السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
سؤالي: كيف أتعامل مع مريض الاكتئاب لمساعدته لتجاوز أزمته.. قريبتي تعاني من هذا المرض المخيف.. وهي تتعاطى العقاقير الطبية ولكن التحسن الذي ظهر عليها ليس هو التحسن المأمول.. أي لم تعد كسابق عهدها.. صحيح أن حالة الذهول التي كانت عليها انتهت ولكنها لا تزال كئيبة وحزينة.. المشكلة أن زوجها وأولادها لا يساعدونها على الشفاء بل بالعكس يزيدونها حزنا وكمدا كيف أتعامل أنا معها.. وكيف أقتحم عالمها.. لأنها وكما تعلمون فاقدة للثقة بالآخرين فكيف يمكن أن أحوز ثقتها.. وكيف أساعدها لتتماسك في وجه الظلم المحيط بها.. وجزاكم الله كل خير.. وأدامكم ذخرا لهذه الأمة.
ملاحظات:
الحالة التي أحدثكم بشأنها هي أم معذّبة جداً مع زوجها، بل لقد توالت عليها نوبات الاكتئاب، وكانت تشفى منها، إلى أن سقطت منذ حوالي 3 سنوات ولم تُشفَ حتى الآن. دخلت المشفى وهي تتعاطى الأدوية حتى الآن، ولكن كل ذلك لم يُعِدها إلى ما كانت عليه قبل ذلك؛ حيث كانت تشفى من اكتئابها.
لكن لم يكن شفاؤها تاما، إنما هو عبارة عن محاولات لمتابعة الحياة؛ فكانت تبتسم ولكن قلبها كان يبكي، وكانت تمزح ولكن... أما الآن فهي تبتسم بصعوبة شديدة، ولم تعد عندها تلك الروح المرحة، أنتم أدرى بالاكتئاب وما يفعله بصاحبه، وأستطيع القول بأنها حيّة ولكن بجسدها فقط، أما قلبها فقد مات، ونفسيتها دُمّرت تماما، والفضل في ذلك كلّه يعود لزوجها (عمي شقيق أبي).
لا أعرف إن كان ذكْر سبب اكتئابها مفيدا لكم في نصحي وإرشادي، ومع ذلك سأذكره واعذروني للإطالة. عمي "والد الطفلة" إنسان أناني جدا، عندما يرى إنسانا أفضل منه يحاول أن يحط من مكانته ليظهر تفوّقه عليه، فكيف إذا كانت زوجته أفضل منه؟! لقد اتبع كل الوسائل الممكنة ليدمّرها، هي مهندسة وهو تاجر وصل إلى البكالوريا فقط وبشق الأنفس، ولها دخلها الخاص؛ وهذا ما جعله يكاد يجن.. فقط ليستطيع السيطرة عليها، وتعلمون عقلية الرجل المتخلف الذي لا يكون رجلا إلا في إظهار قوّته على الضعفاء وعلى من يتولى أمورهم.. وبالتالي نشأت المشاكل الكثيرة ومنذ بداية زواجهم، بل إن الطفل الأول لهم وُلد في الشهر السادس ولم يعِش، وكان سبب هذه الولادة المبكرة شجارًا عنيفًا نشب بينهما، وهلم جرا.
بدأ بالانتقاص منها ومن مكانتها بل وبتجريحها، هي جميلة، ولكنها قصيرة القامة، فلم يترك يوما يمر دون أن يعيّرها بذلك، وكان جسمها قابلا للسمنة بشكل أكثر من العادي وبالتالي بقيت أكثر من 15 سنة في ريجيم متواصل، كل ذلك حتى لا يزداد وزنها وبالتالي تتعرّض لنقد زوجها المريع. و... و... و... وطبعا كل ذلك أمام الأولاد! وقسوة عمي لم تكن مع زوجته فقط بل مع أولاده كذلك؛ فهو قاسٍ جدًّا ويستعمل يده دائما في التفاهم معهم! ولكنه قاسٍ على زوجته أكثر.
ومنذ أربع سنوات سافر الابن الأكبر ليتابع تخصصه العلمي، وبعد سنتين سافرت أخته أيضا بسبب الزواج، وبقيت الأم وحدها،
وكان هذا السفر هو القشة التي قصمت ظهر البعير؛ فكانت حالة الاكتئاب الأخيرة هذه.
