أنجدوني بسرعة أرجوكم!
أثناء تجولي في النت تعرفت على معلومات خطيرة وتعرضت لشبهات عظيمة في ديني. لقد شككوني في كل شيء في ديني. لا أعلم لماذا تشرّب قلبي الشبهات، هل لأنني ضعيف في العلم بديني كما يزعم البعض؟ أم أن هناك بالفعل أسئلة لا إجابة لها؟ أخشى أن أموت على الضلال، لقد بذلت مجهوداً كبيراً على مدى سنتين أو يزيد لكي أعود كما كنت مقتنعاً بثوابت العقيدة الأساسية، وعندما بدأت أتحسن قليلاً فوجئت بمعلومات تاريخية خطيرة وهي:
لماذا قتل المسلمون كل هذا العدد من الأسرى في غزوة بني قريظة؟ من ستمائة إلى تسعمائة يهودي يذبح منهم الشخص ليس لشيء إلا لأن عانته قد ظهر فيها الشعر؟ أليس المفروض أن الأسرى لا يقتلون؟ ثم نقول ونتحدث عن الرحمة والسلام؟ ونلوم اليهود علي قتلهم المسلمين الآن؟ وماذا عن قتال الصحابة بعضهم، أليس المفروض أن المسلمين إذا التقيا بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار؟ دعنا من هذا لنقل أن الفئة الباغية هي التي في النار، فمن من الفئتين هي الباغية لنقول أنه في النار؟ هل لابد أن أعتنق مذهب الشيعة الذي يكفر معظم الصحابة لأجد إجابة علي السؤال؟ ماذا أفعل بالله عليكم؟ هل يجب عليّ أن أسكت وأكظم غيظي وما يختلج في نفسي ولا أسأل أحداً؟ من فضلكم أجيبوني إجابة شافية.
والسلام عليكم ورحمة الله.
* وبعد إرسال مشكلته بأربعة أيام أرسل صاحب هذه المشكلة يقول:
السلام عليكم ورحمة الله،
الأخوة الأعزاء القائمين على موقع "مجانين" تحية طيبة وبعد،
آسف لاستخدام هذا الباب الخاص بالمشاركات، لكن ليس أمامي غيره وهذه ليست مشكلة جديدة ولكن هو طلب بعدم نشر رسالة كنت قد أرسلتها يوم الأحد الماضي باسم "الحائر" وبنفس البريد الإلكتروني وكانت حول شبهات وطعن في الدين، لقد كنت منفعلاً جداً وتحت تأثير صدمة، فأرجو إما الإجابة عليها عن طريق إرسال الإجابة على بريدي الإلكتروني أو عدم الإجابة أصلاً. صحيح أنا أريد الإجابة على ما جاء برسالتي ولكن أخشى أن تكون الرسالة حجة عليّ يوم القيامة، وأخشى أن أكون قد قلت كلمة الكفر وكفرت بعد إيماني. أسأل الله لي ولكم الهداية إلى سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله.
27/11/2008
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله،
الأخ الكريم، يجب علينا أن نجيب على سؤالك، ويجب عليك أن تسأل، إذ من الواجب على من حصلت لديه الشبهات أن يعمل على إزالتها بمعرفة الأدلة التي تزيلها.
- والشبهة الأولى عندك حول قصة بني قريظة:
كانت غزوة بني قريظة في السنة الخامسة للهجرة بعد غزوة الخندق مباشرة، وسببها الخيانة التي قام بها اليهود، ونقضهم للعهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الأوقات أثناء غزوة الخندق. وذلك أن غزوة الخندق إنما كان سببها أن نفراً من اليهود من بني النضير وبني وائل، قاموا بتحريض قبيلة قريش وقبيلة غَطَفان، على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: "إنا سنكون معكم حتى نستأصلهم". وسمع النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر وكانت القصة المعروفة في إشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق للاحتماء من الأعداد الكبيرة التي جاءت تهاجم المدينة، وسأشرح لك الأمر حتى تعلم الوضع على حقيقته:
حفر المسلمون الخندق في شمال المدينة ليحجز بينهم وبين المشركين، وكانت الجهات الثلاثة الباقية محمية على الشكل التالي: من الشرق والغرب، يوجد صخور بركانية سوداء كبيرة اسمهما "حرّة واقم" و"حرّة الوبرة"، أو اللابَة الشرقية واللابَة الغربية، وهذه الصخور تشكل حاجزاً طبيعياً منيعاً ضد الأعداء فالخيل لا تستطيع السير فيها. وأما من الجنوب فكانت توجد بساتين بني قريظة وهم قبيلة من اليهود كان بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد على التناصر فيما بينهم، وكُتِب هذا العهد في أول قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. فكان المسلمون مطمئنين إلى أن المشركين لن يأتوهم من هذه الجهات الثلاث، وأما الجهة المكشوفة فتم حفر الخندق فيها.(مصدر المصوّر: أطلس السيرة النبوية/د.شوقي أبو خليل).
