السلام عليكم
ابني يبلغ من العمر 29 سنة، ولديه نسبة تأخر منذ الولادة؛ حيث أنه تأخر في المشي وتأخر في الكلام وبالتالي تأخر في الدراسة، حيث التحق بالمدرسة الابتدائية ولكنه رسب في 5 ابتدائي، ثم بعد ذلك التحق بالمدرسة المهنية حتى رسب كثيراً وخرج من المدرسة. خلال دراسته في المدرسة كنت أعطيه دروساً خصوصية ودروس قرآن حتى ينمّي قراءته، ولكني كنت لا أتركه أبداً دون دراسة، فالتحق بجمعية الشبان المسلمين بدورات سباكة ثم دورات نجارة، وعملت على تنمية قدراته بشتى الطرق.
ثم التحق بالعمل في شركة مقاولات ولكن لم يكن يعمل عملاً جادّاً، فقط كان يستيقظ مبكراً ويذهب للعمل ويعود، وهكذا... فقط طريقة لقضاء الوقت. والتحق بفصول محو الأمية والحمد لله حصل على الشهادة بنجاح، ودخل الأول الإعدادي لكن طبعاً لم ينجح واكتفى بشهادة محو الأمية، وبجانب عمله النهاري التحق بعمل في سوق تجاري بجوار المنزل منذ أن كان عمره 15 سنة، ولم يكن له أي راتب مستمر بل كان الناس يعطونه مبالغ متفرقة كإكرامية نتيجة عمله، فكان يوماً يحصل على عشرة جنيهات وقد يمرّ يومان دون أن يتقضى فلساً وهكذا... لكنه تعود على صرفها على الحلويات والعصائر والمثلجات، ومع قليل من الضغط مني جعلته يدخر بعضاً من المبالغ البسيطة جداً لوضعها في دفتر التوفير.
استمر الحال هكذا لمدة 13 عاماً مع الفرق أنه منذ عامين اشتغل في محل للتجميل وتصفيف الشعر بأن يقف على الباب ومن يحتاج شيئاً من الزبائن يحضره له، وصرف كل نقوده على الحلويات!.
وهكذا عمله الصباحي وعمله المسائي، وكان بالثانية يصحو وبالثانية ينام، ومواعيده منضبطة جداً جداً جداً دون أن يتعلم قراءة الساعة! يومه مضبوط، وهو كثير الاستحمام والنظافة ويهتم بمظهره وملابسه، وكل من يتعامل معه لا يلاحظ أن به أي علة، حيث أنك لا تكتشف التأخر إلا بعد أن تتكلم معه وتجد أنه يتأخر في الاستيعاب، لكنه لم يأتي بأي فعل غريب. ومع أن مستوانا الاجتماعي غير ذلك تماماً؛ فأنا مدير عام وأبوه كان مدير عام أيضاً قبل أن يتقاعد، ونسكن في حيّ راقٍ والحمد لله، والمستوى المادي الحمد لله مستورة، ولكني كنت أشجعه على أي عمل يفرغ فيه طاقته حتى لا يلتفت إلى أصدقاء السوء أو السجائر أو البنات، والحمد لله رضينا بكل حال وبكل شيء.
ومنذ عام بالتحديد في يوم 8/6/2008 جاءنا هاتف على المنزل من العمل أنه في حالة غير طبيعية وهستيرية، وملخص الموضوع أنه أصيب بانهيار عصبي، فنزلنا لنأخذه ولكنه كان يصرخ أنه لا يريد العودة إلى المنزل وأن مَن في المنزل هم شياطين وأنه يكرهنا ويصرخ بأعلى صوت "الله أكبر" ويصرخ بكلام غريب جداً، والتف حوله زملاءه في العمل وأعطوه حقنة مهدئة وسط انهياري أنا وإخوته ولم ندرِ ماذا نفعل. أخذ الحقنة ثم نام ولم ننم نحن من الخوف لأنه كان يرفض الدخول إلى المنزل، فكنا خائفين جداً. مرّ يومان ونحن لا نعرف ماذا نفعل، كان في الفترة التي سبقت هذا الحادث قد بدأنا نلاحظ عليه تصرفات غريبة مثل أن يتهيأ له أن أحداً يكلمه ويرد عليه، وأن يذهب إلى الشرفة بالساعة مع نفسه ويصلي كثيراً وكثيراً، ولكن لم ننتبه إلا بعد فوات الأوان وأصيب بانهيار عصبي.
