السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
السادة الأفاضل،
أرسل إليكم استفساراً وليس شكوى، فأنا لا أشكو الله إلى عبدٍ من عباده، ولكن أبغي التوضيح فقط وكيفية التصرف حيال ما أنا بصدد عرضه عليكم.
عندي ابنة تبلغ من العمر 15 عاماً وابن 11 عاماً مصابان بحالات نفسية أو عصبية مختلفة؛ فالبنت مصابة بالفصام منذ أكثر من 6 أشهر على إثر تعرضها لعدة عوامل منها:
- حرصي الشديد على أن تنشأ نشأة سوية ولا تتأثر بزميلاتها في المدرسة حيث السلوك الشاذ والحرية التي تجلب كل الشرور عليهن، وأنها كانت تشعر بأنها شاذة في قاعدة منحرفة، حيث ما نشاهده في كل مكان أصبحت البنت ولداً بل أكثر، وأصبحن لا يخفن أن يؤذيهن أحد، وصار العرض والشرف عندهن لا قيمة له إلا ما رحم ربي. وأضف على ذلك ما يحدث في البيت من بعض المشاكل بيني وبين أمهما الأمية والتي لا تعرف عن أسس التربية أو دور الأم سوى أن تكون طباخة ومنظفة! ونضيف كثرة تنقلاتنا في السكن والشعور بعدم الاستقرار.
وها قد شرحت الأسباب معترفاً بذلك، وأعلم أن ما حدث لهم هو عبارة عن قمع تولد من كبت شديد كما يقولون علماء النفس (الكبت يولد القمع)، فما كان القمع إلا أن أتى في صورة هياج شديد وعصبية عنيفة من الولد، وكان يصرخ ويشتم وبألفاظ لم يكن معتاد عليها، وينقلب تماماً ويصير بشخصية إنسان أكبر منه عمراً، عنيف ويتلفظ ألفاظاً بذيئة وتأتيه قوة عنيفة حتى أنه أكثر من مرة تطاول على أبويه بضرب مبرحٍ وشديدٍ. توجهت به إلى الطبيب المعالج بالتأمين الصحي بالمدارس فصرف له "تجريتول" و"ريسبادكس نقط 2 ملم" يومياً على جرعتين، ثم ضاعفت الجرعة بناءً على نصيحة الطبيب المعالج، ثم انخفض مرة أخرى، ووصل حال ابني أنه أصبح يخرج صوتاً بلعومياً لشخص آخر لا يمت له بصلة وهذا الصوت يشتم ويضرب ويركل وعيناه يصبح لها بريق ويعرق وتحمر وجنتيه! وتأتى هذه الأفعال بعد أن يقوم بعدة حركات منها انقباض أصابع يده وشعوره وكان يده اليمنى تحترق ويخرج منها دماء إلى أن وصل الحال الآن أن تحسنت حالته بعض الشيء، ولكن تأتيه نوبات مزاجية سيئة تبدأ بشعوره بصداع شديد في مؤخرة الرأس ثم ارتفاع في درجة الحرارة ثم لمعان عينيه واحمرار وجهه والعصبية والنرفزة على من حوله، ثم يخرج صوتاً ضعيفاً يشبه صوت الأرنب تماما حين إمساكه.
هذا من ناحية ابني، أما ابنتي؛ فقد تفاقم وضعها حتى بدأت تنزوي وتأخذ ركناً في الحجرة ولا تتكلم ولا تطلب ما كانت تطلبه، ثم فوجئنا بأنها تركت المنزل فجأة واختفت لعدة أيام، ولولا فضل الله لكانت وكنا من الهالكين في ظل ما نسمعه من أحداث بصراحة تغمّ النفس. عند عرضها على الطبيب عرفنا أنها مصابة بالفصام، ومرة أخرى شُخِّصت حالتها بأنها نوبات ذهانية حادة فهي الآن تتناول دواء "التجريتول سي آر" و"السيكودال 2 مم" وأقراص "الاكيتون" مرتين يومياً، ولكن حالتها لا تتحسن إلا طفيفاً، وأشعر أنها صارت طفلة ابنة الخامسة وليس الخامسة عشر! وأصبحت تطلب أشياءً بصفة منتظمة ولا تستطيع الاستغناء عنها/ وإلا فمن السهل أن تباغتنا وتترك المنزل للتوجه إلى المحل لجلبها حتى ولو لم يكن معها نقود -كما حدث بالفعل-.