وجاء المشركون وكان عددهم عشرة آلاف وعسكروا في الشمال قرب الخندق، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف فقط، وفي وسط هذا الحصار، ذهب اليهودي حُيَيّ بن أخطب زعيم بني النضير، إلى كعب بن أسد زعيم بني قريظة، فما زال يغريه ويكلمه حتى أقنعه بنقض عهده مع المسلمين. وهنا في أصعب الأوقات وأشدها أصبح المسلمون بين فكّي كماشة في شمال المدينة وجنوبها، ووصف الله عز وجل حالهم بقوله: ((إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً)) [الأحزاب: 10-11] ومرّت المعركة وانتصر المسلمون رغم هذه الظروف بفضل الله تعالى، لكن هل يسكت المسلمون على هذه الخيانة من يهود بني قريظة والتي كادت تطيح بهم وبالدولة الإسلامية؟ طبعاً لا! .(مصدر المصور: أطلس السيرة النبوية/د.شوقي أبو خليل)
لهذا اتجه النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بعد غزوة الأحزاب إلى بني قريظة لتأديبهم على خيانتهم، وحاصرهم بضع عشرة ليلة، وحيي بن أخطب النضري معهم، ولما أيقنوا أن النبي عليه الصلاة والسلام غير منصرف عنهم حتى يقاتلهم، قام زعيمهم كعب بن أسد بتخييرهم بين الإسلام، أو قتل النساء والأبناء والخروج للقتال، أو الغدر بالمسلمين في ليلتهم وكانت ليلة سبت يأمن المسلمون فيها من حصول شيء من جهة اليهود. فرفض اليهود كل هذه الخيارات، ثم رضوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، ويقبلوا بما يقضيه فيهم، فقضى فيهم أن يقتل رجالهم، وتقسم أموالهم، وتسبى (تُسْتَرقّ) نساؤهم وأبناؤهم. فرضوا بهذا ولم يسألوا سؤالاً واحداً يقولون فيه: لماذا هذا الحكم الجائر؟ لأنهم أدرى بعظم جريمتهم.
والآن: كيف يُعرَف الرجل الذي يُقتل من الصبي الذي يؤسر منهم؟ كان الدليل على بلوغ الصبي مبلغ الرجال، واستحقاقه للقتل، ظهور الشعر على عانته، فهذا إذن ليس سبب قتله وإنما الدليل على أنه بالغ يعاقب على جريمة الغدر، وليس صبياً غير مكلف لا تلحقه العقوبة. وارجع إلى سيرة ابن هشام واقرأ ما كتب فيها عن هذا الأمر بالتفصيل.
فأين هذا مما تقوله يا حائر؟ وهل يستحق هؤلاء -الغادرون ناقضوا العهود-، الرحمةَ والسلام؟
ثم من قال لك: إن الأسرى لا يقتلون؟ الحكم الشرعي في الأسرى أن الإمام مخيّر فيهم حسب ما يراه من مصلحة، بين أن يقتلهم، أو يفاديهم بالمال وغيره، أو يطلقهم دون مقابل، أو يسترقّهم (عندما كانت العبودية قائمة)! وبعد هذا إذا اتفقت بعض الدول على عدم قتل الأسرى فيما بينها فلا مانع من ذلك، ويكون الأمر عبارة عن شرط يلتزمون به فيما بينهم، كما يلتزمون الآن بعدم الاسترقاق.
- أما شبهتك الثانية: حول قتال الصحابة:
فأولاً: حديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار))، لا يتناول في وعيده الصحابة في قتالهم، كما ذكر النووي في شرح مسلم، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري، وغيرهم... فالحديث يتكلم عن المسلمَيْن الذَيْن يتقاتلان بدون حق، أو سبب مقبول شرعاً، أو لطلب دنيا، ولو كان الحديث يتناول كل مسلمَيْن التقيا للقتال، لما جاز لرجال الأمن الاقتتال مع المجرمين من المسلمين، ولكان رجل الأمن مع المجرم في النار، ولعمّت الفوضى أرجاء الدول الإسلامية! فهل كان قتال الصحابة بغير سبب مقبول؟
أما وقعة الجمل، وقتال السيدة عائشة رضي الله عنها مع سيدنا علي: فإنما خرجت السيدة عائشة ومن معها لمطالبة علي بالاستعجال بالقصاص من قتلة عثمان -رضي الله عنهم أجمعين-، وكان علي يرى تأخير ذلك إلى أن تهدأ الأوضاع المضطربة ويستقر الأمر في الدولة الإسلامية، وقد تكلم الفريقان –عندما التقيا- وتبادلوا الرأي واتفقوا على تسليم الأمر لسيدنا علي، على أن لا يقصر في ملاحقة القتلة فور تمكنه من ذلك. ولكن الاتفاق وتوحد الكلمة، لم يعجب رؤوس الفتنة في القضية، وعلى رأسهم اليهودي عبد الله بن سبأ الذي أظهر الإسلام وراح ينشر الفتن والآراء المنحرفة بين المسلمين، فقام هؤلاء قبل طلوع الفجر، فدخلوا بين الفريقين وهجموا عليهم بالسيوف، فقام كل فريق مذعوراً يظن أن الفريق الآخر غدر به وباغته وهو نائم، فقاموا للقتال وهم يظنون أنهم يدافعون عن أنفسهم من هجوم الطرف الآخر، ثم انقضى القتال بعد ذلك. وكان الصحابيان إذا التقيا وعرف بعضهما بعضاً كفَّا عن القتال وترك كل واحد منهما الآخر..، وارجع إلى كتب التاريخ واقرأ إن شئت. فأسألك الآن: هل يحرم على الإنسان أن ينهض للدفاع عن نفسه ضد من يعتدي عليه ولو كان مسلماً؟ طبعاً لا، بل يجب عليه ذلك! هكذا كان قصد الصحابة من الاقتتال في معركة الجمل، فكيف يدخلون في الوعيد المذكور في الحديث؟
