ماء وسماء وهواء.. م
أرسلت human (أنثى، مسلمة، 22 سنة، مصر) تقول:
بعد الشكر الدائم لهذا الموقع الذي أحبه وأحترمه كثيراً.
لفتت نظري هذه المشكلة ليس للمشكلة ولكن للرد عليها؛ لقد قال الدكتور في إجابته كل ما أردت قوله، وأضيف إليه ولو أنه كافٍ وأدعمه وأنا واحدة من البنات في المجتمعات العربية التي تكلم عنها، وإن كانت ظروفي قد تتشابه في المعنى ولكن ليس المضمون مع صاحبة المشكلة، وإن كنت أعتقد أن على كل إنسان أن يصل لهذه المعضلة في فترة من حياته، ولذلك رأيت من واجبي أن أدعم ما قاله الدكتور فهو صحيح مئة بالمئة.
أنت تجنين على نفسك بما تفعلينه الآن وغيرك يجني عليكِ أيضاً، ولكن إذا رأيت أحداً يسيء ويؤذي نفسه بأفعاله بعد أن أساء إليه الناس، فما رأيك فيه؟ لا تقولي أنه الضحية وما يفعله غصباً عنه بل هو بإرادته، والدليل أن تغيير ما يستنزف به نفسه سيؤدي إلى تحسنه واحترام الآخرين له، وقبل هذا احترامه لنفسه.
ربما لم يدرك بعد أنه أكبر ظالم لنفسه من بين من ظلموه، ولكنها الحقيقة وستختارين لنفسك إذا قرأت الحل الذي أجابك به الدكتور. أما أن تستكملي الظلم وأما أن تمحيه وتختاري لنفسك الاحترام والمسؤولية وأدعو لك أن تختاري الصواب.
الجزء الثاني، هو أن ما قلته يا دكتور ليس بعيداً عن الحل بل هو الحل بعينه، وقد رأيته بعيني قابلاً للتطبيق، وأول من يسير في هذا الطريق الصعب لا يتخيل ما يمكن أن يصله من نتائج إيجابية، ولا يتخيل أن الله سيسانده بطرق يشعر بها قد تصل به إلى الاستغراب سواء من المساندة نفسها والسهولة في طريق صعب أو من سرعة استجابة المحيط له. لن يستجيب بسرعة بأن تحل مشاكله فجأة ولكنه سيرى من التوفيق والسعادة لمجرد السير في هذا الطريق، ما يشعره بسعادة لا حدود لها لأنه توافق مع القوانين التي تسير بها الحياة فتوافقت معه وفتح له الأمل لكن بالتفكير، فهذه المساندة التي سيجدها منطقية جداً، فلا يوجد في الكون كله من بيده أي شيء إلا الله سبحانه وتعالى. إذن فكل شيء ميسّر من خلاله وعندما تسير في الطريق السليم فهو الكفيل بمساندتك وإن سرت في عكسه، فلا عجب أن تجد من الصعوبات ما لا تطيق.
أرجو أن لأكون نفعتك بهذا الكلام فمن الممكن -أقول من الممكن- وليس من الضرورة أنك عندما تقرئي حل الدكتور لن يعجبك لسبب أو لآخر وستجدي الموجة العامة من الناس تفكر بنفس المنطق، لهذا كان واجبي وأنا أنثى مثلك وأتخيل ما تمرين به أن أقول رأيي هذا.
وقد أعطاك الله العقل وستعرفين أين الصواب إذا استخدمته، وفقّك الله.
والسلام ختام.
9/10/2009
* ثم أرسلت الباحثة عن مكنونات نفسها (27 سنة، المغرب) تقول:
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، الهادي في الدنيا والشفيع في الآخرة،
ماء.. وسماء.. وهواء، ثلاث يجتمعن في نقطة واحدة هي: الحياة، أي ثلوت أو تكدر يصيب هذا الثالوث تفقد به الحياة معناها. هذه الحياة أخيتي التي لا تحتمل منا، وأتكلم هنا بصيغة الإناث، أن نحبس أنفسنا في قوقعة "انتظار فارس الأحلام"، وبمعنى أصح وأكثر واقعية: انتظار الزواج؟ وكأنا ما خلقنا إلا لهذا!.