مرّ يومان غير طبيعيان؛ مرة يضربني، وطوال النهار يصرخ علينا ويقرعنّا حتى استطعنا أن نذهب به إلى الطبيب، وكان العلاج هو دخوله إلى المصحة لمدة خمسة أيام دون أن يسمع عنا أو يرانا. مرّت الأيام ثقيلة جداً علينا، وبعد 3 أيام طلب نظارته فعرفت أنه بدأ يتذكرنا، وذهبت إليه في آخر يوم وأخدته أنا وأبوه وعدنا إلى المنزل وكان هادئاً جداً، ولكن بعد مرور عدة أيام بدأ يرفض الدواء وتغيرت الحالة من هياج إلى شك ووسواس ونفور، فلا يأكل ولا ينام ولا يشرب في المنزل، يخرج ليجري في الشوارع ولا يأتي، وإذا أتى فهو ينظر لنا بكل ريبة وشك ويخرج ليجري! نصحنا الطبيب بحقنة فأخذها بمعجزة شديدة على أساس أنها حقنة فيتامينات لأنه لم يكن يأكل فكان يضعف، ولكن لم تتحمل أعصابه الحقنة فبدأت أعصابه تتشنج ولم يستطع حتى أن يغلق فمه وكان اللعاب يسيل من فمه، ولا يقف ولا ينام، وكانت أياماً رهيبة.
ذهبنا إلى طبيب آخر وأقنعته أنه يجب أن يرافقي ليفحص الطبيب رجليه، أعطاه دواءً وحبوباً وافق على أخذها حتى تتحسن رجلاه، وبدأ يأخذ الريسبيردال 3 ملل... وآه من كل ليلة! والكابوس الليلي حتى يوافق على شرب اللبن أو الماء أو أي شيء به الدواء منا. ومرّت الأيام وبدأ يتحسن والحمد لله، وقلل الطبيب الجرعة حتى 1 ملل ثم رجع ابني مثلما كان وأوقف الدواء، ولكن تغيرنا نحن في المعاملة فأصبحنا لا نضغط عليه ونعامله كأنه حالة خاصة وليس مثل السابق بأنه إنسان عادي.
في هذا العام بالتحديد 2/6/2009 كانت بداية النكسة؛ بدأ يخرج إلى الشرفة ثانية ويستمع لشريط القرآن ويتوضأ وعاد يتهمنا أننا لا نحبه، وبدأت أعراض ولكني لاحظتها من البداية فأعطيته الدواء سريعاً ولكنه 1 ملل فلم يؤثر معه. وخلال يومين لم يعد يأكل أو يشرب، ويخرج ويرجع صباح اليوم التالي وحين أسأله أين كنت الليلة الفائتة يرد بأن الليل لم يحلّ أصلاً! وذهبت للطبيب وأعطاني ريسبردال 3 ملل وكان يريد أن يصف له حبوباً لكن مستحيل أن يأخدها، وكان تفسيره أن مرض ابني من النوع الانتكاسي وأنه سيبقى طوال عمره على ال 3 ملل... وعدنا لدوامة الشك من جديد ونظراته الغريبة ومراقبته الرهيبة لنا وخصوصاً أنا: "ماذا تفعلين؟"، "كلما أكلت أتعب"- كنت أضع له الدواء في الغداء لأنها الوجبة الوحيدة التي ممكن أن ياكلها في البيت-... ومنتهى الشك: "لم تريدون لي أن أموت؟"، "أنا أصلي والله، تريدون لي أن أموت لئلا آخذ منكم نقوداً..."، لكنه بدأ ينحسن قليلاً فخفف الطبيب الجرعة إلى 2 ونصف ملل، والحمد لله أخيراً تفتق ذهني أن أحقنه في علبة عصير مقفولة حتى لا يشك فيه. الحمد لله، حتى الآن هوعلى ال2 و نصف ملل، وموعدي مع الطبيب بعد رمضان.. هو بدأ يتحسن ثانية وعلى أمل أن يقلل الطبيب النسبة.
