السلام عليكم
أشعر منذ صغري بأعراض تتفق في أغلبها مع أعراض الاكتئاب كما قرأت عنه مؤخراً، ومع ذلك مرّت حياتي طولاً وعرضاً، بحلوها ومرّها، ولم أكن حتى أعي معنى كلمة اكتئاب هذه. وكانت أهم أحداث طفولتي أني هربت بالفعل من المنزل تمرداً على سوء معاملة أبي وتشدده وعصبيته الزائدة. ثم استقرت أحوالي وهدأت عاصفتي نوعاً ما وتخصصت في لغة نادرة وتقدمت في دراستها وتفوقت على أقراني في الجامعة تفوقاً ملحوظاً مما جعل الأسرة تحلم بأن تراني دكتوراً في هذه اللغة ومما شجعني على طموحات كبيرة في هذا المجال.
وخلال ذلك تعرضت بالطبع لعدة عقبات وعراقيل كان من أهمها عدم تعييني في الجامعة رغم أني كنت الأول على الدفعة، ثم استغلني أساتذتي فجعلوني أترجم لهم من الباطن مما كان يضايقني ويخنقني، ومع ذلك كله استطعت أن أخطو بضع خطوات نحو النجاح ونشرت بعض ترجماتي في بعض الصحف والمجلات وظهرت في عدة برامج تلفزيونية لأتحدث عن ثقافة اللغة التي أدرسها، ثم وقعت عقداً لترجمة كتاب باسمي مع إحدى مشاريع الترجمة الهامة، ولكن الطامة الكبرى بالنسبة لي كانت بعد هذا التوقيع حيث أعاد أحد الأساتذة محاولة استنزافي وطلب مني القيام بترجمة خاصة به ليضع عليه اسمه كما فعل سابقاً، ولم يكن أمامي مفر من القبول الظاهري ولكني كنت مشمئزاً من داخلي، فكانت النتيجة أني لم أستطع الترجمة وكأن عقلي قد أصيب بالشلل وتعرضت لمعاناة طويلة امتدت منذ ذلك الوقت وحتى الآن. وقد بلغت هذه الفترة العصيبة في حياتي أربعة أعوام، تجرّعت خلالها شتى ألوان المرارة والألم وتدهورت خلالها علاقاتي بمن حولي لثوراتي الانفعالية الشديدة رغم ما يبدو عليّ في الغالب من هدوء. ويكفي أن أقول إن هذه الحالة قد حرمتني من السعادة حتى في ليلة العمر.
لجأت منذ أربعة شهور إلى أحد الأطباء الكبار في محافظتي وشخّص حالتي بـ(اكتئاب) ووصف لي "سبراماكس" و"تريتيكو" فتحسنت أحوالي الجسدية كثيرا وأصبحت أكثر هدوءاً وتوقفت تقريباً مشاكل المعدة واضطرابات القولون، ولكن استمرت حالة التبلد واللامبالاة الشديدة. وحين شكوت من كثرة النوم التي يسببها "تريتيكو" وصف لي الطبيب "أنافرونيل".
بعد ذلك توقفت عن هذا العلاج لفترة ثم لجأت مؤخراً إلى طبيب شهير بالقاهرة فوصف لي مجموعة من الأدوية (فلوفيكسال، وتوبمود، وأكينتون، وبرثيادين) وما أن تناولتها حتى أصابتني حالة من الخدر والنعاس الممتد، فوجدت أن عقاري "سبراماكس" و"أنافرونيل" أخفّ تأثيراً عليّ من ناحية ازدياد الحاجة إلى النوم، لذا عاودت الآن تناولهما لكني ما زلت أعاني من اضطرابات النوم والكسل والخمول، خاصة حين أبدأ في أي عمل ذهني.
وهأنذا ألجأ إليكم لتفيدوني في حالتي هذه فقد أوشكت على الانهيار، أشعر أني أمتلك طاقات إبداعية كثيرة ولكني غير قادر على إطلاقها. أرجو أن تفيدوني إذا كنت مريضاً حقاً أم أن طبيعتي هكذا! وهل من الممكن أن يكون لدي قصور في نشاط الغدة الدرقية؟ وهل يوجد طبيب نفسي ينصت إليّ جيداً ويحاول مصارحتي ومساعدتي بجدية تامة ودون أن يتعامل معي على أني لا يحق لي الكلام؟ وكيف أتحقق من قدراتي وأتأكد أني موهوب ولست موهوماً؟ أغيثوني من هذه اللامبالاة ومن هذه الحالة المميتة!.
أعتذر كثيراً عن الإطالة،
وفقنا الله جميعاً إلى ما يحب ويرضى.
07/06/2009
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله،
شفاك الله وعافاك وآجرك على معاناتك. ذكرتني سطورك بتفسير للاكتئاب بأنه هروب من مواجهة الواقع وتحمل المسؤولية، فاعلم أنك مريض وأن مرضك يعطل بالطبع قدرة الإنسان على العطاء والإبداع، وإن كنت غير مسؤول عن مرضك إلا أنك مسؤول عن طلب العلاج والصبر عليه.
من أين أتيت بفكرة أنك لا يحق لك الكلام لدى الطبيب النفسي؟! فاعلم أن العلاج النفسي الصحيح يتطلب مساعدة المريض على التعبير عن انفعالاته وتعديل أفكاره أي أن حديثك مع الطبيب ليس طلباً استثنائياً بل جزءاً من العلاج، قد يكون طبيبك أجّل أمر الحديث قليلاً حتى تبدأ الأدوية في إعطاء مفعولها قبل البدء في العلاج المعرفي والسلوكي، وأنت هنا لا تساعد نفسك كثيراً، فخلال أربعة أشهر غيّرت أدويتك ثلاث مرات مع العلم بأن هذه النوعية من الدواء تحتاج وقتاً لتعطي مفعولها، وحتى آثارها الجانبية مثل النعاس تخف تدريجياً في الغالب.
أمر هام آخر في علاجك، لا تبحث عن طبيب مشهور وبالتالي قد يكون مشغولاً، فالمهارة ليست معيار الشهرة الوحيد، ومن خلال خبرتك فقد خبرت بنفسك كيف استغلك بعض أساتذتك ليصنعوا لأنفسهم مكانة دون كفاءة حقيقية! عند اختيارك للطبيب النفسي هناك معايير أكثر أهمية مثل تقوى الله وحب التخصص والإخلاص في العمل، وأن تشعر أنه جدير بالثقة.
ما رأيك لو تبدأ بالكتابة بهذه اللغة التي تتقنها معبراً عن معاناتك عاكساً جزءاً من ثقافتنا ومعاناتنا العامة في المرحلة الحالية، ستفيدك الكتابة في التعبير عن نفسك وستجد متنفساً لأفكارك وغضبك بعيداً عن المحيطين بك، وستجد في نهاية كل صفحة أنك أفضل قليلاً، ومتى شعرت بالحاجة للحديث فالمجانين معك.