13/7/2005
رد المستشار
الأخت السائلة أهلا بك؛ ونشكرُ لك حرصك على مساعدة الآخرين وتقديمك العون لكل من تعرفين، بل واهتمامك الفائق بأمورهم، سؤالك هو كيف تستطيعين مساعدة قريبتك المكتئبة، والحقيقة أن ذلك يستوجبُ منا أن نبين لك ولمتصفحي استشارات مجانين جانبًا مهما جدا من جوانب اضطراب الاكتئاب الجسيم الرديد Recurrent Major Depressive Disorder، وهذا الجانب هو مدى التأثير التراكمي لنوبات الاكتئاب المتكررة على حياة المريض.
هناك من الدراسات ما يشيرُ إلى أن المتابعة الطولية لمريض الاكتئاب الرديد تبينُ أن خمس حياته على الأقل يضيع في نوبات الاكتئاب، فإذا افترضنا أن متوسط العمر عندنا ستون سنةً فإن المريض سيعيش اثنتا عشر سنةً من عمره في نوبات اكتئاب، وأما الفترة ما بينَ هذه النوبات فمعظم المرضى يرجعون إلى حياتهم الطبيعية ويقومون بأداء وظائفهم وأدوارهم في الحياة على أتم وجه، وبعضهم يكونُ شفاؤه غير مكتملٍ تماما خاصةً عند زيادة عدد النوبات التي تكررت عليه أي كلما تقدم به العمر،
صحيحٌ أن دور شريك الحياة أو الأهل مهم جدا في مساعدة مريض الاكتئاب على الخلاص من مرضه، وأن الحالة الأسرية لقريبتك تلك سيئةٌ للغاية، لكن الحقيقة أن مطالعة تفاصيل حالة قريبتك تلك تنبهنا إلى شيئين يجبُ أن يؤخذا في الاعتبار،
أما الأمر الأول فهو أن دور قابليتها هيَ كإنسان للاكتئاب الرديد قد تكونُ أهم من دور ظروفها الأسرية، صحيحٌ أن الظروف الأسرية السيئة تزيد من معاناتها كما تجعل الخروج من اكتئابها أصعب من غيرها، كما أن الأحداث الحياتية الصعبة مثل فراغ البيت من الأولاد كما حدثَ مع قريبتك تلك وبقاءها مع زوجها غير الداعم بالمرة، مثل هذه الأحداثُ كثيرا ما تكونُ كما قلت بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير، إلا أننا يجبُ أن نعترف بأن اكتئاب قريبتك تلك عضوي المنشأ أكثر منه ناتجًا عن الظروف النفسية السيئة.
وأما الأمر الثاني: فهو ما ذكرته من قابلية جسدها الشديدة حسب إفادتك للبدانة إضافة إلى قصر قامتها (فهذا فضلاً عن أنهُ يذكرنا بصورة جسد معينة يعرفها الأطباء النفسيون في مرضى الاكتئاب الدوري أو الرديد فهو صاحب البنية القصيرة البدين Pyknic Physique ) إلا أن له دورًا كما أخمن في تكرار نوبات اكتئابها، فقريبتك التي عاشت خمسة عشر عامًا كما ذكرت في ريجيمٍ متواصل كانت بكل تأكيدٍ تقطعُ عقاقير علاج الاكتئاب في كل مرةٍ بعد انتهاء النوبة، سببُ ذلك هو أن الأيام التي كانت تعالج فيها قريبتك من الاكتئاب كانت هيَ أيام مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة لأن غيرها لم يكن متاحًا، وكل هذه العقاقير تؤدي بعد فترةٍ من استعمالها إلى زيادة الشهية والوزن، ولما كانت قريبتك تعيش صراعًا دائمًا مع جسدها فقد كانت تترك العلاج، هذا فضلاً عن أن الحمية المنحفة (الريجيم) هيَ أصلاً أحد أسباب الاكتئاب خاصةً عندما تكونُ حميةً مزمنةً بالشكل الذي تصفينه في إفادتك، وعليك أن تشرحي لها ما ناقشناه على موقعنا في باب البدانة والنحافة، إضافة إلى عددٍ من الردود المهمة مثلا:
تأرجح الوزن ونوبات الدقر (الأكل الشره)
الإنجاز يعين على الإنجاز ، متابعة تأرجح الوزن
فخ الصورة: أول الملف، م
كلنا في فخ الصورة : توهم النحافة!
