قلبي يرتجف, أحبه..!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعرف أن مشكلتي في نظر الآخرين تافهة. لكن أرجو منكم الاصطبار عليّ.
أنا فتاة نشأت في بيت يعرف الاحترام، أهلي دائماً في مشاكل. دخلت الثانوية وبداخلي خوف التقيت بشاب عادي جداً أحببته، وربما أحببته بسبب أن أمي كانت متشددة على كلمة حب، بمعنى أني لو تكلمت معها عن الحب تقول لي أن من تحب قليلة أدب ويصفها الناس بقلة التربية! أحببت هذا الشخص دون أن أكلمه، يكبر حبنا كلما نكبر حتى إذا دخلنا الكلية ارتبطنا ببعضنا، لكن أن نكلم بعضنا أبداً! أحببته جداً، ولما كنت أقول لأمي وأقول لها لو أن زميلي طلب مني شيئاً بخصوص الكلية أأكلمه؟ لم تكن ترضى وتصرخ في وجهي. كلمته دون علمها أكثر من مرة لكن ما تكلمنا في الحب، لم أشعر بلهفته عليّ في كلامه، كما أنه أخبر معظم أصحابه بموضوعنا. حبي له تناقص، ولو يتقدم لي سأرفضه لأني كرهته بتصرفاته.
بعد ذلك، أحببت شخصاً أخر من طرف واحد، لا أستطيع وصف ما أشعر به، قلبي يرتجف وأنا أكتب. أحببته جداً منذ 3 سنوات، حين أراه لا أدري ما يحصل لي! هو قريبي، وجين أجالسه أتمنى أن يقول لي أنه يحبني أو حتى يريد الارتباط بي، أحياناً أحس أنه يحبني من كلامه معي، أريد البقاء معه طوال الوقت. أحببته حقاً، وعرفت أنه أول حب لي، عرفت فيه معنى الرجولة والرومانسية، عرفت شخصيته وهي التي أبحث عنها. مرّت علي أيام أحسست أنه يحبني، وأيامها عرفت أنه كان يريد الارتباط بي لكن أهله لم يرضوا. أتمنى أن أكون له ويكون هو لي، المشكلة أني دائمة التفكير فيه، مشغولة به دائماً، وحين يتقدم لي أحدهم أتمنى أن يأتي هو لينقذني، أفكر وخيالي يجنح فأرى أن فرحنا قريب وأتخيل أننا نشتري الفستان! وحين يتقدم لي غيره وأجالسه أحس أني سأبكي من الألم في داخلي.
أتمنى أن أعرف هل يحبني حقاً أن أني مجرد أخت بالنسبة له، كيف أجعله يحبني؟ لا أريد أن أندم في يوم على حلم حلمته، على خطوة أخذتها بجرأة في رفضي لغيره على أمل أن يعوضني هو. صورته أمامي دوماً، عرفت معنى الحب معه ولكن لا يكتمل إلا بحبه لي.
أريد الحل، هل أنا تافهة؟ هل أعيش في الخيال؟ وهل سأعيش حياتي في ظل هذه المأساة؟ وهل بعد الأمل سأقول يا حسرتاه؟ علماً بأني حببت كل شيء من أجله، وهل سيدفن هذا الحب وتدفن هذه الأماني والآمال؟
ساعدوني، والله إني متعبة، أتمنى أن يعترف لي، أريحوني.
15/11/2009
رد المستشار
برغم أن عمرك المدون لا يتناسب مع سنوات الحب التي حكيت عنها، لكنك في الغالب في العشرين من عمرك، وأتمنى أن يتسع صدرك "أنت" لما سأقوله، فحياتك يا صغيرتي لم يكن فيها حناناً وحباً كما تتمنين؛ فلو لاحظت أن حديثك عن أمك يوضح أن العلاقة جافة لا تتعدى حديث الوعظ والتخويف وقائمة الصح والخطأ، وكثيراً من الأمهات هكذا لأسباب كثيرة منها ما يعود لطريقة تربيتهن أو طريقة تفكيرهن وحبهن وخوفهن على أبنائهن بعيداً عن مفاهيم التربية والكثير غيرها. ولاحظي كذلك أنك لم تتحدثي عن أسرتك كلها وكأنك لست على درجة صداقة أو تواصل جيد بهم، وحين يكبر الطفل في مثل هذا المناخ يكبر وبداخله افتقاد وحرمان شديد لاحتياجات هامة جداً لديه نسميها "الاحتياجات الأولية"، منها الحب والحنان والاهتمام والرعاية والشعور بالأمان.... إلخ، وغياب هذه الاحتياجات تنتج لنا أشهر ثلاث نماذج؛
الأول: نموذج يتنكر لهذه الاحتياجات ويحاول انه يتعالى عليها ويرفض طلبها من أهله أو غيرهم، فيظل متحملاَ لحرمانه بداخله ويتصرف بعجرفة وقسوة وعدوان -سلبي أو إيجابي- من الخارج.
