قبل وبعد الزواج يبقى الوسواس بلا علاج
يبدو أن هناك شيء ما يجذبني إلى تعليقات الدكتور قاسم كسروان، فها أنا ذا أشعر -مرة أخرى- أن لدي ما أقوله لأختي في الله والإسلام والإيمان.. وقبل أن أبدأ اسألها أن تهدي السلام لمدينة حلب العريقة التي تشرفت بزيارتها والإقامة في ربوعها منذ عدة سنوات فشعرت أني أمشي وسط قطعة من تاريخ بلادنا الغالي. ولندخل في الموضوع، أولا يجب أن تتأكدي من شيء واحد تمام الثقة وهي أنك بالفعل مؤمنة بالله تعالى إيمانا عظيما.. وإلا فما تفسير كل هذا الشقاء والبحث المستميت؟.. وإن لم يكن دليل عشق فدليل ماذا؟..
الإنسان غير المهتم بالدين لا يشغل نفسه كثيرا بهذه الأمور وربما فكر فيها بطريقة عابرة، أما شقاؤك فيذكرني بحال شيخ الأدباء العرب نجيب محفوظ الذي تألم بسبب محنة الاعتقاد الذي كان مشكلة أبطاله الدائمة بسبب دراسته الفلسفية وانتشار الأفكار الإلحادية في الثلاثينات من القرن الماضي حينما كان هو نفسه في فترة التكوين، وتحولت أعماله الكبرى (الثلاثية وأولاد حارتنا والطريق والشحاذ وثرثرة فوق النيل وميرمار) إلى ما يشبه صرخة إنسان يتألم ويريد من الآخرين أن يساعدوه، ولم يفطن -حتى وقت متأخر من حياته- أنه كان بالفعل يحب الله تعالى وقطع إليه السبل ..ولم يظفر بالراحة إلا في قربه..
وكانت مشكلته الحقيقية أن أحدا لم ينبهه وقتها إلى تلك الحقيقة البسيطة والواضحة: أنه بالفعل مؤمن بالله تعالى.. ولكن الإيمان في النهاية غيب.. وقد أراد الله تعالى أن يجعله غيبا.. وهو سبحانه (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون).. وإذا أراد بشيء يمسكه في يده فلن يجده لا هو ولا غيره.. ولو أراده في قلبه فهو كان موجودا -دون أن يدري- منذ الدقيقة الأولى..
نفس الكلام أقوله لك يا سيدتي, أنت بالفعل مؤمنة بالله وما تلك الأفكار إلا اضطراب كيمائي في خلايا المخ أنت غير مسئولة عنه شرعا إلا لو كان مريض السكر مسئول أمام الله تعالى عن نقص إفراز الأنسولين!!
ولكن تبقى كلمة في مسالة الاعتقاد، يجب أن نتفق أولا أن الإيمان غيب، وشخصيا أعتقد أن هذا الإلحاح المتكرر على طلب المعجزة هو قاسم مشترك بين مشركي مكة (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) وبين حواري المسيح (هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟) بل أرجو ألا أكون قد أسأت الأدب لو قلت إني لألمح نفس الظل -مع الفارق- في التكلف الواضح في التفسير العلمي للقرآن، وفي إلحاح مريدي الطرق الصوفية على إثبات معجزات الشيخ الولي.
عزيزتي الإنسان ليس بحاجة على الإطلاق لصناعة الخوارق ليؤمن إيمان اليقين برب العالمين، ودعيني في عجالة أحكي لك تجربتي الخاصة، وحينما أزعم بعد رحلة طويلة أني -أؤمن بالله بالبديهة: فهذا يعني أني أؤمن بـ (لا إله إلا الله).
- أؤمن بمحمد عن بصيرة : فهذا يعني أني أؤمن بـ (محمد رسول الله) وأعترف أني رغم إيماني بكليهما فأني أؤمن بلا اله إلا الله أكثر.. أو بمعنى آخر فإن (لا إله إلا الله) هي البديهة التي ينطق بها الكون.. كل زهور الحدائق ورقصات العصافير ونداءات الكروان. صفاء اللون الأزرق.. وزهو الأحمر وتبتل الأخضر وطهر الأبيض.
التناسق العجيب المدهش في عالم الجماد والأحياء..رقصات الذكور وقت التزاوج.. سقوط الأوراق في الغابات الاستوائية.. غرائز الحشرات..رحلة الضوء عبر المجرات.. موسيقى الأفلاك.. حتى السؤال الحائر: هل يوجد إله؟.. مجرد طرحه يحمل أجابته.. كيف فكر فيه هذا الكائن المدهش الذي ابتكر الفكاهة وعرف الذكريات وعمر كوكب الأرض ووقع في الحب؟
(لا إله إلا الله) هي بديهية الكون ينطقها بألف ألف لسان. وبكل اللغات.. بلون برقصة بلمسة بلحظة بحدث.. الكون يكتبها بكل طريقة ممكنة والأرواح تقرأ هذه اللغة الكونية المدهشة حتى لو لم نفطن لذلك.
والآن ماذا عن (محمد رسول الله)؟
هل أراها بديهة؟..كلا طبعا ..فأي دين هو في النهاية رجل زعم أنه متصل بالسماء.. وأنه رسول من عند الله العظيم الجليل.. وهو زعم عظيم لا يمكن لعاقل أن يصدقه دون دليل.. وكان دليل هذا الرجل هو القرآن الكريم.
