يأتيني وسواس متعلق بالذات الإلهية، أن أنسب إليها ما لا يليق بها سبحانه وتعالى، من جنس وقاذورات وكل ما هو سيء، ما إن يتكلم الناس عن أي شيء، أو حتى أنا، أو أن أرى شيئًا، إلا وأنسبه لله سبحانه وتعالى، حتى صار ذلك من ديدني حتى وأنا آكل أو أنام.
أحاول في بعض المرات أن أستغفر أو أقول حسبي الله، أو أن أقرأ سورة الناس، ولكن حتى وأنا أقرأها لا أكون متدبرة لمعانيها، بل غافلة عنها، هل ما أفعله يخرجني من دائرة الإيمان كوني لا أبذل الأسباب لطرده؟ هل أنا وحيدة من دون المؤمنين الذي أفكر كذلك؟
أظن أنه مضى علي أكثر من سنة على هذا الحال. جزاكم الله خيرًا.
أم أسامة
05/05/2010
رد المستشار
الأخت العزيزة "أم أسامة", السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
أشكرك جزيل الشكر على الكتابة إلى الموقع, وأود أن أعتذر منك شخصياً على التأخير الحاصل في الإجابة على استشارتك, حيث أنني أتحمل وحدي مسؤولية هذا التأخير الذي حصل بسبب ظروف إقامتي غير المستقرة بين مدينتي دمشق وعمان, ونظراً لوجود العديد من المهام العالقة والتي يفترض بي إنجازها إلى جانب نشاطي في الموقع. وحيث أن أموري قد استقرت مؤخراً بحمد الله, فإنني أتوقع ألا يتكرر مثل هذا التأخير خلال الفترة القادمة, مع التأكيد على حرصي وأسرة مجانين على أن نكون دوماً عند حسن ظنك.
أختي العزيزة.., أتفهم جيداً المعاناة التي تختبرينها ومدى الألم الذي تشعرين به والذي يحدث بسبب إيمانك العميق بالله عز وجل من جهة, ولتكرار توارد هذه الأفكار التي تتعلق بالذات الإلهية ونسب لها بعض الأمور (غير اللائقة) بحسب وصفك من جهة أخرى, وقد فهمت من كلامك أن هذه الأفكار تتوارد إلى ذهنك بشكل متكرر ومستمر على امتداد العام الماضي, وعلى الرغم من أن هذه المعلومات غير كافية لتحديد المشكلة بشكل دقيق, إلا أنه من الواضح هذه الأفكار ينطبق عليها صفة الأفكار المتسلطة التي تعد إحدى الأعراض الرئيسية في اضطراب الوسواس القهري, وما يهمني هنا هو أن أوضح لك أن هذه الأفكار المتسلطة, وكما يتضح من تسميتها, تتسلط على ذهن الإنسان وتقحم نفسها في تفكيره رغماً عنه وبشكل خارج عن إرادته وذلك على الرغم من مقاومته لها, بل وتزيد من إلحاحها وتسلطها عند محاولة مقاومتها.
ولعل ذلك سوف يقودنا للإجابة على سؤالك الأول والمتعلق بقلقك حول احتمال خروجك من دائرة الإيمان نتيجة عدم بذل الجهد الكافي لطرد هذا الوسواس: فعلى الرغم من أنك المعنية بالتغلب على هذا التحدي والمطالبة ببذل الجهد اللازم لتحقيق ذلك, إلا أنك قد تظلمين نفسك إذا أعتقد أن هذه الأفكار الوسواسية المتسلطة بالذات قد تخرجك عن دائرة الإيمان بالله والإيمان بذاتك, فرغم أن هذه الأفكار هي نتاج لعقلك أنت, إلا أنه من المعروف بالنسبة للأخصائيين أن مصدرها خارج عن إرادتك, نظراً لأن حدوثها ربما يكون نتيجة لعدم توازن في أصطناع بعض الحموض الأمينية في الجسم لأسباب قد تكون معروفة أو ربما لأسباب غير معروفة, أو قد تكون نتيجة لعوامل نفسية أو اجتماعية معينة تسببت في حدوثها, وهذا يجعلك بريئة من فعل الإساءة للخالق لأن ظرفك لا يختلف أبداً عن ظرف المريض الذي راعى الله عز وجل ظروف مرضه.
ولما كانت الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر والسهولة، فقد خفف الله سبحانه وتعالى عن أهل الأعذار أحكامهم بحسب أعذارهم ليتمكنوا من عبادته تعالى بدون حرج ولا مشقة، ومن الأمثلة على ذلك, قوله تعالى:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185]، وقال عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، وقال عليه الصلاة والسلام: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم}، وقال: { إن الدين يسر }.
وجواباً على تساؤلك الثاني, فالواقع أن هذه الحالة لا تصيب جميع المؤمنين, إلا أنه من الملاحظ أنها قد تحدث لدى المؤمنين جداً مثلك والذين يحبون الله حباً كبيراً ويخشون الإساءة إليه, ليس فقط بأفعالهم وسلوكياتهم, وإنما بمجرد التفكير بالإساءة له, فإذا راودتهم مثل هذه الأفكار لوهلة, فإنهم قد يقلقون ويعلقون في مصيدة الفكرة المتسلطة, وبالتالي يحدث الاضطراب. وكثيرة هي الحالات التي تشبه حالتك في مجتمعاتنا العربية الإسلامية وفي العالم أيضاً, وأذكر أنني أطلعت على العديد من هذه الحالات في العديد من الكتب والمراجع القديمة, وأذكر أيضاً أن هذه الأفكار كثيراً ما تمارس تسلطها على العديد من الذين لديهم نفس حالتك في دور العبادة أيضاً.
أما ختاماً, فإنني أقترح عليك القيام بمراجعة أحد الأطباء النفسانيين أو أخصائيي علم النفس الإكلينيكي لديكم في الكويت, ومناقشة هذه الأعراض معه لتحديد المسألة بشكل دقيق, على أن يكون من ذوي الخبرة في العلاج السلوكي المعرفي, نظراً لأن علاج الوسواس القهري يمكن أن يتم دون الحاجة للعلاج الدوائي, على أن يتم تقدير مدى الحاجة للدواء من قبل الأخصائي المشرف على العلاج.
علماً بأنك لم تتأخري كثيراً على طلب المساعدة بالنسبة لمعظم حالات الوسواس القهري التي تكتشف عادة في مرحلة متأخرة بعد مرور سنوات عدة على بداية المرض, ما يجعل علاجه أصعب, ولعل الكشف المبكر عن هذه الأعراض بالنسبة لحالتك سوف يأتي ثماره خلال سير عملية العلاج إن شاء الله.
وأرجو أن لا تتردي بالكتابة إلينا للاستفسار حول أي جوانب أخرى تشغل تفكيرك, وسوف يسعدني الإجابة عليها, مع أطيب تمنياتي لك بالشفاء والتوفيق.
وكل عام وأنت وعائلتك وأهلك بخير