فبالله عليكم أفيدوني، ماذا أفعل حيال الولد والنوبات المتكررة والمتمثلة في الصداع في رأسه من الخلف فوق القفا، ثم ينقلب عصبياً شديداً، علاوة على خوفه من اللعب مع أقرانه في المدرسة أو حتى في الشارع وشعوره بالحرج الشديد، حتى أنه يقوم بتغطية عينيه بإنزال الطاقية التي يرتديها إلى أسفل تجاه عينيه. وأيضاً حيال البنت التي لا تتحسن إلا طفيفاً، وخاصة ونحن على أبواب الدراسة.
أفيدوني، هل العلاج الذي صرف لهما مناسب أم هناك عقاقير أخرى أكثر ملائمة ولها تأثير أسرع؟ لو تعلمون كم أعاني، ولا أقول إلا ما يرضي ربنا والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
30/08/2009
رد المستشار
الأخ الفاضل،
أهلاً ومرحباً بك على الموقع، وأعانك الله على ما تعانيه من مشكلة طفليك.
1) لا ننكر دور الضغوط الأسرية في ظهور اضطرابهما، لكن الضغوط ليست هي العامل الوحيد لظهور المرض، بل يسبقها 3 عوامل أخرى تتداخل معها وتساويها في الأهمية وقد تزيد، وهذه العوامل هي الاستعداد الوراثي للمرض الذي أتوقع أن يكون موجوداً بالأسرة الأم على الأقل (وجود الطفلين)، وجود خلل بيولوجي في خلايا المخ (اتساع البطينات خاصة البطين الثالث والجانبي، واتساع أخاديد المخ).
2) زيادة كمية السائل النخاعي في المخ (CSF).
3) صغر حجم المخ (بسبب ضمور في خلايا المخ) Atrophy or Dystrophy..
4) صغر حجم الفص الصدغي والفص الأمامي.
5) صغر حجم المهيد والهيبوكامبسhyppocamps والأخدود الصدغي العلوي Sup.Temp.G.
6) صغر حجم المادة البنية خاصة في القشرة المخية.
* التغيرات الفسيولوجية التي تحدث بخلايا المخ (الدوبامين، والسيرتونين، النور أدرينالين، جلو تامين).
هذا إذا اتقفنا أن التشخيص سليم وأنهما يعانيان من الفصام، وهو ما أرى أنه يحتاج إلى إعادة نظر مرة أخرى. فسن أطفالك أصغر من السن المتوقع، كما أن الأعراض وخاصة مع الطفل الأصغر تختلف كليّاً مع أعراض الفصام وتتفق أكثر مع النوبات الصرعية أو اضطراب المسلك، وعلى فرض أنهما يعانيان من الفصام فالأدوية والجرعات الدوائية تحتاج إلى بعض التعديل.
فالعلاج في الفصام يمر بثلاث مراحل:
مراحل علاج الفصام:
(أ) العلاج الدوائي:
كل مضادات الذهان لها نفس التأثير ولكن تختلف في الأعراض الجانبية وسرعة بدء التأثير.
1) المرحلة الحادة (النشيطة) وهي التي تحتوى عادة على الأعراض الذهانية ويستمر العلاج حتى تختفي الأعراض وهي تحتاج إلى حوالي من أربع إلى ثمان أسابيع (8:4 أسابيع).