أختي الزواج ليس الحل لأنك تتخذينه وسيلة للهروب من الحياة التي فرضتها على نفسك، الحياة التي صورت فيها أقرب الناس إليك على أنهم استغلاليون والتي تدعين فيها حب رجل -مع رفضي لأية علاقة بين رجل وامرأة خارج الإطار الشرعي- لم تذكريه بخير في أي رسالة من رسائلك سوى رغبة في الارتماء في أحضانه. رغم أن لديك أجمل وأحن حضن ألا وهو حضن الأم، النعمة التي تملكينها بالإضافة غلى الكثير وأنت في غفلة عن كل هذا ولا ترين إلا الجانب المظلم. بالله عليك أختي تنامين 16 ساعة، واليوم كله 24 ساعة لا يحتمل منك أن تقضي معظمه نوماً. وتقولين "لا فائدة فلمن سأتعب وأجهد نفسي" لنفسك لكيانك لوجودك لشخصك، لكي تكوني مصدر فرح وسعادة لمن حولك، ولأهم شيء في الحياة "دينك" أختي، الذي لو تشبثت به لكان السلاح والنور الذي يحميك من كل الظلام الذي يجتاحك.
كوني زهرة أختي، تنشر أريجها ويفوح عطرها على كل من يحيط بها حتى على من يرغبون في حجب الماء، والهواء، والسماء عنها لتذبل. اصنعي من الألم حياة، ومن الحزن فرحة، ومن الدموع بسمة، ومن السم عسلاً حلو المذاق، وقولي لنفسك هناك أمل دائماً في الغد مؤكد سيكون أحلى، وشاركينا في حمل هم هذه الأمة وما يحدث في القدس -لك الله يا قدسنا وإنّا لمحرروك بإذن الله-، ولا تنسي بلادك لبنان - بلاد الماء والهواء والسماء وما يحدث فيها من تدخلات أجنبية وتشاحنات سياسية. أؤكد لك أن هناك الكثير مما يمكنه أن يشغلك ويثير اهتمامك غير تلك الفكرة العقيمة التي لا تملكين لها حلاً.
الماضي مضى وانتهى، والمستقبل في علم الغيب، والحاضر بين أيدينا فلنحياه دون ترك أي دقيقة تضيع منّا فلن تكون هناك عودة لما فاتنا. بدلي أختي وغيري واقتربي ولا تبتعدي وانفتحي ولا تنغلقي على نفسك.
سامحيني إذا كان في أسلوبي خطأ ويكفيني عذراً أني ضعيفة في التعبير، وليس بمقدوري أن أختم رسالتي دون أن أتقدم بالشكر والامتنان والاعتراف بالجميل الذي ارتأيت أن يكون مسك ختام رسالتي لكل الأطباء والأساتذة المحترمين في الموقع وعلى رأسهم الدكتور وائل.
أستودعكم الله، والسلام عليكم.
14/10/2009
رد المستشار
جميلة هي هذه الروح الطيبة حين تتداول النصيحة، والدين النصيحة، ورائعة هي تلك النعمة الربانية حين وفق الله البشر إلى إبداع هذا الاتصال عبر الأثير بحيث أصبحنا وأمسينا ونحن نتواصل بلا حدود، ولله الحمد.
لدينا هنا مشاركتان على قصة أختنا "ماء وهواء وسماء"، وبالمناسبة فإنها هي التي اختارت هذا الجزء من عنوان رسالتها، وأضفت أنا "ضحايا تلوث البيئة".
وفي المشاركتين عتاب على الأخت السائلة، ونصح أحسبه رقيقاً أحببنا أن نوثقه تأكيداً على سنة التناصح والتواصل والدعم المتبادل، وهو في حد ذاته جزء من علاج أية مشكلة، وما أجمل أن يستشعر صاحب المأزق أن هناك وعلى بعد آلاف الأميال من يهتم به، ويفكر معه وفيه، ويدعو له، ويتألم لمشاعره!!. إنها رابطة جميلة بين أبناء أمة واحدة فرقتهم الحدود المصطنعة وأنظمة الحكم، بينما رفعت التقنيات الحواجز بينهم، فمرحبا!!.
أحببت فقط أن أؤكد على معنى يؤسفني أنه يكاد يغيب عن حياتنا، وهو مسؤولية الإنسان عن حياته ومصيره واختياراته لنفسه في مقابل الهراء المتداول عن الانحباس في إطار الضحية لما يفعله الآخرون بنا، وكذلك سوء الفهم الفاضح والفادح لمسألة القدر الإلهي، ودوره في حياة الإنسان، حيث نضعه بغفلة وجهل وضعف فقهٍ بديلاً لمسؤولية الإنسان واختياراته، ولدينا منظومة كاملة من الهراء تملأ عقولنا، ونعفي بها أنفسنا من مواجهة استحقاقات إنسانيتنا كما أرادها لنا الله، وعقولنا كما وهبها وفطرها أحكم الحاكمين وأعرف العالمين!.