وأما وقعة صفين، التي التقى فيها علي مع معاوية رضي الله عنهما: فكان لكل طرف -أيضاً- تأويله السائغ والسبب المقبول شرعاً للقتال، فالبيعة كانت قد تمت لسيدنا علي في المدينة المنورة على الخلافة، وامتنع معاوية عن المبايعة، فأما سيدنا علي فخرج ليدعو معاوية لمبايعته والدخول فيما دخل فيه الناس وعده باغياً عليه بامتناعه، ومقاتلة البغاة واجبة على الإمام وعلى من معه من الناس، وأما معاوية فقد امتنع عن البيعة لعلي رضي الله عنه حتى يثأر لعثمان، وكان لا يرى أن البيعة قد تمت لسيدنا علي لافتراق الصحابة في المدن، وكان يرى أنه لا بدّ من مبايعتهم جميعاً حتى تصح خلافة سيدنا علي، فهو لم يكن يصحح خلافة سيدنا علي أصلاً حتى يرى نفسه باغياً عليه، فهو -إذن- قد اجتهد في البيعة التي تتم بها الخلافة وأخطأ في اجتهاده، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر، كما ورد في الحديث... ويذكر المؤرخون أن لليهودي رأس المنافقين عبد الله بن سبأ دوراً في إشعال نار هذه المعركة -أيضاً- شبيهاً بدوره في المعركة السابقة... وكما ترى فلا يدخل هذا كله في الحديث الذي ذكرت فلكل طرف من الأطراف وجهة نظر يمكن أن تقبل شرعاً، فكيف يعاقب بالنار؟
وأما من اعتزل القتال من الصحابة فكان ذلك اجتهاداً منهم لأنهم لم يتبينوا وجه الحق مع من؟ وكانوا قلة –على كل حال- بالنسبة لغيرهم ممن اشترك في القتال.
ثانياً: ذكرت أن الفئة الباغية في النار، من أخبرك بهذه المعلومة؟ إن الله عز وجل لم يخرج البغاة من حظيرة الإيمان فقال: ((وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) [الحجرات: 9]، فقد سمى الله عز وجل الطائفتين بالمؤمنين رغم ما هم فيه. غاية ما يمكن أن يقال في البغي: إنه معصية، قد يعاقب الله عليها وقد يعفو عنها كسائر المعاصي، ونحن لا نملك أي دليل على معصية أي فريق من الفرق التي اقتتلت، فكل واحد منهم مجتهد يبحث عن الحق والمجتهد المخطئ معذور ومأجور.
ثم إن طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، اللذين كانا مع السيدة عائشة -رضي الله عنها- من العشرة المبشرين في الجنة، وعلي بن أبي طالب من هؤلاء العشرة أيضاً، والسيدة عائشة زوجة النبي صلى الله عليه في الجنة، وسيدنا معاوية دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((اللهم اجعله هادياً مهدياً، واهد به)) [رواه الترمذي وقال: حسن غريب] فكيف تريد إدخالهم النار؟ وكتب الحديث تعجّ بفضائل الصحابة هؤلاء وغيرهم ممن اشترك في القتال...
أخيراً أقول لك: عليك أن تكون أكثر معرفة بأمور دينك، وأن تعرف من أين تأخذ العلم، وقد روى مسلم عن محمد بن سيرين أنه قال: (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم). فكيف يصح لك أن تأخذ دينك من الشبكة العنكبوتية وفيها يكتب البرّ والفاجر، في أقل الأحوال افتح على المواقع الموثوقة المعروفة بالأمانة العلمية. ولا تظن أنك إن لم تعرف الجواب فليس عليك حجة يوم القيامة، بل الحجة عليك قائمة وعلى كل جاهل ما دام قادراً على السؤال، وهناك من يجيبه، فإن لم يتعلم فعليه إثم الجهل بالمسألة وإثم ترك التعلم.
وبعد أن تتعلم وتعرف الحقائق، إن وجدت نفسك ما زالت تخشى الكفر وتلقي إليك الشبهات من غير دليل ولا برهان، فاعلم أن هذا وسواس من الشيطان، لا تؤاخذ به ولا يخرجك عن الإسلام، فكُفَّ عن التفكير به وحاول صرف ذهنك عنه قدر الإمكان وقل كلما جاءك: آمنت بالله. كما نصح بذلك كله نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ثبت الله قلبك، وغفر ذنبك، ووفقك لما فيه رضاه في الدنيا والآخرة.