أرجوكم أفيدوني يا إخواني... وساعدوني يا أهل الاختصاص
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد؛
أنا شاب في العقد الثاني من عمري، مستقيم ولي طموحات كأي شخص، وطموحي أن أكون عالماً ربانياً ينفع أمته ويعلي دينه، وكأي طموح للنجاح اعترضت طريقي عقبات كثيرة ولا بد، لكن العقبة الكؤود التي لم أستطع اجتيازها هي هذه التي جعلتني أدخل منتداكم.
عند بداية مرحلتي الجامعية وبالتحديد قبل أربع سنوات أصيبت عائلتي بالسحر وكان الأمر جديداً علينا؛ صرع وخوف وتوتر وقلق، وفي خضم هذا السيل العارم من المشاعر السيئة إلى النفوس تكشفت بوادر الوسواس لدي.
كان أول الأمر في الطهارة، صدقوني لم أكن أعلم ما هو الوسواس، وبعدها انفرطت السبحة وتوالت الخرزات وسواساً وسواساً، وأشد من الوساوس الفعلية هو الأفكار التسلطية، فمن الأمثلة:
أحسست أن فلان من الناس محبوب أكثر مني واشتد عليّ الأمر كثيراً حتى زال. وأتاني وسواس في شكلي أني قبيح، وصدقوني لست كذلك، وأصبحت أنيس المرايا للتأكد من شكلي. وأتاني وسواس أني غبي لا أفهم، صدقوني ذكائي عالٍ بحمد الله. وتتابعت الوساوس، لا أنفك من واحد إلا بملازمة الآخر وهلم جرا. لكن الأشد منها والأفتك أني تعرضت لحادثة تحرش في صغري وأقسم أني لم أقم في اللواط، وحصل مني ذات مرة أن لامست أحدهم ولامسني، والذي يؤرقني أنه لامس دبري بيده وتلذذت بذلك وهنا المشكلة، وكذلك فعلت أنا معه. فأتاني الوسواس بأني حقير وخسيس ولست برجل ولا عندي عزة ولا كرامة، ومخنث ولا أستحق طلب العلم الشرعي ولا أن أكون عالماً ربانياً، كيف وأنا قد لامس دبري أحدهم وتلذذت بذلك كأني شاذ؟!.
والذي يؤرقني ويقض مضجعي الآن حتى أني انقطعت عن تعلم العلم الشرعي وتأثرت دراستي الجامعية كثيراً، أقول الذي أتعبني هو:
- هل هذا هو الوسواس أم أنه حقيقة مرة أحاول الهروب منها؟ لأن عندي فكرة أخرى تقول أن هذا الأخير -حادثة الملامسة والتحرش- ليست وسواساً بل هي حقيقة أحاول التهرب منها.
فما رأيكم يا إخواني في الله، هل هذا وسواس أم أنها مشاعر طبيعية؟ مع أني في قرارة نفسي لو أتاني أحد وقال: "أنا فعل بي فاحشة اللواط وأشعر بانكسار نفسي" سأقول له باب التوبة مفتوح على مصراعيه فتب وأبشر.
ملاحظة: لم أقع في اللواط أبداً، بل هو مجرد ما ذكرت.
أسألكم بالله أن تساعدوني، فأنا أريد أن أكون عالماً، لا أريد أن أسجن في سرداب الوساوس.
دمتم بخير.
أتمنى ممن عنده مشكلة مشابهة يذكرها لأستأنس به، بالذات من شفي منها.
أجيبوني على السؤال: هل هذا وسواس؟ أرجو تعجيل الإجابة.
5/10/2009
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
اعلم أيها الأخ الكريم أن الإفراط أخو التفريط، ولا يختلف عنه في نتائجه وعواقبه، فها أنت إذ أسرفت في لوم نفسك وجلدها ومطالبتها بالكمال والنزاهة، وصلت إلى النتيجة التي يصل إليها المفرِّطون: ترك الدراسة الشرعية، والانشغال بالتفكير في المعصية، واليأس من رحمة الله تعالى... وهذا ما يريده الشيطان منك.
صحيح أن ما حصل معك يا عبد الله أمر حقيقي ولكن شعورك بأنك شاذ ولا تستحق دراسة العلم الشرعي وسواس قهري لا شك في ذلك ولا ريب، بدليل:
1- وجود الوسوسة عندك قبل ورود هذه الفكرة.