2) المرحلة المستمرة (continuo phase) لمنع حدوث الانتكاسة وهي تحتاج إلي الاستمرار على مضادات الذهان بنفس الجرعة لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
3) المرحلة الدائمة (Maintenance phase) وهي تقرر حسب عدد النوبات واستجابة المريض للعلاج ووجود عوامل الخطورة من عدمه.
ووجد أن هناك بعض العوامل التي تساعد على الثبات (الاستقرار الإكلينيكي) أثناء المرض في مرحلة الهوادة:
في دراسة عام 1989 وجدت أن الثبات أعلى بين:
1) العائلات التي حضرت ورشة عمل عن التعامل مع مريض الفصام.
2) عدد مرات الحجز للمريض أقل، درجة خطورة المرض أقل.
3) القلق والاكتئاب واضطرابات التفكير والقابلية للعدوان أقل خلال 5 أسابيع من الحجز بالمستشفيات.
4) السن عند الحجز بالمستشفى والجنس والزواج ووجود الأعراض الموجبة أو السالبة أو الإحساس بالذنب والباركنسون الكاذب ليست لها علاقة بهذا الثبات.
أفضل جرعة للثبات في المرحلة المستمرة فلوفينازين ديكونيت 12.5 – 50 مجم /أسبوعين.
(ب) العلاج النفسي
العلاج الدوائي والنفسي كلاهما مهم للمريض وأسرته؛ فالمريض يعاني من صعوبات اجتماعية بسبب الاضطراب، وكذلك لقابلية حدوثها مستقبلاً، كما أن المريض يلاصق الدواء لفترات طويلة مما يعطيه إحساساً غير لطيف، كما ويعاني المرضى من تأخر نموهم الاجتماعي والوظيفي أثناء نوبات الاضطراب، ولديهم مشكلة في الوصمة الاجتماعية ومخاوف من تكرار النوبات، وقد ينتج لدى المريض أو أسرته مشاكل قانونية أو اجتماعية.
- ويكون العلاج النفسي تدعيمي في المرحلة الحادة لبناء جذور الثقة بين المريض والمعالج ومحاولة تدعيم المريض والتركيز على التواصل معه بشقيه اللفظي وغير اللفظي، وعدم التطرق إلى تفسير الأعراض خلال هذه المرحلة، مع جمع المعلومات الخاصة به وبأسرته لمحاوله فهم العوامل المؤثرة في مرضه ونقاط الضعف الخاصة به، ويلاحظ الموضوعات التي يتجنبها والتعرف على رؤيته للعلاج المقدم ومساعدته في فهمه بعد ذلك.
يتم وضع خطة علاجية للعلاج النفسي حسب المدرسة المستخدمة، ويتم علاج المريض عن طريق:
1. العلاج الفردي بأنواعه المختلفة بحسب شخصية المريض ونوع الاضطراب وغيرها.
2. العلاج الجمعي.
3. العلاج الأسري ويكون على مرحلتين:
أ. التدعيم الأسري ويكون قصيراً (6جلسات في المتوسط)؛ وهي جلسات تعليمية نفسية الهدف منها تقبّل الأسرة للمريض ومعرفة العوامل والضغوط المرسبة للمرض، وتقليل التفاعلات الأسرية المسببة له، ووضع إستراتيجية للعلاج، ومنع الضغوط المستقبلية، وتأكيد حاجة المريض للاستمرار على العلاج الدوائي بعد الخروج من المستشفى.
ب- العلاج السلوكي للأسرة:
لإكساب الأسرة مهارات التواصل وحل المشكلات. لقد وجدت الدراسات أن العلاج الأسري يقلل من معدل حدوث الانفصال الأسري ويرفع من مستوى الأداء الوظيفي للأسرة، كما أنه يرفع من معدل حدوث الهدأة الكاملة للمريض، ويقلل من حدوث الانتكاسة، ويقلل من فرص حجزه بالمستشفيات.
في النهاية، أرى أن يتم تشخيص الطفلين مرة أخرى، ونحن على استعداد لذلك بقسم الطب النفسي بطب الأزهر يوم الأحد من كل أسبوع.