السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير الجزاء على موقعكم الرائع، وبصراحة استفدت منه كثيرا.
مشكلتي التي تتعبني وتحيرني تتلخص في هذا السؤال.. هل أعاني من خلل نفسي أم أني كذابة؟ وكلا الأمرين يحتاج علاجا فوريا، وخلاصة ما أعانيه أني كتومة، وليس لدي إلا القليل من الصديقات، وكثيرا من الأحيان أحتاج مساعدة ممن هم أكبر مني، لكن نصحهم وحلولهم لا تعجبني، وأعاندهم ولا أتقبل نصحهم، لكني أسمعه.
يمكن لفقدي الحنان الأسري من الصغر، حتى إني أسخر من العواطف، وأعتبرها "ضعفا وسخافة"، بالرغم من عشقي للأطفال؛ لدرجة أني لو رأيت إعلانا فيه أم وطفل تدمع عيني؛ لكني أقول أني لا أعرف العواطف من المحيطين بي إلا إذا مرضت؛ ولذلك إذا شعرت بألم أقوم بكتمه، لكرهي لتلقي عواطفهم الموسمية.
وأود أن أضيف أن المحيطين بي عودوني على الاتكال عليهم في كل شي، لدرجة أني لا أعرف نوعية القماش الجيد من الرديء، بحجة أنهم الأكبر، وكم أنا تواقة للشعور بأني أصبحت كبيرة ويعتمد عليها. وأستغرب من أختي الكبيرة حين تشتكي من أني لا يعتمد علي، وأني لن أكبر، أستغرب كلامها، وأتساءل في نفسي من سبب ذلك؟ ولأني كتومة، وعندي عالمي الخاص أصبحت أكلم نفسي، على سبيل المثال: إذا رأيت منظرا مخيفا بالتلفزيون، أكلم نفسي بعبارات غير مسموعة، من يسمعني وأنا أرددها يتخيل أني أتكلم مع أحد، أو إذا رأيت الأخبار أتكلم قائلة: "الله أكبر عليكم يا اليهود"، غيره من العبارات، وإذا رأيت منظرا حزينا تجدني أقول عبارات تقال عند الحزن والأسى.
وإذا ما تكلمت تجد كل أنواع التعابير على وجهي حسب المنظر الذي أتكلم عنه، حتى لما أختار ملابسي أتكلم، ولاحظت أني أتكلم مع نفسي داخليآ، أو أقيم حوارا مع نفسي، وأحيانا أتخيل نفسي مع ناس، وأتكلم معهم لدرجة أني أستخدم يدي أحيانا، وكأني بنقاش حقيقي ومعي ناس وصديقات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن كثرة كلامي لنفسي تعودت انه معي صديقه ـالتي هي نفسيـ أنصحها وأدللها، وأبكي معها، وأعاقبها، وأحرمها من أشياء تحبها..، حتى أني كنت أراسل صديقه لي، وقلت لها أن واحدة قالت لي كذا وكذا، وأنا أعني نفسي، أني كذبت عليها وشعرت بتأنيب الضمير، وحزنت كثيرا من نفسي، بالرغم من كرهي الشديد للكذب، فهل هذا معناه أني كذابة؟ وكيف أشرح لها ولغيرها حالتي؟ وهل ما أعانيه معناه أني عندي خيال واسع جدا وأني أعيش بعالم غير واقعي؟ وكيف أرجع للواقع المرير؟.
وأود أن أضيف شيئا أخرا أكرهه في نفسي، هو أني أستبق الحكم على الأمور قبل أن تقع، من خوفي من ردة فعل الآخرين. أعذروني على عدم ترابط الجمل والعبارات، لكني كتبت لكم لثقتي برأيكم وحلولكم الرائعة،
وإن شاء الله أجد عندكم حل لهذه المشكلة العجيبة،
وبانتظار الرد وجزاكم خيرا.
21/4/2007
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك، حكمت على مشكلتك بالعجيبة، وكلنا يرى مشاكله السلوكية عجيبة ما دام يتمتع بقدر من الاستبصار، ولعل أهم ما في مشكلتك هو ما تصفينه أنت بالانطواء، والإسراف في العيش في ما تسمينه أيضًا عالمك الخاص.
من الجميل أن تدركي أن لديك ما يحتاج علاجا فوريا، ولكن المهم هو أن تعرفي أن ذلك لا يمكن أن يتم من خلال التواصل الإلكتروني الذي تتيحه شبكة الإنترنت؛ لأننا بالكاد نستطيع أخذ انطباع عن الحالة، قد يصيب وقد لا يصيب. وبالتالي فإن أي تكهن عن الأسباب لا يمكنُ أن يكونَ أكيدا، إلا من خلال تواصل مباشر وفق ما تتطلبه حالتك.
ولاحظي أن ما تتهمينهم بأنهم حرموك من تعلم الاعتماد على الذات وجعلوك تحتاجين إلى الاستعانة بهم في كل شيء إلى حد اختيار الملابس، ومعرفة نوع القماش، تتهمين أنت طريقة أهلك في تربيتك بذلك، فلماذا لم تتأثر أختك بنفس الطريقة؟ أليس من المفترض أن الأهل يربون أبناءهم غالبا بنفس الطريقة، بل حتى إذا هم أخطئوا وصححوا خطأهم فإن الابن أو البنت الأكبر تكون هي الضحية غالبا؟ وهذا ليس الحال عندك أليس كذلك؟
والمشكلة الآن أنك انطوائية، كثيرة الانغماس في عالمٍ خاص، كثيرة التحدث مع النفس وفي ذلك ما يجعلنا نشتبه في احتمالات كثيرة في الحقيقة ولا نستطيع الفصل بينها واقرئي مثلا: "الكلام مع النفس بين الطبيعي والمرضي"، و"الحوار مع النفس ..علاج معرفي".
ولما كانت النفس أحيانا تستطيع القيام بدور المرآة لصاحبها فاقرئي أيضًا: "الكلام أمام المرآة: جنونٌ أم لا؟!" وتصفين الواقع بأنه مرير وأنا لا أتفق معك في ذلك فلعل المرير هو أن تحجمي عن العمل على تغييره، يمكنك أن تكتسبي ثقة بنفسك، ويمكنك أن تغيري أسلوبك مع الآخرين، وأن تقللي ولو بالتدريج من انطوائيتك، حتى تصبحي أبعد عن خطر الإصابة "بعسر المزاج".
إن استباق الحكم على الأشياء قبل أن تقع قد يكونُ شكلا من أشكال القلق، وقد يكونُ نوعا من التشاؤم المرتبط بالوسوسة، لا أستطيع التخمين خاصة أن ما ينبني على ذلك من سلوكيات تفعلينها غير واضح، لذا لا نستطيع الفصل خاصةً أنه قد يكونُ لدى البعض سمة من سمات الشخصية لا أكثر، تخيلي كيف أن البون شاسع بيننا وبين الوصول إلى شيء أكيد أو رأي سديد عميق في حالتك؟
مسألة انفلات التعبيرات منك كما تصفين حالتك مسألة محيرة، وتجعلنا نحتار ما بين مبالغة في التعبير من جانبك، في ظلال إحساسك بأنك كذبت في أطار أحديث دارت بينك وبين "هي" تلك التي هي نفسك.. ربما، إلى حد التفكير في أحلام اليقظة التي قد تكون مرضا.
وبصراحة أشعر أن حدود الذات لديك قد تكونُ اعتراها بعض الخلل، وهذا كلام يحتاج تفاصيل، فابحثي عن أقرب طبيب نفسي من محل إقامتك،
ووافينا بالتطورات الطيبة إن شاء الله.