السلام عليكم،
مشكلتي أنني قاسية كثيراً مع نفسي فيما يتعلق بأخطائي في الماضي. أنا الحمد لله ملتزمة بجميع الفروض ودائماً أسعى للأفضل، وهكذا يراني الجميع ويحترمونني جداً، لكني دائماً أنظر إلى نفسي على أنني مخادعة! حيث أن الناس لا يعرفون حقيقتي، وهنا أقصد أن الناس لا تعرف ما بدر مني في الماضي من أخطاء (ودائماً أسأل نفسي كيف وقعت فيها، حيث أنها ليست عادتي، ولكن استثناء سلبي والله المستعان)، وهذا يقودني إلى احتقار نفسي وكرهها، ولا أتقبل تقدير الآخرين لي وأقول لو عرفوا عني ما قدروني رغم أنني بشكل عام إنسانة محبة جداً للخير، والكثير الكثير يرتاحون لي في الماضي وحتى الآن.
الذي يؤرقني أكثر شيء الآن تجربة عاطفية أليمة قبل سنتين، للأسف وبكل خزي أقول أن كان بها بعض الأخطاء وأنا نادمة جداً عليها الآن. ليس هذا فحسب، بل أشعر وكأنني لا أستحق أن أحصل على زوج يحبني ويحترمني! فأنا لا أدري كيف سأتزوج (لم أفقد عذريتي الجسدية ولكني واحسرتاه فقدت عذريتي النفسية) فكيف سأعيش مع إنسان يظنني ملاكاً طاهراً؟ أحياناً أخشى من الشخص الذي ارتبطت به عاطفياً- والذي انتهى من حياتي تماماً- أن يكشف أمري خصوصاً إذا تزوجت، ولكن ليس معه صور أو أي شيء ولا أعتقد أنه سيفعل ذلك، ولكنها وساوس أليمة.
تأكدوا أنني بإذن الله سأتزوج بقلب صافي المشاعر لمن سيتقدم لي، ولكني رغم ذلك أعود إلى النقطة الأولى وهي شعوري أني مخادعة وأن الصفات الجميلة التي يصفني بها الناس ليست بي وإنما في صورتي المزيفة! لا أريد أن أحطم نفسي ولكن فعلاً كيف أخطأت ذلك الخطأ، كيف كيف كيف؟ وأنا التي عرفت دوماً بالصفاء والدين وحب الخير؟ أشعر بخيبة أمل تجاه نفسي وأشعر أن كل البنات أفضل مني، والأحرى أطهر مني. أشعر أن نفسيتي مجروحة بجراحات عميقة وغائرة، في ذات الوقت لا أريد أن يجرني الشيطان إلى خطأ أعظم وهو اليأس من رحمة الله، فأنا في صراع دائم معه؛ يذكرني بماضيَّ الأليم في لحظات سعادتي، وأجاهده بالدعاء والاستغفار وصلاة الحاجة، أشعر باضطراب.. (مع العلم أنه لا يبدو عليّ هذا الشيء أمام الناس أبداً). أريد أن أصالح نفسي، أن أسامحها، حتى تنهض قلباً وقالباً وأقوم بدوري تجاه ديني وأمتي، فأنا الآن أقوم بكل ما أستطيعه وأعمل بجد ولكن نفسي كسيرة، لو صلحت لدفعتني للمزيد.
أنا في داومة نفسية، ولا أدري إن كانت محصورة في وساوس فقط أم أنها تطورت إلى مرض نفسي أم...؟.
أرجو المساعدة، وجزاكم الله خيراً.
08/10/2009
رد المستشار
الأخت الفاضلة،
أنت بالقطع تمرين بأزمة نفسية، وعاطفية شديدة، وأنت تسألين عما إذا كنت تعانين من مجرد وساوس، أم من مرض نفسي، أم..؟
من الواضح أنك تعانين من وسواس مرضي مصحوب بدرجة متوسطة الحدة من الاكتئاب، والأفكار والمشاعر المتضاربة والمتناقضة التي تسبب لك حالة من التوتر النفسي الشديد.
فبالرغم من أنك على يقين من أن القاعدة لديك هي الاستقامة، وأن الخطأ هو الاستثناء، فإنك لا تستطيعين السيطرة مما يفرض نفسه عليك من أفكار غير مرغوب فيها! وهذه هي أهم سمات الوسواس المرضي.
والحقيقة كل هذه معاناة في منظومة واحدة المنبع في هذه الحالة، فمن الواضح أنك تحبين نفسك كثيراً (وهذا جائز ومطلوب)، وقد بدأت بالدفاع عنها، حيث أنك تستنكرين هذا القدر من القسوة عليها، كما أنك تعانين من فشل التجربة التي لم يتبق منها إلا الندم والحسرة (وإن كنت أرى أنه كان فيها من الخير الكثير)، والخوف من المستقبل، مما أدى إلى نوع من الاكتئاب.
