إني كمن يجلس في مركب يغرق
اسمي هادي وعمري 30 سنة، أنا الأصغر في عائلة من 7 أفراد، توفي والدي من عدة سنوات وأنا في السنة الثانية في الجامعة، لي 3 أخوات وأخ واحد، إحدى أخواتي فقط غير متزوجة، أمي سيدة طيبة جداً ومغلوبة على أمرها، والدي كان مدرساً. لم أدخل الجيش بسبب وفاة والدي، أحمل شهادة بكالريوس تجارة، وقضيت في الجامعة 7 سنين، مؤخراً سافرت للسعودية لمدة 3.5 سنوات لكن لم أتمكن من إدخار أي شيء، فقد صرفتها كلها، لا أعمل في الوقت الحاضر.
أمارس العادة السرية بشراهة منذ قبل البلوغ وتؤثر عليّ صحياً ونفسياً، لا أدري كيف أشرح مشكلتي، أحياناً أظن أن الموضوع واضح جداً؛ أنا عديم الشخصية، شخصيتي ضعيفة جداً، منعزل رغم أنه كان عندي أصحاب حتى الصفوف الثانوي أو ربما الجامعة. في المدرسة كنت منعزلاً كنت أحس أني وحدي. يمكنني القول أن ما يصف حالتي هو التالي: لا أرغب في القيام بأي شيء في الدنيا ولو كان بسيطاً، ليس عندي طموح لتحقيق أي شيء، أو ربما أريد عمل كل شيء لكن لا أعرف كيف السبيل لذلك! حتى وأنا أكتب الآن أكاد أقول لنفسي "ما الفائدة، سأكمل فيما بعد، يا رب أتمكن من إتمامها للنهاية".
المهم، كنت أخجل جداً كالبنات وأكثر، الخجل الذي يمنعك من القيام بأي شيء، وعندي رهبة في التعامل مع الناس. بالمناسبة أنا نحيف وقصير بعض الشيء، كنت مجتهداً في المدرسة الابتدائية وكنت فرحاً بذلك. أنا قليل الكلام، ساكت طوال الوقت من صغري، والدي كان هكذا بالضبط، وأظن أن ما أنا فيه بسبب الوراثة خصوصاً أني لست الوحيد من يعاني من ذلك. أجد صعوبة شديدة في التعبير عن نفسي أو الطلب من الآخرين لشيء ما رفض شيء أو عمل، حياتي فيها فراغ رهيب، وأنا ساهم طوال الوقت، على فكرة هذه منذ صغري وتتجه للأسوء كلما كبرت. أعاني من مشكلة منذ زمن ونتيجة أني لا أفعل أي شيء لحلها فإنها تتفاقم للأسوء، قد تكون هذه المشكلة الخوف؛
أنا جبان بعض الشيء، كنت أخاف من الضرب في المدرسة رغم أني نادر جداً كنت أضرب، أخاف من زملائي الأقوى مني أو ربما لأن جسمي ضئيل ولست شجاعاً، ولأني هادئ أكثر من اللزوم أخاف من والدي حين يضربني، أيضاً هو لم يكن يتكلم كثيراً وهذا يزيد من خوفي ورهبتي، غير أنه كان يتشاجر مع والدتي كثيراً لأجل النقود وكنت أشفق عليها، وأظن أن هذا كله خلق لدي إحساساً بعدم الأمان، كما أننا عائلة مفككة.
كان لي أصحاب وكنت أحبهم ويحبونني رغم أني كنت أضعفهم، وللأسف كانت شخصيتي دائماً تابعة لواحد منهم هو جيد جداً، لكن هذا أضر بي أنا للأسف، شخصيتي قابلة للانقياد بكل سهولة، ألاحظ أني دائماً أنجذب للناس الذين في شخصيتهم كاريزما، أحس أنهم يعاملونني جيداً.
لا أدخن لأن عندي حساسية، وطبعاً لا أتعاطى أي شيء آخر، مدمن أفلام جنسية وأحس أن عندي قابلية لإدمان أي شيء لو بدأت فيها. لا ثقة عندي في نفسي وتقديري لذاتي في الحضيض دائماً، وأحس أني أقل ممن حولي -ليس مادياً، لكن في الشخصية، في التعامل مع الناس-، أشعر أني بلا هدف، حتى ولو كان الهدف سيئاً. أتمنى أن أشعر بنفسي وبشخصيتي، وهذا أهم شيء بالنسبة لي، أن أشعر باحترامي لنفسي واحترام الناس لي، وأن أتمكن من التكلم والتعامل مع الناس. للأسف أنا لا أصلي وطبعاً علاقتي بالله سيئة، أحياناً أدعو الله عندما أشعر بالاختناق، وبدأت أفطر بعض أيام رمضان بسبب العادة السرية وهذا تطور للأسوء في حياتي.