الإنسان هو سيد مصيره، وهو المسؤول عما تقترف يداه، وهو حر، وفارق بين أن يعتدي بعضهم من الأهل أو السلطات بأنواعها فتحرمه من ممارسة حقوقه الطبيعية في الاختيار والحرية، ويصبح مسؤولاً عندها عن دفع هذا العدوان ما وسعه الجهد، هذا شيء مختلف تماماً عن أن يستسلم لهذا العدوان على حريته، أو يختبئ مثل الفأر المذعور أو الجرذ المسحوق وراء مقولات عن القدر وسوء الظروف، ويغرق في الشكوى والسخط، أو يصطنع توليفة سحرية ملفقة عما يسميه الرضى بالواقع يسميه قدراً، والحقيقة أن الواقع يتشكل من عدة قوى من أهمها فعل الإنسان وجهده، ومن العجب أننا نزعم الديانة بدين يعلمنا أنه حتى القدر يمكن دفعه بالدعاء، وبالعمل الصالح الدؤوب "من باب أولى"!. استيعاب هذه البديهيات مسألة حياة أو موت، وسنظل نتحرك للخلف طالما ما نزال نعيش وكأننا اكتشفنا وجود الله سبحانه وتعالى وقدرته للتو! وتلك نغمة أفهم أنها سادت في سبعينات القرن الماضي، أما أن تستمر!.
أقول ما لم نخرج من طفولية "فعلوا بنا" و"منهم لله أفسدوا حياتي"، وما شابه، من أنين الشكوى والسخط المكتوم في صدور وزفرات الملايين منا، وما لم نتجاوز عتبة الإيمان الطفولي بقدرة الله سبحانه على كل شيء، وهو القادر جلّ وعلا، وبأن التمسك بأهداب الدين والفضيلة هو المدخل لكل خير!! إذا لم نكف عن تقديم هذه البديهيات بوصفها حلولا أو اكتشافات!!
أقول نحتاج إلى أن نتوقف عن ترديد هذه الكليشيهات المكررة المحفوظة عن ظهر قلب، والتي يذكرنا بها الوعاظ مع كل مطلع شمس ومغربها!!
نحتاج إلى صفحة جديدة نفقه فيها، ونحاول الفهم لا مجرد الترديد، ونحتاج إلى أن نتعب أنفسنا في الفهم أولا، وفي البحث عن إيمان أنضج بالله جلت قدرته، إيمانا يضعنا أمام ما يريده لنا، وأشار إليه في محكم التنزيل من مسئولية كل إنسان عن أفعاله، وعن اختياراته لنفسه، وعنها سيسأله المولى عزّ وجلّ وجهاً لوجه، ليس بينهما ترجمان، ويا رب وفقنا لنكون من الفائزين الناجين في هذا الموقف الرهيب، والمشهد العصيب!.
ولا أدري ما هي وجاهة الحديث عن أحضان الأم اشتباكاً مع الشعور الجارف بالاحتياج لرجل، فهل يغني حضن عن حضن؟! وهل كل أم بيولوجية، أي أنها حملت وولدت وأرضعت هي بالضرورة أم سيكولوجية، أي تحتضن وتستوعب وتحنو وتربي؟! كما أنه ليس كل ذكر هو بالضرورة رجل، وليس كل رجل يصلح أباً، فإنه ليست كل أنثى هي امرأة بالضرورة، وليست كل امرأة تصلح أن تكون أماً تنهض بمسؤوليات الأمومة، وحين يفتقد الرجل مؤهلات الأبوة، أو تفتقر الأم لأعماق وأبعاد ومواهب ومهارات الأمومة، فما محل وما جدوى القول أو التذكير بما هو مفتقد لدى هذا أو تلك؟!.
هذا طبعاً مع عدم معرفتي بالأم التي نتحدث عنها هنا، أي أم الفتاة صاحبة السؤال الأصلي، وربما تكون مبالغة في نقدها لأمها، ولكنني أعرف أمهات ليس لديهن من الأمومة سوى اللقب!.
