خوف من الموت
سعيدة لوجود مثل هذا الموقع وتوفير أذن صاغية لمثل مشكلتي. بصراحة شعرت بالعزاء عند قراءة مشكلات مشابهة لمشكلتي، وبصراحة أيضاً لأول مرة سوف أتحدث عن مشاكلي وما أشعر به بصراحة.
لا أعلم من أين أبدأ الحديث عن مشكلتي، عمري 27 عاماً، منذ سنة ونصف أم من فترة الطفولة، حيث أنني ومنذ كنت طفلة كانت تراودني وساوس أنني مصابة بمرض معين وأشتكي منه، ثم أذهب للطبيب ويقوم بإجراء الفحوصات اللازمة ويخبرني أنني معافاة والحمد لله، كما أنني كنت عندما تتحدث معي إحدى أخواتي بجرأة كنت أخبرهن أنكن ستندمن مستقبلاً نظراً للفكرة أنني لن أعيش طويلاً، ومع ذلك كنت متفوقة في دراستي وناجحة في علاقاتي الاجتماعية ومحبوبة من الجميع، إلى أن أنهيت دراستي الجامعية وحصلت على وظيفة، من بعدها تمت خطبتي وتزوجت.
بعد ثلاث سنوات بدأت مشاكل الزوجية منذ أول أسبوع، حيث اكتشفت أنني متزوجة من إنسان بعيد جداً عني في جميع النواحي؛ تفكيره، طريقة تعامله مع الآخرين، سلوكه، كنت أبكي تقريباً كل ليلة، وأحرم نفسي من الأكل مراراً، لا أدري لماذا، ربما عقاباً ذاتياً على موافقتي الزواج منه!، لكنني لم أخبر أحداً بتلك المشاكل ولا في حياتي جلست مع أحد لأتحدث عن مشاكلي، ربما ذلك ولّد لدي كماً كبيراً من المشاكل والضغط النفسي داخلي، ومع ذلك لم تكن لدي فرصة لفسخ هذا الزواج لأنني حملت من بدايته، وقلت لعل وعسى المولود يغيره، أنجبت طفلي الأول والمشاكل لم تنته، وعندما كان عمره سنة حصل هناك مشكلة بين عائلة زوجي ووالدي، قضيت فيها سبعة أيام من المرار واليأس، وتمت الصلحة بالنهاية، لنصبح بعدها بيوم وقد توفي زوج شقيقة زوجي فجأة ودون أية مقدمات لتبدأ مأساتي وخوفي من الموت حينها، لأفقد معنى السعادة من أي شيء.
حملت مرة أخرى بعد تلك الحادثة بثلاثة أشهر بتوأم وولدت قبل ستة شهور ولادة مبكرة في الشهر السابع، وبقي المولودان في الحاضنات في المستشفى شهرين كاملين، كان كل تفكيري خلالها بهما، أصبحت لا أرى تلفازاً، أصبحت زياراتي للآخرين والحديث مع الصديقات شبه معدومة، شهرين قضيتهما في صحة التوأم وكيف يشعران، ومتى سيغادران للمنزل؟ كنت أمكث معهما وقتها من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً لا أرى الشمس فيها، وأغادر البيت منهكة، حيث لا وقت لابني الأول الذي شعرت بالذنب تجاهه، حيث كان يقضي أغلب الأوقات في منزل والديّ بين إخوتي، كانوا سعداء به لأنه الحفيد الأول ولم يكن أحداً متزوجاً فيهم بعد. عندما أخبروني في المستشفى أن أحد الطفلين بصحة جيدة وسيغادر إلى البيت والثاني بعده بأسبوعين، يومها وفي طريق عودتي ذهبت مع زوجي لشراء عربة مشتركة لهما وكنت سعيدة بذلك، واستقلينا السيارة تحدث إليّ والدي بالهاتف يسأل عن الطفلين لأخبره وأغلق الهاتف، لأصاب بعدها بنوبة هلع شعرت من خلالها أني سأموت صرت أخبر زوجي أن "يهتم بالأولاد" وأصبحنا ندعو الله أن يرحمنا من أجل أطفالنا، بكى زوجي وقتها كثيراً وطلب الإسعاف، خرجت من السيارة مسرعة إلى الشارع أريد أن أهرب لا أعرف لأين إلى أن وصلت الإسعاف وأخذتني إلى المشفى أحضروا لي حينها طبيباً نفسياً أعطاني حبوب ريسيتال، ولأنني كنت مرضعة أخذتها ست إلى سبع أيام وتوقفت خوفاً على أطفالي.