2- أنك تملك الدليل الشرعي الواضح والقناعة العقلية، على أن ماضيك سيمحى وسيقبلك الله عز وجل لتوبتك وندمك، فشعورك إذن لا يستند إلى دليل وما كان كذلك فهو وسواس. وقد وجد هذا الوسواس فرصة للظهور بسبب ضغط المشكلات التي عانيتها، واستغل الشيطان الضعف الذي لحقك بسببها ليشن عليك حرباً ويلقي إليك أفكاراً تبعدك عن هدفك وغايتك. وعليك لعلاج وسواسك من مراجعة معارفك، وسلوكياتك وتصحيح السقيم منها.
فأما المعارف: فعليك بمراجعة مفهوم الكمال الإنساني عندك، واعتقادك في العلماء الربانيين الكاملين وما هو الكمال الذي يتصفون به... فبالطبع لم يكونوا كذلك لتنزههم عن الذنوب جملة وتفصيلاً، ولم يعصم عن الخطأ إلا الأنبياء... وعليه: فإن وقوعك في الذنوب لن يحرمك من الوصول إلى درجة الربانيين، والطريق مفتوح أمام جميع الناس على السواء... وإنما عليك فقط أن تعترف بصدق أمام نفسك بأنك خطاء، وأن تسارع إلى التوبة إن بدر منك ذنب، وأن تتابع مسيرتك إلى الله عز وجل علماً وعملاً، وهذا ما كان عليه الصحابة والتابعون، وسائر العلماء الربانيين.
ثم عليك أن تتفقد درجة إيمانك ويقينك بأن الإنسان إنما يقبله الله عز وجل ويقربه منه، بفضله وكرمه لا لأعماله، وذلك أنه مهما عمل لا يستطيع أن يؤدي حقوق العبودية لله تعالى، فنحن نمتثل الأوامر قدر استطاعتنا، ثم نأتي باب الكريم معترفين بتقصيرنا وسوء أعمالنا وفقرنا إلى رحمة الله.. وما رأس مال العبد وكنزه الذي يغتني به في الآخرة إلا فقره واعترافه بتقصيره وحاجته إلى رحمة الله وعفوه... فإذا رسخ هذا المعنى في قلبك، لم تعد الذنوب -ولا وساوس الذنوب- قادرة على صدك عن سبيل العلم والعمل، لأنك دائماً معتمد على فضل الله تعالى الذي لا يتبدل ولا يتغير، باذل في سبيل الحصول عليه ما تستطيعه سواء قل ذلك المستطاع أم كثر، وتائب من جميع ذنوبك كبرت أم صغرت، وقلت أم كثرت... أما إذا اعتمدت على عملك فستيأس عندما تقل أعمالك وتسوء، وستغتر عندما تطيع.
فإذا راجعت تلك المعارف عندك وصححتها فعليك بالمسارعة إلى التطبيق وتصحيح السلوك، ليكون موافقاً لقرارك العقلي الذي اتخذته دون التفات إلى مشاعرك الكاذبة، وذلك بـ:
1- التوبة والندم -وقد فعلت بإذن الله- واسأل الله أن يقبلك بكرمه، وأحسن الظن به....
2- أعرض عن كل فكرة تطرق ذهنك وتقنطك من رحمة الكريم بعد ذلك، واشغل نفسك بذكر الله عز وجل وتعداد نعمه وفضله عليك، وتذكر سعة رحمته وعفوه.
3- إياك أن تعمل بمقتضى مشاعرك الوسواسية الكاذبة، فتترك طلب العلم، أو العمل، بل أجبر نفسك على العودة إلى العلم مهما وجدت هذا صعباً في البداية، ومهما كان قلبك قاسياً أثناء الطلب، وكن قوياً ولا تستسلم فهذا جهادك الأكبر الذي تصل به إلى الله عز وجل، ولو لم يكن كذلك لما عمل الشيطان في صدك عنه.
4- كن يقظاً لما يأتيك من أفكار بعد ذلك، فإنك قد علمت إصابتك بالوسوسة، فزن كل فكرة تأتيك بميزان الشرع والقواعد الشرعية التي لا تغيب عنك، ثم اتخذ قرارك العقلي وفقاً لذلك، ونفذه دون التفات إلى مشاعرك فهي لن تضرك بإذن الله تعالى لخروجها عن وسعك.
5- سارع إلى التداوي، وعرض نفسك على الطبيب النفسي ليصف لك الدواء المناسب لحالتك، وانوِ بذلك طاعة الله تعالى بالحفاظ على عقلك ودينك اللذين هددهما الوسواس.
6- أكثر من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، وما يدريك؟ لعل الله تعالى امتحنك بما امتحنك به، ليسوقك للوقوف بين يديه وتتعلم كيف كان الربانيون يقفون بذل وفقر على بابه.
شفاك الله وعافاك، وأكرمك بما تحب.