لعمرك ما ضاقت ديار بأهلها
بسمه تعالى.. سعادة الدكتور وائل أبو هندي، تحية طيبة وبعد... لعلك تذكرني بالدكتور علي أكرم، الذي عمل لفترة في السعودية، حيث جذبني إلى المعالجة لديه اهتمامه بالجانب النفسي للمريض وعدم اعتماده على الوصفات الطبية كما هو عند بعض الأطباء. لقد لمست من خلال ردودك الاستشارية لمسة نفسية حانية تسعى لاكتساب ثقة المريض ونفسيته مع الخطة العلاجية السلوكية والدوائية.
حكايتي أيها الطبيب ألخصها في قول الشاعر العربي: لعمرك ما ضاقت ديار بأهلها، ولكنها أخلاق الرجال تضيق، وأنا أقول هنا: أن أنفاس الرجال تضيق. بدأت المعاناة معي منذ الفترة المبكرة للمراهقة، حيث حصل لي موقف في المقبرة حيث خفقت رجلي في أحد القبور، وهذا ما أثار عندي خوفا شديدا من المقبرة ولاحقا من التفكير بالموت، بعدها بدأ الشعور يزداد ويثير فيني الكثير من المخاوف حتى صرت أتجنب الخروج من المنزل أو المشاركة الاجتماعية، رغم أنني من الناشطين الاجتماعين جدا في المنطقة وأحب الخدمة الاجتماعية، حيث قلت ارتباطاتي وإن كنت أضغط في كثير من الأحيان على نفسي وعلى مشاعرها وأشارك حاملا همي معي، لدرجة أنني لازلت أتذكر ليلة زواجي أن ذلك الشعور بالرهاب رافقني حتى في تلك الليلة السعيدة بحركات أتصنعها لا إراديا كي أطرد تلك المخاوف، ولكن هيهات.
وظيفتي في المجال الصحي دلتني على الدكتور علي أكرم المصري الجنسية السالف الذكر، وبدأت معه رحلة العلاج بعد معاناة سنين عديدة لم أخبر فيها أحدا غير واحد من الأصدقاء وحسب، فأهلي غير مدركين للمشكلة سوى أنني أخاف من الذهاب إلى المقبرة فقط، وكانت تجربة علاجية طيبة بدأها الدكتور بالعلاج السلوكي وأرفقها بعلاج دوائي لا أذكر اسمهما، وصرت أتابع في العيادة النفسية تحسنت حالتي خلالها كثيرا.
سافر بعده الدكتور علي إلى بلاده وصرت أتابع عند غيره، لكن لم يكن بمستوى الدكتور السابق واهتماماته كانت منصبة فقط على (الروشتة)، وكانت أعراض جانبية خاصة جفاف الحلق تزداد يوما بعد يوم حتى أوقف الدكتور العلاج، وتوقفت أنا بعدها عن المتابعة العيادية، لأني لم أكن أتلمس جدوى منها، ورافق تلك الفترة ارتفاع مفاجئ في نسبة السكر وأخذت أتعالج بحقن الأنسولين لمدة ثلاثة شهور تقريبا وذلك في سن الخامسة والعشرين، بعدها تحسن وضع السكر وتوقفت عن حقن الأنسولين واستمريت على الحمية الغذائية والرياضة، وبعد سنتين ارتفع ضغط الدم واكتشفت ذلك صدفة في كشف عابر، ولكن تحسن مع تخفيف الوزن قليلا حيث أنني أعاني إلى الآن من السمنة ووزن يتخطى المئة وعشرة، بدأت الحالة تستقر إلى حد وسط، حيث قرأت أن الرهاب قد يأخذ عشر سنوات ليختفي، عموما تكيفت مع وضعي مع المرض وحملته معي، تمازحني النوبات من القلق والرهاب على فترات متباعدة أو عند السفر مثلا والحال ماشي، حتى تفاجأت هذه السنة أن وتيرة هذه المخاوف وصلت أشدها وكأن المرض بدأ معي من جديد.
وجاءت هذه النوبات مترافقة مع ارتفاع نسبة السكر وارتفاع ضغط الدم، مما اضطرني إلى أخذ علاج دوائي للسكر قلازايد 40مج يوميا، وللضغط اتنلول 25مج يوميا تحت أشراف طبي، نسيت أن أخبرك أيها الطبيب أن في جعبة صحتي مرض جلدي آخر كنت أعاني منه منذ المراهقة وهو البهاق أو بقع بيضاء انتشرت انتشارا رهيبا خاصة هذه السنة إلى العديد من أجزاء جسمي، وقد تعالجت عنها سالفا دون جدوى فتركتها تسرح وتمرح، المهم الآن مشكلتي مع الرهاب ازدادت خاصة مع السكر حيث كونت ارتباطات شرطية بين أعراض الرهاب وأعراض السكر، علما أن التحاليل الأخيرة للسكر في وضعها الطبيعي جدا والضغط مسيطر عليه أيضا، قرأت كثيرا عن المرض وأغلب الأعراض المذكورة تكاد تنطبق علي من الديبرسونلتي وعدم الارتباط بالواقع (وهذا الذي يذبح معاناتي) والتفكير المتطاير هنا وهناك والأعراض الجسدية المتمثلة في الاختناق والهيبرفنتليشن والربكة والعجلة وأعراض رهاب الساحة الذي عم تقريبا كل بقعة من حولي حتى البيت الذي أسكنه.
