بين القاهرة والإسكندرية : أبي ومستقبلي المهني؟؟
السلام عليكم ورحمة الله، أود أن آخذ رأي حضرتك في اختيار مصيري في حياتي وخصوصاً أني أفتقر إلى الرأي المحايد في هذه المشكلة. أعتذر عن عدم إرسال الإيميل إليك شخصياً ولكني أود أن آخذ رأي حضرتك فيه وليس مستشارين آخرين لأن رأيك دائماً يتميز بالواقعية والمنطق، بالإضافة إلى أهمية السرعة في اتخاذ القرار حيث أن الوقت قد قارب لاتخاذ القرار.
أنا مهندس شاب عمري 29 عاماً، حاصل على درجة الماجستير ومتزوج حديثاً (من شهرين) وأعمل بوظيفة جيدة مادياً ومستقرة، لكن يعيبها العديد من مشاكل سوء الإدارة وسوء أسلوب التعامل بالإضافة إلى عدم تحقيقها لطموحي المهني.
أنا أسكن في الإسكندرية بجوار والدي، جميع إخوتي مهاجرون خارج مصر، ووالدتي متوفاة منذ عدة أعوام، ورفض أبي الزواج حتى أتزوج أنا. وبالفعل بعد زواجي أعلن نيته بالزواج بإحدى السيدات، وقد حضرت هذه السيدة فرحي وقابلتها عدة مرات وكذلك إخوتي، وسيتم الزواج بعد عدة أسابيع بإذن الله ولكنهم في انتظار عودتها من رحلة العلاج وقضاء فترة النقاهة بالخارج. أما زوجتي فهي إنسانة رائعة تتمتع بالنقاء وحسن النية والطيبة ولكنها ليس عندها القدرة على الاعتماد علي نفسها تماماً وأعتقد أن هذه المشكلة ستزول بمرور الوقت.
الاختيار الذي أواجهه هو ما بين الاستمرار في وظيفتي الحالية مع مشاكلها النفسية العديدة، أو العمل بوظيفة أخرى بالقاهرة. الوظيفة الأخرى أفضل مادياً بكثير، وكذلك أفضل في الخبرة والعلم وتتميز بعدم وجود لخبطة العمل وعدم التنظيم الموجود في وضعي الحالي، وأود أن أسرد معك مميزات وعيوب كل اختيار.
وظيفتي الحالية في مدينتي (الإسكندرية)، وأسكن بالقرب من والدي وكذلك أقاربي وأقارب زوجتي. المرتب مادياً يعتبر جيداً ولكن بيئة العمل مليئة بسلبيات عديدة (أعتقد مثل معظم العمل في مصر) مثل عدم احترام كرامة الآخرين في التعامل، توجيه إهانات وخصوصاً أن ليس عندي سرعة البديهة للرد على هؤلاء الأشخاص بلباقة وأدب ولا أعرف أن أكون مثلهم، بالإضافة إلى لخبطة توجيهات العمل مما يؤدي إلى أن تعيد عملك العديد من المرات وتقوم بأدوار أشخاص آخرين وتأخذ اللوم في العادة نتيجة فشل منظومة العمل حولك، بالإضافة إلى عدم اكتسابك خبرة بمقدار المجهود المبذول. وهو جو محبط إلى حدٍّ ما، وقد سبقني العديد من الزملاء بترك العمل لهذه الأسباب بالإضافة إلى أسبابهم المادية وسافروا إلى أوربا أو البلاد العربية.
الوظيفة الأخرى في القاهرة، يوفرون فيها شقة في حي راقٍ وكذلك مرتباً ممتازاً، وخبرتها عالية وهم يتميزون بجدية شديدة وحسن تخطيط، ومستقبلها باهر وفيها بالطبع عيوب القطاع الخاص وإن كانت تحت إدارة وإشراف الشركة الأم الألمانية التي تعتبر رائدة في هذا المجال الهندسي. ولكن ما يقلقني هو عدة أمور:
أولاً، بعدي عن والدي مع سفر إخوتي للخارج وعدم إمكانية زيارتهم لمصر كثيراً. حتى مع زياراتي الأسبوعية له (بفرض) فأنا محرج من نفسي في هذا الموضوع. قد أكون متحاملاً إلى حد ما في هذا الشأن وخصوصاًَ بعد مرض أمي (رحمها الله) ومعاناتها في آخر أيامها ورؤيتي لمعاناتها وخوفي من مرضه في أي لحظة (بالرغم أن صحته جيدة الحمد لله) وتأخري في الاستجابة أو رعايته كما ينبغي.