في بعض الأحيان يكون الاكتئاب هو أصل المرض، فيكون مصحوباً بالوساوس بأفكار- اكتئابية المغزى- مثل لوم النفس، وانخفاض تقدير الذات، وتأنيب مبالغ فيه للضمير، وإحساس بالفشل، وفقدان الإحساس بمباهج الحياة التي كنت تستمتعين بها قبل المرض.
وإن كنت أميل أكثر أن الأصل لديك هو الوسواس القهري الذي أدى إلى الاكتئاب، وكلاهما مرض يستوجب العلاج النفسي، والعلاج منه جائز بإذن الله.
عليك أيتها الأخت الفاضلة التوجه للعلاج النفسي فوراً بدلاً من الاستمرار في معاناة قد تتطور لما هو أشد إيلاماً، وحتى لا ننتقل من مرحلة علاج المرض لمرحلة رأب الصدع من المضاعفات.
وأنبه إلى ضرورة الحوار المباشر عن طريق المقابلة الشخصية مع الطبيب، حتى يتضح ما يكون قد خفي من أعراض أخرى تستوجب النقاش والعلاج.
فقد يكون الإحساس بالخطيئة التي لا تغتفر، قد تطور ليرقى إلى مستوى الضلالة الذهانية التي أصبحت تعيشين في فلكها فقط، وقد تحتاجين إلى نوعٍ آخر من التدخلات العلاجية النفسية.
وبما أن العقيدة الإسلامية التي تعتقيدنها وتمارسين شعائرها تؤكد دائماً على أن التوبة تجبُّ ما قبلها (أي تمحوه)، وأن الحسنات يذهبن السيئات، وأنه ليس هناك ما لا يُغفر إلا أن نموت دون أن نتوب، أو أن نموت على الشرك والكفر والعياذ بالله، فقد كان من الطبيعي أن تشعري بما هو عكس ذلك. لقد توقفت عن فعل المعصية، بل وندمت عليها، كما أنك تمارسين من الطاعات ما يؤكد ذلك، يالها من سعادة وياله من ثواب.
أما أن تستمري في مثل هذا اللوم وهذه الأفكار بالرغم مما تعتقدين فيه وتثقين في صحته، فذلك هو الوسواس المرضي بعينه.
وأنا على يقين أنك تعلمين أن كل ابن آدم خطّاء، وأن خير الخطَّائين التوّابون، فأنت أيتها الأخت قد تكونين في أفضل منزلة من البشر، إن صدقت فيما ذكرته من توبة وندم وعمل حتى ولو كانت معاصيك ما هو أكثر من ذلك، واعتقادك بغير ذلك هو من المرض الذي يستوجب العلاج النفسي.
وذلك بنصوص عديدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أذكر بعضها هنا للتذكير:
* {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (التوبة 80)
وليس بعد الكفر ذنب، أيرقى ما ارتكبته من معصية إلى هذه المرحلة؟ بالقطع لا؛ فماذا تتوقعين أن يكون ثوابك بعد أن تبت إلى الله؟
* {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء 48).
أما موضوع الخوف من الفضيحة ومن اكتشاف أمرك، إنما هو أيضاً من علامات المرض، فاعتقادك كمسلمة يؤكد أيضاً مبدأ الستر، و"الستار" هو من صفات الله عزّ وجلّ، كما يوجب عليك الاطمئنان إلى رحمة الله، وإلى كرمه وعفوه ومغفرته.
ويكون الخوف من الفضيحة حقيقياً في مثل هذه الأمر في حالة استمرارك على فعل الخطأ، أما أن تكوني بعيدة كل البعد عنها، مع ما تقومين به وتداومين عليه من طاعات، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
ويتبقى وصية أخيرة يا أختاه، بعد اللجوء للعلاج النفسي، أرجو أن تكتفي بما قمت به من توبة، ودعاء واستغفار وسلوك مستقيم، ولا تعتقدي أن من واجبك فضح نفسك أو البوح بما قد سلف من أخطاء لزوج المستقبل، فليس من حقه أن يبني على ما قد مضى وسلف، وقد منّ الله عليك بالتوبة منه، أي نوع من التفاعلات. فلا يوجد في عالم البشر معصومون من الوقوع في الخطأ أو الخطيئة غير الرسل، ولا يوجد على ظهر الأرض إنسان يخلو من الأسرار التي لن يبوح بها لأحد.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.