فخ الصورة : النحافة أيضا مشكلة
السيلوليت (تغمز الجلد): عبادة الصورة؟
كذبٌ واكتئابٌ داخلي : في عبادة الصورة
أولا لا تعبدي الصورة وثانيا تابعينا
ماذا نفعل مع الطعام في الأوقات الحرجة ؟
أفش خلقي في الأكل
وأنا أذكر لك هذه النقطة لأن أهم شيء نساعد به مريض الاكتئاب الرديد هو أن نقنعه بضرورة البقاء على العقار الذي كتب الله له التحسن عليه، وأما مدة بقائه فإن أحدث الأبحاث تنصح بالبقاء طويلاً قدر الإمكان، وكانت الأبحاث الأقدم قليلاً تقول: بعد النوبة الأولى يفضل الاستمرار على عقار الاكتئاب لمدة سنتين، وبعد النوبة الثانية يفضل البقاء على العقار مدةً تساوي ضعف المدة بين نوبتين، وبعد النوبة الثالثة يفضل البقاء على العلاج خمس سنوات أو أكثر، فأين يا ترى مكان قريبتك تلك؟
هناك نقطةٌ أخرى تظهرُ في إفادتك وهيَ أن الاكتئاب هذه المرة لم يزل تماما، والحقيقة أن هذا الأمر يحتاجُ إلى تقييم طبيبها المعالج الذي لابد وأنهُ يعرفها ويعرف حالتها جيدًا، فمن الممكن أن يكونَ ما تعاني منه الآن نوعًا من عسر المزاج الثانوي، أو بقايا من أعراض الاكتئاب، أو ربما تحتاج إلى زيادة جرعة العقار أو العقاقير التي تتناولها أو ربما تحتاج إلى علاج بالكهرباء، لابد من رأي طبيبها المعالج.
ويمكنك إن كانت قريبتك تلك من المتدينات أن تزيدي من تحسنها إذا نصحتها بأن تطيل في صلاتها فهذا يساعدها على التخلص من اكتئابها وحزنها وكمدها كما يساعدها على مواجهة تعليقات زوجها الجارحة فعن أبي هريرة رضيَ الله عنهُ قالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) صدقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.رواه البخاري ومسلم وابن ماجة.
وأما كيف تكتسبين ثقتها فإن الأمر هنا يدفعنا إلى أن نسأل أولاً لماذا تفترضين أنك تفتقدين ثقتها؟ هل لأنك قريبةُ زوجها مثلاً؟ ربما، فليس شرطًا أن يفقد مريضُ الاكتئاب الثقة في الناس بالمعنى المتعارف عليه فهو لا يشترط أن يشك في نوايا الآخرين ولكنه قد يفقد الثقة في قدرته أو قدرة الآخرين على فعل شيء أي شيء يخلصه من عذابه، وهذا بالطبع في حالات الاكتئاب الشديدة وليس في كل الحالات، إذن فما ننصحك بها هو المحاولة الدائبة والمستمرة من جانبك لأن تداومي على زيارتها والسؤال عليها، وأعطيها الشعور بأنك تريدين أن تكوني لها بمثابة ابنتها، كما أن محاولتك إصلاح سلوكيات بنتها الصغرى سوف يدفعها إلى الثقة بك فضلاً عن إسهامه في التخفيف عنها.
كما ننصحك بأن تنبهي ابنها وبنتها التي تزوجت حديثًا وتركت البيت بأن يثابروا على الاتصال بها وربما دعوتها لزيارتهم، هذا بالإضافة إلى ضرورة الاتصال بطبيبها المعالج وإخباره بحالتها وضرورة تعليمها أن عليها ألا تترك الأدوية هذه المرة لعل النوبة الأخيرة تكون الأخيرة فعلاً، ولعل الله سبحانه وتعالى يعينك في الوصول بها إلى التماسك كما قلت، وفقك الله وأعانك وجعل أفعالك في ميزان حسناتك يوم القيامة وتابعينا بأخبارها وأخبارك.