أكثر من مرة لكن الحالة الآن أحسن بكثييييير، لكنه الوسواس الذي لا يريد مفارقتي.
مش عارف الحقيقة ما إذا كان لابد علىّ ألاً أذكر أشياء مثل هذه، ومش عارف درجة الغرابة التي تثيرها في نفوس الذين لا يعانون مثل هذه المعاناة، لكن أستسمحكم عذرًا أن ذكرتها وكلي أملٌ من أن يتسع صدركم لمعاناتي كما اتسع لغيرها من قبل، كيف لا وأنتم الذين فتحتم صدوركم للكثيرين أمثالي، فشكرًا بالنيابة عن كل من أعنتم ووجهتم.
* القلق الاجتماعي (خاصة بالكلية لأن له علاقة بحالات الضرب التي كنّا نتعرض لها بالابتدائي)زيادة إلى تجنب الآخرين في بعض الأحيان.
يأتيني أحيانًا الإحساس بأني مراقب، كما أمارس نوع من الرقابة الذاتية لمواقفي الاجتماعية وكذا تضخيم لبعض المواقف، أضف إلى ذلك تحاشي النظر إلى أعين الآخرين (خاصة الأساتذة) بالإضافة إلى أن عقلي يقوم بإعادة شريط المواقف المتجددة التي مرت معي خلال اليوم، لذلك أخشى من الجديد إلى درجة التفاعل بصعوبة مع الأفراد الأجانب. مؤخرًا وفي بعض الأحيان (حالات الاكتئاب) أشك في دوافع تصرفاتي، وكرد فعل لهذا الشك فقد أصبح من المحتمل أن أشك في شك الآخرين في تصرفاتي، كما وقد تدفعني بعض المواقف الاجتماعية في بعض الحالات، ومن خلال مقدمات معروفة إلى استنتاجات خاطئة كثيرًا ما أقاومها بطرق منطقية. أما في أحيان أخرى ومباشرة بعد موقف اجتماعي حرج قد تأتيني الشكوك في شكل أحكام سلبية يحملها الآخرين عنّي. فهل هذه الأعراض ذهانية؟ خاصة أني لا أبني عليها بمعنى أني أتجاهلها، لكن المشكلة أنها مستمرة ولا تخضع لأي شكل منطقي.
* في بعض الأحيان وفي حالات من الضعف وقلة الحيلة تأتيني نوبات من التفكير السلبي الحاد أروح لأسرح فيها في سلسلة من التفسيرات والتأويلات الممتزجة ببعض اللوم والنقد التي كثيرًا ما كانت تسبب لي حالة من الأرق مع بعض الآلام في مناطق متفرقة من الرأس.
وللعلم فإن حالة الوسواس عندي مصحوبة بحالات من الاكتئاب الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى طريقة التفكير المثالية عندي التي كثيرًا ما تصطدم بالواقع لتنتج نوع من الميل إلى السلبية أوتوماتيكيًا والممزوجة طبعًا بشيء من الوساوس؛ ولا يعني ذلك أني سلبي 100%، بل أحاول أن أكون إيجابي قدر الإمكان.
* أحيانًا تأتيني تساؤلات غريبة ونادرًا أحس أني لازم أتعلم كل شيء، كما تضايقني في بعض المرات بعض الاندفاعات العدوانية. أما إذا كنت على موعد رسمي فتسبقني إليه كل التصورات الاحتمالية التي تثير مخاوفي، مصحوبة بالصور إذا سبقت معرفتي بالمكان كما بالأشخاص.
* أما عن الأعراض المادية فبعض الجفاف بالنسبة للشفتين، وبعض الآلام في البطن وبالجانبين في حالات الخوف، بالإضافة إلى هبوط مستوى القدرة المناعية في فصل الشتاء مما يسبب الإحساس الزائد بالبرد، ما لا يحدث في الحالات العادية والتي تكون أكثر برودة.
أنا إنسان متدين ومحافظ على الصلوات والحمد لله، وأريد أن أحيا مثلما يحيا بقية الناس، أريد التخلص من هذه الوساوس. فمن الوسواس المتعلق بالخوف من المرض، إلى الأفكار الاجترارية والتسلطية (أغلبها جنسية وإن خفّت) والاقتحامية (متنوعة بتنوع المواقف)، إلى الوسواس في العبادات، إلى الوسواس الدراسي،... إلى القلق الاجتماعي (خاصة تحت الأضواء)... بمعنى أن حالة الوسواس عندي متطورة جدًّا، نتج عن ذلك ضعف الثقة بالنفس مما أثر سلبًا على تقديري لذاتي.
