السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا أول ما دخلت الجامعة واجهت مشكلة في التكيف مع الناس وكنت لا أستطيع تكوين أصدقاء ولا أعرف ما السبب؟ وكنت كل ما أذهب الجامعة أرجع ووجهي متغير ومسود ولا أعرف ما السبب؟ فضلت على كده سنتين من غير ما أعرف السبب!
وبدأت أبحث عن سبب هذا التغير في الشكل عندما أذهب إلى الجامعة، في البداية اعتقدت أن العادة السرية هي السبب في ذلك، ولكن لما كنت أوقفها أجد نفس الشيء.... إلى أن اكتشفت أن السبب هو نفسي.
ولكن بحثت عن أي إحساس يُغَيِّرُ الشكل هكذا؟ ووجدت في النهاية أن القلق وحده هو سبب هذا التغير في الشكل ويا ليتني ما عرفت هذا فمنذ هذه اللحظة وأنا في عذاب لا أستطيع التخلص منه طوال اليوم أراقب نفسي وأخاف من القلق فقد عرفت السبب الوحيد لتغير شكلي ومعرفتي هذه في حد ذاتها سببت لي قلقا مضاعفا كل ما أخرج أراقب نفسي حتى لا أقلق فيتغير شكلي
وصدقوني التغير ليس طفيفا ولكنه مرعب أنا أصلا أبيض وعيني شكلها حلو زي بابا بس لما أقلق تذهب هذه البراءة التي في وجهي وأصبح أميل إلى اللون الأسود وشكل عيني يتغير، أنا على طول أراقب نفسي وشكلي وكل ما أقلق أجد تغيرا في العين
عندي سؤالان:
لماذا أنا الوحيد الذي يتغير شكله هكذا؟ أنا أجد كل الناس من صغرهم إلى كبرهم يظل شكلهم ثابت!
هل تعرفون مثلي أن القلق ممكن يحول إنسان من منظر جميل ومحترم إلى إنسان المسجون يبدو أفضل شكلا منه؟ كل ما أنظر لنفسي في المرآة أقول إن هذا ليس شكلي ولكني سأقلق ويتحول شكلي وإذا وجدت نفسي سيء الوجه أقول أني هابطل قلق ويرجع شكلي كما كان يا ليتني لم أعرف!
ولماذا يقال أن هذا جميل وهذا ليس جميل؟ طالما أن هناك وحشا يسمى القلق يقلب الجميل إلى سيء؟
على فكرة المشكلة ديه تهدد مستقبلي لأني قررت عدم العمل بعد التخرج!
ولأن واحدة قريبتي في الكلية معي أصغر مني نفسي أشوفها بس لو قررت أني أشوفها سيصيبني القلق ويتغير شكلي
أنا والله في عذاب من ساعة ما عرفت هذه الحقيقة
أرجوكم أنا عايز حل بسرعة
26/03/2010
رد المستشار
أهلا وسهلا بك يا "محمد".... أقدم في البداية لك اعتذارا كبيرا لتأخرنا المضحك المبكي هذا عليك... فأنا أداعب أزرار لوحة المفاتيح لأرد عليك بعد أكثر من عام من كتابة استشارتك إلينا... وسبب ذلك هو ثقب في النت أو في أحد أجهزة مجانين.... فعلا ضاعت استشارتك أو ضاع كيف تعاملنا معها ولم نستطع أن نثبت يا "محمد" إلا أننا أرسلناها أكثر من مرة لأحد مستشارينا ولم نعثر له على رد.... على كل سامحنا يا ولدي.
لست أدري من أين جئت يا ولدي بمعلومة أن القلق هو السبب النفسي الوحيد لتغير الشكل؟ والمقصود هو التغير العابر كما فهمت من إفادتك... وحقيقة لا أدري ما المقصود بالقلق؟ هل هو التوجس المعرفي والتغيرات الانفعالية والجسدية وهي استجابة الخطر التي نسميها حادة بالخوف ومزمنة بالقلق؟ هل هذا هو ما تقصده يا ولدي؟ أم هو القلق المرتبط بمواقف أو أشخاص معينين فتحدث الاستجابة للخطر في وجودهم فقط؟
ثم ما هو المقصود بالتغير في الشكل هل هو التغير الواقعي الذي يراه الآخرون أم هو التغير الذي يشعر به صاحبه فقط؟ من الواضح أنك تقصد تغيرا تشعر أنت به وتخاف من أن يلاحظه الآخرون وأنت لذلك تتحاشى وتتلافى أي موقف يمكن أن يتسبب في حدوث ما تسميه بالقلق والتغير في الشكل بالقدر الذي تصفه لنا بأنه مرعب!
لا أستطيع أن أستنتج في حال عدم مناظرتك شخصيا إلا أن أقصى ما يمكن أن يحدثه القلق من تغير في الشكل هو زيادة في غمق لون الجلد في الوجه مما يفترض في حالتك ما دمت تصف نفسك بالأبيض أن يكون احمرارا في الوجه وهذه حالة نسميها رهاب الاحمرار Erythrophobia أو رهاب احمرار الوجه والذي فصلنا كثيرا في شرحه وشرح تشخيصه الفارقي في الرد السابق على استشارات مجانين: الاحمرار المفرط والعصب السمبثاوي، ولكنني أراك تصف حالتك بشكل مختلف عن ما اعتدنا سماعه من مرضى هذا النوع من الرهاب ومرضى الرهاب الاجتماعي كذلك.