كان لي زميلة في الجامعة كنت أعتبرها صاحبتي، بقينا مع بعضنا لفترة طويلة وكنت أكلمها وأنا مسافر كثيراً، كان من الممكن أن نتزوج لو عملت حققت شيئاً في الغربة، لكن كنت أعمل مشرف فريق في مطعم، لم أكن أحب هذه الوظيفة وكنت أكره السفر والغربة وكنت أصرف نقودي على الأكل أو المكالمات معها. صرف النقود عندي عادي؛ أنا مسرف جداً، لا أستطيع الادخار، أو ربما نتيجة الحياة التي أعيشها وشعوري السيئ دائماً أنفس عن نفسي بالصرف والإسراف.
عدت من السفر خالي الوفاض، أضعت جزءاً من عمري وجزءاً من صحتي وأعصابي، كنت أخشى العودة وهذا ما جعلني أستمر لفترة طويلة دون النزول لبلدي، حتى في عملي كان أدائي ضعيفاً جداً ومشاكلي مع الناس نتيجة شخصيتي المنغلقة التي تعيقني عن العطاء في عملي، دائم التوتر. لم أستفد من الغربة، بالعكس أنا شخص لا أكتسب الخبرة بسهولة بل بصعوبة بالغة، وأحياناً أعمل الشيء مئة مرة وكأني أعملها لأول مرة! قرأت على النت أن نوع شخصيتي هو الشخصية التجنبية وذهبت لدكتور نفسي من فترة تقريباً مرتين، قال لي أن عندي أعراض من الفصام! لا أعاني من الفصام لكن جزء من أعراضه، لكن لا أشعر بالحماس لمراجعة الطبيب حتى.
كنت أراجع معالجة نفسية زمان عدة مرات قليلة وقالت لي أن تقدير الذات عندي ضعيف لكن لم أكمل معها. أنا أعترف أن هذا جزء من مشكلتي أني لم أفعل أي شيء لأغير من نفسي، لكني أشعر بصعوبة شديدة في عمل أي شيء جديد أو أن أفكر في عمل شيء لنفسي أو أغير من نفسي، أو حتى أن أتكلم، أحس أن أبسط الأشياء بالنسبة لي مستحيلة، كأني أبحث عن نفسي ولا أجدها، أهرب من نفسي دائماً كأني لا أحبها.
أنا أعيش وكأني أتفرج على الدنيا، كأنه فلم سينما! حين كنت في المدرسة وأتفرج على الناس أقول لم أنا لست مثلهم، لم لا أتكلم كما يفعلون فلديهم ما يقولونه ويحكونه أما أنا فلا أجد عندي شيئاً، هذا التفكير صاحبني منذ صغري وللأسف يزيد مع العمر. أحس أني أعيش بموت أو أنتظر الموت، أو على رأي عمرو ذياب "عايش ومش عايش"، لا أحس بالراحة أو الأمان إلا حين أكون وحدي. كانت زميلتي في الجامعة الوحيدة التي أحب التحدث معها أو بالأصح أسمعها، لقد كانت علاقتنا حالة خاصة استثنائية في حياتي لها ظروفها من حيث شخصيتي وشخصيتها، وأفتقدها جداًُ، لكنها تزوجت وحزنت جداً رغم أني لم أكن قادراً على الزواج مادياً . ورغم أني لا أعترف بذلك بسهولة، الزواج خطوة بالنسبة لشخصيتي تشعرني بالخوف، أنا لا أستطيع تحمل مسؤولية نفسي، كيف يمكنني القيام بخطوة كهذه؟.
بعدما بلغت 30 من عمري هل أستطيع أن أعيش حياتي من جديد؟ مخاوفي تجعلني أشعر وكأني طفل كبير، وهذا تعبير يصفني بدقة، ترى هل ممكن لحياتي أن تتغير؟ هل أتمكن من بناء شخصية جديدة؟ عقلي متخم بالخوف وعدم ثقة وانعدام الخبرة والتردد والكثير من الصفات السلبية التي عشت بها حتى الآن، أو أن عقلي فارغ دخلت فيه كل الأحاسيس والأفكار السيئة، أحياناً أسأل نفسي كيف تركت نفسي على هذا النحو كل هذا العمر؟ ولا أجد إجابة! أيامي متشابهة اليوم كالأمس. ليس عندي أي أفكار غريبة كالاضطهاد أو ما شابه، لم أحاول الانتحار لأنه كفر، ولكن أحياناً أفكر عندما تسوء نفسيتي أن الموت أحسن مما أنا فيه، لكن لا يوجد عندي تفكير في ذلك، لم أتعرض في حياتي لي حوادث كبيرة أو تحرش، لا يوجد عندي أمراض خطيرة فقط القولون العصبي والتهاب البروستاتا الذي لا أعالجه ولا أهتم بذلك، لا أعرف لماذا؟! ولكن شأنه شأن أي شيء في حياتي لا أهتم به الآن.