لكم أن تتصوروا إذن حجم المعاناة التي أعانيها، فجل طاقتي الفكرية وتركيزي موجه إلى ذلك، مما أدى إلى ضعف أو ثقل التجاوب في معظم المواقف المتجددة التي أتعرض لها مع عدم القدرة على إبداء المشاعر حتى، وكذا كثرة النسيان........ فحالتي هنا إذن تشبه حالة جهاز كمبيوتر يحمل العديد من التطبيقات في الذاكرة الحية مما يجعل سرعة معالجته تقل بصورة ملحوظة. في هذه اللحظة بالضبط أدقق النظر في وجه المخاطب، ويحدث لي نوع من الاضطراب التفكيري والسلوكي إن كنت في موقف اجتماعي، وليس أي موقف اجتماعي بل الموقف الذي في ظني وجوب التصرف فيه بلباقة.
ولا يعني هذا أنني مستسلم للأمر، بل إنني أجاهد نفسي قدر المستطاع وأحاول أن أخلق جوًّا يجعلني أشعر بالراحة في كثير من الأحيان. والحقيقة أني أمر في بعض الأوقات بحالات من الثقة إلى الدرجة التي تجعلني أتردد في عمل أي استشارة نفسية.
أما عن التاريخ المرضي فلم يسبق لي أن استشرت طبيبًا نفسيًا، عدا الاتصال بإحدى ممارسات البرمجة اللغوية العصبية على أنني أعاني من الرهاب الاجتماعي، ولم يكن وصفًا دقيقًا، كما لم تستطع هي تقديم سوى بعض الإرشادات التي لم تبلغ إلاّ إلى رد ثقتي بنفسي لبعض الوقت.
وفيما يخص زمن ظهور الأعراض فقد بدأت معي بالتحديد في بداية سن المراهقة في شكل خوف من مرض الربو إلاّ أنّها لم تظهر بالشكل المقلق سوى عند دخولي إلى الكلية، وربما الإحساس بعدم المسؤولية وكذا ببساطة المواقف الاجتماعية هو سبب عدم ظهور الأعراض بنفس الكمية والقوة التي ظهرت معي في الكلية. وللإشارة فإن أمي تعاني من شيء من الوسواس في شكل تجنب للأشياء الملوثة كما تظهر عليها بعض الأفعال القهرية كغسل اليدين عقب لمس أي شيء تظنه ملوث، أما في رمضان فحدث ولا حرج، كثرة البصاق وتجفيف للفم عقب كل وضوء،....الخ. وللإشارة فإنه لم تسبق لها زيارة أي طبيب نفسي فهل هنالك إمكانية الشفاء بالنسبة لها خاصة وأنها متقدمة في السن؟
أخيرًا حاولت جاهدًا شرح الحالة التي أعاني منها لكي يتسنى لكم التشخيص الصحيح لحالتي الذي يطمئنني ويمكنني بعد ذلك من طلب العلاج الصحيح، وإن كانت لديكم بعض المعلومات التي قد تفيدني أو شرح للحالة التي أعاني منها فسأكون لكم من الشاكرين إن تفضلتم بموافاتي بذلك، ولكم مني كل الشكر والتقدير.
وبالنسبة لاختلاف الطبيعة البيولوجية لمخ مرضى الوسواس القهري عن غيرهم، والذي تحدث عنه الدكتور وائل في إحدى مقالاته، هل من الممكن أن تعود هذه الطبيعة لحالتها الطبيعية بعد العلاج؟.
أما عن الطبيب النفسي فليست لدي أي معلومات عن أي طبيب نفسي في منطقتنا، لذلك سأكون لكم من الشاكرين مرة أخرى إذا تفضلتم بإعطائي عنوان أحد الأطباء النفسيين (إن كان بحوزتكم) الذين يمكنهم مساعدتي.
ولكم مني جزيل الشكر والتقدير ولمجيبي مزيد من الشكر لصبره وجلَدِه،
وأدعو الله سبحانه أن يعينكم وأن يسدد خطاكم. آآآمين.