مشكلتي لا أحد يعلمها إلا الله حيث لم أخبر أحدا عن التطور الأخير هذا، وأنا متردد كثيرا في إخبار زوجتي بالأمر حيث أنني أكثرت عليها أمراضي الجسدية، وخائف من عدم تفهمها وأيعاز ذلك الأمر للجن أو العين وغير ذلك، أخاف من أصل إلى مرحلة الاكتئاب حيث أن أعراضها لم تتشكل لدي تماما فهناك بقية من رغبة في الحياة وهناك تفاعل قليل مع الأنشطة ولكن الحياة لا تطاق مع هذا المرض الذي طل وأطال، لقد أكملت العقد العاشر من زواجي ولدي أبناء، وأنا حاليا أكمل دراستي التي لم تتأثر إلى الآن، ولكن يبقى هذا الخطر القادم من الرهاب يقض مضجعي، حاولت أن أعالج نفسي بنفسي علاجا معرفيا وسلوكيا وتنفسيا حسب اطلاعي، ولكن الأمر يتحسن لوهلة ثم تعاودني الحالة وهكذا دواليك، هل ترجحون إخضاعي للعلاج الدوائي في هذه المرحلة تحت إشراف طبي، المشكلة الخطيرة أنني كنت أعشق رياضة المشي والجري، وأعلم أن هذا الأمر مهم جدا للحفاظ على الصحة وتنزيل الوزن للمساعدة في علاج السكر والضغط ولكن قيود الرهاب تحاصرني من كل حدب وصوب.
أغيثوا كربتي، فرج الله عنكم كربة من كرب يوم القيامة،
ودمتم.
27/01/2008
رد المستشار
أجمل ما في سطورك خفة ظلك وإطلالة الأمل الرائع بين كلماتها وهما ما سيساعدانك كثيراً في تجاوز تلك المحنة الحديثة كما تجاوزت الكثير من قبل ولعل رغبتك في الشفاء والعودة إلى سابق عهدك هي الورقة الرابحة إن شاء الله، فالرهاب تعرفه والارتباط الشرطي تعرفه وكذلك الاكتئاب المصاحب تعرفه فلم يتبقى لي غير أن أنصحك بأن تفعل الآتي:
.. التواصل مع طبيب ماهر قدر إمكانك ليس فقط لكي يحدد لك ما ستحتاجه من دواء ولكن لأنك تحتاج أن يكون هناك من يساندك نفسياً ويقوي من عزمك وتشعر بأن هناك في ذلك الكون من يشاطرك مرضك الذي تخفيه بين ضلوعك سنوات وسنوات عن أقرب الناس إليك فلا تستهنْ بذلك فأنت كما تعلم الجانب النفسي والسلوكي والتشجيع والحديث حول نظرية المواجهة والبعد بقدر كاف عن نظرية التفادي في علاج الرهاب تحتاج لتواصل فعّال وإنساني بينك وبين الطبيب.
.. اعترافك لزوجتك يتوقف بشكل كبير جدا على شخصيتها وقدرتها على الفهم والتعامل معك بحكمة ومراعاة لطبيعة مرضك فقد تكون خير معين ويكون السند لك اثنان بدلاً من واحد فتحظى بالطبيب والزوجة وقد تكون عكس ذلك تماماً فتفتح على نفسك جبهة أنت في غنى عنها تماماً تلك الفترة ويكون احتفاظك بسر مرضك أفضل بكثير فأنت وحدك القادر على الحكم في هذا الموضوع.
.. الاستمرار والاستمرار و..الاستمرار على محاولاتك الذاتية مع نفسك بدأب وهمة لتقهر ذلك الرهاب ثقيل الظل فأنت قد أثبت بجدارة قوتك النفسية في مواقف عديدة تحملتها وتجاوزتها فلا تترك محاولاتك الذاتية أبداً ولك مني تحية على ذلك تبلغ العنان.
.. بالنسبة للرياضة طمعاً مني في قدرتك وقوة عزيمتك اطلب منك أن تتخير صديقاً لك تحبه ويحبك أن تمارس معه رياضة المشي لتكون في حالة انشغال ذهني وجسدي عن ضغط الرهاب عليك فلا يغلبك وأنت وحدك فتقضي وقت الممارسة في مواجهة الرهاب ولكن مع مساعدة تتلخص في الحديث الشيق والتفاعل مع هذا الصديق لتكون أكثر انجازاً ان شاء الله.
.. أخيراً الدعاء فلا تستهِنْ بقوته فلقد أوضح لنا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه أ،ن القضاء والدعاء يتعاركان حتى يغلب أحدهما الآخر فلتغلب القضاء بالدعاء ولا تيأس ولا تعجز ولتحتسب تلك المعاناة عند الله عز وعلا فهو خير معين وخير جاز.