بما أنك تسأل، أذن أنت موجود
خلال الفترة الماضية بعد أن أصبحت انسحب تدريجيا من كل شيء أعرفه.. أحست برغبة دائمة بالانتحار لكن ما يمنعني هو خلود المنتحر في النار... لذلك أصبحت أعيش الأيام وأرى الأحداث وانظر لها من منظار إنني لست فيها وكيف تتطور وأنا لست في الحياة.
أنا أريد أي نصيحة تستطيع أن تساعدني على تقوية نفسي وتجعلني محب للحياة كثيرا ما أشعر بنفسي وأنه حان الوقت للتغيير لكن أرى نظرة المحيطين حولي وكيفية تعاملهم معي الآن مما يؤدي إلى إحباطي والكلام والتفكير السلبي.
27/12/2009
رد المستشار
السلام عليكم يا مهند؛
جميل جدًا أنك تشعر بحاجة للتغيير...، وجميل جدًا أنك تسأل... فهذا يدل على أنك تُعْمِل عقلك وتسعى لتحسين وضعك، ومن يسعى لا بد أن يصل...
ولكن: إلى أين تصل؟
هذا ما يجب أن تحدده الآن... وإذا حددته عرفت أين تسير، وكيف تسير، ومتى ستصل... بل وذقت لذة الوصول إلى الهدف في كل خطوة تخطوها إلى الأمام...، كما تذوق متعة التحدي عند كل عقبة تقف في طريقك...
تعال ننظر في الأهداف التي يمكن أن نسعى إليها...
- في سنك، أول هدف يضعه الإنسان: أن ينجح في تحصيله العلمي... ولكن..: قد يقف في طريقه: قدراته المحدودة! وقد يقف في طريقه: القرارات الإدارية في الجامعة! وقد يقف في طريقه: مشكلة اجتماعية أو مادية، أو صحية.... ويرى الطريق مسدودًا في وجهه... ويرى أنه أضاع عمره -أثمن ما يملكه- دون أن يحصل على ما يريد!! فيصدم...ويكتئب...
- قد ينجح..، ثم يحلم بهدف آخر: العمل المناسب لعلمه... وأين تحصل عليه؟ أمسك جريدة إعلانية واقرأ الوظائف المطلوبة: مطلوب عامل نشيط لا يتجاوز 18 عام لتوصيل الطلبات...، مطلوب سائق مع سيارة...، مطلوب عامل أمبلاج... حبكة...، معلم شاورما...!!!!
وبين هذه الطلبات، ترى طلبين أو ثلاثة لموظف حائز على شهادة.. وإتقان لغة.. وشهادة كمبيوتر.. ومظهر لائق... ودوام 12 ساعة... وأجر 10 آلاف ليرة سورية!! فاذهب وحصّل شهادات... ثم ضع الراتب أجرة مواصلات، وثياب، وفاتورة جوال... ووفر إذا استطعت من أجل الزواج...
- قد يحلم بالمال بغض النظر عن الشهادة! أين العمل؟ كيف يحصله دون دوران ولف، وأخذ للمال من هنا وهناك، ومن حلال أو حرام؟؟
- قد يحلم بمركز وجاه: هذا لا يحصّل إلا بشق الأنفس، أو بواسطة مأجورة أو غير مأجورة!!
- قد يحلم بامرأة يحبها... ويمكن أن يعيش معها سعيدًا، لكن الأمر لا يمكن أن يخلوا من المشاحنات المعهودة!!...
كما ترى: الدنيا كلها صعوبات...، ولن نحقق جميع ما نحلم به، وإن حققت فبعد سبعين عائق...
كيف نعيش دون إحباط، ودون اكتئاب، ودون يأس؟؟
تقول لي: ولماذا تريدينني أن يكون لي هدف إذن؟؟
يا مهند، إن الذي خلقك وخلق هذه الدنيا المشحونة بالصعوبات، دلك على هدف لا يقف في وجهه عائق، ومهما قدمت في سبيله فلن تفقده وإن كان ذرة...
الذي خلقك... عرّفك من أنت ومن هم الناس من أول صفحة في كتابه...
وأرسل رسوله ليعرفك هذا قبل أن يأمرك بالحلال والحرام...
وباختصار: أنت إنسان خلقك الله، وجعلك عبدًا له، ومهمتك الوحيدة في هذه الحياة أن تعبده في كل لحظة تعيشها... وستلقى أجر هذه العبادة كاملة بل مضاعفة!
ستسألني.. ومن يعبد الله طوال عمره؟ وهل طلبت منك درس وعظ؟!
سأشرح لك: إذا كان هدفك رضا الله تعالى وعبادته في كل لحظة... ستدرس لترضيه، وتبذل جهدك.. فإن حققت ما تريد نلت سعادة الدنيا والآخرة...، وإن لم تحققه، لم يضع عمرك سدى بل ادخره الله لك..، وهدفك لم يضِعْ، لأنك ستبقى تسعى في رضا الله تعالى في الوضع الجديد الذي أنت فيه!! ضاعت الشهادة لكن هدفك لم يضِعْ! وما زلت تعمل من أجله، وعمرك لم يضِعْ فهو محفوظ عند أكرم الأكرمين...
