الحياة ورطة
الأخ الفاضل الدكتور وائل أبو هندي،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
اعذرني لأني لم أرسل لك حالتي باسمي الحقيقي؛ لأني في الحقيقة أخشى أن تُنشر تفاصيل الحالة وتنكشف أمام الناس، مع العلم بأن حالتي ليس فيها ما يُخجل، ولكن هذا ما أريد (ألا تنكشف شخصيتي). وما أتمناه حقيقة هو أن أزورك في عيادتك -كمريض طبعاً- لأحصل على العلاج، الذي طالما تمنيت الوصول إليه، فقد استعصى عليّ تقريباً العلاج السلوكي الذاتي، وأحتاج إلى علاج بالعقاقير، لعله يكون سبباً في الشفاء بأمر الله تعالى.
سيدي، أنا أعاني من حالة وسواس قهري منذ حوالي ثلاثين عاماً تقريباً؛ تطورت وتحولت وتشكلت مرات ومرات وكأنها إيدز يصيب النفس البشرية، كنت متفوقاً في بدايات حياتي وكانت بداية مرضي هو خوفي على هذا التفوق والتميز من الضياع، ثم تطورت الحالة وأخذت أشكالاً مختلفة مع مرور الزمن، فكلما تغلّبت على شكل من أشكال الوسواس، جاءني شكل آخر ينغص عليّ حياتي. وأنا الآن يا سيدي -والحمد لله على كل حال- إنسان فاشل في حياته.
اعذرني أيضاً على الاختصار وعدم الإطالة؛ فربما ضاعت منِّي الكلمات الآن، لكني سأعاود مراسلتك ثانية بشيء أكثر من التفصيل.
تزوجت وأنا في العقد الرابع من عمري من سيدة ربما اعتقدت بأنها أفضل منِّي في المستوى الثقافي أو الاجتماعي، لكني لم أر نفسي أقل منها يوماً ما، وكانت تصغرني ببضع سنوات، وكانت ظروفنا الاجتماعية متقاربة جدّاً.
المهم مرت حياتنا بشيء من العسر أحياناً واليسر أحياناً أخرى، ولكن في النهاية وصلنا إلى الطلاق.. طلقتها على الإبراء -فهي التي طلبت الطلاق بهذه الصورة ولم أضطرها إليه أبداً- وتركت لي الأبناء بإرادتها وبضغط وإيعاز من أهلها. أنا الآن أعاني من مرضي النفسي المعيق، وأنت تعلم يا سيدي كم هو معيق هذا المرض؛ فأنا متعثر الخطوات، بطيء في كل شيء، لا أحسن أن أعمل جيداً ولا أربي الأولاد جيداً، خصوصاً وأن كل من حولي لا يستطيعون تحمل العبء معي، والكل يحثني على الزواج للتخلص من هموم المسؤولية التي عليهم. وأنا لا أجد في نفسي الدافع ولا الرغبة في الزواج بشكل قوي؛ لأني حقيقة فقدت الثقة في النساء من جهة، ولأني أجد العينات الموجودة غير مشجعة بالمرة، على اختلاف الثقافات والبيئات والتربية.
أبحث عن أمل لي في الشفاء، وأعلم أن الشفاء من عند الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ولكني أتساءل هل يوجد دواء ثبتت جدواه وفاعليته في مرض الوسواس القهري دون آثار جانبية سيئة على المدى الطويل أو حتى القصير؟.
واسمح لي بهذه الكلمات:
حسبنا الله ونعم الوكيل في امرأة لا يهمها إلا ذاتها.
حسبنا الله فيمن يمررون قوانين الهيئات الظالمة التي لا تريد إلا تدمير المجتمع (هيئة الأمم المتحدة وأمثالها).
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل مجالس المرأة والهيئات النسائية الزنديقة في كل بقعة من بقاء الأرض.
وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.
ملحوظة: أرجو من سيادتك أن تنشر كلماتي تلك في هذه الرسالة على وجه الخصوص.. فهي صرخات شخص يشعر بأن الحياة ورطة!.
8/9/2009
رد المستشار
حضرة الأخ "دوست" حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
لقد أتت رسالتك على شكل صرخة أكثر مما هي على شكل شكوى. وإننا لنصرخ معك بهذه العبارات: "حسبنا الله ونعم الوكيل" على كل هذه المدنية الآخذة بيد الإنسانية نحو الهلاك.
لست بصدد تحليل الأسباب، فلربما يكون من أهمها هو تخلينا عن الأصول وتلهّينا بالقشور؛ فبعضنا ملحد، وأكثرنا مؤمن ولكن بدل أن يفهم الرسالة الأساسية والحقيقية من الدين ألا وهي الحب: حب الله وحب عباده، التسامح، تحمّل الآخر، والسعي الدائم لبناء مدماك خير في جدار الإنسانية المتصدع، أخذ بعض المؤمنين الدين ليستعملوه كآلة قتل للآخر بحجة الدفاع عن الله، وعن دينه... وهكذا، بدل أن تأتي الجمعيات العالمية النسائية وغيرها لتعلمنا الحفاظ على الأسرة، وعلى كرامة الرجل، وكرامة البيت، أتت موضة التحرر لتفكك الأسرة وتهدم المنزل على رؤوس ساكنيه. ولذا يا سيد "دوست" تكون شكواك شكوانا، وصرختك من جراحنا وآلمنا. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أما بالنسبة لمشكلتك الخاصة؛ فموضوع الوسواس القهري، لا بد من متابعته مع طبيب أخصائي "كالدكتور وائل مثلاً"، وفي العيادة، وتناول العقاقير المساعدة بهذا الخصوص. أما بالنسبة للنجاح في الشفاء من هكذا مرض، فعندك حق، إنه من الأمراض الصعبة، ولكن قد ننجح بسهولة عند مَن يحمل الأمور بلطف ورفق وعند مَن لا يستعظم الصغائر. فبالكثير من الإرادة والعزم نستطيع أن نقهر الوسواس القهري بأن لا ننفذ مطالبه الشيطانية، لأن الوسوسة هي من الشيطان فقط، الذي قد لا يستطيع أن يزيحنا عن سجادة الصلاة، ولكنه يتمكن عند بعضنا من أن يغرقنا بعملية الوضوء لساعات طوال، أو بالصلاة وإعادتها وتكرارها مراراً كي لا تنتهي أبداً إلا مع العناء والألم النفسي. فيكفي أن تعرف بأن من يأمرك بالفكرة الوسواسية هو الشيطان، لكي تستطيع أن تعصي أوامره، وعندها تشفى بكل هذه البساطة.
أما بالنسبة للزواج مرة ثانية، فإننا نحثك وبشدة على الإسراع للقيام بذلك، فأنت بحاجة لامرأة لطيفة، مؤمنة، صادقة، تساعدك على عبء الحياة، وتربية الأولاد. وكما أن أصابعك لا تتشابه، فكذلك النساء كما الرجال، منهن الصالحات، وبعضهن خلاف ذلك.
نتمنى لك يا أخ "دوست" الشفاء العاجل من هذا المرض.
وزواجاً ثانياً ميموناً ومحظوظاً.
ودمت
ويتبع ............: الوسواس القهري: إيدز يصيب النفس البشرية م