تذكرنا تلك المراقبة المستمرة التي تمارسها على نفسك لكي تتحاشى القلق أولا: بمفهوم القلق أو التوجس من النوع الثاني Type 2 Worry أو ما وراء القلق أو التوجس Meta-Worry وهذا مفهوم مهم في الفهم والعلاج المعرفي السلوكي لحالات القلق المتعمم، ويقصد به التوجس من أعراض التوجس أو القلق من أعراض القلق والخوف بالتالي من استجابة القلق أو التوجس ومحاولة تحاشيها أو التخلص منها بسرعة، والسبب في ذلك هو وجود أفكار سلبية بشأن التوجس مثل أنه قد يؤدي إلى فقدان السيطرة تدفع إلى محاولات للتحكم في الأفكار Thought Control Strategies وكذلك طلب الطمأنة المتكرر وهذه المحاولات غالبا تعطي نتائج عكسية Counterproductive وتزيد من القلق والتوجس بالتالي.
كما تذكرنا المراقبة المستمرة للذات بما يفعله المرضى بالوسواس القهري الموسوسين بالتوجس من حدوث تغير ما ويحضرني هنا مثل من يشعر بمجرد الوضوء بالخوف المستمر من أن وضوءه سينتقض ويبقى مستمرا في مراقبة ذاته بشكل معيق حقا حتى أن بعضهم لا يجد خلاصا من التوجس والتوتر إلا بأن يقوم بإفساد وضوئه عامدا، وكذلك تذكرنا بالمرضى باختلال الإنية Depersonalization والذين يواصلون المراقبة والتفحص لمشاعرهم بذواتهم وأحاسيسهم ليتواصل إحباطهم مع الأسف عندما يجدون دائما أنهم ما يزالون متغيرين أو غير قادرين على الشعور بما اعتادوه أو ما يتوقعونه من مشاعر، وكذلك تذكرنا المراقبة المستمرة للجسد بما يفعله المرضى بوسواس المرض Hypochondraiasis أو قلق الصحة Health Anxiety بشكل عام والذين يراقبون أعراضهم الجسدية أو يتفحصون أجسادهم بشكل مستمر ومتكرر....
وأما أول ما يصل من انطباع للطبيب النفساني عندما نصف له حالة مريض يشعر أو يعتقد أن شكله تغير أو يتغير وهو متكرر الفحص لوجهه في المرآة فهو اضطراب آخر أيضًا في نطاق الوسواس OCDSD نسميه وسواس التشوه Dysmorphophobia أو اضطراب توهم التشوه حيث توجد فكرة مبالغ في تقييمها Over-Valued Idea لدى المريض مؤداها أن جزءًا من جسده مشوه أو ليس بالشكل أو المقاس المناسب، صغير أكثر من اللازم أو كبير أكثر من اللازم على الرغم من أن بقية الناس لا يرون ذلك بل يرونه طبيعيا تماما, ولكن الفكرة تلح عليه بشكل وسواسى ولا يقتنع برأي الناس ويظل يتنقل من طبيب لآخر بحثا عن حل, ويختزل وجوده وحياته كلها في هذه المشكلة فهو مشغول بها طول الوقت ولا يستطيع التفكير في أي شيء أو الاستمتاع بأي شيء.... لكن التغير في الشكل في هذه الحالة يكون دائما وليس متغيرا أو مرتبطا بحالة انفعالية ما مثلما تصف لنا في حالتك.
وبالتالي فإن حالتك يا "محمد" يا ولدي تختلف عن كل ما وصفناه ذلك أن فكرتك المبالغ في تقييمها وخبرتك المعرفية الشعورية تبدو خاصة جدا... حيث تشعر بتغير في شكل الوجه (مبالغ جدا في تقييمه ووصفه) أدى بك إلى تقلص مستمر لأنشطة حياتك وقدرتك على التواصل مع الناس.... وهذه الفكرة قد تكون فكرة تسلطية أي وسواسا Obsession وهذا هو الأغلب في رأيي وتقديري وتكون مريض وسواس قهري موسوسا مع ضعف استبصار Poor Insight ، وقد تكون قناعتك بالفكرة واصلة درجة الوهام Delusion والفصل بين الحالتين يكون بمعرفة الطبيب النفساني المعالج.
إذن ليست حالتك رهاب احمرار ولا رهابا اجتماعيا ولا وسواس مرض ولا اختلال إنية ولا وسواس تشوه ماذا ستكون إذن؟ أخمن أنها وسواس الخوف من القلق وداعم هذا الرأي هو الطريقة الوسواسية التي تستخدمها مع نفسك مراقبا، وكرد فعل على التهديد بالظهور بشكل سيء الذي تشعر به كلما كان هناك احتمال للقلق!
الناس شكلهم يظل ثابتا نسبيا إلى حد كبير على مدى السنوات وأنت مثلهم إلا أن ظاهرة مرضية ما تحول بينك وبين الشعور والقناعة بذلك وعلاج ذلك ممكن إن شاء الله..... فما دمت عرفت أن السبب نفسي فإن عليك طلب العلاج النفسي... والتشخيص الصحيح أولا يا ولدي
وفي الختام أقول لك: القلق ليس وحشا يا "محمد" بكل تأكيد ليس وحشا ولا أحد سمعنا به من قبل يتهم القلق بأنه يقلب الجميل إلى سيء، بالعكس للقلق بقدْر سلبياته إيجابياتٌ منها أنه يمثل إنذارا يساعد على التحضير والتهيؤ والتحفيز ويزيد الدافعية كما يعين على تجنب الأخطار... إلخ ويمكنك أن تقرأ في ذلك:
قبل الامتحان: خوف أم قلق؟
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين واعتذارنا طويل مثل تأخر الرد الطويل.
التعليق: تصدق دكتور أنا مثله غير أن الفرق أن كل من حولي باختلاف بيئاتهم أخبروني بذلك ولم ألحظ ذلك على نفسي ابتداءا وشخصت حالتي بنفسي أنها اكتئاب رسم ملامحه الشرسة على محيايا بألوان البؤس