أذكر نفسي والسائلة الأصلية وإياكم جميعاً بأن عمل كل واحد على نفسه بدأب وخطط وجهد ووقت وإنضاج لها هو مسؤوليته أولاً، وهو المخرج له من مصيدة الأحزان والعجز والانتظار إما لفارس الأحلام، مجرد الانتظار، أو الاعتقاد بقدرية أوجاعه أو أية أوضاع مختلة أو محزنة أو خانقة!.
تحركوا لتغيير حياتكم في الاتجاه الذي تريدون فإنه من يعزم على هذا بصدق، ويعمل له بجد كان حقاً على الله سبحانه أن يعينه وينصره، ولو بعد حين.
ومع العمل المكثف لتطوير وإدارة وتحسين الذات يلزم أن نتعاون لتغيير الأفكار المشوهة والأنماط المريضة التي تحكم حياتنا الاجتماعية والأسرية، وترتدي مسوح الدين تارة، أو أقنعة التقاليد، أو تكتسي بقدسية العادات، وكلها ركام وغثاء ولا شيء، على الرغم مما يبدو من ضخامتها!.
مع تغيير وتطوير طرق وبرامج البحث عن الذات وتنميتها، وتغيير ثقافة البيئة المحيطة بنا، والهياكل المفتقدة، وحسن تفعيل الموجودة فعلاً!.
وباب الاجتهاد مفتوح في هذه الميادين جميعاً، وأدوات وشبكات الاتصال لم تدع أحداً في عزلة أو وحدة وانقطاع، إلا من لديه الإصرار على ذلك، ولدينا إمكانيات جيدة نبدأ بها لتغيير حياتنا أفراداً وجماعات!!! ولدينا فرص للتواصل والتراكم.
ومن أهم ما يحتاج إلى نسف وتغيير، وإحلال وتجديد ما ينتمي إلى ثقافة وممارسات الزواج، ولا أعني فقط الغلاء في المهور، والجوانب الاقتصادية للمسألة، بل أختصر بالقول أن الزواج عندنا صار وهماً كبيراً، وتيهاً غامضاً مبدداً، وملايين المطلقين والمطلقات، والتعساء الشاعرين والشاعرات بالفشل، رغم أن النظام السائد للزواج بتفاصيله هو المسؤول عن الفشل، وهو المسؤول عن تأخر زواج بعضهم، وعن تعثر آخرين! ولن يصيبني الملل من تكرار أن نظامنا الاجتماعي كله صار بالياً لا يصلح، ويحتاج إلى همة وخطة لتغييره!.
وإن هذا التغيير ممكن، وله مفاتيح، ولا أحد يمكنه القيام به نيابة عنا لا سلطة ولا شرطة ولا وعاظ، إنما يغير القوم ما بأنفسهم فيغير الله ما بهم؛ فما معنى وما جدوى وما مدى عقلانية أن تنقلب المفاهيم في عقولنا، ونتراجع عن مواجهة النهوض بأصل وبمعاني وشرف الخلافة عن الله في الأرض، ونلغي عقولنا، ونعطل تفكيرنا وإراداتنا واختيارنا تحت الزعم السخيف، والانتظار الأسخف، والاستسلام المهين لكل ما يحيط بنا من سلبيات، وكل ما يمكن أن يكون مقدمة أو مقدمات في حياتنا تؤهلنا لوضع المرض النفسي بالجمود، وشلل النبض الحيوي، والنمو والتطوير الشخصي والجماعي!.
وأمام من يقرر أن يختار احترام نفسه وإنسانيته وتشغيل عقله وإرادته وممارسة اختياره، وتغييره لنفسه، أمامه قائمة طويلة من أخطاء وقعت من أهله ومن ربوه فشوهت تكوينه، وأخطاء يمارسها المحيطون به باسم الدين والدين منها براء، وأمامه مصائد تخلف، ومطبات خبل وانحطاط عديدة في الأداء العام، والأخلاق المهنية والاجتماعية، وضلالات تحتل عند الأغلبية مكان الحقائق والمرجعيات! وتلابيس الأبالسة من الجن والبشر! هي رحلة طويلة بلا شك، ولكنها ممتعة يتعرف فيها على نفسه وعلى ربه وعلى العالم الذي يعيش فيه ليختار ويشهد ويستعيد إنسانيته التي شارك في إهدارها، فأين العزم والتشمير؟!.