ثانياً، قلق زوجتي الشديد بالرغم من أنها لم تعترض على فكرة العيش في القاهرة إلا أنها قلقة إلى حد كبير وهي بالفعل تصاب بكوابيس بسبب هذا القلق. هي من النوع المعتمد على أهلها أو عليّ في معظم تصرفاتها، وهذا ليس بسبب ضعف في شخصيتها ولكن بسبب الاهتمام الزائد من الأهل في تربيتها. هذا بالإضافة إلى بعدي عن معظم أقاربي وكذلك والد ووالدة زوجتي وهو ما يقلقها أكثر. وقد اتهمتني زوجتي -سابقاً- بتفضيل حياتي المهنية على حياتي العائلية! ولا أدري إن كانت على حق أم لا.
ثالثاً، تخوفي من جو القاهرة العام، والتلوث وسوء سلوك الناس فيها، بالرغم أن القاهرة ليست ببعيد عنا، إلا أن الناس هنا ما زالوا أطيب وأهدأ أعصاباً.
وأخيراً، أكرمنا الله بحمل زوجتي، وأنا متخوف من السفر مع زوجتي كل أسبوع للقاهرة وكذلك السفر لأوربا لمدة شهرين، وهذا سيتزامن مع الثلاث شهور الأولى من الحمل، وبالطبع أنا لا أحب أن أكون في بلد وزوجتي في بلد لأنه سيؤثر سلبياً في علاقتنا مع إحساسي بالذنب أني لا أرعاها في تلك الفترة، وكذلك خوفي من السفر واحتمالية تأثيره على حملها.
قد أخذت رأي العديد ممن حولي؛ رأي أحد علماء الدين، وأفتى بأنه طالما أبي موافق على سفري فلا مانع ويجب أن أراعي زيارته كثيراً. وقد سألت والدي ولم يعارض، ولكني أعتقد أن أبي مثل كل الآباء في الدنيا فهم يتمنون الخير لأولادهم حتى لو على حسابهم، وبالتالي لن يعترض حتى لو كان غير موافق. سألت إخوتي وكان رأيهم أنه لا علاقة بين السفر وبين بر الوالدين، وأن هذه فرصة جيدة لي لكي أحسن وضعي مادياً وأدخر شيئاً للمستقبل، وكذلك فرصة في بيئة عمل طيبة لا تتوافر عادة في مصر، بالإضافة أن القاهرة-الإسكندرية ليست ببعيد.
أبي كان رأيه أنها فرصة جيدة لي وأن القاهرة والإسكندرية ليست ببعيد، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار المشاكل الناتجة عن السفر المتكرر. من الناحية الأخرى فوظيفتي الحالية ليست سيئة إذا كنت قنوعاً بها.
مديري السابق (وهو من رشحني لهذه الوظيفة) كان رأيه أنها فرصة جيدة لي وخصوصاً أنها ملائمة لطبعي في حب التعلم والاطلاع، وأن المؤسسات المنظمة تنظم عقل وتفكير موظفيها وتطورهم ولكن في وضعي الحالي فأنا لن أتقدم كثيراً.
الوضع باختصار؛ أني في حيرة ما بين القبول بهذه الوظيفة والتقدم المهني وفرصة التعلم من مؤسسة مستواها العلمي متقدم وكذلك زيادة الاعتماد على النفس، ولكن في المقابل قد يؤثر ذلك على حياتي العائلية وتخوفي الشديد من حدوث أي مرض أو حادث لوالدي وتأخري عليه في الاستجابة. بالإضافة إلى تخوف وقلق زوجتي الشديدين، أو البقاء وتخوفي الشديد هو عدم الصمود مع الأمراض الموجودة في موقعي هذا خصوصاً أن العديد من زملائي سافروا للخارج بسبب عدم صمودهم أمام تلك المشاكل وليس لأسباب مادية في المقام الأول. أنا معترف بأني قليل الخبرة في الحياة وقلق إلى حد كبير ولهذا أفتقد الجرأة على اتخاذ القرار الصحيح.. قد يكون الاختيار والحل سهلاً وأنا لا أراه، ودائماً أصح الحلول هو أبسطها، ولكني متخوف جداً وأخاف أن أظلم نفسي ومن معي ولهذا أردت معرفة نصيحة حضرتك.
شكراً لوقتك واهتمامك.
مهندس خالد.
1/12/2008
رد المستشار
من فضلك قم بصلاة استخارة ثم توجه للعمل في القاهرة، وقد طلب أبوك ذلك منك وكذلك مديرك السابق، ووالدك يمكنه الذهاب وزيارتك في القاهرة وأنت كذلك يمكنك زيارته في الإسكندرية، وخصوصاً أن والدك سيتزوج قريباً. هذه فرصة كي يستقل كل منكما في بداية حياته، وبعد ذلك يمكن لوالدك أن ينتقل للقاهرة إن أعجبه وأعجبك الحياة هناك.
وفقك الله يا باشمهندس لكل خير.