وسواس قهري.. من خلق الله!?
أنا شاب أبلغ 25 سنة، كنت يوماً جالساً وأتتني فكرة وهي: من خلق الله؟ فحيرتني في المرة الأولى فلم أسأل أحداً، لكن بعد مدة وسوستني فذهبت إلى أستاذ علوم شرعية فسألته فأجابني أن أذهب لأني موسوس، لكن لم يعطني دليلاً على أن الله لم يخلقه أحد في ذلك الحين، اعتقدت أنه لا يوجد جواب فزادت وساوسي وبدأت أفكار كثيرة في فكري، أو أن الشيطان يتكلم في نفسي، لا أعلم!?.
كان يقول لي الشيطان أنه يوجد من خلق الله وأنه هو من بعثه إليّ وهكذا... كان يقول لي دائماً أنه طلع إليه، ثم رجع ويقول لي أني أنا رسوله، وعندما أكفر أنا بديني أو بالله يبين لي معجزات ودلائل وجوده... وهكذا دامت هذه الأفكار في نفسي وأوقعت الشك فيها. هنا أنا كنت أفكر كثيراً في من خلق الله وأقول دائماً أنها أفكار شيطانية، لا أعلم هل كان الشيطان يكلم نفسي كثيراً أو نفسي كانت هي من توسوس لي لأن الصوت كان في نفسي صوت نفسي.
كان وكأن شيئاً ينغرس في قلبي ويجذبني إلى أن الشيطان في أقاويله على حق، دام هذا الشيء 6 أشهر هنا كنت أصلي دائماً وأذكر الله، لكن فكرة من خلق الله شككتني. وبالقرآن نزعت أن الشيطان على حق، ولكن لم أجد برهاناً على من خلق الله لأني لم آخذ الإجابة من الأستاذ وأعتقد بجوابه الأول أنه لا يوجد جواب، وقلت في نفسي أنه إن كان يوجد لحدثني، ومرة كنت أقرأ القرآن، قرأت قول الله: "أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني" حتى النهاية وبعدها لا أدري أعدتها أو لا أعلم كيف فتوسوست منها... أو لا أدري كيف وأصبح هذا القول يحدثني في نفسي بصوت نفسي فتأتيني القول بصوت نفسي "أنا الله يا وليد من خلقك" وتحدث نفسي بغير إرادة نفسي "أنا الله إلهك" وتتعاود في نفسي لا أدري هل كنت مريضاً أو هل يوجد من يحدثني؟ وعندما أقول للقول الذي في نفسي "برهن على نفسك" يقول: "حتى تكفر بالدين الإسلامي" لا أدري هل الشيطان من سمّى نفسه الله في نفسي وحدثني ليكفرني أم ماذا؟ ما جوابكم في هذا لأني الآن كثير الشك في ديني.
04/01/2009
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله، الأخ وليد؛
إن تساؤلك عمن خلق الله يرد على أذهان كثيرين، وله ما يرده من الأجوبة، ولكن يبدو أن عدم معرفتك للجواب ولّد عندك عدداً من الأفكار الوسواسية غير المنطقية التي لا يمكن ردها إلا بالإعراض عنها وإهمالها، لهذا فأنا سأجيبك عن سؤالك الأول وأنت عليك أنت تهمل باقي الوساوس وتعرض عنها.
لقد تعودنا أن نرى الإنسان يلد الإنسان، وعلمنا أن الإنسان مخلوق، ولخلقه بداية عندما خلق الله سيدنا آدم وزوجه حواء، وله نهاية أيضاً، إذ نرى الناس يموتون كما يولدون، وهذا شأن جميع المخلوقات من حولنا، توجد بعد أن لم تكن موجودة، وتموت بعد أن وجدت... ومعلوم أن الإدراك لدى الإنسان إنما يستمد مادته من معطيات الكون من حوله، والتي تصل إليه عبر الحواس الخمس، لهذا فإننا نستطيع أن نفهم بسهولة صفة الرحمة عند الله تعالى لأننا نحتفظ في أذهاننا بمعان وآثار لهذه الصفة، وكذلك صفة الكرم، ولكن أذهاننا يصعب عليها أن تدرك أن الله غير مخلوق ولا يحده زمان ولا مكان، لأننا لم نحتفظ في أذهاننا لأي معنى أو صورة عن هذا. فالله موجود وليس لوجوده بداية وهذا ما نسميه بصفة (لقِدَم) والتي هي إحدى صفاته سبحانه، قال تعالى واصفاً نفسه: ((هو الأوّلُ والآخِرُ والظاهرُ والباطِن))؛
فالأول: يعني أنه لا بداية لوجوده ولم يسبقه أحد في الوجود، وهذا يستلزم أن يكون غير مخلوق لأنه لو كان كذلك لكانت له بداية، وهذا معارض لما جاء في القرآن الكريم. هذا هو الدليل المأخوذ من القرآن الكريم على أن الله لم يخلقه أحد، ولكن العقل يسأل مرة أخرى: ما المانع أن يكون الله مخلوقاً؟
والجواب: لنفرض أن الله تعالى لم يخبرنا في كتابه أنه غير مخلوق، فهل يقبل العقل كونه مخلوقاً؟ لو فرضنا أن الله تعالى مخلوق، فإن عقلنا سيتساءل: من هذا الذي خلقه وأوجده بعد أن لم يكن موجوداً؟ سيجيب إنه موجود آخر، ولكن العقل يعود ليسأل: فمن خلق هذا الموجود الذي خلقه؟ سيجيب مرة أخرى: إنه موجود آخر...، وماذا بعد ذلك؟ إذا استمرت التساؤلات على هذه الشاكلة فإننا لن ننتهي إلى مستقر، بل سنصل إلى ما يسمى بالتسلسل (وهو أمر قرر علماء المنطق بطلانه)، ومعنى التسلسل: أن نفرض أن المخلوقات (وقد فرضت أن الله واحد منها تنزه عن ذلك) هذه المخلوقات متولدة من بعضها البعض إلى ما لانهاية بحيث يكون كل واحد منها علة لوجود ما قبله، من غير أن يوجد شيء تنتهي إليه هذه السلسلة المتوالدة، يكون علة لوجودها جميعها، ولا يستند في وجوده إلى أحد قبله.