من كان هدفه رضا الله... يمكنه أن يرضيه ولو كان عامل نظافة، أو ماسح أحذية... وسيكون ناجحًا في حياته! لماذا؟ لأنه حقق هدفه!!
صدقني كلنا نعيش في هذه الدنيا، ونرى ما ترى.. ونسمع ما تسمع.. ويصادفنا ما يصادفك من معوقات.. ونبذل ونبذل ثم نرى الناس تضع أعمالنا في سلة المهملات وتقلل من شأنها... أو تنظر إلينا نظرة استهزاء...
أو تنعتنا بصفات لا تليق ببشر، ولا تراعي مشاعر إنسان!!
ماذا نفعل؟ ليكن لنا هدف كبير نسعى إليه.. ونعيش من أجله.. ونحيا لتحقيقه.. وننتظر أجره ممن لا يضيع مثقال ذرة، ولا يظلم أحدًا!!
لماذا لم يكتئب سيدنا بلال بن رباح عندما كان يعذب في حرّ الشمس، وكان محرومًا من الحرية في كل شيء؟
ولماذا لم يكتئب عندما وجد نفسه مجرد مؤذن... ورأى سيدنا عمر أو سيدنا علي خليفة على المسلمين؟
لماذا لم يكتئب مصعب بن عمير عندما حبسته أمه في القيود؟
لماذا لم يكتئب صهيب الرومي عندما أخذت قريش أمواله كلها وبقي بلا مال؟
لماذا لم يكتئب الصحابة عندما حبستهم قريش في شعب أبي طالب ومنعت عنهم الطعام والشراب؟
لماذا لم يكتئبوا عندما حاصرتهم الأحزاب في غزوة الخندق وكادت تهلكهم؟؟؟
لماذا؟... ولماذ؟... ارجع فاقرأ كتابًا في السيرة وتعجب ما شئت أن تتعجب!!
أي أمل كانوا يعيشون وأي هدف كانوا يحلمون بتحقيقه وأحدهم لا يملك طعامه ولا شرابه، ولا يهنأ بنوم؟!
ثم كيف حققوا ما حققوه من فتوحات، وانتصارات؟
السر كله في أن هدفهم لا يمكن لشيء أن يقف في طريقه... ولا يمكن لشيء أن يحطمه... وهو رضا الله تعالى وعبادته!!
كانوا في الحصار، يبتغون رضا الله... وفي الانتصار يبتغون رضا الله..
في حال العبودية، يبتغون رضا الله... وفي حال الحرية يبتغون رضا الله..
إن كانوا جنودًا، يبتغون رضا الله... وإن كانوا أمراء وخلفاء يبتغون رضا الله..
إن كان أحدهم وحيدًا، يبتغي رضا الله... وإن كان مع جماعة يبتغي رضا الله...
لا أحد يمنعهم من هذا الهدف.. لا يهمهم رأي الآخرين لأن الله هو من يحكم عليهم... لا يضيع لهم جهد وإن كان مثقال ذرة... يعيشون إما في نعيم النصر مع الشكر، وإما أو في متعة التحدي مع الصبر... وأملهم لا ينقطع في الحالين... غيرهم ينظر إلى مستقبل أكثره ستين سنة...، وهم ينظرون إلى مستقبل لا نهاية له، ولا يحد نعيمه حدود!!
لم يفكروا بالانتحار في أشد الظروف لماذا؟؟ لأنهم ينالون الأجر! فلمَ يقطعونه بالموت؟
ارجع إلى نفسك يا مهند واسألها؟ لماذا أنا أعيش؟
وماذا أفعل؟ وما النتيجة التي سأحصل عليها؟
وافتح المصحف فاقرأ أول ثلاث صفحات فيه وانظر: كيف عرفك الله على نفسه أولاً وعلى علاقتك معه في سورة الفاتحة... ثم عرفك على أصناف الناس وكيف خلقوا ولماذا؟... ثم بعد هذه الصفحات الثلاث عرفك على أعدائك وكيف تتعامل معهم.... وبعد أن عرفك على هذه الأساسيات التي يمضي الغربيون نصف عمرهم وهم يبحثون عنها، فإما أن يجدوها وإما أن ينتحروا، أو يلجؤوا إلى المخدرات،.. أو.. أو..
بعد أن عرفك هذا... بدأ بسرد الأحكام لتنفذها، وأنت تعلم لم تنفذها...، ولتقبل عليها بكامل إرادتك، وأنت سعيد بها، تحتسب عند الله تعالى أجرها! وتشعر أثناء تطبيقها أن لك هدفًا، وأنك لم تخلق عبثًا، وأنك قد فضلت على كثير من المخلوقات، بما حمّلك الله تعالى من مسؤوليات.. وترك الحيوانات ترتع دون أن تعي شيئًا منها!!
يا مهند إن لم تدرك هذا، فإن الدنيا التي نحن فيها كفيلة أن تصيبك بالعلل السبعة وليس بالاكتئاب فقط!!...
ثم أنصحك أثناء تفكيرك وبحثك هذا أن تذهب إلى طبيب نفسي ليعطيك دواءً للتخلص من اكتئابك حتى لا تجد صعوبة في الانطلاق وتغيير حالك. مع تمنياتي لك بالتوفيق وراحة البال..