الآن مرّ أربعة شهور على الحادثة لكن نوبات الهلع تتكرر معي بشكل يومي، لكني لا أخبر بها أحداً، أضغط على نفسي،وأعيش المأساة لوحدي، أعيش ضغطاً عصبياً حيث أنني مسئولة عن ثلاثة أبناء وأعيش حالة نفسية محطمة، أفكر بالموت طوال الوقت ويسيطر عليّ وسواس أن بي مرضاً خطيراً لا سمح الله، دائماً أخاف السفر مع زوجي والأولاد خوفاً من حادث، وأصبحت لا أطيق المعاشرة الزوجية مما أدى إلى استياء زوجي، أتحجج بالأولاد وأن ليس لي قوة لذلك.
أنا محطمة أضحك وأمارس حياتي طبيعية مع من حولي حتى والديّ لا أشعرهما أبداً بما أعيش به من مأساة لكني أتمزق بداخلي، أشعر أن لا معنى للحياة، وأنني سأموت في هذه اللحظة، حتى وأثناء كتابتي للرسالة.. لا وقت لدي الآن سوى العناية بأطفالي، أخذت إجازة سنوية من وظيفتي بدون راتب من أجل أطفالي، ولا وقت لديّ لأي شيء، وأصبحت عصبية وحساسة لدرجة غير معهودة، أتشاجر مع زوجي لأتفه الأسباب، وأصبحت الأخبار المفرحة لا تبهجني، والمحزنة لا أكترث بها، حتى أن عمي شقيق والدي توفي قبل حوالي شهر، ومع أنني كنت أحبه كثيراً، لكنني لم أذرف عليه دمعة واحدة، حتى أنني عندما ذهبت إلى منزله ورأيتهم يبكون أصبح يخيل إليّ هل سيبكون عليّ هكذا؟؟ ولماذا يبكون وكلنا سنموت؟!.
أنا محطمة وممزقة، في الأيام الأخيرة أشعر بحزن عميق في داخلي، كنت إنسانة ناعمة فوق ما تتصورون وأصبحت عصبية إلى حد أنني أخشى أن أصاب بالجنون!! فهل ممكن أن أصل إلى هذه الحالة؟ كما أنني دائمة الخوف من فقدان من حولي.
إضافة لما أشعر به أشعر أنني أعيش الحياة في حلم، أي أنني أكون في المكان ولست فيه، لا أدري إذا ما كنتم ستفهمون معنى ما أقول، كأنني أحلم أي أنني أنظر إلى المحيطين بي وكأنني لست معهم، هذه الحالة انتابتني أثناء فترة الثانوية العامة لكنها لم تكن مصاحبة لوساوس وأدت بي إلى حصولي على معدل منخفض لا يليق بمستواي، لكنني خرجت منها وكنت راضية وعوضت ذلك في الجامعة، وها هي تعود لي في هذه الفترة لكن بوساوس المرض والموت، مما يضاعف مأساتي، فما تفسير هذه الحالة؟ أنجدوني... هل أعود لأخذ حبوب ريسيتال؟.
لا تقولوا توجهي لطبيب نفسي لأنني لن أفعل، حيث لا أملك الوقت لخمس دقائق فكيف لساعات على مدى أشهر. أطلت عليكم سامحوني، لكنني لأول مرة أتحدث عن مشكلتي بهذه الطريقة.
أريد تفسيراً لحالتي.. وهل ممكن أن تزول بعد فترة من الزمن أم أنها ستلازمني دائماً؟.
20/12/2007
رد المستشار
الأخت العزيزة.....
كلنا بلا استثناء نتعرض يوميًا لمصادر متنوعة من الضغوط الخارجية بما فيها ضغوط الدراسة والعمل، والضغوط الأسرية، وضغوط تربية الأبناء، ومعالجة مشكلات الصحة، والأمور المالية، والأزمات الحياتية المختلفة، كما نتعرض يوميًا للضغوط ذات المصادر الداخلية مثل الآثار النفسية والعضوية والسلبية التي تنتج عن أخطائنا السلوكية، (فقد عانيت مشكلة الخوف من المرض في طفولتك، وزواج ترينه غير متكافئ، والوفاة لزوج شقيقة زوجك مؤشر لخوفك من الموت، ولادة طفلك الأول وولادة التوأم ومنه مؤشران، الطفل البكر لدى أهلك وحياة صحية معقدة للتوأم، ثم الهلع والخوف من السفر والموت المفاجئ ورفض المعاشرة الزوجية وتناول الدواء والتصور أنك في مكان ما وعدم التواجد به في آن واحد، كلها ضغوط متنوعة من قلق ووساوس المرض والخوف من الموت)، التوقع متعلق بالاستقبال، وهو تعلق بمجهول يوقع الإنسان فريسة للخيال والشك، وهما ظرفان ملائمان لنمو الخوف.