أنا أشعر أني كمن يجلس في مركب يغرق شيئاً فشيئًا ولا يوجد حولي أحد، أشعر بوحدة وضعف فظيعين رغم أن شعورى بذلك لا يدفعني لعمل أي شيء للنجاة أو طلب المساعدة أو حتى الفزع، أنا لا أعبر عن مشاعري بل أكتمها كلها ولا أعرف لماذا! لا أفعل شيئاً لأتغلب على ما أنا فيه، لا أدري إن كان في استطاعتكم مساعدتي أم لا؟
أريد من يقف بجانبي ويهتم بي ويفهمني، هل يمكنكم ذلك؟
وأشكركم على كل حال.
04/01/2009
رد المستشار
التغيير سيبدأ من عندك لا محالة حين تقرر البدء في العلاج، وأكرر العلاج رغم تجاربك السابقة فيه، فهل تتوقع أن يحدث تغيير وأنت ما زلت كما أنت وحيداً خائفاً؟! لقد صمتّ وتحملت مشاعر مؤلمة من الخوف والقلق والتوتر والضغوط النفسية لسنوات جعلت العلاج الذاتي غير مناسب لحالتك، ولكن حمداً لله أن علاج الرهاب الاجتماعي وهو أصل ما تعاني منه صارت نتائجه هائلة ومشجعة جداً؛ وستتطلب رحلة تغييرك نوعين من العلاج:
الأول علاج معرفي سلوكي: ستتحدث فيه إلى طبيبك عن أحاسيسك ويستمع لطفولتك ونشأتك والعلاقة بينك وبين والديك وبيئتك ليضع يده على النقاط التي سينطلق منها في علاجه لك، حيث أن هذا المرض ينشأ لعدة عوامل، منها طريقة التربية والاستعداد الشخصي والمواقف الحياتية التي يتعرض لها المريض والبيئة التي يتأثر بها من حوله فتتناقشا سويّاً حول الأفكار غير الصحيحة لتنظر إلى الأمور بشكل مختلف، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بنظرة نفسك لنفسك ستضع يديك على نقاط قوة تملكها لا تتصورها أو لا تُعيرها أي اهتمام رغم وجودها الحقيقي؛ وسيتم تدريبك عملياً على كيفية التواصل بشكل متدرج وعمل "بروفات"، وقد تلتحق بمجموعات علاجية للتدرب فيها على التواصل مع الناس، ستكون مفيدة جداً وممتعة حيث يتم فيها استخدام نظريات المواجهة والتخيّل والتدرج الهرمي في التعامل مع المواقف التي تتصورها صعبة، وستفاجأ بالتغيير الذي تستصعبه وتراه عقبة كأداء، فهي ليست كذلك أبداً.
الثاني: علاج دوائي، وسيحدده الطبيب حسب درجة شدة الرهاب الذي تعانيه أو ما يصاحبه من أعراض القلق والتوتر والاكتئاب وغيره مما أراه بوضوح في سطورك وهو ما نسميه بالأدوية "المُطَمْئِنة"، وستتحسن كثيراً وستساعدك على تحقيق معدلات نجاح في قهر هذا الرهاب ثقيل الظل.
والأمانة تقتضي مني أن أقول لك أن قصص النجاح التي حققها الآخرون ممن كانوا يعانون من الرهاب الاجتماعي تطلبت ثلاثة أمور لا جدال فيها....
الأول: الرغبة القوية في التخلص من هذا الرهاب بأخذ قرار العلاج النفسي.
الثاني: الاستمرار في جلسات العلاج المعرفي والدوائي والانتظام فيهم.
الثالث: تطبيق ما يتم ممارسته من علاج معرفي سلوكي في محيط الحياة الذي يعيش فيه صاحب المشكلة بالتدرج والتدريب كما سيشير به الطبيب.
وحتى يحدث ذلك تَفهّم تلك النقاط:
* حين يفوتنا مفهوم معين أو سلوك معين ونحن صغار بسبب التربية فعلينا أن نتداركه نحن وحين نكبر، فنحن مسؤولون عن تربية أنفسنا بالقدر الذي يجعلنا أفضل مما تربينا عليه ولا عذر لمن يظل سنوات وسنوات يرثي حاله لأنه لم يتربى على أمر ما في صغره.