والقرآن الكريم هو دليل نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وبالفعل لا يمكن محاكاته على الإطلاق.. ليس بسبب أناقة الوعاء فحسب كما توهم القدماء ولكنه لأن المحتوى لا يمكن محاكاته وحتى لو تمت محاكاته فستبقى الحقيقة وهي أنها محاكاة.
نحن أمام كتاب يخبرنا:
أولا عن صفات الله تعالى ويعرفنا به.. وإذا تأملت آيات القران الكريم بحياد فستجد أنه أعطى الصورة المتكاملة التي لهثت البشرية وراءها فهو سبحانه وتعالى الخالق وهو الواحد الأحد وهو الغفور الرحيم وهو شديد العقاب. إله متكامل الصفات لا حد لكماله وجماله وقدرته ورحمته وهيمنته وفاعليته..(هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة.. هو الرحمن الرحيم.. هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون. هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السموات وما في الأرض، وهو العزيز الحكيم) سبحانه وتعالى...........
وإذا تتبع الإنسان صورة الإله في أفكار الفلاسفة وفي الديانات السابقة فسيجد الفارق بين ما صورة الإله هنا وهناك ..ففي العهد القديم هو يندم ويصارع أنبياءه إلى آخره وهو في أفكار الفلاسفة يحيا في غيبوبة سعيدة منقطع الصلة عمن خلق.. إنني أؤمن بيقين أن صورة الإله التي يعتقد فيها أصحاب الديانات الأخرى هي صورة الإله في الإسلام وليس صفاته في كتبهم.. وبالطبع فالإسلام دين عالمي امتزجت مياهه بالمياه الأخرى وطبعتها بطابعه.
صورة النبي في الإسلام هو ذلك العبد المؤمن الذي يبلغ رسالات الله فقط ولا يملك لنفسه ولا للآخرين نفعا ولا ضرا فهو في النهاية عبد مذعن لله.. فخور بعبوديته ولا يعرف الغيب ولا يملك آيات خارقات (قل لا أقول لكم عندي خزائن الأرض ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي)، وبالطبع فهي صورة مختلفة عن أنبياء العهد القديم الذي كرست صورة العراف الذي يعرف الغيب المرهوب ويحذر منه.. ويدهش الآخرين بالخوارق والآيات، والكون في القرآن حي مأنوس ساجد لله وهو زعم يؤكده علم الفيزياء كما تؤكده علوم الأحياء.. ولا تكاد تنتهي آيات القرآن التي تلفت الأنظار لآيات الكون وتربط الإنسان بهذا الكون الذي يعبد الله ويسبحه كل بطريقته ولغته (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم)، (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض)..
والإنسان في القرآن الكريم خليفة الله في أرضه وهو مكلف أمام الله تعالى بما يستطيع (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وسينال جزاءه بالعدل وفوق العدل الإحسان..(فمن يعمل مثال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، (وما أصابكم من سيئة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
والحق أنه لا يمكن الإحاطة بكل محتويات القرآن في مقال ولا في كتاب.. ولكن لو تذكرنا أن هذا الكتاب الجميل جاء به رجل أمي مهنته التجارة والرعي، في الصحراء التي لم تشهد حضارة كالتي شهدتها حواضر الوطن العربي، وكان ذلك منذ 14 قرن قبل انفجار ثورة العلوم الحالية، حينما كانت كل التفسيرات للكون خرافية، هذا الرجل يأتي بكتاب يقرأه أساتذة الجامعة والمفكرون الكبار ثم لا يجدون خطئا واحدا فيه فلا تفسير عقلي مقبول سوى أنه وحي السماء، فلو كتبه محمد حسب ثقافة عصره وتصوراته الشخصية عن الكون لوقع في أخطاء فادحة لن أقول في كل صفحة وإنما في كل سطر.
وفي النهاية أرجو أن تجدي في هذا الكلام ما يريح فؤادك ويعفيك من إحساس الذنب الذي لا يد لك فيه، وثقي يا سيدتي في رحمة الخالق فإنه أكبر مما يخطر ببالك، هذا الإله العظيم الذي خلق كل هذا الكون الشاسع السحيق، ما الشمس بكواكبها التسعة إلا واحدة من 200 مليار نجمة في مجرتنا درب اللبانة.. هذه المجرة التي تبدو كعنقود عنب خرافي تتناثر حباته المتوهجة في أرجاء الكون المتسع هي واحدة من 125 بليون مجرة يقدر الفلكيون وجودها يربطهم غراء كوني محير.
فكيف يكون لك عزيزتي رب عظيم هكذا ولا يرتاح فؤادك؟
ولا تنساني من صالح دعائك
13/12/2006
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الدكتور الأخ "أيمن الجندي" حفظك الله؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة أبعثها إليك من جنوبي لبنان الصامد، مع أخلص الشعور المعطر بالأخوة الإسلامية. كم أنا شاكر لك لتعليقك على هذه الرسالة، والذي أعجبني كثيراً لما فيه من غنىً معلوماتي وروحي. معكم أحس بأننا فريق متجانس متعاون، نتكامل في خدمة الله عزّ وجلّ.
وفقك الله يا "د.أيمن" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.