والثاني: يظل "يبحث" بل وأحياناً "يتسول" تلك الاحتياجات من معظم العلاقات التي يمر بها في حياته ليحصل عليها منها، ولذلك معظمهم يقعون في وهم الحب أو الصداقات المتعثرة أو العلاقات المتوترة؛ لأنهم ببساطة يحمّلون تلك العلاقات بغير ما تحتمل وبغير مفرداتها أصلاً؛ فيتعامل مع الصديق أو الحبيب وكأنه أمه التي يجب أن تسأل عليه دوماً وترعاه بشكل متميز وتحل مشكلاته حتى وإن لم يطلب، ورغم أنها مطلوبة بدرجة ما في الصداقة إلا أنها في "حالته" عدم توافرها بالشكل الذي يرضيه تسبب له أزمات، ولا يعي أن تلك الاحتياجات في علاقة الأهل تعطى للأبناء دون مقابل ودون انتظار للشكر، أو لا تتوقف على التناغم الفكري بينهم وبين أولادهم مثلاً كما في العلاقات الأخرى التي تحتاج لمقابل مادي أو معنوي وتناغم ومساحة خصوصية، وكنت أنت من النموذج الثاني يا صغيرتي، فلقد أحببت شخصاً أبكماً لم يكن يتحدث إليك! وتصورتها علاقة وحب لسنوات، ثم اكتشفت أنه حدّث أصدقاءه بها، ولا يتحدث لك بلهفة ولم يقل لك أحبك وكأنه فعلاً اكتشاف وخيانة للعلاقة!! والحقيقة لم تكن كذلك، فهذا هو حين يجد من يعطيه مشاعر لا يبادله إياها، فهو لم يعش كل ما عشته أنت في أمنياتك، وكذلك قريبك نفس الوضع؛ فأنت من بدأت وظللت تبحثين عنده عن المشاعر وتضخمينها وتؤولينها وتتصورين علاقة وحب وأن الرجل يريدك ولكن أهله يرفضون!، فممن عرفت وكيف عرفت؟، فأي رجل هذا الزمان ينساق لرفض أهله ودون محاولة؟ وأي رجل يتمنى الفوز بامرأة ولا يتحدث لها أو لأهلها؟.
أما الثالث: فهو نموذج اكتئابي يهوى العيش في العذاب والبكاء والآلام ولا يتصور أن الحياة ستستقيم دونهم! وكلما مرّ بأمر نقّّب عن المؤلم فيها والذي يسبب عذابه ليهنأ فيه دون وعي منه! ويعشق دور الضحية ووضع كل تصرفاته وخياراته على شماعة ما كان وما حدث له منذ كان في الطفولة وقد تعدى الخمسين! وسأترك لك تلك النقاط لتراجعيها مع نفسك:
* فقدك لتلك الاحتياجات حقيقي، ولكن لا يجوز أن تترجميه في علاقات تسبب لك المزيد من الألم، ويمكنك أن تعطي نفسك ما افتقدته في صغرك حتى تحافظي على مشاعرك وحالتك النفسية، ولقد أثبتت لنا الحياة أننا لا نحصل على ما نعجز أن نقدمه نحن لأنفسنا، فأعطي نفسك الحب والاهتمام والرعاية ستحصلين عليهم، فحبك لنفسك سيجعلك تتبصرين بمشكلتك وتعوضيها بالتطوير والتمنية والمزيد من الطموح والوجود، واهتمامك بها سيجعلك لا تعرضيها لما يؤذي مشاعرها من عرض المشاعر على الآخرين وانتظار رد أفعالهم، ورعايتك لها ستجعلك تحافظين عليها من الغضب والعند الذي يؤثر على تفكيرك في البدء من جديد في علاقة أفضل مع والدتك وأسرتك.
* لا يوجد شيء اسمه "حب" من طرف واحد! فالحب يعني التبادل بين الطرفين، حيث يعطي كل واحد منهما للآخر أقصى ما يمكنه إعطاؤه لأنه يحصل على ما يحتاجه من الطرف الثاني، أما ما يحدث من طرف واحد فهو "استنزاف" للمشاعر أو أي شيء إلا أن يكون حباً.
* أحلام اليقظة في حقيقتها منفساً طبيعياً للبشر حين يحلمون بغير ما يعيشونه في الواقع، ففيه الأمنيات والتصرفات وردود الأفعال التي لا تتحقق في الواقع ويرغبونها، فهي طبيعية ما دامت لم تتعد تلك المساحة ولم تصل للدرجة المرضية. واسمحي لي أن أحكي لك حلماً من أحلام يقظتي الآن، فأنا أحلم أن تتفهمي ما قلته بصدر رحب يجعلك تتصالحين مع نفسك ومع والدتك التي لم تتمكن من التعبير السليم لحبها وخوفها عليك فتتحسن علاقتك بها، وأراك وقد انشغلت بتطوير نفسك بالتنمية والهوايات والدورات التعليمية، وأراك قد تعلمت من موقعنا كيف نختار شريك الحياة وما هو الحب الحقيقي، فتبدئين في فهم نفسك وفهم ما تحتاجين إليه من نفسك، ومن علاقاتك، ومن شريك حياتك فتجلسين مع "العريس" لتري بعقلك مناسبته الحقيقية لك، فتفسحي لقلبك مجالاً لقبوله أو عدم قبوله بشكل حقيقي، فتبني بيتك كما تتمنيه وتكوني فيه الأم التي تعرف كيف تعطي لأبنائها احتياجاتهم الأولية، فهل تستطيعي أن تنقلي حلمي من الخيال للواقع؟.