27/10/2006
رد المستشار
أخي العزيز "عبد الله"؛ تحية مباركة من عند الله طبية وبعد،
من الواضح أنك تعاني من اضطراب الوسواس القهري مصحوباً بأعراض الوساوس الجنسية والدينية والدراسية والخوف من المرض والأفكار الاجترارية، مع إحساسك بحدوث اضطراب في ذاكرتك، وأحياناً آلام جسدية في مناطق مختلفة وانخفاض في المناعة؛ وبالتالي يزداد توهمك في حدوث الأمراض الخطيرة لديك وأنت بحمد الله سليم معافى جسديا ولكنه الوهم اللعين!!!، ولديك أيضاً شيء من الرهاب الاجتماعي.
والذي يجعلك تتجنب المناسبات الاجتماعية التي يتجمع فيها الناس كالعزاء والأفراح وأعياد الميلاد.......... وغيرهم من المناسبات الاجتماعية، وأحياناً تجنب التحدث أو الكتابة أو تلاوة القرآن أمام الآخرين.
كما أعتقد أنك من أصحاب الشخصية التجنبية، والتي تتجنب الإقبال على تكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين وتُحجم عن ذلك خوفاً من الرفض من الآخرين وليس رغبة في الانطواء في حد ذاته، وهذا يجعلك تُقحِم عن الإيجابية والإقدام على الإمساك بزمام المبادرة في كثير من الأحيان، وبالتالي يزداد شعورك بالسلبية، وكل هذه الأعراض تؤدي إلى اهتزاز ثقتك بنفسك وتشاؤمك وتوقعك للأسوأ دائما، مع الشعور بالنقص وجلد الذات أحياناً، وإذا زادت الحالة عن ذلك فقد تؤدي إلى اكتئاب مزمن مصاحب للوسواس. أما الأعراض الذهانية فهي غير واضحة عندك، وأبشرك أن الوسواس كثيراً ما يحمي الشخص المصاب به من ظهور الأعراض الذهانية غير المرغوبة.
أخي عبد الله أنصحك بالبحث عن طبيب نفسي ببلدكم ثم التوجه إلى عيادته مباشرة، وللأسف فأنا لا أعرف أحداً منهم، فأنا قد قابلت زملاء من المغرب وتونس وليبيا والسودان ومعظم الأقطار العربية الأخرى لكنني لا أتذكر أنني قابلت أي طبيب نفساني من الجزائر!!!.
وأقترح على الأخوة الأطباء النفسانيين العرب المتابعين لمجانين أن يرسلوا بتعريف بسيط لأنفسهم: كالاسم والتخصص الدقيق -نقصد به أطروحة الماجستير أو الدكتوراه- وعنوان عياداتهم الخاصة ورقم الهاتف والبريد الإلكتروني؛ وذلك لسهولة التواصل مع الزملاء والمرضى لمن يرغب في ذلك، وأعتقد أن الدكتور وائل أبو هندي سيرحب بذلك، ويمكنه نشر ذلك في صفحة "مستشارونا" مؤقتا إلى أن يتم تخصيص مكان منفصل لذلك.
أخي الفاضل عبد الله أعتقد أن الوسواس القهري لديك ولدى والدتك من الدرجة المتوسطة، ولذلك فأنتما تعانيان منه في تحمل وصمت لسنوات وسنوات دون التوجه لعيادة طبيب نفساني واحد!!!، ولكن حان الوقت لطلب العلاج الدوائي والنفسي، فالبشر في العالم المتقدم اليوم يسألون ويطالبون بجودة الحياة، وأصبح هناك سؤال يطرح نفسه على كل البشر وبإلحاح وهو: لماذا نتعذب ونعاني بينما العلاج من العذاب والمعاناة متوفر ومتاح؟؟!
أخي الطيب "عبد الله" ستجد الكثير والكثير - على موقع مجانين - عن الوسواس القهري من "استشارات" إلى مقالات "طيف الوسواس القهري" إلى "مقالات عن العلاج السلوكي المعرفي"، ومن يقرأ ذلك كله من المرضى الموسوسين سيكون بلا أدنى شك مريضا مثقفاً ثقافة واسعة عن اضطراب الوسواس القهري من حيث أسبابه وأعراضه وطرق علاجه المختلفة.
المهم الآن أن تسأل عن طبيب نفساني جيد في الجزائر و تتوجه لعيادته فوراً لتبدأ العلاج معه، وعلى الله الشفاء بإذن الله، ونتمنى أن نسمع منك عن تحسن كبير في الأعراض المرضية التي لديك بعد بضعة أشهر من شروعك في العلاج.