* مشكلتك الحقيقية ليست في أنك "لا تستطيع" فعل شيء ولكن في أنك "لا تريد" فعل شيء، وأصعب حالة يواجهها الطبيب النفساني هو حالة مريض "لا يريد" أن يغيّر من حاله فتضيع خططه وبرامجه أدراج الرياح أمام عدم رغبة المريض، فكل ما يمكنك فعله بصدق هو مقاومة "عدم الرغبة" حتى وإن أكرهت نفسك ولا تخدع نفسك بأنك لا تستطيع، فلم يخلق الله سبحانه وتعالى إنساناً مهما كان بلا إرادة أو قدرة على الاختيار، فوضعك الآن هو اختيار، فأنت تختار ألا تفعل شيئاً.... تختار أن تترك نفسك!.
* لا تتصور أن هناك من سيساعدك وأنت على حال "الانبطاح" الذي ألفته، فالحياة تغيّرت كثيراً والبشر صاروا أنانيين ولا يحملون هم أحد -إلا من رحم ربي-، وهذه ليست دعوة للتشاؤم ولكنها دعوة للواقعية، ولذا سبقنا الله سبحانه في القرآن الكريم حين علّمنا "لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم".
* مرضك الحقيقي كان ملازماً لك منذ بداية مراهقتك، وهو غالباً يظهر في تلك الفترة، وهو الخوف من البشر والخوف من التعامل مع البشر، ولأنك لم تنتبه لمكافحته تضخم وصار أكبر من قدرتك على مواجهته، وساعد على ذلك تصورك الخاطئ عن شكلك وحجمك وقامتك، وسأترك الإجابة على تلك النقطة لأحمد حلمي وهنيدي وحنان ترك وأجاثا كريستي وكوندوليزا رايس –بغض الطرف عن تقيمهم بشكل شخصي- فكل هؤلاء تمكنوا من قلوب الناس أو التأثير عليهم أو حتى التسلط عليهم رغم أنهم صغار الحجم، ولم يمنعهم ذلك عما أرادوا لأنفسهم. كذلك تكرار مرور السنوات دون هدف أو عمل شيء أو نجاح يشعرك بوجودك أصابك الاكتئاب بمعظم علاماته، ولهذا تعمّدت أن أبداً سطوري لك بالعلاج وليس بالحديث معك، لتعي أهمية تواصلك مع طبيب ماهر ليناقشك في أفكارك عن نفسك وإعطائك برنامج علاج سلوكي مع الأدوية لتشعر بالتحسن، وهذه الخطوة مهمة جداً، وإذا انضبطت في العلاج بشقيه ستلمس تغييراً حقيقياً خلال سنة واحدة أو أقل.
* هل تصدقني إذا قلت لك أنك عبرت عن مشاعرك غاية في الدقة والإحساس! فأنت لا تُقدّر ما عندك يا صديقي، ولقد أثبتت الخبرة الإنسانية والدراسات العلمية أنه لا يوجد شخص بلا قدرات، فقد يكون غير منتبه لها أو لا يعطيها اهتمام أو لم يوفق في اكتشافها لقلة خبراته أو لظروف ما، لكنها موجودة فعليك أن تؤمن بوجودها حتى تعرف كيف تفتش عنها ثم كيف تنميها وتظهرها وتستخدمها الاستخدام الأمثل.
وهناك نقطة أخرى لا تقل أهمية عن السابقة وهي أن القدرات أو نقاط القوة ليس بالضرورة أن تكون "مشهورة" أو موجودة "بالكتب"، فقد تكون نقطة قوتك في أنك "محل ثقة الآخرين" وليس بالضرورة كذلك أن نتعامل مع مميزاتنا بالعموم بمعنى؛ أن العلماء مثلاً قالوا أن هناك قدرة عند بعض الأشخاص اسمها "القدرة اللفظية"، وبالتالي نتصور أن من لا يستطيع إلقاء محاضرة فليست عنده تلك القدرة وهذا غير صحيح، فهناك شخص ماهر في سرد القصص، وهناك شخص ماهر في إلقاء النكتة، وهناك شخص يتمتع بالشعر والسجع وغيره، وكلهم يملكون تلك القدرة! فالقدرة أو نقطة القوة ليست على شكل واحد، ولا بد وأن تجد لك نصيباً من تلك القدرات.
وأخيراً... تستطيع أن تكون شاباً ناجحاً مع نفسك ومع من حولك، وأن تبني شخصيتك التي ترضاها لنفسك وتكوّن بيتاً سعيداً فيه زوجة وأبناء إذا قررت أن تكون قصة جديدة من قصص النجاح.... فهيا لا تتأخر.