قد يؤدي الخوف إلى قلق دائم وبحث مستمر في طلب التطمين، إن الأشخاص الذين لديهم مخاوف من المرض قد يكونون في حقيقة الأمر في حالة صحية ممتازة، هذا الخوف- رغم ذلك- يكون مستمراً ويشغلهم عن أداء نشاطهم اليومي، والمصاب بهذا المرض يتحاشى رؤية هذه المخاوف، ويتجنب المشاركة في الدفن واتباع الجنائز، بل ويخشى من ذكر الموت لأنها تشترك مع حقيقة الموت وتوحي بشيء أليم في النفس الإنسانية.
وقد فرّق أخصائيو علم النفس بين هذا الخوف وبين قلق الموت من جهة العموم والخصوص؛ حيث خصصوا قلق الموت بخشية الإنسان من موته، أما أسباب الخوف من الموت فهي:
1- غموض حقيقة الموت.
2- الافتراق عن الأحبة والملذات والآمال وتحلل الجسد وفقدان القيمة الاجتماعية.
قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون}، فلكي تتخلصي من هذه الوساوس اسألي نفسك:
هل الموت من حقائق الحياة الإنسانية؟ أو هل يمكن تجنبه؟ والجواب مؤكد بالطبع، إذ ليس من إنسان عاقل يعترض على كون الموت أمراً مؤكداً وضريبة على كل كائن حي، وقطع الأفكار المتعلقة بذلك وعدم الاسترسال بتلك الأفكار السلبية. ويكون ذلك عن طريق:
1- الرياضة، أو ممارسة عمل ذهني آخر كحل مسائل في الرياضيات أو نحو ذلك، وتغيير المكان كالانتقال من ذلك المكان لمكان آخر.
2– اليقين الذي لا يدخله أدنى شك أن للإنسان مع الموت موعداً محدداً لا تعجله الإصابة بالأمراض ولا يؤخره كمال الصحة الجسمية.
3- العلم باليقين إذ أن ما للمسلم في الدار الآخرة خير له من هذه الدنيا.
4– الانشغال بأمور جادة كالإنجاز في العمل، والمساهمة في الأعمال الخيرية وخدمة أفراد الأسرة، واكتساب المزيد من المهارات والنشاطات.
أختي العزيزة، إن علاجك لا يعتمد على الدواء بقدر ما يعتمد على إتاحة الفرصة للمريض من خلال جلسات العلاج النفسي المعرفي للوصول لفهم حالتك، ومن أجل التعايش مع أعراضها، والاختصاصي النفسي له دوره الهامّ في مثل هذه الحالات، من أجل حماية المريض من نفسه ومن رغبته المدفوعة بالخوف من المرض والتفكير بالموت والتواصل الناجح مع أطفالك وزوجك وأهلك.
مع تمنياتي لك بالصحة والشفاء.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، ليست لدي إضافة بعد ما تفضل به مجيبك د.عبد الكريم الموزاني إلا أن أشير إلى عرض اختلال الإنية المزعج الذي تعانين والمستنتج من قولك: (إضافة لما أشعر به أشعر أنني أعيش الحياة في حلم، أي أنني أكون في المكان ولست فيه، لا أدري إذا ما كنتم ستفهمون معنى ما أقول، كأنني أحلم أي أنني أنظر إلى المحيطين بي وكأنني لست معهم).... للأسف لا أستطيع الوعد بأن تتحسني دون علاج معرفي سلوكي مع طبيب نفسي متمرس في علاج هذا النوع من الاضطرابات وليس أي طبيب نفسي، واقرئي ما يلي على مجانين:
وسواس، اكتئاب، اختلال إنية: كله في النطاق
اختلال الإنية وخلطة القلق والاكتئاب
الغربة عن الذات: اختلال الإنية
اختلال الإنية والواقع فقط أم مختلط؟
الوسواس القهري واختلال الإنية
زملة تبدل الواقع/اختلال الإنية
اختلال الإنية عرضا؟ ربما