الناس في العمل لا يطلبون منه أي طلبات، وبالتالي لا يقبض منهم أجراً فكره العمل، ويقضي النهار نائماً وأنا أخشى أن يسبب له النوم اكتئاباً، وطيلة النهار على موّال: "أريد أن أعمل مشروعاً"، "أريد أن أتعلم السواقة"، "أريد مالاً" وكما اعتاد أن يصرف ماله على شراء الحلويات، يريد كل ساعة نقوداً! وكل ساعة يأتي بفكرة مشروع ويلح ويلح ويلح... لا أدري ما العمل؟ ماذا أفعل؟
قال الطبيب أنه لن يتمكن من الزواج بسبب المشاكل، وهو يريد أن يتزوج ككل من حوله! يا ترى هل سيأخذ هذا الدواء طوال عمره؟ هل للدواء أي أعراض جانبية؟ إن لم يأخذه يوماً، ما الذي سيحصل؟ ما هي طبيعة مرضه؟ وكيف يعالجها هذا الدواء؟ بماذا تنصحونني؟
أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله كل خير على هذا المجهود الكبير...
R03;أكرمكم الله لا تهملوا رسالتي.
30/08/2009
رد المستشار
الأخت "أم محمد"،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الواضح أن ولدك يعاني من القصور المعرفي Cognitive Disability (التخلف العقلي) بوصفك لولادته وتأخره في المشي والكلام والتعلم. وما وصفت من تغير سلوكه وتوهمه وكلامه مع نفسه هو نوع من الاضطراب العقلي (الذُهان) في صورة أعراض ذهانية.
لقد كان الطبيب موفقاً بوصف "الرسبردال" له، وما حدث له بعد الإبرة من الطبيب الأول هو من الآثار الجانبية، ويمكن إعطاء علاج مضاد لها. إن تحسنه بعد "الرسبردال" في المرة الأولى والثانية يدل أن ولدك يعاني كما قلت من الذهان، وقد يحصل هذا النوع من الاضطراب مع التخلف العقلي.
الحقيقة، هل يأخذ العلاج طوال عمره أم يأخذه مؤقتاً؛ أعتقد أن هذا يتم مناقشته مع الطبيب النفسي الذي تراجعينه، أنا أعتقد أنه ممكن مواصلة العلاج لمدة سنة وبعدها يبدأ تقليل العلاج تدريجياً.
هل للدواء آثار جانبية؟ نعم، لا يخلو دواء من آثار جانبية؛ منها الثقل الذي وصفته، وأيضاً هناك اضطراب في هرمون الحليب (البرولاكتين أو حاثة اللبن) وزيادة في الوزن، واضطراب الجهاز الهضمي وغير ذلك، ولكن هذه كلها في ذهن الطبيب عندما يصف العلاج.
لو لم يأخذ الدواء ماذا يحصل؟ الحقيقة، يمكن أن يحصل أو لا يحصل، لأن الدواء طويل المفعول، لكن لو لم يأخذ الدواء لعدة أيام في هذا الوقت سينتكس مرة أخرى.
ما هي طبيعة المرض؟ طبيعة المرض (التخلف العقلي) هو ضرر عضوي في الدماغ يحصل نتيجة نقص الأوكسجين بعد الولادة -في حالة ولدك-، ويكون هناك ضعف في اكتساب المهارات والتعلم. أما الذهان (الشك، والهلاوس السمعية والعدوانية) فتنتج عن اضطراب في الموصلات الدماغية -الدوبامين والسيروتونين-، والعلاج الذي يأخذه الآن ينظم هذه الموصلات فتتحسن هذه الأعراض.
ننصح بما يلي:
أن تواصلي العلاج وتتواصلين مع الطبيب الذي يعالجه، وأن تسأليه عن كيفية إعادة تشكيل سلوكه لأنه سيشير عليك بما يمكن أن تفعليه لتحفيزه وتشكيل سلوكه بما يتناسب مع وضعيته العقلية.
مع التمنيات بالعافية للجميع.