(يعني (أ) خلقه (ب)، و(ب) خلقه (ج)، و(ج) خلقه (د)، وهكذا إلى ما لا نهاية، دون أن يوجد (س) الذي خلق هذه المجموعة ولم يخلقه أحد)، هذا المعنى يرفضه العقل، لأنه يستحيل أن تتوالد الأشياء منذ الأزل دون أن يكون هناك قوة مؤثرة فاعلة تسببت في وجودها كلها، إذ ما الذي جعلها توجد بعد أن لم تكن موجودة؟ ولتوضيح الفكرة أكثر: أفراد هذه السلسة كلها متساوية، إذ كلها مخلوقة، وكل واحد لا قيمة له في نفسه، لأنه يستمد قيمته ووجوده من الذي قبله، فهو مثل الرقم (صفر) الذي لا يحمل قيمة في ذاته، ولكن إذا وضعنا على يساره عدداً ما، استمد قيمته من ذلك العدد، فالعدد (1000000) -مثلاً- نقول: من أين يأخذ الصقر الأول قيمته؟ نجيب من الثاني، حسناً، الثاني مثله، فمن أين يأخذ قيمته؟ من الثالث، والثالث مثله، من أين يأخذ قيمته؟ من الرابع..... وهكذا، ولو فرضنا مليون صفر، فإنها جميعاً لا قيمة لها ما لم يوجد الرقم (1)، الذي أعطاها قيمتها جميعاً ولم يأخذ قيمته من أحد. لهذا فالعقل يحكم بوجوب وجود قوة أوجدت هذه السلسلة المتوالدة، لا تستند في وجودها إلى قوة أخرى، هذه القوة هي الله...
إذاً: فالله غير مخلوق ولا يستند في وجوده إلى أحد قبله، وهو الذي أوجد المخلوقات جميعها. والعقل يحكم بهذا وإن لم يستطع أن يتخيله، والسبب -هو ما قلته لك سابقاً- من أن العقل لا يحتفظ بأي صورة مشابهة في مخيلته توضح له الأمر، وإنما جميع الصور التي يحتفظ بها هي صور للمخلوقات من حوله، والتي لها بداية ونهاية، وتختلف في صفاتها عن صفات الله عز وجل.
هذان هما الدليلان النقلي، والعقلي على بطلان سؤالك: من خلق الله؟ تنزه سبحانه وتعالى عن ذلك. وأما سائر ما يأتيك من أفكار فهي وساوس لا مستند لها من العقل، ولا قيمة لها في الشرع، ولا تؤاخذ بها إذ تأتيك دون إرادتك، وخير دواء للخلاص منها، ما نصحك به نبيك صلى الله عليه وسلم ، الذي أرسله إلهك الذي لم يخلقه أحد، فقال: «يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ»، فاستعذ بالله عند ورود الوساوس على ذهنك، واصرف ذهنك عن التفكير بها فوراً وابحث عن فكرة أخرى مختلفة تماماً فاشغل ذهنك بها، ولا تحزن أو تقلق مهما داهمتك الوساوس، وعدها كأنها ضجيج يأتي من خارج النافذة، هو مزعج، لكنه لا يهمك! ومهما جاءك الشك في دينك، ومهما كانت الفكرة فاعمل على مداواة نفسك بالاستعاذة والإعراض عن التفكير، وحاول أن تجد معلماً متقناً يعلمك أساسيات دينك وما يلزمك في حياتك، وطبيباً نفسياً يساعدك على تخطي هذه الأزمة، أسأل الله أن يثبت قلبك، وتابعنا بأخبارك.
ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> وسواس قهري... من خلق الله مشاركة1